أغراض الشعر الجزائري القديم (الشعر الاجتماعي)
أغراض الشعر الجزائري القديم (الشعر الاجتماعي)
نعني بالشعر الاجتماعي، شعر الإخوانيات الذي يشاطر فيه العلماء بعضهم بعضا في مناسبات معينة، وشعر الرثاء، والتقريظ، والمدح، لغير الأمراء ورجال الدين، وشعر المجون ونحو ذلك، وإذا حكمنا من الإنتاج الذي بين أيدينا، فإننا نجد أن شعر الإخوانيات قد سيطر على البيئة، فالشعراء كانوا يتبادلون المدح، والنكت، وحتى الهجاء، والفخر، والعجيب أن شعر الرثاء قليل جدا، رغم العاطفة القوية التي يتميز بها الناس عند فقد الأقارب، والأحبة، والشيوخ، كما أن شعر المجون قليل، ولكن لا غرابة في ذلك، فإن المجتمع على العموم، منقبض، قاس على نفسه، تقل فيه الطُرَفُ، والنكت، والشعر الخفيف، وأن المرأة كانت في المقام الثاني، وكانت مشاركتها قليلة في الظاهر، فلم تدخل ميدان الشعر الاجتماعي لا منتجة ولا موضوعا.
1- المجون والمزاح:
يبدو أن محمد بن أحمد بن راس العين، الذي لا يعرف عنه إلا القليل، والذي كان محل تقدير الشعراء والعلماء، ممن اشتهر بشعر المجون، ففي الوقت الذي كان فيه الفقهاء، يلعنون شجرة الدخان، ويفتون بعدم شربها، أو تدخينها، كان ابن راس العين يسخر من فتاواهم، ويخاطب "التبغ" كما يخاطب الخمر المحرمة، ويطلب من النادل أن يسقيه إياها في غليون ممتاز، لأن شربها في الليل في جلسات السمر مع الإخوان، ينعش النفس والفؤاد، ويقول له إن الفتوى بعدم شربها كلام باطل، وإنها عنده حلال طيب، وأن ضوءها يغني عن الصباح، وإن تعاطيها لا يفسد العقل كما يزعمون، وأن من لم يشربها لم يدرك حقيقتها، يقول الشاعر:
اسْــــــقِــــــنِــــــيــــــهـَــــا تَــــبَــــــاغَـــــةً تَجَــــلَّا فِي حُـــــلَـى الـسَّبْسِي
شُرْبُهَـــا فِي الدُّجَــى مَعَ الإِخْوَانِ جَـــــــالِـــــــبُ الأُنْـــــــــــسِ
اسْـــقِـــنِـــيـــهَــا وَدَعْ كَـــــــلَامَ الــــلَّاحِ فَـــهُوَ عِنْدِي مُحَـــالُ
لا تُعَطِّلْ شَرَابَــــهَــــا يَـــــــا صَــــــاحُ فَهِيَ عِنْدِي حَــــلَالُ
شَمْــــعـُــــهُـا يُغْنِي عَــــنْ الصَّــبَاحِ فِي ظَـــلَامِ الـــــلَّـــيَـــــالِ
شُــــرْبُــــهَـــــــــــا لَيْسَ يُفْسِدُ العَقْـــــــلَا لِـــــــــــذَوِي الـــــــــــحِــــــــــسِّ
كُلُّ مَــــنْ ذَمَّ شُــرْبَــــــهَــــــا جَـــهْـــلًا فَــــهُــــوَ فِـــي بــُــــــخْـــــسِ
15
ومن الواضح أن ابن رأس العين، متأثر بالمدرسة الأندلسية في نظم الموشحات، وأنه يعد مقدمة لابن علي في شعر المجون، غير أننا نعرف أن ابن علي، كان مفتيا أيضا، أما ابن راس العين فلم يكن كذلك، فهو أحق بالمجون من صاحبه، ولكن اختلاف العصر يجعل المقارنة بينهما هامة في هذا الباب.
ويدخل في شعر اللهو الاجتماعي، التلغيز أو استخدام الألغاز عن طريق الشعر، تخفيفا من عبء الحياة، واختبارا للذكاء وتنشيطا للذهن، ونعرف أن سعيد قدورة قد تبادل الألغاز مع أحمد المقري، ويحدثنا الفكون أن المقري قد عجز عن الجواب في الأول، ولكنه وجد حله في المرة الثانية، وأنه قد نظم الإجابة شعرا.
ألف بركات بن باديس عملا في الألغاز، سماه: (نزع الجلباب في جمع بعض ما خفي في الظاهر عن الجواب)، كما سماه في مكان آخر: (المسائل السبعينية)، لأنه جمع فيه كما قال سبعين مسألة في الألغاز، نثرا وشعرا، وقال في أوله: «وبعد، فهذه سبعون مسألة كانت حاضرة على البال، وضعتها هنا تقييدا خوف النسيان والإهمال، مفيدا لأهل العرفان والكمال.»، والذي يطلع على هذا العمل، يجد فيه الألغاز التي ذكرها الفكون، والتي ذكرها أيضا ابن حمادوش، والتي كانت متداولة، فيما يبدو، بين علماء وأدباء الوقت.
يحدثنا ابن حمادوش في الرحلة، أن لأحمد البوني كتابا في الألغاز، وأن عددا من الأدباء قد حاولوا الإجابة وفشلوا، حتى اضطروا إلى مكاتبة ابنه أحمد الزروق بعنابة، يطلبون منه توضيح الجواب بمقتضى ما قصد إليه والده، وقد اشترك في حل هذا اللغز بالشعر أيضا: يحيى الشاوي، وسحنون بن عثمان الونشريسي، ومن جهة أخرى، يذكر ابن ميمون في (التحفة المرضية)، أنه كانت لإبراهيم القنيلي الطرابلسي: «قوة الألغاز والأحاجي... وكان كثيرا ما يخاطب بها صاحبه الأول محمد بكداش باشا...».
وقد بلغنا مزاح أحمد بن سحنون مع الأمير عثمان ابن الباي محمد الكبير قبل توليه الحكم، ولعل مما يدخل في هذا الباب، مدح حسين خوجة الشريف باشا لأحمد البوني، فقد نسبت قصيدة إلى البوني في الباشا، أجابه عليها الباشا بقصيدة أيضا، ويعتقد أن الباشا لم يكن شاعرا، وإنما كتبها أحد الشعراء على لسانه قائلا:
ثَبُتَ الجَــمَـــالُ لِــبُــونَــــةَ بِجَلِـيـلِـهَــا وَتَــرَنَّحَـــتْ أَرْجَــاؤُهَـــا بِـــالْـــسُّــــؤْدُدِ
ابْنَي تَمِـــيـــمٍ جُـــدْتُمْ بِــتَـــمِــيــمِــــــكُـم فَــتَــمَــامُكُمْ فِي ذَا التَّمِيمِ الأَمْجَدِ
وَبِـــــقَـــاسِــمٍ فَــــــازَتْ بِحَـــظٍّ وَافِـــــــرِ سَعِدَتْ بِهِ رُغْمًا لِأَنْفِ الـــمُلْحِدِ
وَبِـــــأَحْمَدٍ الجَدِّ الإِمَـــــامِ تَجَدَّدَتْ صَفَحَـــــــاتُ مَجْدِ سَيِّدٍ عَـنْ سَيِّدِ
16
مَلَكَ السِّيَادَةَ وَاقْتَفَى آثَارَ مَنْ لَهُمْ الــعُــلَا أَهْلُ المَقَــامِ الأَسْـعَدِ
وتنسب إلى محمد القوجيلي، عدة قصائد في المزاح ونحوه، من ذلك: الشعر الذي تبادله مع الأديب التونسي محمد بن عثمان ضاي، وذلك الذي تبادله أيضا مع الشريف السوسي حول السماع (الموسيقى)، والقصيدة التي قالها ممتعضا من دخول غير الفصحاء على الفصحاء.
17