على الرغم من اختلاف الدارسين حول حقيقة هذه المدارس وعددها إلا أنها تمثل في الحقيقة واقع الدرس النحوي القديم وما تعلق به من علوم لغوية أخرى فرضت وجودها على مساحة جغرافية واسعة من العراق شرقا إلى الأندلس غربا، وذلك منذ منتصف القرن الهجري الأول مرورا بالقرون التالية.

وقد كان ذاك النحو المشرقي والمغربي بمثابة الطائر الذي لا يمكنه في أي حال من الأحوال أن يطير معتمدا على جناح واحد، بل لابد له من جناحين يعضد أحدهما الآخر، وجناحا هذا الطائر البديع هما النحو المشرقي والنحو المغربي.

   وقد وجدنا بين هؤلاء الدارسين من أنكر وجود مدارس نحوية، سواء في المشرق أو المغرب، يتميز بعضها عن بعض أسلوبا ومنهجا، مدعيا أنها مجرد تجمعات جغرافية مختلفة من العالم الإسلامي شرقه وغربه... وممن قال بذلك على أبو المكارم في (أصول التفكير النحوي) وسعيد الأفغاني في ( في أصول النحو).

   ومنهم من لم يعترف إلا بمدرسة وحيدة هي مدرسة البصرة منكرا وجود مدرسة أخرى اسمها المدرسة الكوفية فضلا عن غيرها من بغدادية وأندلسية ومصرية... وقد سبق إلى هذا الرأي المستشرقُ جوتولد فايل G.Weil في مقدمة كتاب الإنصاف للأنباري، وممن قال به من العرب الدكتور إبراهيم السامرائي في كتابه ( المدارس النحوية أسطورة وواقع).

   ومنهم من أثبت وجود مدرستي البصرة والكوفة فقط، وهو رأي الدكتور مهدي المخزومي، وإليه مال الدكتور محمد حسين آل ياسين في كتابه ( الدراسات اللغوية عند العرب إلى نهاية القرن الثالث )، أما ما عرف بالبغدادية أو الأندلسية أو المصرية فتابعٌ في الحقيقة إما للبصرة وإما للكوفة.

   ومنهم من قال بوجود مدارس كثيرة كما فعل شوقي ضيف في كتابه( المدارس النحوية) حيث جعلها خمس مدارس، وهي البصرية والكوفية والبغدادية والأندلسية والمصرية، تتميز كل واحدة عن الأخرى من حيث المنهج.

    وقد أضاف الدكتور عبد العال سالم مكرم مدرسة سادسة وهي المدرسة الشامية من خلال كتابه (المدرسة النحوية في مصر والشام في القرنين السابع والثامن الهجريين).

وقد كانت بين هذه المدراس مشرقية كانت أو مغربية صِلات وعلاقات وطيدة، خاصة من خلال الرحلات والشروح، وما أكثرهما، بل إن معظم هذه المدارس قد قامت في بدايتها على أفكار غيرها فضلا عما أضافه إليها أبناؤها فتميزوا به عن غيرها، كاعتماد البغداديين على آراء البصرة حينا وعلى آراء الكوفة حينا آخر وهو الأمر الذي جعل كثيرا من الدارسين يسمونهم بالنحاة الذين خلطوا المذهبين، وكقيام الدرس النحوي في الأندلس على كتاب وأفكار الكسائي الكوفي ثم نضجُه بعد ذلك معتمدا على كتاب سيبويه البصري.

Modifié le: jeudi 5 décembre 2024, 23:59