أولا ماهية البنية:

    تنطوي كلمة بنية على دلالة معمارية مشتقة من الفعل بنى ويقصد ببنية الشيء تكوينه وتعني كذلك الكيفية التي شيد بها هذا البناء أو ذاك ونستعملها في القول: بنية المجتمع، بنية الشخصية، بنية اللغة...وكلمة structure مشتقة من الفعل اللاتينيىstruere بمعنى يبني أو يشيد، وحين تكون للشيء بنية (في اللغات الأوربية) فإنه يعني أنه ليس بشيء غير منتظم أو عديم الشكل بل هو موضوع منتظم له له صورته الخاصة، ووحدته الذاتية.

أما بالنسبة للتعريفات العلمية لكلمة بنية فإن أكثر تعريف شامل لها نجده في قول جان بياجيه (عالم نفس سويسري) : "البنية هي نسق من التحولات، له قوانينه الخاصة باعتباره نسقا. علما بأن من شأن هذا النسق أن يظل قائما ويزداد ثراء بفضل الدور الذي تقوم به تلك التحولات نفسها، دون أن يكون من شأن هذه التحولات أن تخرج عن حدود ذلك النسق" ولا بد لأي بنية أن تتسم بالخصائص الثلاث: (الكلية/ التحولات/ التنظيم الذاتي).

البنيوية: ظهرت كتبار نقدي في القرن العشرين مع دي سوسير في "محاضرات في اللسانيات"  وهي عبارة عن مجموعة من المحاضرات في علم اللغة جمعها طلابه ونشرت بعد موته، وكانت تنادي بدراسة اللغة في ذاتها ومن أجل ذاتهاعتمدة مبدأ المحايثة.

جذور البنيوية التكوينية: إن لوسيان غولدمان ليس مؤسس المنهج البنيوي التكويني بقدر ما كان مؤكدا لآراء سابقيه وأولهم الفيلسوف هيجل. والذي يرتبط مفهوم النسق عنده بمفهوم البنية المشكلة من عناصر جزئية متفاعلة تؤسس في ذلك التفاعل الجدلي الخلاق واللامتناهي كلية النسق العضوية.

وكذا استثمر لوسيان غولدمان في وضعه لحدود ومبادئ البنيوية التكوينية أفكار كل من كارل ماركس، وجورج لوكاتش، وجان بول سارتر.

إذا كانت البنيوية الشكلية تدعو إلى إقصاء كل العوامل الخارجية أثناء تحليلها للنص الأدبي والاكتفاء باللغة وحدها. فإن البنيوية التكوينية جاءت لتتجاوز الإفراط في الانغلاق الذي وقعت فيه البنيوية الصورية.

جاءت المفاهيم والأدوات الإجرائية التي قامت عليها البنيوية التكوينية بعد تراكم فكري وفلسفي ونقدي سوسيولوجي، بدأت مع محاولات أفلاطون وآرسطو ومناقشتهما لمفهوم  المحاكاة، أما في العصر الحديث فقد ربط جان باتيست فيكو بين النسق الاجتماعي والجنس الأدبي. وأوضحت مدام دوستال علاقات التأثر والتأثير بين الأدب والمؤسسات الجتماعية. إلى جانب هذا أعمال كل من سانت بوف وهيبوليت تين ولانسون التي تدخل ضمن النقد الاجتماعي.

اقتصرت البنيوية الشكلية على تحليل النص وحده دون الرجوع إلى المراجعة النفسية لدى المبدع أو ظروفه الاجتماعية، فألغت الفرادة وقضت على المبدع وتميزه. وهذا ما ركز عليه المفكر الفرنسي روجي غارودي في كتابه فلسفة موت الإنسان، إذ وجدت البنيوية نفسها أمام باب مسدود بسبب هذه الانغلاقية، فجاءت البنيوية التكوينية لتعيد قيمة المبدع حيث جمعت بين البعد الاجتماعي للنص الأدبي والبعد اللغوي.

نشأت البنيوية التكوينية في أحضان الفكر الماركسي، للتوفيق بين أطروحات الشكليين ومبادئ الفكر الماركسي الجدلي الذي ركز على التفسير المادي والواقعي للفكر والثقافة عموما، حيث تسمح بنوع من العلاقة بين البنية الفوقية (الثقافة، الأدب، والفنون) والبنية التحتية (كالاقتصاد والمجتمع وما شاكل ذلك). ويسعى هذا المنهج إلى دمج البنيوية بالعلاقات الاقتصادية والاجتماعية وتعتبر الفاعل الحقيقي للإبداع الثقافي هم الجماعات الاجتماعية وليس الأفراد المنعزلين.

ويهدف لوسيان غولدمان من خلال البنيوية البنيوية التكوينية إلى تأسيس منهجية نظرية خاصة به تشرح العمل الأدبي في علاقاته الداخلية، وتدرج بنيته الدلالية في بنية اجتماعية أكثر شمولا واتساعا.

آخر تعديل: الأحد، 3 مارس 2024، 3:28 PM