تهدف هذه المحاضرة إلى التعريف بشخصية عبد الله الركيبي، وكذا أعماله وتجربته النقدية في الجزائر من خلال دراسة عينات ونماذج نقدية وتحليلها.

1-التعريف بشخصية عبد الله الركيبي:

 

أديب وناقد جزائري ولد بقرية جمورة، بولاية بسكرة سنة 1928م، ولم يُسجّل في الحالة المدنية إلا عام 1930م، تلقى تعليمه الأول بالمسجد فحفظ القرآن الكريم، ثم التحق بالمدرسة الشعبية التابعة لجمعية العلماء بمسقط رأسه، انتسب إلى جامع الزيتونة وتخرّج فيه بشهادة التحصيل في 6 نوفمبر 1954، عاد إلى أرض الوطن، والتحق بصفوف الثورة التحريرية في 17 ديسمبر 1954م لعلاقته الجيدة بالشهيد مصطفى بن بولعيد، وبقي يؤدي مهامه الثورية ويزاول رسالة التعليم في مدرسة ندرومة التابعة لجمعية العلماء قرب تلمسان إلى أن ألقت قوات الاحتلال الفرنسي القبض عليه في يوم 7 مارس 1956م، تحصل على شهادة الليسانس في الأدب العربي سنة 1964م بالقاهرة.

     عاد إلى الجزائر سنة 1964م، وعمل أستاذا بالمعهد الوطني التربوي في نفس السنة، ثم أستاذا بثانوية حسين داي في السنة الدراسية 1965-1966. فاعتبر لذلك أنه من مؤسسي قطاع التربية والتعليم بعد الاستقلال.

    حصل على الماجيستر من جامعة القاهرة ببحث حول "القصة الجزائرية القصيرة" في شهر أكتوبر من سنة 1967م، وهو بهذا يعتبر من مؤسسي الأدب الجزائري الحديث ومن الأوائل الذين درسوا القصة القصيرة والرواية المكتوبة باللغة العربية في الجزائر.

    واصل تدرّجه في البحث والتكوين؛ فحصل على شهادة الدكتوراه بعنوان:" الشعر الديني الجزائري" سنة 1972م في نفس الجامعة بإشراف الدكتورة سهير القلماوي المشهورة بأنها التلميذة المفضلة للأديب المصري طه حسين، بتقدير ممتاز مع رتبة الشرف الأولى.

تولى تحضير ورئاسة مؤتمر الكتاب والأدباء العرب الذي احتضنته الجزائر سنة 1975م، ورئاسة مجلس البحث العلمي بمعهد الآداب لجامعة الجزائر (1973-1976م).

أصدر باكورة أعماله في تونس عام 1959 بعنوان (مصرع الطغاة)، ثم صدرت مجموعته القصصية الأولى في القاهرة سنة 1962م وفي الجزائر سنة 1982م تحت عنوان "نفوس ثائرة"، أهدى سنة 2010 رصيدا معتبرا من الرسائل والبحوث المهمة لجامعة الجزائر، فضلا عن تبرعه بمكتبته العظيمة لفائدة طلبة الجامعة المركزية.

مؤلفاته: - دراسات في الشعر العربي الحديث 1961، القصة الجزائرية القصيرة1977، تطور النثر الجزائري الحديث، المؤسسة العربية للكتاب، الجزائر، ط2، 1983، عروبة الفكر والثقافة أولا 1989، فلسطين في النثر الجزائري الحديث ن دمشق، 1986...

2-تجليات المنهج التاريخي في أعمال عبد الله الركيبي النقدية:

يعتبر الناقد عبد الله الركيبي قامة علمية بازرة في مجال النقد الحديث في الجزائر، حيث عمل مع جيل الرواد المؤسسين أمثال أبو القاسم سعد الله على دراسة الأدب الجزائري وجمعه بعدما كان متناثرا في الصحف والمجلات وركز على نشأته وعوامل تطوره وازدهاره خاصة في فترة الاستعمار الفرنسي، وسنعرض فيما يلي بعض الكتب النقدية التي ألّفها عبد الله الركيبي والذي كان فيها المنهج التاريخي بارزا:

1-كتاب الشعر الديني الجزائري الحديث: دار الكتاب العربي، حيث صرح في مقدمة الكتاب بالمنهج قائلا:« والواقع أننا اخترنا منهجا لهذا البحث يجمع بين التاريخ والنقد...على أن اهتمامنا انصب على تحليلنا لنصوص الشعرية على الجانب الاجتماعي، وركزنا عليه وربطنا بين الشاعر وبيئته وبين المشئ وجهوده» يتضح لنا من خلال القول أن عمل عبد الله الركيبي النقدي في هذا الكتاب قسّم إلى مايلي:

-التركيز على الجانب الاجتماعي( المجتمع).

-ربط الشاعر بالبيئة الجزائرية التي كانت تتسم بالجانب الديني مع جيل الرواد وبدايات انتشار الفكر الإصلاحي مع جمعية العلماء المسلمين.

-الرجوع إلى التاريخ ومحاولة استنباط آثاره في الإنتاج الشعري للشاعر، حيث حدّد الناقد فترة الدراسة بتاريخ معين( 1871- 1930).

2- كتاب تطور النثر الجزائري الحديث:1983 كان منهج الله الركيبي فيه واضحا من خلال تحديد الدراسة وربطها بفترة زمنية تضم تاريخين يمثل الأول محطة البداية 1930،  والثاني محطة النهاية 1974، وقد أعلن الناقد عن أسباب التزامه بهذا التقسيم الزمني أثناء دراسته للنثر في الجزائر والتي تمثلت في المحطة الأولى:

·       الظروف الاجتماعية المزرية التي عشها المجتمع الجزائري ابان الاستعمار( قتل ، نهب..)

·       تأثير هذه الظروف على الأدب بما فيه النثر إيجابا وسلبا  مثلا: ظهور بوادر وملامح الفن القصصي.

·       أما المحطة الثانية:  فصادفت الذكرى العشرون لقيام الثورة التحريرية، حيث يرى أن الأدب بعد هذه السنة سيتاح له أن ينطلق إلى آفاق جديدة نظرا لاهتمام الأدباء به، وهذا تصريح من الناقد بأم الأدب الجزائري دخل في فترة جديدة تتسم بالنض 1983ج والاكتمال من ناحية الشكل والمضمون، من خلال تخلصه من القوالب القديمة واكتساب حلة جديدة ودليل ذلك اهتمام الأدباء على اختلاف مشاربهم بدراسته.

دراسته: قسّم أبو القاسم سعد الله الفنون النثرية التي عرفها الأدب الجزائري في هذه الفترة أي مابين 1930 و1974 إلى قسمين:

1- أشكال نثرية تقليدية: درس فيها الخطب والرسائل، وأدب الرحلات والمقامات والمناظرات القصة الشعبية

2- أشكال نثرية جديدة: درس فيها المقال الأدبي، والقصة القصيرة، والرواية العربية، والمسرحية، والنقد الأدبي.

انتهج الناقد عبد الله الركيبي في كتابه منهجا تاريخيا ومزجه مع المنهج الفني الذي يعنى بدراسة عمل الأديب وقياسه باستخدام القواعد والأصول الفنية، وهذا ماجعل الناقد يدرس مختلف الأجناس النثرية ويصنفها ويبرز الملمح الجمالي فبها وتظهر دراسته لهذه الأجناس من خلال:

-التعرض إلى نشأة هذه الفنون على اختلافها، وأهم روادها.

- الرجوع إلى تطورها الزمني.

- تبيان أهم العوامل التي عرقلت تطورها وكذا الأسباب التي ساهمت في بعثها وازدهارها مثال: الأوضاع الاجتماعية والسياسية التي عاشها الشعب الجزائري ابان الاستعمار، ودور الصحافة والنوادي والجمعيات  وكذا المثاقفة بين المشرق والمغرب ودور الحركة الإصلاحية التي جاءت بها جمعية العلماء المسلمين.

3- كتاب القصة الجزائرية القصيرة: صدر هذا الكتاب عن المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر، سنة 1982 اعتبر أول كتاب درس القصة الجزائرية القصيرة زمنيا حيث حدّد فيه الناقد كما جرت العادة المجال الزمني من 1928 إلى غاية 1962، حيث عرض الكتاب المراحل الزمنية والتطورات الفنية التي مرت بها القصة في الجزائر.

يقول عبد الله الركيبي في مقدّمة كتابه القصة الجزائرية القصيرة:« فاخترت المنهج الذي يجمع بين النقد والتاريخ. فالتاريخ ليس مقصودا لذاته وإنما هو لبيان خط تطور القصة ومسارها العام، وكيف تطورت وماهي الأشكال التي ظهرت فيها، لأن الأدب يتطور بتطور الإنسان، والتاريخ يساعد على تحديد مراحل هذا التطور» هذا تصريح مباشر بالمنهج المتبع في دراسته كما بيّن الغرض من استخدامه لهذا المنهج ومدى صلاحيّته وكذا أهميته في الدراسة.

دراسته: درس عبد الله الركيبي القصة الجزائرية من خلال:

-       ظهورها و تطورها والخلفية التاريخية والوضعية الاجتماعية وعوامل تأخرها والتي حصرها فيما يلي:

·       عامل الاستعمار الذي سعى إلى طمس الهوية الوطنية.

·       تأخر النهضة الثقافية في الجزائر إلى مابعد الحرب العالمية الأولى.

·       اضطهاد اللغة العربية.

·       ارتباط الحياة الأدبية بالشعر تقليدا للمشارقة.

تحدث الناقد عبد الله الركيبي على بدايات ظهور القصة في الجزائر بداية من المقال القصصي إلى الصورة القصصية وصولا إلى القصة الفنية:

أ‌-    المقال القصصي: اعتبره الركيبي شكلا بدائيا  أو ملمحا لبداية القصة القصيرة في الجزائر ويرجع ظهوره إلى مدى ارتباطه بالمقال الأدبي الذي كان يكتبه رواد الحركة الإصلاحية حيث مر في نظره بمرحلتين ولكل مرحلة ظروفها:

المرحلة الأولى: واكبت ماكان يعيشه الشعب الجزائري من غليان وصراع حاد بين الركود والبحث عن الذات، عالجت مواضيعه المشاكل الاجتماعية والسياسية منتقدة المظاهر السلبية وتميّز بما يلي:

-مقدمة وعظية طويلة

-الاعتناء بالسرد والوصف أكثر من الحوار.

-الاعتناء بالألفاظ الضخمة والجزلة التي تقترب من أسلوب المقامات

-عدم وجود ارتباط بين البداية والنهاية.

المرحلة الثانية: تبدأ مع نهاية الحرب العالمية الثانية إلى قيام الثورة حيث اتسع نطاق المقال القصصي أصبح أكثر نضجا فلم يتقيد النقاد فيه بموضوع واحد وتميّز بما يلي:

-الدعوة إلى تحرر المرأة وخروجها إلى الحياة العامة

- انتقاد الكثير من الأمراض الاجتماعية والعادات والتقاليد

- الاهتمام بدور الفن والأدب والثقافة في المجتمع.

ب-الصورة القصصية : فيرى الناقد أن نشأتها ترجع إلى النضج الذي عرفته البيئة الثقافية، حيث أصبحت مستعدة لقبول هذا النمط من الكتابة، وعي اكتسبه الشعب الجزائري بعد مأساة 8 ماي 1945، فأصبح الأدباء يسجلون أفكارا وصراعات سياسية واجتماعية وثقافية، وقد مرت الصورة القصصية بمرحلتين: الأولى قبل الحرب العالمية الثانية حتى عام 1947، وتميّزت بمعالجة قضايا جدّية لكنها كانت مفككة من ناحية الشكل وبقيت مرتبطة بالمقال القصصي، كما ظهر الحوار لكن لغته كانت بسيطة أما المرحلة الثانية من 1947 تطورت فيه الصورة القصصية واقتربت من القصة الفنية.

 ج- القصة الفنية: درس عبد الله الركيبي في جزء من الكتاب القصة الفنية وبنيت دراسته على:

-النشأة والتطور عند الغرب وروادها.

- ظهورها في الوطن العربي.

- الأسباب والعوامل التي أدت إلى تطور القصة الفنية في الجزائر ويرجع ذلك إلى: اليقظة الفكرية التي  ظهرت في الجزائر بعد الحرب العالمية الثانية، البعثات الثقافية إلى المشرق، الثورة التي حفّزت الأدباء على الكتابة. وكان تطور القصة في هذه الفترة بطيئا نوعا ما وذكر أمثلة بكتابات أحمد رضا حوحو ترى الحرب...

ثم درس الناقد القصة وتطورها في الاتجاهين الرومنسي والواقعي ككتابات بن هدوقة والطاهر وطار أبو العيد دودو، وتكلم عن القصة القصيرة المكتوبة بالفرنسية.

خاتمة: تميّزت دراسة عبد الله الركيبي للأدب الجزائري وخاصة النثر الجزائري بانتهاجه المنهج التاريخي من خلال الرجوع إلى النشأة والتطور والعوامل والاتجاهات والرواد وتقسيمها تقسيما زمنيا فحقيقة كان من بين المؤسسين لحركة النقد المنهجي في الجزائر إلى جانب صديقه أبو القاسم سعد الله. 

آخر تعديل: الخميس، 26 ديسمبر 2024، 5:30 PM