مدرسة براغ2
إن من أهم إنجازات براغ الصوتية طرحها نظرية الفونولوجيا وما ارتبط بهذه النظرية من بحوث معمقة حول الفونيم أو الوحدة الصوتية حتى سميت بالمدرسة الفونيمية، حيث لم تحظ مدرسة بشهرة كتلك التي حظيت بها مدرسة براغ فيما يتعلق بالفونولوجيا والبحث الفونيمي، بل إن بعض اللغويين لم يستحضر في ذهنه من براغ سوى جهودها في التحليل الفونولوجي، ولا عجب في ذلك فقد حظي المستوى الصوتي للغة باهتمامهم حتى اتهمها خصومها بأنها فعلت ذلك على حساب المستويات العليا التي عالجتها بصورة أقل وبطريقة غير كافية. وربما تعد أكبر إنجازات المدرسة مناقشاتها حول الفونيم منذ حلقتها التأسيسية الأولى باعتباره أهم مبحث في الفونولوجيا والتي تعنى بدراسة الأصوات التي تؤدي وظيفة أي تتدخل في تشكيل معنى الكلمة وتمييزها عن غيرها، وذلك في إطار لغة معينة( وتسمى تلك الأصوات التمييزية فونيمات).
الفونيم أصغر وحدة صوتية غير دالة، ولكنها يتغير بها معنى الكلمة إذا استبدلت بوحدة صوتية أخرى، فهو تشكل صوتي لا دلالة له في حد ذاته. وإذا عوض الصوت صوتا آخر ولم ينشأ عن ذلك تغيير في المعنى لم يسمﱠ فونيما وإنما هو بدل منه (ألوفون)، ومعنى ذلك أن الفونيم صوت (صامت أو صائت) وليس كل صوت فونيما، يقول تروباتسكوي:" تدرس الأصواتيات الراهنة العوامل المادية لأصوات الكلام البشري: سواء ذبذبات الهواء المناسبة، أم أوضاع وحركات الأعضاء المنتجة لتلك الأصوات. وخلافا لذلك، فإن ما تدرسه الصواتة الراهنة ليس الأصوات بل الفونيمات، أي العناصر المكونة للدال اللغوي، وهي عناصر غير ملموسة، بما أن الدال نفسه غير ملموس " ( ينظر: النظريات اللسانية الكبرى، من النحو المقارن إلى الذرائعية ص 209)
والفونيم إضافة إلى تكوينه العضوي المحدد قادر على التفريق بين معاني الكلمات بمجرد استبداله، ولذلك يعد وحدة من وحدات الوصف في الصوتيات الوظيفية (الفونولوجيا) فالفونيم وحدة صوتية وظيفية مميزة بين المعاني، ومثال ذلك في اللغة العربية:
القاف في الفعل (قال) عبارة عن فونيم، فإذا أحللنا محل القاف نونا أو ميما أو سينا أو جيما أو طاء أو... تغير المعنى، إذ سنحصل على التوالي على (نال)، (مال)، (سال)، (جال)، (طال)... وهي كلمات مشتركة في كل الأصوات باستثناء الصوت الأول، فذاك الصوت الأول سبب اختلافها في المعنى، وتلك هي وظيفته التمييزية.
وبالمقابل إذا أحللنا محل القاف ﭭافا صارت (ﭭال)، وعلى ذلك فالقاف فونيم أما الﭭاف فمجرد ألوفون لأنه لم يسهم في تغيير المعنى، وإنما أدى ما يؤديه القاف من وظيفة، ولم يدل سوى على تأدية لهجية.
وقد يظهر الفونيم في العربية على شكل حركة، فالفعل (غرُب) بضم الراء غير الفعل (غرَب) بفتح الراء، وهما مختلفان عن الفعل(غرِب) بكسر الراء، إذ يعنى الأول الغموض كقولنا: غرُبت اللفظة، ويعنى الثاني الغياب والاختفاء كقولنا: غرَبت الشمس، بينما يعني الأخير المكسورُ الراءِ: إصابة العين في مؤقها.