مقدمة: مر النقد الأدبي في الجزائر بمرحلتين أساسيتين، حيث تميزت كل مرحلة بخصائص معيّنة برز فيها نقاد حاولوا خوض الكتبة النقدية، وقد سميت مرحلة بمرحلة الإرهاص حيث كان فيها النقد غير ممنهج بمعنى لايقوم على دعائم أو أسس نظرية أو تطبيقية عامة، ينطلق من الأحكام العامة إنه نقد تقليدي، والمرحلة الثانية هي مرحلة التأسيس أو مرحلة النقد المنهجي( الممنهج) وفيها ظهر نقاد أخذوا على عاتقهم مسؤولية التأسيس لنقد جزائري قائم بذاته يقوم على دعائم وحمولة مفاهيمية غربية، فخاضوا تجربة النقد السياقي بتطبيق مناهج جديدة على نصوصنا الجزائرية.

1-مرحلة الإرهاص: بدأ النقد الأدبي في الجزائر مع النصوص الإبداعية منذ بدايات القرن العشرين، وكان تقليدا لآثار القدماء، فقد عاش الناقد الجزائري حقبة إحياء، فقد استهوته أفكار من التراث العربي، ومن ذلك مثلا اقتدائهم بمفهوم الشعر لما ظهر عند القدماء أمثال( قدامة بن جعفر، ابن قتيبة...)، وقد قسم أبو القاسم سعد الله هذه المرحلة إلى أربعة مراحل رئيسة هي:

أ‌-    المرحلة الأولى: تمثلت فيما قام به شيوخ الجزائر من حملات في أوائل القرن 20م دعوا فيها إلى نبذ الجديد والتشكيك في قيمته الفنية والموضوعية، وإلى التمسك بالقديم واعتباره تراثا قوميا لأنهم يرون بأنه يملك قيمة جمالية، ومن رواد هذه المرحلة نجد: أبو القاسم الحفناوي، عبد القادر المجاوي، المولود بن الموهوب، ومحمد بن أبي شنب ومحمود كحول، وتمثلت كتاباتهم في المحاضرات والدروس والندوات التي كانوا يلقونها في الثعالبية ونادي صالح باي ومدرسة الجزائر،أو مجموعة من الآراء كانوا يدلون بها في الصحافة المحلية، أو من حلال توجيههم لتلاميذهم.

ب-المرحلة الثانية: وتظهر في دروس الشيخ عبد الحميد بن باديس لتلاميذه والتي تشتل تعليم طرق الأدب وأساليبه انطلاقة من اللفظة حتى البناء الكامل، حيث استأثر الشيخ بطريقة خاصة ونظرة إلى الحياة، حيث كان حاذقا وبارعا، كان يدعوا تلاميذته إلى دراسة القديم والإنتفاع من الجديد فيأخذ من القديم محاسنه ورزانته ويستفيد من الجديد في طلاقته وتطوّره، وهي دعوة إلى انتهاج أسلوب الإصلاح.

ج- المرحلة الثالثة: تأتي هذه المرحلة على يد الشيخ البشير الإبراهيمي الذي كانت ثقافته الأدبية أوضح من ثقافة ابن باديس، وإذا كان اين باديس اعتمد على المشافهة في إلقاء الدروس، فاعتمد البشير الإبراهيمي على القلم واللسان، حيث اتّخذ من الصحافة( جريدة البصائر) منبرا للقيادة للجيل الجديد في الأدب حيث كان ينشر نماذج تثير الإعجاب، من خلال الإرشاد والوعظ  ووضع شروط للأدباء والكتاب( قواعد الكتابة والتحرير)، وقد كانت له صلة مباشرة مع من تخرّجوا على يد عبد الحميد ابن باديس فكانوا يناقشون شؤون الأدب( قديما وحديثا)، وينشدون الشعر بين يديه وكان ينتقدهم بشدذة ويشير إلى مواطن الضعف، ويحث المجتهدين على الإستزادة، ويضع أمامهم نماذج رائعة من الشعرو النثر القديم.

د‌-   المرحلة الرابعة: يمثلها الجيل الذي تخرّج علميا على يدي كل من عبد الحميد ابن باديس والبشير الإبراهيمي، تبتدأ بعد الحرب العامية الثانية، حيث تحرّرت في أسلوبها وموضوعها وأخذت تطبّق بعض المذاهب النقدية التي اكتسبتها من ثقافتها المعاصرة، فظهر المذهب الواقعي واضعا في كتابات أحمد رضا حوحو، والمذهب السلوكي في كتابات أحمد بن ذياب، واحتفظ الشعر ببعض خصائص الرومانسية كالثورة والشكوى...، من روادها: أحمد رضا حوحو، وذياب، عبد الوهاب بن منصور ومولود الطياب، وكان نقدهم أقرب إلى الموضوعية.

2-  مميزات مراحل النقد:

-       اتفقت المرحلتان الأولى والثانية بـ: النزوع إلى القديم.

-       تمسّكت المرحلة الأولى بالألفاظ القديمة والقوالب العتيقة في نسج المقالة أو صياغة القصيدة.

-       حاولت المرحلة الثانية أن تجدّد في النثر من خلال استحداث الأساليب العربية، أما الشعر استمرّ على نفس النغم حيث كان يحاكي الأساليب القديمة محاكاة عمياء.

-       تبدو الجرأة واضحة في المرحلة الثالثة، ويظهر ذلك في اتّجاه الشعر نحو البساطة والواقعية في الأسلوب والأداء، كما تظهر بتناول موضوعات تتّصل بحياته ومشاكله وآماله.

-       أما المرحلة الرابعة، فقد اكتسبنا تجربة أخصب بفضل التطوّر الذي اتّسمت به حركة الأدب من ناحية، ثم بفضل الضغط الذي حاول أن يوجه الأدب وجهة خاصّة، فقد دخلنا باب القصة العربية، وحاولنا كتابة المسرحية الناجحة وظهر أدب الخاطرة، وتطورت كتاباتنا في دراسة الشخصيات وتلاقحت أفكار نقادنا بأفكار ومعطيات من الشرق العربي وأوروبا وعليه مهّدت هذه المرحلة النقد ليدخل في مرحلة جديدة مرحلة التأسيس والتخصّص والأكاديمية مع نقاد جيل الإستقلال.

3-مرحلة التأسيس( النقد المنهجي):

     تواكب هذه المرحلة الدراسات الأكاديمية التي أجراها جيل الرواد والتي اتّخذت من النصوص الإبداعية( شعر ونثر) مادّة لها في التحليل، ولقد أرخ لها باستقلال الجزائر الذي كان انطلاقة الحقيقية لبداية حركة النقد المنهجي الأكاديمي في الجزائر، فالبرغم من وجود بعض المحاولات في الكتابة النقدية المتناثرة في الصحف والمجلات كالتي كان ينشرها رمضان حمود، والسعيد الزاهري، ومحمد البشير الإبراهيمي، وابن باديس، وحمزة بوكوشة، وأحمد بن ذياب، وعبد الوهاب منصور، وأحمد رضا حوحو...، فإن النقد في المرحلة الإستعمارية لم يرق لتأسس حركة نقدية قائمة بذاتها فلاوجود لنقد ممنهج في الجزائر إلا بعد 1961.

     بدأ النقد في الجزائر مع أبو القاسم سعد الله في 1961م بأسلوب أكاديمي وذلك باصدار كتابه" محمد العيد آل خليفة رائد الشعر في الشعر الحديث"، وهو في الأصل رسالة ماجيستير، وبعدها توالت الدراسات لنتهض بالنقد الأدبي وتنعش حركته على الصعيد الوطني والعربي، حيث شهدت حركة النقد تغيّرا جذريا من حيث الحمواة المفاهيمية، وكذا الآليات الإجرائية فانتقل نقلة نوعية من النقد الانطباعي المعياري المتأثر بالنقد المشرقي من خلال إصدار الأحكام النقدية كما ظهر عند عبد الكريم النهشلي وغيرهم، إلى مرحلة جديدة أخذت على عاتقها دراسة الأدب من منظور منهجي يقوم على أدوات وآليات إجرائية وممصطحات مفاتيح يستخدمها الناقد الجزائري لتحليل النصوص الإبداعية وسبر أغوارها للكشف عن مضامينها والبحث عن معانيها الخفية، وكان هذا مع جيل النقاد أمثال : أبو القاسم سعد الله، عبد الله الركيبي، ومحمد مصايف...

مرجعياتهم: استقى النقاد الجزائريون ثقافتهم من الثقافة المشرقية، فلم يأخذوا من النقد الغربي مباشرة بل عن طريق تتلمذهم على يد أساتذة من المشرق العربي، وعليه تلقوا أصول المناهج الغربية عن طريق دراساتهم الأكاديمية في الجامعات المشرقية( مصر على وجه التحديد)، وعليه اعتبر أبو القاسم سعد الله رائدا للنقد الجزائري في الجزائر  وقد خاض المناهج ( تاريخي، اجتماعي، نفسي)، وهي ميلاد لحركة النقد السياقي المنهجي في الجزائر.

 

 

 

Last modified: Thursday, 26 December 2024, 5:15 PM