2- المدح والفخر:

          إذا كان الشعر الاجتماعي في جملته، محدود الأغراض في العهد العثماني، للظروف التي أشرنا إليها آنفا، لأن العلاقات الشخصية، ظلت تلعب دورا هاما في تحريك القرائح، والتعبير عن ذلك بشعر جيد أحيانا، وقد كثرت الأشعار بين الإخوان والعلماء والأدباء، معبرين بها عن حالات النفس، من شكوى، وطموح، وفخر، وعن التلطف، والإطراء، والتنويه. ولعلماء الجزائر وأدبائها، علاقات كثيرة مع بعضهم، ومع علماء المشرق والمغرب، وسوف لا نأتي على تفاصيل كل العلاقات وملابساتها، لأن ذلك من باب الاستحالة، وحسبنا هنا، الإشارة إلى عدد من الحالات، التي تكشف عما كنا نقول، فهذا العياشي المغربي، يمدح شيخه عيسى الثعالبي، بقصيدة طيبة اللفظ والمعنى، مطلعها:           إِذَا غَالَبَتْكَ النَّائِبَاتُ فَغَالِبْ       بِفَخْرٍ فَحُولَ العِلْمِ عِيسَى الثَّعَالِبِي

فيرد عليه الثعالبي بقصيدة من بحرها وقافيتها، ولكن أقل منها حجما، جاء فيها بعد مقدمة غزلية:

                    فَيَا رُوحَ آدَابٍ وَشَخْصَ فَضَائِلِ        وَنَـــاظِرَ أَحْـــــدَاقِ الذَّكَــــاءِ لـِطَـــالِــــــبِ

                    جُزِيتَ بِمَا أَسْدَيْتَ أَفْضَلَ مِنْحَةٍ        وَبَلَغْتَ مِنْ رُغْبَاكَ أَسْنَى المَطَالِبِ

          وَرَدَ على الجزائر عدد من علماء المغرب وشعرائه، وتبادلوا مع علماء الجزائر وشعرائها، الإجازات، والشعر، والرسائل، ومن هؤلاء نذكر: الجامعي، وأحمد الغزال، وأحمد الورززي، هذا الأخير الذي قال فيه ابن علي شيخ أحمد بن عمار مايلي:

              خَلِيلِي عَــــادَ الأُنْـــسُ وَالـــعـَـوْدُ أَحْمَدُ          فَـــقَـــدْ زَارَنـَـــا شَـــيـْــخُ الـــمَــــشـَـــائـِـــخِ أَحْمَدُ

              رَأَيْـــنَـا مُحَـيـَّـــاهُ الـــــسـَّــــعـِــــيـــدُ وَيَــــا لـَـــهُ          مُـــــــحَــــــيـَّــــــا بـَــــــدَتْ أَنْـــــــــوَارُهُ تـَــــــــتـَـــــوَقَّـــــــــدُ

              فَأَشْهَدُ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ طَلَعَتْ لَـــنَـــا          مِـنَ المـَـغـْـــــــرِبِ الأَقْـــــصَــــى وَلَا أَتَـــــــرَدَّدُ

              وَقَــــدْ فُـــتِحـَــتْ أَبْوَابُ تـَــوْبَـــتِـــنَا بِهَـــا           وَذَا عَكَسَ مَـــا قَدْ كَـــانَ لِلْشَمْسِ يُعْهَدُ

              فَمَا لَكَ قَدْ أَصْبَحْتَ مَالِكَ عِلْمِــهِ           وَفِي خـَـــلـَـــدِي أَنْـــــتَ الإِمَــــامُ المـُـــجَــــدِّدُ

              فَجُـدْ لي بِمَا أَرْجُـــوهُ مِــنــْكَ فـَـإِنَّنِي           رَأَيْـــتُـــكَ كَـــــنْـــــزًا لِـــلْــــذَّخَــــائـِـــــرِ يـُــــقْـــصَــــــدُ  

          أما أحمد الغزال الشاعر والديبلوماسي المغربي، فقد مدح شيخه أحمد بن عمار، حين حضر عليه درسا في الحديث بالجامع الكبير، شاهدا له بذيوع الصيت، وموفور القدر،

18

فقال فيه مرتجلا:

              رُوِينَا الأَحَادِيثَ الأُلَى وَرِثُوا العُلَا            قَــــدِيمًــــــا فَــــــفَـــــازُوا بِـــالـــــثَّــــــنَــــاءِ المؤَبَّدِ

              هَلُمُّــوا إِلَى مَأْوَى المفَــــاخِرِ وَالعُلَا            هَلُمُّوا إِلَى الأَسْمَى ابْنِ عَمَّارَ أَحْمَدِ

              بـِوَالِدِهِ دِيـــنًــــا وَعِـــــــلْمًـــــــا قَـــدْ اقْتَدَى             لَقَدْ جَلَّ نَجْلٌ كَـــانَ بِـالأَبِ يَـــقْـــتَـــدِي

          وفي (نفح الطيب) لأحمد المقري، نماذج من الشعر الإخواني، الذي تبادله مع علماء ووجهاء الشام، من ذلك: ما كتبه عبد الرحمن العمادي، يمدح المقري بقصيدة طويلة جاء فيها:

                        شَمْسُ هُدَى أَطْلَعَهَـا المغْرِبُ       وَطَـــــارَ عَـنْـقَـــاءُ بِهَــا مُـغَرِّبُ

                        فَــأَشْرَقَتْ فِــي الشَّــامِ أَنْوَارُهَـــــا        وَلَيْتَهَا فِي الدَّهْرِ لَا تَغْرُبُ

          جمع محمد العربي بن مصباح، ديوانا في مدح شيخه محمد بن علي الشريف اليلولي، وقد ضمنه ثلاثين قصيدة، لعلماء الوقت وتلامذة الشيخ، وكلها في مدحه، وأضاف إليها ثلاثا من عنده، وفي هذا المجموع، قصيدة محمد بن الحفاف، مفتي المالكية في وقته بمدينة الجزائر، وسمى ابن مصباح عمله (توشيح طراز الخياطة)، ويُذكر أن شيخه، قد سلمه القصائد التي قيلت في مدحه، وطلب إليه أن يصححها، ويشرحها، ويعلق عليها، فقام بذلك طاعة للشيخ وخدمة للشعر.

          ويمكن أن نضيف إلى شعر المدح كذلك، الشعر الذي قيل في تقريظ الكتب ونحوها، ومن ذلك: تقريظ ابن عمار لكتاب (الدرر على المختصر) لابن حمادوش، وتقريظه لكتاب حمودة بن عبد العزيز التونسي، الذي أجاب به عن أسئلة علماء قسنطينة، ففي هذه المناسبة، قال ابن عمار قصيدة جيدة على عادته، جاء فيها:

                   شَمْسٌ تَجَلَّتْ فـَــمَــا أَسْنَى تَجَلِّيهَا       لَاحَـــتْ عَـــلــَـى غُـــرَّةِ الدُّنْيـَـــا تُـــحَـــلِّيهَـــا

                   أَبْدَتْ مَطَالِعَهَـــا أَسْنَى طَوَالِعُهَــــا        مِنْ أَيْنَ لِلْشَّمْسِ تَجَلَّى فِي مَجَالِيهَا

                   قَوِيَ بِهَا عَضُدُ التَّوْحِيدِ مُنْشِئِهَا        فَـــالسَّعْدُ يَكْتُبُهُـــا وَالفَـــخْـــرُ يُـــجَـــلِّـــيهَــــا

 

Last modified: Wednesday, 15 November 2023, 9:47 AM