يتعلق بهذه المدرسة كل ما تناولناه في المحاضرتين الثالثة والرابعة من مادة اللسانيات العامة الخاصة بالسداسي الثالث أثناء تطرقنا لأفكار دي سوسير وأهم ما ركز عليه في صياغة نظريته البنيوية من ثنائيات انطلاقا من فكرة النظام( ينظر مطبوعة اللسانيات العامة) ... فهو- كما يقول عبد الرحمن الحاج صالح - أول من أظهر للناس -من خلال دروسه- أهمية الدراسة البنوية بوصفه وتحليله لمفاهيمها ومناهجها واحتجاجه المقنع لصحتها وعظيم فائدتها. ولعل أهم ما تميزت به أفكار دي سوسير ما يلي:

- كيفية تحديده للعلاقة القائمة بين الدال والمدلول في الأذهان وفي الأعيان وبنائه بذلك نظرية للدليل اللغوي تفسر ماهية الدلالة اللغوية إلى حد ما. ومن ثم ذهب إلى أن العلامة اللغوية "محصلة ارتباط بين الدال والمدلول" وذلك باعتبارها " موضوعا قابلا للتحليل ضمن مستويين يسميهما سوسير تباعا بالدال والمدلول" لا تربط اسما بشيء، فهي غير ثنائية (الاسم والمسمى) كما أنها تختلف عنده عن ثنائية (اللفظ والمعنى) وذلك لما تميزت به من طبيعة سيكولوجية شملت طرفيها (الدال والمدلول)، وفي هذا الفهم الخاص للعلامة اللغوية باعتبارها كيانا ثنائيا يتألف من الربط بين عنصرين بيانٌ لطبيعة هذين العنصرين، وهي طبيعة متماشية مع نظرته البنوية.

 فقد بين دي سوسير من خلال هذه الثنائية خطأ ما يذهب إليه بعض الناس من اعتقادهم أن اللغة ليست سوى عملية لتسمية الأشياء، وكأنها قائمة من الألفاظ يقابل فيها كل لفظ الشيءَ الذي يدل عليه، يقول دي سوسير- مع تعليق لعبد الرحمان الحاج صالح-:" يظن بعض الناس أن اللسان إنما هو في أصله مجموع ألفاظ، أي قائمة من الأسماء تطلق على عدد مماثل من المسميات... وفي تصورهم هذا نظر... إن الدليل اللغوي لا يربط بين شيء ولفظ، بل بين مفهوم وصورة صوتية ( أي يربط لا الشيء المسمى باسمه الملفوظ بل مفهوم ذلك الشيء أو تصوره في الذهن بصورة لفظه الذهنية) فهذه الصورة الصوتية ليست هي الصوت المادي لأنه شيء فيزيائي محض، بل انطباع هذا الصوت في النفس والصورة الصادرة عما تشاهده حواسنا... فالدليل اللغوي إذاً كيان نفساني ذو وجهين."... كما يذهب دي سوسير إلى أن العلاقة بين طرفي العلامة اللغوية (الدال والمدلول) علاقة اعتباطية غير معللة.

- تمييزه الصريح -وكيفية احتجاجه لهذا التمييز- بين اللسان كوضع أو مجموعة منتظمة من الرموز تصطلح عليه الجماعة ويشترك في استعماله جميع أفرادها، وبين الكلام كتأدية فردية للسان، وخروجه بعد ذلك إلى الحكم بأن اللسان بهذا المعنى أي بما هو قدر مشترك، هو صورة وليس بمادة.

- تحديده ،بناء على هذا، لموضوع اللسانيات: هو اللسان لا الكلام في حد ذاته، وإن كان اللسان لا يظهر ولا يمكن مشاهدته إلا من خلال الكلام.

- تمييزه الفاصل بين نوعين من الدراسة: الزمانية والآنية، فقد ذهب دي سوسير إلى الإقرار بوجود نوعين من الدراسة يجب التمييز بينهما، وهما الدراسة الآنية أو السكونية، والدراسة الزمانية أو التطورية، حيث تقدم لنا كل دراسةٍ حقائقَ عن اللغة مختلفةً عما تقدمه الدراسة الأخرى " وهذا منه محاولة إصلاح للآراء الخاطئة التي أضلت أكثر اللغويين الغربيين منذ أن افتتنوا بمفهوم التطور كمفهوم إجرائي في تحليل الظواهر، وقابلوا به المعيارية النحوية أو المنطقية العقيمة."

- العلاقات التركيبية syntagmatiques ( التوزيع) والعلاقات الاستبدالية أو الترابطية Paradigmatiques (الاختيار أو الاستبدال): فاللغة ليست مجرد رصف للعناصر ولكنها تضافر عمليتين متزامنتين هما التوزيع والاختيار المتعلقان -على التوالي- بالعلاقات التركيبية والعلاقات الترابطية، فهما المسؤولتان عن الأداء الصحيح للغة،، ولذلك لا تحدث عملية التركيب التي تعقِد بين مجموعة محدودة من الوحدات التي تظهر على السطح أثناء الكلام إلا بالتزامن مع عملية أخرى مهمةٍ في الدماغ يتم من خلالها اختيار أيٍّ من تلك العناصر المترابطة ذهنيا أولى بالظهور على مستوى التركيب.

Last modified: Saturday, 30 March 2024, 2:19 AM