مفاهيم التأويل، التفسير ، الشرح، التطبيق
مدخل:
حاز القارئ على اهتمام كبير في الدراسات النقدية الحديثة، فلم تعد علاقة المبدع بالمتلقي تحمل ذلك المفهوم الذي يجعل الكاتب منتجا و المتلقي مستهلكا بل أصبح القارئ بمستوياته المختلفة جزءا لا يتجزأ من العملية الإبداعية يشركه المؤلف في بناء نصه ويسند إليه مهمة كشف الدلالات الكامنة في النص وفهمها وتفسيرها واستظهار جماليته، فنجده يترك في النص بياضات ليأتي القارئ ويملأها بوهمه وفق التأويلات المحتملة لها.
مفهوم التأويل:
يستعصي على الباحث في مفهوم التأويل الإلمام بجوانبه لإحالته على دلالات متباينة فبعدما كانت وظيفته تتمحور حول استظهار المعاني الكامنة في الأعمال الأدبية توسعت ليصبح شريكا في تفعيل وإنتاج المعنى. والمفهوم الدقيق للتأويل هو تحديد المعاني اللغوية في العمل الأدبي من خلال التحليل وإعادة صياغة المفردات والتركيب ومن خلال التعليق على النص. مثل هذا التأويل يركز عادة على مقطوعات غامضة أو مجازية يتعذر فهمها، أما في أوسع معانيه فالتأويل هو توضيح مرامي العمل الفني ككل ومقاصده باستخدام وسيلة اللغة وبهذا المفهوم ينطوي التأويل على شرح خصائص العمل وسماته مثل النوع الأدبي الذي ينتمي إليه، وعناصره وبنيته وغرضه وتأثيراته.
مستويات التأويل:
حققت اللسانيات إنجازات نظرية وابستومولوجية مهمة في المنهج والرؤية وفي الإجراءات ونماذج التحليل المستمدة من اللسانيات أثرت في كل مجالات البحث اللساني، ويتم تصور الدلالة في اللسانيات البنيوية على أساس مفاهيم النسق الاعتباطية والقيمة.
وتبعا لهذا الجهاز المفهومي لم تعد اللغة مجرد وعاء يحوي الفكر يدل مباشرة على الواقع، لأنها لا ترتبط بالعالم الخارجي بعلاقة طبيعية، بل إنها تدل على الواقع من خلال وسيط لساني تصوري هو نتاج العلاقة بين الدال والمدلول.
يقول أمبرتو إيكو: مادام أن أي فعل للقراءة هو تعاقد مركب بين قدرة القارئ ونوع القدرة التي يسلم بها نص معين كي يقرأ بطريقة اقتصادية، أي إن القراءة والتأويل تستلزم كفاية لغوية كإرث اجتماعي ليس اللغة كنسق من القواعد النحوية، وإنما معرفة الأنساق الثقافية التي أنتجت في سياق هذه اللغة، وتاريخ التأويلات السابقة للنص الذي يقرأ الآن.
وهذا الجدل النظري للتأويل يبين أنه التعارض بين برنامجين:
أ-التأويل بما هو بحث عن قصد الكاتب.
ب-التأويل بما هو بحث عن قصد النص.
يرفض إيكو البرنامج الأول (المعارضة القصدية)، ويعتبر الثاني منبن على اتجاهين:
1البحث عن قصد النص بالرجوع إلى انسجامه السياقي الخاص.
2البحث عما يريده القارئ من النص، بالرجوع إلى الأنظمة الدلالية الخاصة به، وإلى رغباته وغرائزه ومراميه، وأمرتو إيكو يدمج بين قصدية القارئ وقصدية النص في نسق تفاعلي، وهو ما يسميهب التعاضد النصي.
تبعا لهذا النسق، يعتبر النص استراتيجية نصية بمعنى أنه يخمن مختلف الاحتمالات التي يضعها الآخر (القارئ) إنه يتوقع قارئه النموذجي، بوصفه شرطا أساسيا للتأويل النصي كما يرى أمبرتو إيكو في كتابه القارئ في الحكاية: "لذا تراه –أي النص- يستشف وجود قارئ نموذجي، يكون جديرا بالتعاضد من أجل التأويل النصي. بالطريقة التي يراها هو –المؤلف-، ملائمة وقمينة بأن تؤثر تأويليا بمقدار ما يكون فعله (المؤلف) تكوينيا"
وينتهي إيكو إلى أن الكاتب والقارئ استراتيجيتان نصيتان تشكلان الشرط الضروري لترهين التعاضد النصي.
يميز إيكو بين نوعين من لتأويل:
التأويل النقدي: يحاول تفسير الاستراتيجية النصية المتحكمة في التوليد والفهم.
التأويل الدلالي: إسقاط دلالات على النص دون تفسير الأسباب البنيوية التي تشجع هذا التأويل.