الحجاج والتداوليات المعاصرة، التداولية المدمجة
مفهوم التداولية المدمجة:
هذا الاتجاه اللساني يتعارض مع النظريات اللسانية التي تفصل بين الدلالة والتداول في الخطاب، إذ يتعارض مع التيار المنطقي القائم على التصور على التصور الخطي للعلاقة بين التركيب(النحو)، والدلالة، والتداول؛ فالنحو: يعنى بقواعد التوليف بين المكونات اللغوية لتحديد نحويتها، والدلالة تعنى بالعلاقة بين العلامات اللغوية، ومراجعها والحكم على الجملة بالصدق والكذب، أما التداول فهو البحث في استعمال الجمل في التخاطب للبحث في مدى مناسبتها للمقام، فهذا التصور جاء انطلاقا من أن التداولية نوعان: تداولية خطية(تركيب، دلالة، تداول)، وتداولية مدمجة، الخطية منها تفصل بين التركيب، والدلالة، والتداول، أما المدمجة منها فإنها وصلية تدمج التداول بالدلالة؛ أي أنها تعطي الأهمية الأساس للمعطيات التداولية في إطار المعنى،
هذا النوع من الدراسات فتح الباب لدراسة الحجاج اللغوي فتواصلت الأعمال بعدما انتهت إليه أعمال بينيفست، وأعمال أوستين وسيرل،(الأفعال اللغوية)، باجتهاد أوزفالد ديكرو،-قام ديكرو بتطوير نظرية أفعال اللغة فأضاف فعلين إضافة إلى ما قدمه أوستين، وسيرل، هما فعل الاقتضاء وفعل الحجاج- وأنسكونمبر، اللذان واصلا في ترسيخ الحجاج كظاهرة لغوية لسانية، حيث قدما فرضيات للتداولية المدمجة، وقسماها إلى فرضيات داخلية، وأخرى خارجية:
فأما الفرضيات الداخلية فهي: "ظاهرة جديدة تتمثل في كون المتكلمين بلغة معينة يمتلكون القدرة على منح معنى للمفوظات التي يتم إنجازها بواسطة هذه اللغة، وكذلك البحث عن الكيفية التي يجري بها تأويل الملفوظات في أوضاع استعمالية مختلفة" مثلا:
- نسيت مرة أخرى أين وضعت المفاتيح...(1)
- سعد ذكي...........................(2)
- سعد ذكي لكنه مهمل................(3)
المُخاطَبُ بهذه الملفوظات يعرف أن المتكلم بالملفوظ(1)، ينجز فعل الإخبار أي طلب الإخبار بمكان المفاتيح إن رآها المتكلم، دون تصريح مباشر من المخاطِب، أما المتكلم بالملفوظ(2)، ينجز حجاجا في صالح سعد، أما المتكلم بالملفوظ(3) ينجز حجاجا في غير صالح سعد، فذكر كونه مهمل ينفي ميزة ذكائه، وإشارة إلى كونه ليس ممن يعتمد عليهم، دون تفوهٍ من المخاطِب بذلك مباشرة.
وأما الخارجية: فهي توضح الطبيعة العلمية لإسناد الدلالة إلى الجمل، فالجملة ليست هي الملفوظ، لأنها تركيب نحوي مجرد، أما الملفوظ فله وجود واقعي في حياة الناس اليومية.
أهم مفاهيم التداولية المدمجة:
-أن كثيرا من الأفعال القولية لها وظيفة حجاجية تتمظهر في بنية الجمل، وتحمل الجمل مؤثرات تحدد قيمتها التداولية داخل البنية التركيبية.
-استقلال المقول عن المحتوى الخبري، ومن ثم عدم الحكم عليه بالصدق أو الكذب، لأنه لا تنطبق عليه شروط الصدق والكذب، ومنه أصبح الحكم عليه إلى القوة والضعف التي تحكم علاقة الحجج ببعضها البعض.
-سيندمج التداول في الوصف الدلالي، ويشتغل مباشرة على البنية التركيبية، فيسمى بالتداوليات المدمجة، والوصف الدلالي آلة لها نفس كفاءات الذوات المتكلمة التي تربط المعنى بالقول، وتصور لنا الحدث اللساني باعتباره امتدادا للذاتية.
نستنتج بأن هذه النظرية هي نظرية لسانية منطلقة من كوننا نتكلم عامة بقصد التأثير، فاللغة حسبها تحمل وظيفة حجاجية، وهي في المجمل لا تفصل الدلالة عن التداول بل تدمجهما معا.