البنيوية التكوينية في النقد العربي (التعريف بالنظرية)
طبق النقاد العرب المنهج البنيوي التكويني في مقاربة النصوص الشعرية والروائية، باعتبار أدواته الإجرائية مناسبة للدراسة العلمية للأدب دون إهمال خصائصه الفنية ودون عزله عن الحياة الاجتماعية. ومن النماذج التطبيقية للبنيوية التكوينية في النقد العربي نجد تجربة محمد بنيس في كتابه المعنون بـ: ظاهرة الشعر المعاصر في المغرب –مقاربة بنيوية تكوينية-.
إن محمد بنيس اعتمد على المنهج االبنيوي في دراسة الشعر المغربي المعاصر باعتبار هذا المنهج يهتم بالمضمون والشكل معا. فينطلق في التحليل من البنية السطحية للنص الشعري ليصل إلى بنيته العميقة، وأثناء عملية التحليل يستكشف القوانين التي تحكم هاتين البنيتين.
ومع أن محمد بنيس يصرح في بداية عمله النقدي أنه يعتمد المنهج البنيوي التكويني في التحليل إلا أن المتتبع له يجده يجمع في تحليله بين منهجين نقديين المنهج البنيوي الشكلي الذي يعتمده في دراسة الأعمال الشعرية داخليا من خلال مستوياتها الصوتية، الصرفية، التركيبية، والدلالية، ويعتمد المنهج الاجتماعي الجدلي للخروج من دائرة النص المغلقة وربطه بالحياة الاجتماعية وهو ما يعنيه قوله: "إن اختيار التيار الاجتماعي الجدلي يؤمن قطعا بأن التيار الداخلي للعمل الأدبي لن يوصلنا إلى القبض عن الدلالة المركزية للنص أي الكشف عن الرؤية"
والباحث من خلال هذا الجمع بين المنهج البنيوي الشكلي وبين المنهج الاجتماعي يهمل مبادئ البنيوية التكوينية التي أرساها لوسيان غولدمان وينساق خلف هذه المناهج.
صحيح أن البنيوية التكوينية قد جاءت ردا على الانغلاق المفرط للبنيوية الشكلية وعلى المبالغة في دمج وربط الأعمال الأدبية بالمجتمع والتفسير الاجتماعي للأدب إلا أن لوسيان غولدمان نجح في إرساء مبادئ للنقد البنيوي التكويني باعتبار أن كل تبنين داخلي هو سيرورة في التشكل نحو درجة عالية من التجانس والتآلف في بلورة رؤية للعالم تمثل وعي المجموعة الاجتماعية التي هي الذات الفاعلة جدليا والمبدع الحقيقي في نهاية المطاف.
ومع البعد الذي نلاحظه في تطبيق آليات البنيوية التكوينية إلا أنه حاول السير وفق المنهج الغولدماني وخاصة ثنائية الفهم والتفسير. إذ ينطلق في تحليله من مرحلة الفهم من خلال قراءة البنية السطحية للنص الشعري قراءة لغوية (عروضية، لسانية، دلالية) والبنية العميقة والتي يراها الباحث بمنزلة رؤية العالم.
أما مرحلة التفسير وقد سماها الباحث "خارج داخلي" فهي أكثر اتساعا تمثل النص الغائب الذي يستحيل إلغاؤه فهو البعد الاجتماعي للنص.