تعود الجذور الأولى لتأسيس مدرسة أو حلقة براغ الوظيفية إلى العالم اللساني التشيكي ماثيسيوس الذي كانت من دعواته الأولى دراسة اللغة بطريقة جديدة، تختلف عن الدراسة التاريخية، ومعنى ذلك إنه من المؤسسين لعلم اللسانيات الوصفية، وهو العلم الذي ظهر بشكل مستقل منذ أن قدم دي سوسير محاضراته في جنيف. 

وقد ظهرت هذه المدرسة الوظيفية سنة 1926م، أي بعد عشر سنوات من صدور كتاب دي سوسير الذي نشره تلميذاه (بالي وسيشهاي) سنة 1916م، فكوﱠنت جماعة من علماء تشيكسلوفاكيا حلقة دراسة ضمت باحثين تشيكيين ( ماثيسيوس، ترنكا، هافرانك، فاشيك) ولسانيين روسيين( كارسفسكي، تروباتسكوي) إضافة إلى رومان جاكوبسن على الرغم من كونه بولندي الأصل. وقد كان لرومان جاكوبسن ونيكولاي تروباتسكوي أثر بالغ في نشاط هذه الحلقة التي تتميز بتناولها اللغةَ من حيث الوظيفة، حيث أكدت منذ المؤتمر الدولي الأول للغويين المنعقد في لاهاي بهولندا 1928م على الطابع الوظيفي للغة، وما اللسانيات الوظيفية إلا فرع من فروع البنيوية، بيد أنها ترى أن البنية النحوية والدلالية والفونولوجية للغات تحدﱠد بالوظائف المختلفة التي تقوم بها في المجتمع.

ومنذ تلك السنة ظهرت الفونولوجيا على مسرح النشاط العلمي العالمي بصفة رسمية وسميت لذلك بالمدرسة الوظيفية، ولا يقصد بالوظيفية أن أعضاء المدرسة كانوا يرون أن للغة وظيفة فحسب، إذ إن ذلك من البديهيات التي لم تكن لتميزهم عن غيرهم، لكن المقصود أنهم تناولوا اللغة بالدرس والتحليل لهدف إبراز الوظائف التي تؤديها مكوناتها المختلفة أثناء الاستعمال، وهذا ما ميز البراغيين عن غيرهم من اللسانيين خاصة التوزيعيين، فاللساني من أتباع بلومفيلد (وهو توزيعي أمريكي) يكتفي بالوصف، بينما كان البراغيون كمن ينظر إلى محرك السيارة، أي إلى الوظائف التي تؤديها أجزاؤه المختلفة ومكوناته العاملة، وكيف تؤثر طبيعة كل جزء على طبيعة وعمل الأجزاء الأخرى. ولذلك ترى هذه المدرسة أن طبيعة الوظائف اللسانية هي التي تحدد بنية اللغة، وأن اللغة أداة لها وظيفة تقوم بها أو تنوﱡع واسع في الوظائف، أو هي نظام من الوظائف، وكل وظيفة نظام من العلامات، هذا فضلا عن اهتمامها باتجاهات اللغة الجمالية والأدبية خاصة عند رومان جاكوبسن من خلال حديثه عن وظائف اللغة...، وبذلك تأسست العلاقة بين علم اللغة الوصفي والنقد الأدبي. ولم يكتف أصحاب هذه النظرية بالوصف كما يقول سامبسون Sampson  بل تعدوه إلى التفسير مجيبين عن سؤالين رئيسيين:1: ماذا تشبه اللغات؟ 2: ولماذا جاءت على هذه الشاكلة؟

ومادام الأمر متعلقا بوصف البنية اللغوية فإن دراسة البراغيين للغة لم تختلف كثيرا عن دراسة بقية التيارات البنيوية التي عاصرتها، باستثناء ما تميزت به عنها من تناولها للغة من الزاوية الوظيفية وسعيها للتفسير، ولذلك نجدها قد تبنت معظم الأسس التي قامت عليها مدرسة جونيف، ولولا تلك المفاهيم التي أتى بها دي سوسير، كالتمييز بين اللغة والكلام، والآنية والتعاقبية، والدال والمدلول، وغيرها من المصطلحات لما تسنى لعلماء مدرسة براغ وغيرهم التوصل إلى دراسة الأصوات من منظور جديد، فقد تأثروا برأيه في الفونيم باعتباره الجانب غير المادي للصوت، وهو جانب وظيفته التفريق بين المعاني، وذلك من خلال رأيه المشهور المفرق بين ما سماه الكلام( المنطوق بالفعل، الصادر عن الإنسان في الوقت المعين) وبين ما سماه اللسان ( أي اللغة المعينة باعتبارها نظاما جماعيا)... إن هذا التفريق السوسوري بين الكلام واللسان هو أساس التفريق البراغي بين الفونتيك والفونولوجيا، ومن ثم التفريق بين الصوت(الكلامي) والصوت الوظيفي(الفونيم).

 فالمبدأ الأساسي في نظرية الفونولوجيا يعتمد على فكرة سوسير التي ترى اللغة نسقا أو نظاما من العلامات يتقابل بعضها مع البعض الآخر، وأن وصف هذه الوحدات أو العناصر لا يتم إلا بالنظر إلى علاقة كل عنصر بما عداه من العناصر الأخرى، فهي أيضا تعميق منهجي لها، وتأخذ بثنائيته التي تفرق بين اللغة والكلام، فالكلام يقابل مصطلح الفونتيك الذي يدرس الصوت الكلامي باعتباره مادة تدرس من حيث نطقها وانتقالها واستقبالها، أما اللغة فتقابل الفونولوجيا التي تدرس وظيفة هذه الأصوات المنتمية إلى لغة معينة، دون اشتراط نطقها.

Last modified: Saturday, 30 March 2024, 2:27 AM