الحصة الثالثة                            الإحياء الشعري في المغرب العربي
                          نص للأمير عبد القادر
01. التعريف بالشاعر:

  ولد الأمير عبد القادر بن محيي الدين عام 1808 (1222 ه) في قرية القيطنة بولاية معسكر، نشأ في أسرة محافظة فتعلّم على يد أبيه وبعض علماء بلدته، ولمّا كبر رحل إلى مدينة وهران حيث تلقى علوم اللغة والدراسات الإسلامية، وحين هجوم فرنسا على الجزائر قاد الأمير المقاومة الجزائرية المسلحة ضد الاحتلال الفرنسي بعد ما بويع على الإمارة، دامت المقاومة ما يزيد عن ست عشرة سنة، أثبت خلالها الأمير كفاءة نادرة وشجاعة منقطعة النظير، فقد أسّس الدولة المتنقّلة على ظهور الإبل والبغال (الزمالة)، لمّا استنفد الأمير ما عنده من وسائل الدفاع اضطرّ –لأسباب داخلية وخارجية- إلى الاستسلام.
  سُجن الأمير بقصر "أمبواز" بفرنسا ثمّ نُفي إلى اسطنبول وبعدها ذهب إلى دمشق التي استقرّ بها مع أهله واتّخذها منطلقاً لرحلاته المتعدّدة إلى القدس والحجاز وأوربا .
  الأمير عبد القادر رجل دولة ورجل حرب أضف إلى ذلك فهو شاعر وفقيه متصوّف، ترك آثاراً مكتوبة أهمّها: -كتاب المواقف في التصوّف   - كتاب ذكرى العاقل وتنبيه الغافل  - ديوان شعر يشتمل على العديد من الأغراض التقليدية كالفخر والغزل والرثاء والتصوّف.
  توفي الأمير بدمشق عام 1883 بعد رحلة كفاح طويلة، ومواقف إنسانية خلّدها التاريخ، أشهرها إنقاذ آلاف المسيحيين من المذابح التي حدثت بالشام عام 1860 . نُقلت رفات الأمير إلى أرض الوطن عام 1966.
02. مناسبة النص:
     نظم الشاعر هذه القصيدة مفتخراً بالمجد الموروث خاصة بعد انتصاره على جيوش فرنسا وعلى بعض القبائل العميلة التي انضمّت إلى العدوّ. حاولنا الوقوف على بعض أبيات القصيدة:

03. النص:
   
- لنـــــــا في كــــــلّ مَكْرُمَة مجــــــــــال    ومن فوق السِّماك لنــــــــا رجال
     - ركــــــــبنــــــا للمكـــــــارم كــــــلّ هول     وخضــــنــــا أبحـــــراً ولها زجـــــــــــــال
     - إذا عنها توانـــى الغـــــير عجزاً     فنحــــن الراحلـــــــــــون لها العِجال
     - رفعنـــــا ثوبــــنـــــا عـــــــن كـــلّ لؤم     وأقوالــــــي تصدّقــــــها الفـــــــــــــــعـــــــال
     - ونحلم إنْ جنى السفهاء يوماً     ومن قبـــــــــل الســـــؤال لنا نــــــــــــوال
     - ورثنــــــــا ســـؤددا للعــــرب يبـــــقى     وما تبقى السمــــــاء ولا الجـــــــبال
     - فبالجَـــــــــــدّ القديم علـــــت قريش     ومنّـــــــا فـــــــوق ذا طابت فــــــــــــعال
     - وكان لنـــــــــــــا دوامَ الدهر ذكرٌ      بـــــــــــذا نطــــــق الكتاب ولا يــــــزال
     - سلوا تخبـــــــركم عنّــــــــــــــا فرنسا      ويصدق إنْ حكت منها المقال
     - فكم ليَ فيهِمُ من يوم حربٍ        به افتخــــر الزمـــــــــــــــان ولا يزال


04. تحليل النص:
  أ. المستوى الدلالي:
    -
يكشف لنا الشاعر في هذه الأبيات عن تغنّيه بمفاخر قومه وفضائلهم سلماً وحرباً، قديما وحديثاً. ويبدو أنّه يتقاطع ويتناص مع الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم التغلبي الذي هدّد الملك عمرو بن هند بن المنذر ملك الحيرة بالعراق في الجاهلية بعدما حكم هذا الأخير لقبيلة بكر (حرب البسوس) ضدّ تغلب، ويقول في تلك القصيدة
- أبا هند فلا تعجل علينا  وأنظرنا نخبّرك اليقينا
- بأنّا نورد الرايات بيضا   ونصدرهنّ حمراً قد روينا
- وقد علم القبائل من معدٍّ  إذا قبب بأبطحها بُنينا
- بأنّا المطعمون إذا قدرنا       وأنّا المهلكون إذا ابتلينا
- وأنّا المانعون لما أردنا         وأنّا النازلون بحيث شينا
- وأنّا العاصمون إذا أُطعنا      وأنّا العازيمون إذا عصينا
- ونشرَب إنْ وردنا الماء صفوا  ويشرَب غيرنا كَدِرا وطينا
- إذا ما الملك سام الناس خسفاً  أبينا أنْ نقرّ الذلّ فينا
- ملأنا البرّ حتى ضاق عنّا     وماء البحر نملؤه سفينا
- إذا بلغ الفطام لنا صبيّ       تخرّ له الجبابر ساجدينا
- ألا لا يجهلنّ أحدٌ علينا       فنجهل فوق جهل الجاهلينا
* نستطيع أنْ نستنبط ثلاث أفكار رئيسية من هذه المقطوعة، وهي كالتالي:
*(01-05) اعتزاز بالمكارم والفضائل
*(06-08) فخر بالمجد التليد والنسب الموروث.
*(09-10) فخر بالمجد المكتسب بالجهاد.
- وظّف الشاعر لأفكاره معجم متنوّع بين :
* القوة والحرب: زجال، سؤددا، الجبال، فعال...
* القيم النبيلة: مكرمة، نحلم، يصدق
- كما استعان الشاعر بالتصوير البياني لبناء صورة شعرية بهية، الاستعارة المكنية (ركبنا للمكارم)، الكناية( فبالجَدّ القديم علت قريش كناية عن الرسول صلى الله عليه وسلّم)، الكناية (عن المؤمنين في القرآن)
ب/ المستوى التركيبي:
   حاول الشاعر بناء نصّه على الجملة الخبرية المناسبة للفخر وتعداد الخصال، إلاّ البيت ما قبل الأخير فهو أمر الغرض منه التقرير والإثبات بالقوة والمجد. كما نوّع بين الجمل الفعلية المناسبة لسرد الوقائع والاستمرارية في المجد بالحركية النشيطة مثلما ورد في البيت الثاني والثالث والرابع، والجمل الاسمية المناسبة للوصف حين قدّم للنص في البيت الأوّل بوصف قومه بأهل المكارم، والجملة الاسمية في البيت الأخير المسبوقة بكم الخبرية التي تفيد الكثرة والتعظيم.
وعن التقديم والتأخير فنلمس ذلك في البيت الأوّل حين قدّم الشاعر الشبه جملة المتعلّقة بالخبر المحذوف(لنا) لبيان أهمية القوم، كذلك في البيت السابع (فبالجَدّ) قدّم الجار والمجرور للدلالة على عظمة الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
   




Modifié le: lundi 6 janvier 2025, 15:26