المحاضرة الرابعة: السماع ومصادره

 

1ـ تعريف السماع.

2ـ القران الكريم.

3ـ الحديث النبوي الشريف.

4ـ كلام العرب شعرا و نثرا"

اولا:تعريف السماع:

     سنتعرف في هذه المحاضرة على أهم الأدلة التي اعتمدها علماء أصول النحو في الإستدلال على صحة القواعد النحوية.

السماع في اصطلاح النحويين هو أحد الأصلين الذي قام عليهما النحو العربي وهما السماع والقياس، ويضم السماع في نظر علماء أصول النحو ثلاثة عناصر هي: القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وكلام العرب. وهنا يتم يا طلبة التعرف على معنى السماع لغة و اصطلاحا هذا المصدر المهم من مصادر النحو العربي و الذي اعتمد عليه في  وضع القاعدة النحوية و على أهم مصادره و مفاهيمها.

السماع: مصدر سمع يسمع. هو حس الأذن، يُقال سمعته سمعًا وسِمعَا وسَماعه وسماعية، وهو ما سمعت به فشاع وتُكلم به
ذكر ابن منظور ان سمع "ما سمعت به فشاع وتُكلّم به"

 ومن المصطلحات المرادفة للسماع عند النحويين نجد  السماع و الذي يستعمله ابن جني و السيوطي، و مصطلح الرواية، النقل التي يستعملها ابن الأنباري. على خلاف ما ورد عند المحدثين من التفريق بين تلك المصطلحات

فالنقل و السماع مترادفين عند تمام حسان غير أن السماع اوسع من النقل، لأنه يشمل الرواية ومشافهة الأعراب. و هذا عكس ما ورد عند محمود نحلة ان النقل اوسع من السماع.

علي أبو المكارم، يفرق بين السماع والرواية، إذا السماع هو الأخذ المباشر أما الرواية فهي الأخذ غير المباشر أي بفاصل أو بفواصل.

. اعتمد كل من علم أصول الفقه وعلم الحديث وعلى المصطلحين النقل و السماع  و في علم الحديث نجد مصطلح "رواية" وأما عند الفقهاء "النقل" وما هو معروف  أن السماع هو التلقي المباشر، ويطلق توسعا على الرواية، والأمر نفسه مع الرواية التي قد يقصد بها السماع.

اصطلاحا:

يقول عبد الرحمان الأنباري في تعريفه: " النقل هو الكلام العربي الفصيح المنقول بالنقل الصحيح الخارج عن حدّ القلة إلى حدّ الكثرة"  فحسب القول الاعتماد على ما ورد عن العرب من كلام فصيح والشعر العربي القديم، والنثر، حيث يُعتبر هذا الكلام مرجعًا أصيلًا في تحديد القواعد النحوية.

يقول السيوطي: "وأعني به (يقصد السماع) ما ثبت في كلام من يوثق بفصاحته، فشمل كلام الله تعالى وهو القرآن وكلام نبيه -صلى الله عليه وسلم – وكلام العرب قبل بعثته وفي زمنه وبعده إلى ان فسدت الألسن بكثرة المولَّدين نظما ونثرا من مسلم وكافر."  ومن خلال ما ورد في التعريفين

أن النقل أو السماع يشملان كل كلام عربي تتوفر فيه شروط ثلاثة هي: الفصاحة والنقل الصحيح والغلبة أو الاطراد. مما يقاس عليه و يؤخذ به.

اعتماد النحاة على السماع و كيفية جمع اللغة:

لما انتشر اللحن في الجزيرة العربية و كان ذلك من أثر اختلاط العرب بالأعاجم وعدم اتقان هؤلاء للفصحى سارع اللغويون العرب في تدوين لغتهم اعتمادا على السماع من أفواه العرب الخلص في سبيل انتقاء افصح ما تكلمت به العرب و تدوين قواعد صحيحة مضبوطة ليركب من ليس من أهل العربية بأهلها على تعبير ابن جني. لقد كان ذلك دافعا ضروريا لوضع قواعد تضبط اللسان العربي و قد وجد هؤلاء هذا المصدر الشفوي ألا وهو كلام العرب.

وقد روي عن الخليل أنه و عندما سأله الكسائي من أين لك بهذا العلم؟ فأجابه: "من بوادي الحجاز ونجد وتهامة". ليحذو الكسائي حذو الخليل ويشد الرحال الى البادية ويجمع ما أمكن جمعه من كلام العرب.

القران : هو كلام الله تعالى المنزه عن الخطأ المتعبد بتلاوته المنزل على رسولنا الكريم المنقول، إلينا بالتواتر ويُستدلّ به كلّه دون استثناء، وكذلك يُستدلّ بكلّ قراءاته المُتواترة منها والشَّاذَّة. لاتفاق العرب جميعًا أنَّه النموذج الأعلى للفصاحة والسلامة والبلاغة. فأجمع العرب -مُسلمهم وغير مُسلمهم- على أنَّه المِقياس الذي عليه يُقاس الكلام على سبيل التركيب وعلى سبيل الكلام المُفرد.

- أن المسموع من كلام العرب لا يمثل النص الأصيل الخالص فحسب، وإنما يمثل النص "الكامل"، وفي ذلك قال ابن جني: "واعلم أنك إذا أداك القياس إلى شيء مل، ثم سمعت العرب قد نطقت فيه بشيء آخر على قياس غيره فدع ما كنت فيه إلى ما هم فيه فدراسة أي لغة مهما كانت لابد أن تنطلق من واقعها، واقع الممارسة والاستعمال. كما أقر بذلك الوصفيون في العصر الحديث.

- لقد انصب عمل النحاة على السماع مباشرة من الاعراب باعتبارهم ليسوا على درجة واحدة من الفصاحة ليس كلامهم ككلام الله سبحانه و تعالى.

-اللغة العربية بقواعدها وأحكامها خادمة للقرآن وليس العكس، فمن الشروط التي وضعها العلماء للمفسر أن يكون على دراية واسعة بعلم العربية.

إذاً فما قيمة القرآن الكريم بالنسبة لقواعد العربية؟

يعتبر القران الكريم الأساس الأول في الاستشهاد به و الاحتجاج في قواعد اللغة لتثبيتها ، ويمكن توضيح ذلك كما يلي:الآتي:

أولا:  عندما يتم استنباط القاعدة النحوية من مشافهة الأعراب يقارنونها مع ما ورد في القران الكريم فإذا ثبت وجودها ذلك أولى بصحتها. و يقوي القاعدة النحوية ويجعلها مطردة و شائعة.

و العكس صحيح إذا ثبت ما يخالف  القاعدة النحوية من مشافهة الأعراب يقارنونها مع ما ورد في القران الكريم فإذا ثبت عدم وجودها ذلك أولى برفضها. و يضعف القاعدة النحوية ويجعلها شاذة لا يقاس عليها. فقد يكون قد ورد ذلك في لغة من لغات العرب دون غيرها. حاولنا من خلال هذه العناصر بيان ما هو سبب اعتبار السماع هو الأصل الأول عند علماء اصول النحو بدلا من القران . لأن المصدر الموثوق و الفصيح و المنزه لا مجال للنظر فيه و لا حاجة لبيان الصحة من عدمها فحاشاه ذلك.

مصادر السماع :تتمثل أهم مصادر السماع بحسب اعتماد النحاة عليها  لأجل استنباط القاعدة النحوية وهي كالآتي:

القرآن الكريم، الحديث النبوي الشريف، كلام العرب شعرا و نثرا كلام العرب:

1.    الحديث النبوي الشريف: إن النبي صلى الله عليه وسلم، بإجماع اللغويين والنحاة، يعد أفصح العرب قاطبة. وقد اعتمدوا عليه كمصدر أساسيي من مصادر الاستشهاد في تقعيد النحو ،  وما هو ملاحظ عن هذه القاعدة فإن العلماء انقسموا فرقا بخصوص الاستشهاد بالحديث النبوي الشريف، الفريق الأول منع، و الثاني أجاز وآخر وفق بين الرأيين ومنهم ابن مالك صاحب الألفيَّة الشهيرة-. وإن هذه الخطوة تدل على المنهج المتبع في تقعيد و جمع اللغة من قبل العلماء الذين جدّوا و حرصوا على انتقاء ما هو فصيح و الاستغناء عما دونه.هذا الموقف الذي رفض الاحتجاج بالحديث كان موقفهم الخوف من الحديث الذي روي بالمعنى لا باللفظ. وفي حقيقة الأمر أن المحدثين للكلام النبوي كانوا أكثر صرامة و سهر على تدقيق  ما يمكن  حدّ من الألفاظ لأنَّها من أهم مصادر التشريع وهو في الرتبة الثانية بعد كلام الله عز و جلّ واللفظ فيها مبين للحكم ومُظهر للمعنى الذي يؤول الحُكم الشرعيّ.

إنه الذي اعتمده علماؤنا في توثيق لغتهم ليدل دلالة واضحة على نزاهة المنهج و حسن توثيقهم فجزاهم الله خير الجزاء على ما قدموه للغة القران الكريم. ويمكن الإشارة الى أراء تلك الفرق فيما يلي:

أولا الفريق الذي منع الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف: يمثلون تيار المحافظين الذين تمسكوا بما سار عليه شيخ النحاة سيبويه ومن جاء بعده، وقد برر موقفهم هذا أبو حيان الأندلسي بذكر سببين للامتناع هما:

-         إن الأحاديث رويت بالمعنى.

-         إن كثيرا من رواة الحديث كانوا غير عرب بالطبع.

الفريق الذي أجاز الاحتجاج بالحديث النبوي الشريف: وأغلبهم من اللغويين صناع المعاجم كالأزهري (368ه) وابن سيده (458ه) مع بعض النحاة كابن مالك وابن هشام (761ه).

الفريق الموفق بين الرأيين: اشترطوا شروطا معينة في قبول الحديث النبوي الشريف كحجة في اللغة بمعنى أن استشهادهم كان بضوابط، مفادها أن الاستشهاد لا يكون إلا بالأحاديث التي ثبت لفظها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يمثل هؤلاء أبو البركات الأنباري وجلال الدين السيوطي و الإمام الشاطبي.

  إن الرسول -صلَّى الله عليه وسلَّم- يُسلِّم الجميع أنَّه أفصح العرب قاطبة الإطلاق، وفي الحديث:" أنا أفصح العرب بيد أني من قريش"  وهذا دليل واضح على نزاهة العرب في المنهج العملي العلميّ لتدوين قواعد النحو حتى يركب من ليس من أهل العربية بأهلها كما ذكر ابن جني ذلك

كلام العرب:

 بذل علماء النحو جهودا كبيرة في سبيل الحفاظ على اللغة العربية و تثبيت قواعد النحو حتى يسلم متكلم اللغة العربية و متعلمها من العدول. معتمدين على كلام العرب و ما سمعوه عنهم يقول ابن الانباري النقل هو الكلام العربي الفصيح المنقول بالنقل الصحيح الخارج عن حدّ القلة إلى حدّ الكثرة"  فحسب القول الاعتماد على ما ورد عن العرب من كلام فصيح والشعر العربي القديم، والنثر، حيث يُعتبر هذا الكلام مرجعًا أصيلًا في تحديد القواعد النحوية. ومن خلال قوله نستخلص أن الأصوليين  قد وضعوا شروطا معينة للكلام العربي في ذلك وهي: الفصاحة وصحة السند والاطراد او الكثرة. اذا ما معنى ذلك يا طلبة؟ حاولوا التركيز مع بقية العناصر.

 ما معنى الفصاحة: في اللغة تنبئ عن البيان والظهور، يقال: أفصح الصبي في منطقه، إذا بان وظهر كلامه، وتقع في الاصطلاح وصفًا للكلمة والكلام والمتكلم [1].

معجميا: بمعنى البيان والظهور تقول العرب أفصح الصبي في منطقه، إذا بان وظهر كلامه، كلامٌ فصيح، أي: بليغ. ولسان فصيح، أي: طَلْقٌ. ويقالُ: كل ناطقٍ فَصيحٌ، وما لا يَنطِقُ فهو أعجَمُ. وفَصُح الأعجَمُ: تكَلَّم بالعربيَّةِ وفُهِم عنه. وأفصَحَ: تكلَّم بالفَصاحةِ. يقول فخر الدين الرازي:" الفصاحة خلوص الكلام من التعقيد ، وأصلها من قولهم أفصح اللبن إذا أخذت عنه الرغوة " ومعنى ذلك أن الفصاحة هي خلوص الكلا من الغموض.

 

 

 

Last modified: Tuesday, 28 January 2025, 9:47 AM