مدرسة كوبنهاغن
يمثل هذه المدرسة اللساني لويس يلمسليف Louis Hjelmslev(1899م- 196م) الذي ولد بكوبنهاجن بالدانمارك، وبعد الدراسة الجامعية بجامعة كوبنهاجن التي شغل والدُه - وهو أستاذ رياضيات- رئاستها، غادر بلاده فدرس بلثوانيا سنة 1921، وببراغ سنة 1923، ثم بفرنسا سنتي 1926 و 1927م، وهناك تابع محاضرات ميي Meillet وفَندريس Vendryes، كما تعرف خاصة على أفكار دي سوسير ومناهجه التي ساعدته على إرساء دعائم نظريته العالمية الجديدة (الغلوسيماتيك)
تأسست تلك المدرسة بكوبنهاجن في ثلاثينيات القرن العشرين (بين 1933 و 1936م) على يد مجموعة من العلماء على رأسهم يلمسليف يحدوهم الأمل في ترك بصمة خاصة بهم تميزهم عن غيرهم من اللسانيين، لاسيما البراغيين لما لقيته دراساتهم من نجاح، ومنذ عام 1044م بدأت أعمال الحلقة اللسانية لكوبنهاجن تتوالى على منوال أعمال الحلقة اللسانية لمدرسة براغ، يقول عبد الرحمان الحاج صالح:" ظهرت في الربع الثاني من القرن العشرين نزعة بنوية جد متأثرة بأفكار سوسسور وأشهر من كان يمثلها هم بروندال V.Brondal ويلمسليف L. Hjelmslev وأولدال H.Uldallوهذان اللغويان الأخيران هما اللذان أسسا ما سمياه بال Glossématique وهي تمثل نظرية سوسور في أقصى درجات التجريد الصوري." فعلى الرغم من أن يلمسليف لم يكن إلا شارحا لأفكار دي سوسير، إذ كانت آراؤه عبارة عن نظريات سوسيرية، خاصة فيما يتعلق بالعلامة اللغوية، أو العلاقات، أو صورية اللغة... ولكن كل ذلك وفق نظرة صورية مجردة، حيث أضفى يلمسليف وزملاؤه على دراساتهم اللغوية صبغة علمية، وكسوها بمصطلحات غريبة، وصاغوا عناصرَ للغة في رموز جبرية، وتراكيبَها في معادلات رياضية، وهو ما أحدث ردود أفعال عنيفةً من قبل اللسانيين على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والفلسفية. ونتيجة لصعوبتها، وطبيعة مصطلحاتها غير المتجانسة لم تنل تلك الأفكار الاهتمام الذي تستحق، ومن الانتقادات التي وجهت لغلوسيماتيك يلمسليف أنها نسخة نظرية وشخصية للسانيات دي سوسير غير أنه طبقها على نحو فيه مغالاة منطقية.
ترى هذه المدرسة بأن اللسان ليس قائمة مفردات بل أن جوهر اللسان يكمن في تلك العلاقات النسقية الموجودة بين وحداته التي تشكله ولا مناص له منها. فاللغة كيان صوري مستقل وهي شكل أكثر من كونها مادة، ويخضع هذا الشكل أو الكيان لنسق من العلاقات الداخلية يمكن دراستها بنوع من المعادلات الجبرية، ومن هنا فهي ترى اللغة تركيبا رياضيا أو شكلا صوريا بعيدا عن المظهر الدلالي أو الصوتي. بعبارة أخرى إن يلمسليف ينظر إلى واقع الحدث اللساني نظرة شكلية محضة لا يخرج في ذلك عما أشار إليه دي سوسير وهما:
- كَونُ أن اللغة شكل ولا يمكن أن تكون جوهرا (مادة).
- كَونُ أن دراسة اللغة ينبغي أن تتم وفق مستويين اثنين: مستوى المضمون Contenu، ثم مستوى التعبير Expression.
فكل لغة تتكون من هذين المستويين، أي إنها أدلة ذات مظهرين: مظهر صوتي وآخر دلالي، وفي كلا هاذين المستويين يُهتم بالشكل لا بالجوهر، ومما يجب التنبيه عليه أن هذين المستويين متحدان في الدليل اللساني في نظرية سوسير غير مستقل أحدهما عن الآخر، لأن مستوى التعبير هو(الدال) ومستوى المضمون أو المحتوى هو(المدلول)، ولما كانت العلامة اللغوية – حسب سوسير- ذات وجهين، فهي – حسب يلمسليف- ذات مستويين، ولكن لايُهتم في كل مستوى إلا بما كان شكلا، دون ما كان جوهرا أو مادة.
والمخطط التالي يوضح هاذين المستويين:
وقد اهتم بالشكل واستبعد المادة لأن المادة – كما هو موضح في المخطط السابق- مما تختص به الفونتيك (كما هو مبين في مادة التعبير) أو مما يختص به علم الدلالة (كما هو مبين في مادة المضمون)
وترتكز منهجية التحليل عند يلمسليف على البحث عن الوحدات المكونة للسان عن طريق الاستبدال، ففي مستوى التعبير، مثلا، نستبدل – بعد التحليل إلى المكونات النهائية- القافَ من الفعل (قام) بالنون لنحصل على (نام) – وفق ما هو معروف عند البراغيين- فالاختلاف بين الوحدات ناجم عن استبدال أو مقابلة عنصر مكونٍ بآخر. ومستوى المضمون أيضا قابل-حسبه- للتحليل لمكوناته النهائية وفق ما هو معروف في نظرية التحليل التجزيئي أو التكويني للمعنى، التي ترى أن معنى الكلمة مجموعة من العناصر التكوينية أو النويات المعنوية، أو المكونات الدلالية. وهي تقوم على تشذير كل معنى من معاني الكلمة إلى سلسلة من العناصر الأولية مرتبة بطريقة تسمح لها بأن تتقدم من العام إلى الخاص. فكلمة (رجل) مثلا تحلل بحسب هذه النظرية على النحو التالي:
رجل: اسم / محسوس / معدود / حي / بشري / ذكر / بالغ...
أما كلمة (امرأة) فتحلل على النحو التالي:
امرأة: اسم / محسوس / معدود / حي / بشري / أنثى / بالغ...
فكلمة امرأة اختلفت عن كلمة رجل في مكون واحد هو مكون الجنس، واشتركتا في سائر المكونات الأخرى.