المحاضرة الثالثة إشــكـالـيــة الــدلالـــة بين التطّور والتغيير: الــمـظـاهــــــر.  

مظاهر التطور الدلالي:

    استطاع اللغويون المحدثون بعد دراسة التطور الذي يطرأ على معاني الكلمات في لغات مختلفة أن يتبنوا هذه المظاهر لتطور الدلالة "[1]  وهي :

1  / توسيع المعنى أو تعميم الخاص:

     يقع توسيع المعنى أو امتداده عندما يحدث الانتقال من معنى خاص إلى معنى عام، فيصبح مجال استعمال الكلمة أوسع من قبل ويسمى تعميم الخاص"[2] ، ومن أمثلته:

-إن الطفل قد يطلق تفاحة على تفاحة والبرتقال وكرة التنس وكل شيء مستدير

الوِرْد: بكسر الواو وسكون الراء إتيان الماء ثم صار إتيان كل شيء ورداً.

القرب: بفتح القاف والراء طلب الماء ثم صار يقال لكل طالب هو يقرب كذا أي يطالبه.

البأس :الحرب ثم عممت على كل شدة النجعة الغيث ثم عممت في كل طلب

الاستحمام: الاغتسال بالماء الحميم ثم عمم على كل اغتسال بأي ماء كان.

وفي اللهجات المعاصرة :الخالة :أخت الأم ثم عممت ،الورْد تطلق على كل زهر من أي نوع كان .

عم :تستعمل مع كل رجل.

2ـ تضييق المعنى أو تخصيص العام:

    ويعني تحويل الدلالة من المعنى الكلي إلى المعنى الجزئي أو تضييق مجاله أو تحديد معاني

الكلمات و تقليلها، يقول عوض حيدر ” هو أن يضيق معنى الكلمة على مرّ الزّمان، فتتحول دلالتها من معنى كلي إلى معنى جزئي أو يقلل عدد المعاني التي تدل عليها، أي أنّ الكلمة أصبحت بالتّخصيص دالة على بعض كانت تدل عليه من قبل3 والتّخصيص يعني قصر المعنى العام على بعض أفراده، وتضييق شموله، وذلك أنّ مدلول الكلمة يتغير تبعًا للحالة التي يكثر فيها استخدامها، فالاسم العام يطلق على طائفة خاصة ، للفظ الذي وضع في الأصل عامًا، ثم خصّ في الاستعمال ببعض أفراده وقد ذكر ابن دُريد أن الحجّ أصله قصْدُك الشيء وتجريدك له، ثم خُصّ بقَصْدِ البيت 4ومن أمثلة ذلك:

 (الصلاة) كانت تدل على الدّعاء، ثم أصبحت تدل في الإسلام على الأقوال والأفعال المخصوصة المفتتحة بالتّكبير، والمختتمة بالتّسليم بشرائط خاصة. الحج: القصد ثم تخصص إلى بيت الله الحرام في أيام معلومة وأداء شعائر محدودة.      -(الحرمة) بعد أن كانت تطلق على كل محرم لا يمس، ثم صارت تدل فقط على المرأة.

السّبت: معناه الدّهر ثم خصصت بأحد أيام الأسبوع.

العيش: الحياة ثم تخصص على المطعم والمشرب والدخل ثم تخصص ليعني نوع من الخبز.

 الدوام: الاستمرار والبقاء ثم تخصصت إلى الاستمرار في العمل لمدة محدودة.

الطهارة: الختان،   الحريم : كل محرم ثم النساء.

3ـ انتقال المعنى:

      ويسمّى انتقال مجال الاستعمال ومعناه انتقال مجال الدلالة لعلاقة المشابهة بين المدلولين ،أي على سبيل الاستعارة وهو يبدو في الكلمات التي انتقلت من معناها إلى معنى آخر يشبهه[3]، ومن ذلك أجزاء جسم الانسان التي انتقلت إلى:عين الإبرة، عنق الزجاجة، عين الحقيقة، رأس الشارع، قلب المعركة، ظهر الأرض، رجل الكرسي.

وكذلك من جسم الحيوان: جناح الطائرة، ذيل الصفحة، ذيل الفستان.

ومن النبّات: فرع الأسرة، جذور المشكلة، شجرة النسب.

الفرق بين النوعين الأول و الثاني هو كون المعنى القديم أوسع أو أضيق من المعنى الجديد في النوعين السابقين بوكونه مساوياً له في النوع الحالي.

السفرة: الزاد الذي يضع للمسافر والآن معناها المائدة وما عليها من الطعام.

طول اليد: كناية على السخاء والآن على السارق.

ومن نماذجه أيضاً استخدام الكلمات ذات المعاني المادية للدلالة على المعاني المجردة مثل : جسّم المشكلة ،عقّد المناقشة .

أو انتقال المعنى لعلاقة غير المشابهة مثل: القهوة (المكان)، الشتاء على المطر، التلفزيون.

  رقي الدلالة:

         بحيث يكون للفظ مدلولاً معينا في أحد العصور ثم تتغير هذه الدلالة لتشمل مدلولاً أقوى وأرقى من المدلول الأول[4] فمثلا كلمة القماش التي كانت تدل على ما تناثر من متاع البيت وما يكون على وجه الأرض من فتات الأشياء ثم ارتقت لتطلق على الحرير و القطن ، وفي الخليج تطلق على معنى أرقى وهو أصغر اللؤلؤ.

الطائرة: كانت تطلق على كل مؤنث له جناحين يستطيع أن يطير ولو كان ذبابة والطائرة الآن مركب آلي مجنح.

العربة: يجرّها الحصان وتنقل الأمتعة الآن هي أحدث وأفخم أنواع السيارات .

5  ـ انحدار الدلالة:

وهذا المظهر عكس مظهر رقي الدلالة وذلك بأن يكون للكلمة معنى قوي فَيَضْعَفْ أو معنى راق فينحدر[5] مثل: القتل: كانت تدل على ازهاق الروح أي ارتكاب جريمة القتل ثم أصبح معناها الضرب أو الصفع.

الحاجب: كان يطلق على المنصور بن أبي عامر الذي كان بمثابة رئيس الديوان في الأندلس ق 4 هـ والآن يقال حاجب المحكمة، حاجب المدير.

السّاعي: كان لقباً لمن يقوم على جمع الصدقات فهو أشبه بمدير مصلحة الضرائب في عصرنا والأن هو العامل الذي يسعى بين مكاتب الموظفين في نقل الأوراق وتسليم البريد.

 المبالغة:

       اعتبر أولمان المبالغة من أشكال تغيّر المعنى، وعدّها مسؤولة عن تلك الشعارات المذهبية والاصطلاحات الخادعة التي تستغلها أجهزة الدعاية أسوء استغلال حتى أنها لا تلبث إلى أن تؤدي عكس المقصود منها كما في نحو قولك هو سعيد بشكل مخيف وزائغ بكل بساطة ومثل هذه التعبيرات سرعان ما تفقد قوة التعبير فيها حتى تصبح مبتذلة وتخلفها تعبيرات أخرى.

مما يؤدي إلى ابتذال الألفاظ و انزوائها  أن تكون متصلة بمعنى القذارة و الدنس أو الغريزة الجنسية

 و يستعاض عنها بكلمات أخرى أكثر غموضا. و من ذلك أيضا الألفاظ المتصلة بالموت و الأمراض مما يثير الهلع و الخوف في النفوس فتستبعد من الاستعمال و يستعاض عنها بكلمات أخرى أو يكنى عنها .

و نحن اليوم نسمع بعض الناس يقولون عن السرطان (ذاك المرض) كناية ، أو قد يقال عن تسمية ما يكره بالدارجة (اللي ما يتسمى)

التغير الدلالي يعد مؤشرا على حيوية اللغة.

2-أن تطور الدلالة ظاهرة شائعة في كل اللغات يلمسها كل دارس لمراحل نمو اللغة،  وأطوارها التاريخية.

3- أن ألفاظ اللغة تتغير معانيها تبعا للأزمان، ووفقا لحاجة الناس إلى معاني جديدة.

4- أن من مظاهر التغير الدلالي: تعميم الدلالة، وتضييق الدلالة، انحطاط الدلالة، توسيع الدلالة، وانتقال الدلالة



[1] - دلالة الالفاظ ابراهيم أنيس، ص152 الى ص167.

[2] - علم الدلالة، احمد مختار، ص 243

3ـ  علم الدلالة دراسة نظرية وتطبيقية، عوض حيدر، مكتبة الآداب للطباعة والنشر، ط1، 2005، ص 75.

4  المزهر في علوم اللغة وأنواعها، جلال الدين السيوطي، ص 427.

[3] - دلالة الألفاظ، ابراهيم أنيس، ص 160.

[4] - ينظر: دلالة الألفاظ ، ابراهيم أنيس، ص 160.

[5] - طريقة التغيير الدلالي، د/سالم الخماش، ص 09.

Last modified: Wednesday, 29 January 2025, 10:27 AM