مقدمة: يعتبر النقد الأدبي نشاطا إنسانيا متعدّد المجالات سواء فنيا أم أدبيا، ولقد واجه الدارسون صعوبة في تحديد مفهومه نظرا لطبيعته الديناميكية( يخضع للتطوّر) ويعنى بدراسة النصوص الأدبية حيث يقوم بشرحها، تحليلها وتفسيرها.

    إن حركة تطوّر النقد مرهونة بتطوّر الأدب باعتبارهما وجهان لعملة واحدة فلا وجود لنقد دون أدب، وعليه فإن الحديث عن حركة نقدية في الجزائر يقتضي الحديث عن وجود إبداع أدبي، وعليه لقد لخّص أبو القاسم سعد الله في كتابه( دراسات في الأدب الجزائري الحديث) أسباب وعوامل تطوّر الحركة الثقافية والإبداعية في الجزائر وهي تتمثل في المؤثرات التالية:

·       المؤثر الشرقي: والذي يظهر في اهتمام الجزائر بأفكار واتجاهات المشرق العربي.

·       المؤثر الوطني: وجود أحداث كثيرة التي ظهرت في الجزائر متّخذة من السياسة عنوانا ومن الوطنية شعارا( كتابة أشعار)

·       المؤثر العربي: من خلال ارتباط الجزائر بفرنسا سياسيا واقتصاديا وثقافيا وحضاريا,

1-النقد الأدبي في الجزائر:

      يقول أبو القاسم سعد الله: « إلى أي حدّ ساهمنا في حركة النقد وتطويرها؟ هذا السؤال طالما ألحّ علي كلما تأملت في انتاجنا الأدبي»[1]، تساءل الناقد عن جهود النقاد الجزائريين في مجال الكتابة النقدية، وذلك من خلال تأمله للإنتاج الأدبي باعتبار أن الأدب يفرض على النقاد وجود حركة نقدية تواكبه وتفسّره، وتشرح مضامينه، وإن وجدت فعلا فماهو التجديد الذي جاء به هؤلاء النقاد، والإضافة في كتاباتهم وعليه خلص غلى جواب مفاده أن الباحث هذا المجال يستوجب عليه دراسة دقيقة لكل ما مرّ بالجزائر من حركة إبداعية من خلال نقلتها النوعية ودخول أجناس أدبية أخرى( كالشعر، والدراسة المسرحية) بمعنى تحرّرهم من قيود النثر( المقالة، القصة).

ولقد شكّك أبو القاسم سعد الله في وجود حركة أدبية ناضجة تواكب حركة الأدب العالمي قائلا:«... ولكي أكون صريحا أحب أن أزيل من ذهن القارئ فكرة قد تخامره، وهي أني أدرك مدى خيالية هذا الموضوع، إذ كيف نتحدّث عن النقد الأدبي في الجزائر، بينما لا نعترف ولا نكاد نصدّق أن عندنا أدبا ناضجا شقّ طريقه مع قافلة الأدب العربي المعاصر، أو الأدب العالمي؟»[2]، يعرض القول رأي الناقد الذي يرى بأن الحديث عن وجود حركة نقدية ناضجة يقتضي وجود أدب ناضج، ولكن هم لا يعترفون بوجود حركة أدبية لها مقومات بارزة، وتستطيع أن تضاهي تطوره الآداب في الأقطار العربية والغربية.

 ويدعّم فكرته بقوله:«... والحق أن الصواب هذه الفكرة ظاهر إلى حد بعيد، سيما إذا أخذت على سطحيتها، فالأدب عندما كفن لا يزال متخلفا من حيث الكم والموضوع والأسلوب فليس هناك  بالعربية قصة توفرت لها شروط الإجادة في التقنية والعلاج، أو شعر تطوّر مع عواطف الناس وظروفهم، ولا إنتاج مسرحي واكب المرحلة الراهنة من تاريخنا، وعبّر عن مشاعرنا في الحب والكفاح، وبالتالي ليس هناك أدب متكامل يعيش مع مشاكلنا الذهنية والعاطفية، فكيف بعد هذا نحاول الحديث عن النقد الأدبي»[3]، يعترف الناقد بضعف الحركة الأدبية على جميع الأصعدة من ناحية الإنتاج الكم ( قليل)، والموضوع لا توجد جدة، والأسلوب غير ناضج وهذا شمل الشقين الشعري والنثري( قصة ، مسرحية) وعليه مع ضعف الحركة الأدبية يواكبها مباشرة ضعف في الحركة النقدية.

2-عوامل النهضة الأدبية في الجزائر:

أ-عوامل داخلية:

-عقم المقاومة الشعبية المسلحة( 1830- 1916).

- السياسة الفرنسية التعسفية( حروب الإبادة)

ب-عوامل خارجية:

-صدى الجامعة الإسلامية: بدأت في الربع الأخير من القرن 19، من روادها: جمال الدين الأفغاني، عبد الرحن الكواكبي، محمد عبده، حيث تأثر الجزائريون بأفكار الجامعة الإسلامية في إطار الأخوة والتضامن الديني والاجتماعي حيث اطلعوا على هذه الأفكار من خلال  الصحف والمجلات الوافدة إلى الجزائر.

3-مظاهر اليقظة في الجزائر:

-بروز العرائض والوفود: اعتمد الجزائريون على العرائض كأسلوب جديد في وسائل النضال السياسي.

-ظهور نشاط النخبة الجزائرية المثقفة بثقافة غربية: حيث عرفت كيف تحفظ الجزائريين من قوانين الاستعمار الجائرة، وذلك من خلال المطالبة بالمساواة مع الفرنسيين.

-ظهور المطابع: أدرك الجزائريون ما للطباعة من دور كبير وبارز في التوعية وذلك بطبع الدروس والمحاضرات والتي لها إمكانية في الوصول إلى أبعد نقطة من القطر الجزائري ومن أبرز المطابع: مطبعة فونتانة 1895، مطبعة الثعالبية 1896.

-الصحافة الوطنية: وقفت الصحافة الجزائرية على الرغم من قلة الإمكانيات وأساليب الغلق والحظر بالمرصاد لمختلف السياسات الاستعمارية الرامية لطمس هوية الجزائريين والتصدي لكل محاولات التشويه الممنهجة، وعملت على تنوير الجزائريين وحمل همومهم واطلاعهم بالقضايا الدولية والإقليمية نذكر منها: المنتقد، الشهاب، البصائر...

-الجمعيات والنوادي: حيث شهدت الجزائر في بداية القرن 20م تأسيس العديد من الجمعيات والنوادي الثقافية لهدف إيصال أكبر قدر ممكن من الأفكار الإصلاحية والسياسية وخاصة لفئة الشباب.

-حركة الإحياء التاريخي: اهتم المثقفون بنشر تاريخ الأجداد، أي ظهور حركة إحيائية تاريخية للتراث وقام بذلك نخبة أمثال: بن أبي شنب، بن الخوجة، أبو القاسم الحفناوي.

-المسرح الجزائري: حاول فك الجمود الثقافي والدعوة إلى مواكبة العصر من خلال تصوير الواقع المعاش على خشبة المسرح، فعالجت أغلب المواضيع قضايا وطنية وإسلامية...

4-واقع الحركة الأدبية والنقدية ( ضعف وجمود):

يرجع النقاد والدارسون ضعف الحركة الأدبية والنقدية في أيام الاستعمار الفرنسي إلى عوامل نذكر منها:

-السيطرة الاستعمارية وسيادة الاتجاه التقليدي.

- قلّة الرصيد التراثي الموروث والنقد لدى الاتجاه التقليدي بسبب العداء والإقصاء الممارس ضد اللغة العربية من قبل الأتراك والفرنسيين.

-الدور الهزيل الذي لعبته الصحافة في تشجيع وتوجيه الأدب والنقد على الرغم من أنها جديرة بلعب هذا الدور.

-ضعف حركة النشر واهتمامها التي اقتصرت على طبع الكتب الدينية وجرائد ومجلات الحركة الإصلاحية.

-الموقف العدائي ضد الاستعمار، وعدم إتقان اللغة الفرنسية، الأمر الذي جعلهم لا يستفيدون من النقد الفرنسي.

- ضعف حركة الترجمة لدى الأدباء والنقاد الجزائريين لإهتمامهم الزائد بأدبهم العربي ونبذ ما يأتي من الغرب.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



[1]  أبو القاسم سعد الله، دراسات في الأدب الجزائري الحديث، دار الآداب، ط2، الجزائر،1977، ص84.

[2]  أبو القاسم سعد الله، مرجع سابق، ص84.

[3]  المرجع نفسه، ص85.

Last modified: Thursday, 26 December 2024, 5:12 PM