المحاضرة الثانية: إشـكـالــيـــة الـدلالــة بـيــن الـتـطــور والـتـغـيـيــر: الأسـبــاب

1ـ تعريف التطوّر والتغيير الدلالي:

        هو جانب من جوانب التطوّر الذي يصيب اللغة، فقد تتعرض اللغة بجميع عناصرها إلى التغيير والتطور فاللغة ليست ساكنة"[1] ، فقد أثبتت الدراسات كون اللغة ظاهرة اجتماعية أي أنها مثل أي كائن حي تخضع لما يخضع له كائن حي في نشأته ونمّوه وتغيّره، وكل تغيير يصيب اللغة يسير وفق قاعدة أساسية تقع في مرحلتين دائماً هما:

أ/ مرحلة التغيير أو الإبداع و التجديد.  ب /  مرحلة انتشار التغيير

       إن تطوّر الدلالة ظاهرة شائعة في كل اللغات يلمسها كل دارس لمراحل نمو اللغة وأطوارها التاريخية، وغالبا ما يكون هذا التطور في صورتين هما: إضافة مدلول جديد إلى كلمة قديمة أو كلمة جديدة إلى مدلول قديم. يقول " إن الحقيقة العلمية التي لا مراء فيها اليوم أن كل الألسنة البشرية مادامت تتداول فإنها تتطور، ومفهوم التطور هنا لا يحمل شحنة معيارية ولا إيجاباً ولا سلباً وإنما مأخوذ في معنى أنها تتغير إذ يطرأ على بعض أجزائها تبدل نسبي في الأصوات والتركيب من جهة ثم في الدلالة من جهة ولكن هذا التطور من البطئ يخفى عن الحس الفردي المباشر "[2].

          فالتغيير الدلالي ظاهرة طبيعية تلحق بالمفردة اللغوية في سياقها التداولي، حيث تنتقل اللفظة من مجال دلالي معين إلى مجال آخر تكتسب معه سمة هذا المجال.

 

2 ـ أقسام التطور :  يقسم التطور اللغوي إلى قسمين :

أ- تطور لاشعوري: وهو تطور يتم في كل لغة وبيئة لا يُفطن إليه إلاّ بعد المقارنة بين عصور اللغة.

ب-التطور المقصود: وهو تطور متعمد يقوم به القائمون على اللغة والمهارة في صناعة الكلام، أو تقوم به المجامع اللغوية لأي هدف مناسب والتطور المقصود أقل أثراً في اللغات بوجه عام ولذلك نراه في الجيل الواحد من الناس ويشهده المرء خلال حياته القصيرة.

3ـ خصائص التطور الدلالي: إن التطور الدلالي مهما كان نوعه يتميز بخواص هي:

ـــ  يحدث من تلقاء نفسه بطريق آلي لا دخل فيه للإرادة الانسانية.

ـــ وجود ترابط بين الدلالة القديمة والدلالة الجديدة التي انتقلت إليها الكلمة وعليه فإن تغير المعنى يجسد جانب اللفظ بصورة أساسية وموضوع تغير المعنى مرتبط بالألفاظ المرتبطة بالمعاني المتغيرة والتعبير عنها.

 4ـ أسباب تغيّر المعنى:   لعّل أهم الأسباب التي تؤدي إلى تغير المعنى ما يلي :-

أ/ ظهور الحاجة :

            وهو أن يلجأ أبناء اللغة إلى الألفاظ القديمة ذات الدلالات المندثرة فيحيون بعضها ويطلقونه على مستحدثاتهم ملتمسين في هذا أدنى ملابسة ففي المخترعات و الاكتشافات الحديثة تشمل ألفاظاً قديمة لمعاني حديثة ولذا يتغير المعنى ، فتكون الألفاظ القديمة الصورة الجديدة الدلالة مثل :السيارة ،الجريدة، الصحيفة، الذبذبات ،فاشتقت لهذه الألفاظ دلالات جديدة تطّلبتها الحياة الجديدة و التي تتم عن طريق الهيئات و المجامع اللغوية.

 ب / التطور الاجتماعي و الثقافي:

          يظهر هذا السبب في عدة صور وهي:

أ/ قد تكون في شكل اتفاق مجموعة  ذات ثقافة معينة على استخدام ألفاظ معينة في دلالاتها تحددها تتماشى مع الأشياء و التجارب و المفاهيم الملائمة لثقافتها أو مهنتها، قد يؤدي إلى نشوء لغة خاصة، و الاتصال بين أفراد هذه الجماعة و أفراد أخرى من المجتمع سيقضي على صعوبة  إفهام الأخرين و تعاملهم مع المدلول الجديد (الصلاة، الزكاة، الوضوء، التيمم[3]       

ب / قد يكون في شكل استمرار استخدام اللفظ ذي المدلول القديمة و إطلاقه على المدلول الحديث للإحساس باستمرار الوظيفة رغم الاختلاف في الشكل (بيت، سفينة، كتاب) التي تطلق على الشكل الحديث بالرغم من تغيره عن القديم.

ج/ تحظر اللغات استعمال الكلمات التي لها "إيحاءات مكروهة أو لدلالتها الصريحة على ما يستقبح ذكره و يسمى بالامساس"[4]  ، فالمصطلح البديل يكون له معنى قديم ، ممّا يؤدي إلى تغيير دلالة اللفظ ، وهو في حقيقته إبدال الكلمة الحادة بكلمة أكثر قبولاً ،وهذا التلطف هو السبب في تغير المعنى.

3ـ الانحراف اللغوي:

      قد ينحرف مستعمل اللغة بالكلمة عن معناها إلى معنى قريب أو مشابه له، فيعد من باب المجاز ويلقى قبولاً من أبناء اللغة بسهولة.

وقد يكون الانحراف نتيجة سوء الفهم أو الإلتباس أو الغموض (الليث يعني الأسد، العنكبوت ) ويحدث الإنحراف اللغوي عند الأطفال الذين يخلطون الألفاظ بعضا مع بعض في معانيها.

5 ـ الإنتقال المجازي :

      وعادة ما يتم بدون قصد ودونما فجوة معجمية  ،ويصبح بمرور الوقت اللفظ معنيان، وقد يشيع  المعنى المجازي على حساب المعنى الحقيقي ويقضي عليه.

 الإبتداع :

       يعد من الأسباب الواعية لتغيرّ المعنى  وكثيرا ما يقوم به:

أ\ الموهوبون  من أصحاب المهارة في الكلام كالشعراء و الأدباء.

ب\ المجامع اللغة و الهيئات العلمية حين نحتاج إلى استخدام لفظ ما للتعبير عن مفهوم معين.

*تطبيق:  مظاهر تغير المعنى: توسيع المعنى] صحيفة الهواء ،مسرح الهواء (بناء المسرح)، القرب: طلب الماء /لكل طالب هو يقرب كذا]  المرَق (الماء الذي يغلي فيه اللحم ثم يصير دسماً (الخضر المطبوخة باللحم في لغة الخليج).

تضييق المعنى[إليك البيت التالي :

حتى إذا وردا عيونا فوقها              غاب طوالٌ: نابت ومصرَّعُ

الغاب: القصب ثم قيل لكل ملتف غابٌ فالقصب ينبت ملتفاً أي مجتمعاً متكاثف وقد جاء في اللسان الغابة أًجَمة القصب والأجمة هي الشجر الكثير الملتف .

فتوسيع المعنى  يعود إلى إسقاط بعض الملامح التمييزية  للفظ  و إبقاء بعضها وتعميمها مثل الغاب :

 اللفظ : الغاب :  مكوناته الدلالية قبل التعميم :القصب+ الملتف   بعد التعميم :كل ملتف مما هو شبيه القصب   المكون الساقط :القصب، المكون المستبقى : الملتف                              البيت الشعري:

 و أغْضَت كما أغْضَيْتُ عَيْني فَعَرَّس                    على الثفنات  والجرات هجودها

المعرِّس الذي يسير نهاره ويعرِّس أي ينزل أول الليل وقيل التعريس النزول في آخر اليل ،وقيل النزول حين كان من ليل أو نهار التعريس: النزول آخر الليل ،آخر الليل وأوله ،النزول في أي وقت. اللفظ: التعريس

قبل التعميم: النزول + آخر الليل    بعد التعميم الأول: النزول آخر اليل وأوله.                                            بعد التعميم الثاني : النزول +أي وقت كان .  بعد التعميم الساقط: آخر الليل وأوله .                                 

بعد التعميم المستبقى :النزول .                                                                         

تضييق المعنى :السفير : المصلح بين القوم والرسول (مبعوث الدولة)

انحطاط الدلالة :عِلْق :الشيء النفيس (الإنسان التافه في عامية الحجاز)

بهلول :السيد: من يقوم بأعمال مضحكة.

 

 



[1] - ينظر: فقه اللغة في الكتب العربية، عبده الراجحي، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1988م، ص100.

[2] - اللسانيات و أسسها المعرفية، عبد السّلام المسّدي، المطبعة العربية، تونس، ط 1986، ص38. 

[3] - دلالة الالفاظ، ابراهيم أنيس، ص161 ـ 162.

[4] - علم الدلالة، أحمد مختار، ص 240.

آخر تعديل: الأربعاء، 29 يناير 2025، 10:11 AM