3/ البنية العميقة والبنية السطحية: هذه الثنائية من أجل فهم دلالة الجملة.

أ/ البنية العميقة: هي التركيب الباطني المجرد الموجود في ذهن المتكلم وجودا فطريا، وهي أول مرحلة من عملية الإنتاج الدلالي للجملة، إنها التركيب المستتر الذي يحمل عناصر التفسير الدلالي.

ب/ البنية السطحية: أما البنية السطحية فتتمثل في التركيب التسلسلي السطحي للوحدات الكلامية المادية، المنطوقة أو المكتوبة، إنها التفسير الصوتي للجملة.

ومن ثم فكل جملة في إطار النحو التحويلي التوليدي تضم بنيتين عميقة وأخرى سطحية، ويقوم المكون التحويلي بالربط بينهما، كما يتم تحديد هاتين البنيتين على مرحلتين هما:

   أولا: استخراج أو تحديد البنية العميقة التي تعد أول عنصر ناتج عن عملية اشتقاق الجملة، وهي تضم كافة المعطيات الدلالية، كما أنها عالمية.

   ثانيا: تحديد البنية السطحية وهي آخر مرحلة من العملية الاشتقاقية، وتعد المظهر الخارجي للجملة الناتج عن العملية التحويلية التي تحول البنية العميقة إلى شكلها المنطوق الفيزيائي{ ب، س}

   وإن التمثيل الذهني المجرد { البنية العميقة} ظاهرة مشتركة بين جميع البشر في جميع اللغات الإنسانية لكونه انعكاسا مباشرا للتفكير، ولذلك فهو عالمي. أما البنية السطحية فمختلفة بين الأشخاص، متباينة بتباين اللغات لأنها التمثيل الصوتي للكلام المجاري للتنظيم الخاص بكل لغة.

_ ينشأ سؤال محّير عند بعض الدارسين عن العلاقة بين التوليد والبنية العميقة deep structure من جانب، والتحويل والبنية السطحية surface structure من جانب آخر، وحتى نستجلي هذه العلاقة لابد أن نقف على حقيقة كل واحدة من البنيتين، أما البنية العميقة فلها صورتان في التحقق الذهني:

_ أولهما: أن يكون لها تحقق مادي موجود في الاستعمالات اللغوية الجارية على ألسنة أبناء اللغة، كما هو الحال في أقل عدد من الكلمات يكون جملة مثبتة مثل: ( الطقس معتدل) وتكون هذه الجملة:

أ/_ توليدية باعتبارها أساسا لكل ما يشتق منها.

ب/_ بنية عميقة.

وفي الحالتين لابد أن تتوفر فيها صفات أربع(saad)

_ أن تكون جملة بسيطة simple غير مركبة، وإلا لم تكن بنية عميقة مثل: { الكتاب موضوعه مفيد} فهذه ليست جملة بسيطة.

_ أن تكون مبنية للمعلوم active لا مبنية للمجهول.

_ أن تكون مثبتةaffirmative لا منفية.

_ أن تكون تقريرية déterminâte لا إنشائية.

_ ثانيهما: ألا يكون للبنية العميقة تحقق منطوق، ففي مثل قولك: { المصنع قريب} تعني ما يأتي: مصنع+ تعريف+ وصف إخباري" قريب"، هذا هو المعنى الحقيقي لهذه الجملة، ولكنك لا تنطق ذلك، بل تحققه بشيء آخر فتقول: المصنع قريب، وعلى ذلك تكون الجملة المنطوقة " المصنع قريب" هي البنية السطحية بهذا الاعتبار فقط و لكنها مع ذلك جملة توليدية لا تحويلية.

وكذلك عند قولنا:{ هذا مرفوض} فالمعنى هو:

شيء ما+ أشير إليه + وصف إخباري (مرفوض) وتكون هذه هي البنية العميقة، وأما جملة (هذا مرفوض) المنطوقة فبنية سطحية بهذا الاعتبار، وعلى الرغم من ذلك فهي جملة توليدية لا تحويلية ( saad)

وهكذا تكون العلاقة بين التوليد والبنية العميقة مضطربة بعض الشيء وكذلك العلاقة بينهما وبين التحويل و البنية السطحية، وقد دفع هذا الاضطراب تشومسكي إلى عدم التركيز على البنية العميقة في المراحل اللاحقة من مراحل بناء النظرية.

الإبداعية: إن الإبداعية استعمال لنظام اللغة استعمالا ابتكاريا تجدديا، لا مجرد تقليد سلبي لقواعده... فكل لغة تتكون من مجموعة من الأصوات، ومع ذلك فهي تنتج أو تولد جملا لا نهاية لها... فإذا كان الأمر كذلك فإن اللغة خلاقة creative بطبيعتها، أي إن كل متكلم يستطيع أن ينطق جملا لم يسبق أن نطقها أحد من قبل، ويستطيع أن يفهم جملا لم يسبق له أن سمعها من قبل، وعليه فالتوليد عملية إبداعية تميز الإنسان، أبله كان أو ذكيا عن بقية المخلوقات الحيوانية، وتسقط عنه صفة الآلية.

النحوية: إن الهدف الأساسي للنحو التوليدي التحويلي هو التمييز بين الجمل النحوية grammaticale البسيطة، وبين الجمل غير النحوية agrammaticale المنحرفة عن قواعد النظام اللغوي الضمني، والواجب إبعادها عنه « فالجملة تكون نحوية في لغة ما إذا كانت جيدة التركيب، وتكون غير نحوية إذا انحرفت بطريقة أو بأخرى عن المبادئ التي تحدد نحوية هذه اللغة»

إن نظرية النحو التوليدي التحويلي لا يقتصر هدفها على مجرد التمييز بين ما هو نحوي وغيره، وطرد الأخير من مجالها، بل إنها تصبو إلى محاولة تصحيح غير النحوي انطلاقا من قواعد نظامها اللغوي، وهذه ميزة تضطلع بهت دون غيرها، وهذه القدرة على التمييز تسمى:

الحدس: وهو جزء من معرفة الإنسان بقواعد اللغة، حيث اتجه تشومسكي إلى تحليل تراكيب اللغة وتفسيرها اعتمادا على حدس المتكلم ومعرفته الضمنية لقواعد لغته، إذ إنّ الحدس هو الذي يكشف إما عن الالتباس في بعض الجمل، وإما يبين التعادل القائم بينها، وقد كان الحدس اللغوي عنده شيئا ثانويا في مرحلته الأولى، ولكنّه أولى له أهمية كبرى في مرحلته الثانية رافضا بذلك تطبيق القوالب الجاهزة مسبقا على اللغات، معتقدا في نهاية المطاف أنّ مصدر المعلومات الملائمة في التحليل اللغوي هو الحكم النّابع من الحدس الذي يصدره الناطقون بتلك اللغة.

ظاهرة الغموض: قد يكون للبناء الخارجي للجملة الواحدة معنيان متمايزان، والتركيب التالي « نقدُ تشومسكي» مثلا يدل على أنه نقَدَ أو انتُقد، فهذا الغموض في التركيب دفع تشومسكي إلى البحث عن البنية الأصلية للتركيب النووي لكل جملة منطوقة أو مكتوبة ليتسنى استيعاب معناها. إن هذين التركيبين، النووي المستتر، والخارجي الظاهر نطقا أو كتابة هما البنية العميقة والبنية السطحية في النحو التوليدي التحويلي.

Last modified: Saturday, 11 May 2024, 6:29 PM