الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية         وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
جامعة الجيلالي بونعامة بخميس مليانة            كلية الآداب واللغات               
 قســـــــــــــم اللغـــــــــــة والأدب العــــــــــربــــــي              السنة الجامعية : 2024 / 2025
مقياس : الشعر الجزائري المعاصر                 نوع الحصة : محاضرة  
الفئة المستهدفة : السنة الثانية ماستر             التخصص : أدب جزائري
 المدة المخصصة للحصة : ساعة ونصف        السداســـــــــي : الثـــالــــث

الحصة الثالثة :                  بواكير الشعر الجزائري المعاصر

 

تمهيد :
  ارتبط الأدب الجزائري الحديث في ميلاده وتطوّره بالاستعمار الفرنسي، إذْ كان هذا الأخير الصدمة أو الشرارة المولِّدة للهمّة المتبلورة في ميلاد الشعور الوطني والقومي والنفور من كلّ ما ينتمي إلى دولة الغزاة، ففي مطلع القرن العشرين جدّت أمور كثيرة في المجتمع الجزائري أعادت الأمل في نفوس الجزائريين، فنهض الأدباء يزرعون بذوراً إصلاحية ونضالية ثورية .
* اللبنات الأولى في الشعر الجزائري المعاصر:
  استوعبت النخبة المثقّفة قبيل منتصف القرن الماضي مدى حاجة الشعب الجزائري إلى الوعي بعناصر الهوية الوطنية، فانتعشت الساحة الأدبية شعرا ونثراً ومسرحاً وقويت حركة التأليف بالعربية، خاصة بعودة شيوخ الجزائر كالإبراهيمي وابن باديس، والأمير خالد والطيب العقبي... وتوّجت تلك الفترة بإنتاجٍ أدبيٍّ راقٍ، فألّف "الهادي السنوسي" كتاب "شعراء الجزائر في العصر الحاضر" أثبت فيه قصائد ومقطوعات شعرية لما لا يقلّ عن عشرين شاعراً توزّعوا عبر تيارين شعريين: التيار الإحيائي (الإصلاحي)، والتيار التأثري بالاتجاهات الرومنسية الغربية، وفي الحقيقة يعود الفضل والسبق للشاعر رمضان حمود في النظم على طراز قصيدة التفعيلة أو ما يعرف بالشعر الحرّ.
* ارتباط ميلاد الشعر الجزائري المعاصر بالثورة التحريرية:
  بتطوّر الأحداث واندلاع الثورة التحريرية سارع الشعراء الجزائريون إلى اعتناق هذه الثورة المباركة وتنافسوا في حمل شعاراتها، وأحسّوا بضرورة مسايرة الحياة المعاصرة خاصة بعد نكسة 08 ماي 1945 التي راح ضحيّتها الآلاف من الأبرياء، الشيء الذي دفع بالشعراء إلى البحث عن قالب فنّي جديد يعبّرون فيه عن روح العصر وكان ذلك القالب هو الشعر الحرّ، وكانت كتابة هذا القالب على أيدي الشعراء الذين رحلوا إلى المشرق قصد الدراسة، إذْ أحدث المشارقة ثورة كبرى في ميدان الشعر، فما كان على الجزائريين سوى احتواء التجربة، ويؤكّد معظم الدارسين على أنّ البداية الحقيقية الجادّة لهذا النوع الشعري كانت مع ظهور أوّل نصّ من الشعر الحرّ في الصحافة الوطنية وهو قصيدة "طريقي" "لأبي القاسم سعد الله" المنشورة في جريدة البصائر بتاريخ 23 مارس 1955 في العدد 313.
  يقول الشاعر أبو القاسم سعد الله رحمه الله:
           يا رفيقي
       لا تلمني عن مروقي
       فقد اخترت طريقي
       وطريقي كالحياة
  شائك الأهداف مجهول السمات
 عاصف التيار وحشي النضال
   صاخت الأنات عربيد الخيال
    كلّ ما فيه جراحات تسيل
    وظلام وشكاوى ووحول
    تتراوى كطيوف من حتوف
        في طريقي
        يا رفيقي
   (من كتاب: الزمن الأخضر –أبو القاسم سعد الله-)
يقول سعد الله معترفاً بتأثّره بالمشرق : "...غير أنّ اتصالي بالإنتاج العربي القادم من المشرق –ولاسيما- لبنان واطّلاعي على المذاهب الأدبية والمدارس الفكرية والنظريات النقدية حملني على تغيير اتجاهي ومحاولة التخلّص من التقليدية في الشعر." (عبد الله ركيبي: الأوراس في الشعر العربي ودراسات أخرى).
   لم يكن شعراؤنا بارعين في خوض غمار هذه التجربة في الشعر بسبب عدم اطّلاعهم على أرقى التجارب الشعرية العالمية في هذا اللون لضعف مستوياتهم الثقافية (بفعل الاستعمار)، لكن من جهة أخرى هناك عامل ساعد على دفع هذه التجربة إلى الأمام هو بروز بعض المجلاّت العربية التي كانت تدعو إلى الحداثة الشعرية، مثلا مجلّة "الآداب اللبنانية" التي وجد فيها أدباؤنا متنفّسهم فراحوا ينشرون أعمالهم فيها.
   كانت الثورة التحريرية إذاً ملهم الشعراء والأدباء، كُتب عنها الكثير وتغنّى بها كبار الشعراء ممجّدين ومفتخرين، ومحرّضين على التحرّر مساندين ثورة شعبهم المباركة.
 يقول "سعد الله: في قصيدة بعنوان " الليلة الغرّاء": الثورة:
            كان حلماً واختمار
          وكان لحناً في السنين
          كان شوقاً في الصدور
         أنْ نرى الأرض تثور
       أرضنا بالذات أرض الوادعين
       أرضنا السكرى بأفيون الولاء
       كان حلماً، كان شوقاً، كان لحناً
        غير أنّ الأرض ثارت
         والهتافات تعالت
        من رصاص الثائرين...
- ومن الشعراء الذين خاضوا هذه التجربة كذلك الشاعر الطبيب الجرّاح "محمد الصالح باوية"، فقد نظم قصيدة بعنوان " الإنسان الكبير" صدرت سنة 1958. يقول فيها:
      قال شعبي يوم وحدنا المصير
          أنت إنسان كبير
            يا جراحي
       أوقفي التاريخ، أنا نبع تاريخٍ جديد
    يزرع الكون سلاما وابتساما وبطولات شهيد
      من ضلوعي من دمي عبر الجزائر
   من خطى طفل جريء يحمل المدفع في أرض الجزائر
            يا جراحي
        في دمي كنز السنابل
    ينحني شوقاً إلى صوت المناجل...
(يعبّر الشاعر في قصيدته عن نفسه المحترقة الملتهبة نضالا وتحرّراً)
-نشير كذلك إلى شاعر آخر كانت له بصمته في هذا القالب الشعري الذي تغنّى بالثورة المباركة، وهو الشاعر "محمد بلقاسم خمار" الذي نسج على منوال سابقيْه، إذْ اصطبغ شعره بصبغة النضالية، يقول في قصيدة " منطق الرشاش" :
         لا تفكّرْ ..لا تفكّرْ ..
   يا لهيب الحرب زمجر .. ثمّ دمّرْ ..
  في الذرى السمراء من أرض الجزائر.
           لا تفكّرْ ..
    (ظلال وأصداء: محمد بلقاسم خمار).
- معظم قصائد هؤلاء الشعراء كانت بمثابة الطلقات السريعة وإيقاعها كان يمتاز بالتوتّر فالسبب هو وصف الحرب لذلك لم يهتمّوا كثيراً بالجانب الفنّي والجمالي للقصيدة .
  بعد انتهاء الحرب شهدت الجزائر صمتاً رهيباً في ميدان الشعر لعدّة أسباب، منها انصراف بعض الروّاد إلى استكمال دراساتهم العليا والانشغال بالتدريس في الجامعة (سعد الله مثلا أستاذ جامعي، باوية طبيب) كذلك فقدان الصحافة الأدبية، وعدم وجود اتحاد يجمع الأدباء، وقلّة النوادي الثقافية، أضف إلى ذلك فالمجتمع الجزائري خرج من الثورة محطّماً ثقافياً، وكذلك تلاشي الروح الثورية بعد دحض المستعمر، إلى غاية فترة ما بعد 1968 إذْ عرف الشعر الجزائري استفاقة السبعينات.
 


 

آخر تعديل: الاثنين، 6 يناير 2025، 2:44 PM