2025/2024المحاضرة الخامسة أصول النحو وأصول
المحاضرة الخامسة أصول النحو وأصول الفقه
نتناول في هذه المحاضرة العلاقة بين العلمين أصول النحو و أصول الفقه و بالتدقيق أقر أصول الفقه في أصول النحو.
يقول ابن الأنباري :" وألحقنا بالعلوم الثمانية علمين وضعناهما: علم الجدل في النحو، وعلم أصول النحو، فيعرف به القياس وتركيبه وأقسامه، من قياس العله، وقياس الشبه، وقياس الطرد، إلى غير ذلك على حد أصول الفقه، فإن بينهما من المناسبة ما لا خفاء به، لأن النحو معقول من منقول، كما أن الفقه معقول من منقول" نزهة الألباء في طبقات الأدباء: 53 - 54. علم أصول النحو لم يبرز علماً مستقلاًّ بذاته مذ وجد النحو، إنما تأخر في الظهور حتى أوائل القرن الرابع للهجرة، أي بعد أن بلغ علم النحو مرحلة النضج والاكتمال، فغدت الحاجة ماسة إلى الكشف عن الأصول التي بُني عليها النحو خاصة عندما كثر الخلاف وعمّ الجدل.
ولعله من المفيد أن نعرض، ولو بإيجاز، للبيئة التي نشأ فيها علم أصول النحو، لأن فهم بيئة المنشأ تعطي المسوغات الكافية للكثير من القضايا الأصولية التي يبدو فيها للبعض أن النحاة قد خرجوا عن مجالات البحث اللغوي الخالص، من ذلك قضايا القياس، والعلة، والعامل...وهلم جرا. ومن المعلوم أنّ أوائل الذين كتبوا في علم أصول النحو، إنما كانوا من النحاة البغداديين الذين عاشوا في بغداد عاصمة الخلافة العباسية ملتقى النحاة والفقهاء والفلاسفة والأدباء.. ومن هؤلاء ابن السراج (316ه) وأبو القاسم الزجاجي(337ه) وابن جني(392ه) فثقافتهم جمعت ما كان في البصرة والكوفة، وما جدّ في بغداد، وأهم ما يميز هذه الثقافة:
-كانت البصرة ومن بعدها بغداد مرتعا لضروب شتى من الثقافات، ففيها اليونانية والهندية والفارسية فضلاً عن العربية الخالصة.
-كانت الكوفة شيعية التوجه، وقد رحل بعض نحاة الكوفة إلى بغداد كما رحل غيرهم، فلا غرابة أن ينتشر التشيع ومعه الاعتزال بين مثقفي ذلك العصر، وهذا الذي نلمسه عند غالبية النحاة، الذين كانوا من الشيعة أو المعتزلة، مما جعل لذلك أثراً واضحا في مصنفاتهم.
الأصول المعرفية لعلم أصول النحو" دراسة في التأثير و التأثر"
إن تأخر علم أصول النحو في الظهور حتى القرن الرابع للهجرة، لا يعني البتة أنه ظهر فجأة في التاريخ المذكور، بل كان موجوداً في شكله التطبيقي منذ بدايات البحث النحوي، فالحديث عن السماع بما فيه اطراد وشذوذ، والبحث في القياس وما يتبعه من التعليل، وغير هذا من المسائل، كل ذلك كان موجوداً منذ وقت مبكر، فإذا كان قد نسب إلى عبد الله بن إسحاق الحضرمي على أنه أول من بعج النحو ومد القياس والعلل، فكيف بمن جاء بعده من النحاة، كعيسى بن عمر، وأبي عمرو بن العلاء، والخليل، وسيبويه هذا ما نؤكد عليه يا طلبة ان نشأته كانت مع نشأة البحث النحوي.
إن القول بظهور علم أصول النحو في القرن الرابع، يعني بداية ظهور البحوث الأصولية النظرية مفصولة عن جانبها التطبيقي، وعليه فإذا أردنا التأريخ لعلم أصول النحو، فإنه يمكن أن نربط مراحله بأشهر الأعلام الذين سبقوا غيرهم في التصنيف في علم أصول النحو، وذلك كالآتي:
1-أبو بكر بن السّراج(316ه):
وهو أول من استعمل مصطلح "الأصول" وهذا من خلال كتابه" الأصول في النحو" غير أنه كان يعني بالأصول "القواعد الأساسية للنحو"، وهذا هو مضمون الكتاب. جاءت فيه مسائل النحو وقضاياه مرتبة كترتيب أبواب كتاب سيبويه.
2-أبو الفتح عثمان بن جني
على يده بلغ علم أصول النحو مرحلة متقدمة حيث صار يَعني البحث في أدلة النحو المختلفة، فقد تناول في كتابه "الخصائص" الكثير من القضايا الأصولية التي تهم النحو والصرف، من هذه القضايا: السماع، القياس، العلة...واستطاع من خلال عرضها أن ينتفع بما استنبطه الأصوليون من الفقهاء.
3-أبو البركات الأنباري:
يذكر الباحثون أن علم أصول النحو ق،د كملت مباحثه و نشأت أسسه و اكتملت مفاهيمه على يد ابي البركات الأنباري. فهو الذي جعل علم أصول النحو علماً مستقلاً بذاته، من خلال مصنفه "لمع الأدلة في أصول النحو" التي جمع فيها شتات هذا العلم من كتب المصنفين السابقين مع إضافات أخرى لم يسبق إليها، كعنايته بالتعريفات والتقسيمات ثم التطبيقات العملية لهذه الأصول. كما أنه فصَل بين "أصول النّحو" و "الجدل النحوي" عندما أفرد للجدل رسالة خاصة سمّاها "الإغراب في جدل الإعراب". أمّا الجانب التّطبيقي لهذه الأصول فيظهر في كتابيه:" أسرار العربية"، والإنصاف في مسائل الخلاف".
4-جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (911ه):
ألّف في علم أصول النحو كتابين: "الاقتراح في علم أصول النحو"
محتوى الكتاب: فجمع فيه زبدة أقوال العلماء في هذا العلم، وعلى وجه الخصوص ما أورده ابن جني في الخصائص، فنجد في كتاب السيوطي حديثا مفصّلاً عن السماع والإجماع والقياس والاستصحاب والتعارض والترجيح بين البصريين والكوفيين.
محتوى الكتاب الثاني: الأشباه والنظائر فقد ألّف ابن الانباري كتاب الأشباه و النظائرعلى نمط علم الأصول عند الفقهاء،
خلاصة هذه العلاقة هي:
أن العلاقة بين أصول الفقه وأصول النحو تكاد تتشابه وتتداخل؛ نظرًا للوحدة الاصطلاحية التي يدور حولها هذان العلمان، فإذا كان علم الأصول موضوعه "علم أدلة الفقه"، فإن علم اصول النحو موضوعه علم ادلة النحو، وإذا كان الفقهاء قد قسموا الحكم الشرعي إلى واجب وحرام، ومندوب ومكروه، ومباح ووضعي، فكذلك ذهب النحويون في تقسيمهم للحكم النحوي، فهو عندهم واجب، وممنوع، وحسن. وقد تأثر أصول النحو بأصول الفقه في ابوابه و مباحثه الا ان الاول يختص بالنحو و الثاني يختص بالفقه. حتى في المصطلحات مثل استصحاب الحال، العلة، الحكم، الاستحسان، الاجماع، الشبه، الشاذ.
ان اصول الفقه يعتمد على أدلة معينة و هي النقل من كتاب الله تعالى، سنة المصطفي صلى الله عليه و سلم و اجماع ائمة الامة ، وقياس فرع عن أصل، كذلك أدلة النحو تتمثل النقل والإجماع والقياس، وان اضاف بعضهم الإستصحاب .
ان العلاقة بين العلمين متداخلة و قد بأثر اصول النحو بأصول الفقه لكن التأليف في اصول النحو جاء متأخرا فقد كان العلماء يثبتون القواعد النحوية في البداية كما أشرنا الى ذلك ثمت مستقلة. الا ان هذا لا يعني انه لم تكن هناك دراسات و ابحاث و مسائل اصول النحو فقد تطرقوا اليها مع تطرقهم لمسائل النحو.