المحاضرة السابعة: أبنية جمع التّكسير ودلالاتها -1- (جموع القلّة وجموع الكثرة)
المحاضرة السّابعة: أبنية جمع التّكسير ودلالاتها -1- (جموع القلّة وجموع الكثرة)
جمع التّكسير هو ما دلّ على أكثر من اثنين بتغيير بناء واحده أو مفرده، كرجال وأفراس، وجمع القلة منه ما كان على وزن أَفْعُل وأَفْعَال وأَفْعِلَة وفِعْلَة، وما عداه فهو جمع كثرة.
وقيل سمي جمع التكسير تكسيرا: "على التّشبّه بتكسير الآنية، لأن تكسيرها إنما هو إزالة التئام أجزائها فلمّا أزيل نظم الواحد فكّ نضده في هذا الجمع فسمي جمع التكسير"، فجمع التكسير بتغيير بنيته عما كان عليها واحدة، فكأنما تم تفكيك بنائه ثم أعيد بناؤه للجمع ثانيا، فذلك أشبه بتكسير الأبنية لتغيير بنيتها عن حال الصحة أو السلامة.
2/ أضرب أو أشكال تغيير صورة مفرد جمع التّكسير عند الجمع
أشار ابن الأنباري إلى أنّ جمع التكسير بناء على تغير بناء مفرده حين جمعه على أربعة أضرب:
أ - أن يكون لفظ الجمع أكثر من لفظ المفرد أي الواحد، نحو: رَجُل ورِجَال.
ب - أن يكون لفظ الواحد أكثر من لفظ الجمع، مثل: كِتَاب وكُتُب.
ت - أن يتساوى لفظ الواحد وجمعه في الحروف دون الحركات، نحو: أَسَد وأُسُد.
ث - أن يتساوى لفظ الجمع وواحده في الحروف والحركات، نحو: الفُلْك للمفرد ولجمعه، كما في قوله تعالى: ﴿فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ [سورة يس، الآية 41]. وقوله: ﴿وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ﴾ [سورة البقرة، الآية 164].
وهذا الضّرب (الرابع) يكون تغيّر بناء مفرده عن جمعه مقدّرا، أما الأضرب الثلاثة الأخرى فتغيير بنائها ظاهر.
نشير إلى أنّ جمع التّكسير يطلق على العاقل وغير العاقل من الأسماء والصفات نحو: رِجال وأَفْراس وشُجْعان، ولا يقتصر على أسماء من يعقل وصفاته كجمع المذكّر السّالم، كما يطلق على المذكّر والمؤنّث، نحو: زُيُود جمع زيد، وهُنُود جمع هِند.
كما نشير إلى أن الفرق بين جمع التّكسير وجمع السّلامة بنوعيه، هو أنّ جمع السّلامة لم يتغيّر بناء مفرده إلا بإلحاق آخر علامة الجمع، أما جمع التّكسير فهو ما تغيّر بناء مفرده بغير ذلك مما ذكرنا سابقا.
3/ قسما جمع التّكسير وأبنيته (صيغه)
ينقسم جمع التّكسير إلى قسمين: جمع قِلَّةٍ وجمع كَثْرَةٍ، فالأول له أربع صيغ قياسية أمّا الثاني فله ثلاث وعشرون صيغةً قياسيةً مشهورةً، وإن ضممنا إليها غير القياسية فقد تزيد عن الثلاثين.
أ- جمع القِلَّةِ
هو ما دلّ على جمع من ثلاثة إلى عشرة من جموع التّكسير، وله أربع صيغ قياسية، أو بالأحرى أشهر صيغه أربعة، هي:
1- أَفْعِلَة: كأَبْنِيَة وأطعمة وأدوية.
2- أَفْعُل: نحو: أَعْيُن، وأَلْسُن، وأَوْجُه.
3- فِعْلَة: مثل: فِتْيَة وصِبْيَة.
4- أَفْعال: نحو: أَحْمال، وأَوْزان، وأَنْهار.
ب- جمع الكَثْرَة
هو ما دلّ على جمع من جموع التّكسير من أحد عشر إلى ما لا نهاية له، وقيل: من ثلاثة إلى ما لا نهاية له، أي أنه يتّفق وجمع القلّة مبدأً ويختلف معه نهاية أو غاية، وله أوزان كثيرة، أشهرها ثلاثة وعشرون وزنا، نذكر منها ما يأتي
1- فُعْل: نحو: سُمْر، وخُضْر جمع أسمر وأخضر على وزن أَفْعل للمذكّر، وسَمْراء وخضراء على وزن فَعْلاء للمؤنّث.
2- فُعُل: جمع لوصف على وزن فَعُول، بمعنى فَاعِل، نحو: صُبُر جمع صَبُور، وجمع لكل اسم رباعي صحيح اللام، ما قبلها ممدود، وإن كان ألفا فيشترط أن يكون غير مضاعف نحو: عُمُد، جمع عِماد، وإلا قِيس على أفْعِلة، مثل: أَهِلَّة جمع هِلَال.
3- فُعَل: لما كان على وزن فُعْلَة من الأسماء كغُرَف جمع غُرْفَة، ووزن فُعُلَة، نحو: مؤنّث أَفْعل: نحو: الصُّغر جمع الصُغْرى.
4- فِعَل: لكل اسم على وزن فِعْلَة إذا كان تاما ككِسْرَة وكِسَر، وبِدْعَة وبِدَع، وقد يأتي على وزن فُعَل: مثل: حِلْيَة وحُلَيّ.
5- فُعَلَة: ويَطَّرِد في كل وصف على وزن فَاعِل، معتلّ اللام لمذكّر عاقل، نحو: قاضٍ وقُضاة، ورامٍ ورُماة.
6- فَعَلَة: ويطّرد في وصف، على وزن فاعِل على صحيح اللام، لمذكّر عاقل نحو: ساحِر وسَحَرَة.
7- فَعْلى: جمع لصفة على وزن فَعِيل تدلّ على توجّع أو بليّة أو آفة أو هلاك أو عيب نحو: صَريع وصَرْعَى، وجَريح وجَرْحَى، وأَسير وأَسْرى.
8- فِعَلَة: وينقاس في كل اسم على وزن فُعْل، بشرط صحّة لامه، مثل: دُبّ ودِبَبَة، ودُرْج ودِرَجَة، وقد جمعوا قِرْدًا على قِرَدَة، وهادَرًا على هِدَرَة على غير قياس.
9- فُعّال: وهو مقيس في وصف، صحيح اللام لمذكّر، على وزن فاعِل، كقائِم وقُوَّام، وصَائِم وصُوَّام، ويندر في معتل اللام، نحو: سَار وسُرَّاء.
10- فُعَّل: وينقاس في كل وصف على وزن فَاعِل أو فَاعِلَة، صحيح اللام، نحو: صائِم وصُوَّم وراكِع ورُكَّع، ويندر في معتلّ اللام، نحو: غازٍ وغُزًّى.
11- فِعال: وهو جمع لستة أوزان
أ- فَعْلٌ أو فَعْلَة: اسم أو صفة ليست عينهما ياء، نحو: كَعْب، وكِعَاب، وقَصْعة وقِصَاع وصَعْب وصِعَاب.
ب- فَعَلَ أو فَعَلَة: اسم صحيح اللام غير مضاعف، مثل: جَمل وجِمَال، وثَمَرَة وثِمَار.
ت- فِعْل: اسم مثل: ذِئْب وذِئَاب، وظِلّ وظِلال.
ث- فُعْل: اسم ليست عينه واوا، ولا لامه ياءً، مثل: رُمْح ورِمَاح، ورِيح ورِياح.
ج- فَعِيل أو فَعيلة: صفة ككَرِيم وكريمة وكِرام، وطويل وطويلة وطِوال.
ح- فَعْلان أو فَعْلى أو فَعْلانة أو فُعْلانة: صفة، نحو: عطشان وعطْشى وعَطْشَانة (التأنيث بالألف أفصح) وعِطاش.
12- فُعُول: وهو جمع لأربعة أشياء، هي
أ- اسم على وزن فَعِل، نحو: نَمِر ونُمُور، وكَبِد وكُبَود.
ب- الاسم الثلاثي على وزن فَعْل: مفتوح الفاء، ساكن العين، وعينه ليست واوًا، مثل: كَعْب وكُعُوب، وعَيْن وعُيُون، ورَأْس ورُؤُوس.
ت- اسم على وزن فِعْل، كحِمْل وحُمُول، وعِلْم وعُلُوم.
ث- اسم على وزن فُعْل، ما لم يكن معتلّ العين واللام أو مضاعفا، مثل: جُنْد وجُنُود، وبُرْد وبُرُود.
13- فِعْلَان: ويجمع عليه أربعة أشياء، هي
أ- اسم على وزن فُعال، نحو: غُلام وغِلمان، وغُراب وغِربان.
ب- اسم على وزن فُعَل، نحو: جُرَذ وجِرْذان، وصُرَد* وصِردان.
ت- اسم على وزن فُعْل، واوي العين، نحو: حُوْت وحِيتان، وعُود وعِيدان.
ث- اسم على وزن فَعْل: عينه ألف أصلها واو، كجار وجيران، ونار ونيران.
ما ورد مجموعا على "فِعْلَان" من غير ما ذكر هو خلاف القياس، ومنه: صِنْو وصِنْوان وغَزال وغِزلان، وقِنْو* وقِنْوان.
14- فُعْلان: ويجمع على هذا الوزن ثلاثة أشياء، هي
أ- اسم على وزن فَعْل، مثل: ظَهْر وظُهْران، وبَطْن وبُطْنان.
ب- اسم على وزن فَعَل، صحيح العين، نحو: بَلَد وبُلْدان وخَشَب وخُشْبان.
ت- اسم على وزن فَعيل كقَضيب وقُضْبان، وكَثيب وكُثبان.
ويشذّ في مثل: واحِد ووُحْدان، وأَوْحد وأُحْدان، وجِدار وجُدْران، وراع ورُعيان، وشابّ وشُبّان.
15- فُعَلَاء: ويجمع على هذا الوزن شيئان، هما
أ- ما كان صفة لمذكّر عاقل على وزن فَعيل بمعنى فاعِل، صحيح اللّام غير مضاعف مثل: ظَرِيف وظُرَفاء، وشَريف وشُرَفاء.
ب- ما كان وصفا لمذكّر عاقل على وزن فَاعِل، دالّا على سجية، مثل: عالِم وعُلَماء، وشاعِر وشُعَراء، وعاقِل وعُقَلاء.
16- أَفْعِلَاء: هو مقيس في كل وصف على وزن فَعيل، إذا كان مضعفا أو معتل اللام، مثل: عَزيز وأَعِزّاء، ووَلِيّ وأَولياء.
معنى اختصاص الأوزان الأربعة الأولى بالقلّة أنّ المدلول الحقيقي لكل منها هو عدد مبهم غير معيّن، غير أنه لا يقل عن ثلاثة ولا يزيد عن عشرة، ويتعيّن معنى القلّة دون الكثرة في حالتين، هما
أ- أن تكون صيغة المعدود من صيغ القلّة المتجرّدة لدلالتها الأصلية، ولا توجد قرينة تصرفها عن ذلك أو بالأحرى إلى الدلالة على الكثرة.
ب- أن تكون الصيغة الدّالة على المعدود إحدى الصيغ الدّالة على الكثرة، إلا أنّ العدد الخاص بها دال على القلّة، كثلاثة أو عشرة أو ما كان بينهما.
قد يضع العرب جمعا معيّنا على وزن صيغة أحد النوعين، ثم يستعملونه في القلّة حينا، وفي الكثرة حينا آخر، استعمالا حقيقيا، والقرائن هي التي تعيّن أحدهما، ومن أمثلة ذلك، استعمال: أَرْجُل، وأعناق وأفئدة فيهما معا، وأيضا: رِجال، وقلوب على وزن فِعال وفُعول، وهما من صيغ الكثرة، كما أنّ العرب قد يستعملون صيغة شائعة في أحد نوعي جمع التكسير موضع صيغة وضعوها للنوع الآخر، وكانت شائعة فيه، فكل من الصيغتين موجودة، إلا أنها تشيع في أحدهما، ولكنهم يستعملونها في معنى الآخر بقرينة في السياق تدل على هذا النقل والتبادل.
وقيل إنّ الجمعين مختلفان مبتدأ وغاية، فالقلّة من الثلاثة إلى العشرة، والعشرة من إحدى عشر فما فوق، وقيل أيضا: أنهما متفقان ابتداءً لا انتهاءً أو نهاية، فالقلّة من الثلاثة إلى العشرة، والكثرة من الثلاثة إلى ما فوق أو إلى ما لا نهاية له، غير أنّ القلّة تتعيّن في النّكرات، أمّا المعارف فصالحة لهما معا باعتبار الجنس أو الاستغراق، وقد يوضع أحدهما موضع الآخر فيستعمل مكانه بالاشتراك المعنوي وليس المجازي، كأرجل جمع رِجْل، ونحو: رِجال جمع رَجُل، فالعرب لم تضع صيغة كثرة للأول، كما لم تضع صيغة قلّة للثاني، أما ما كان له بناءان كـ: أَثْوُب وثِياب جمع ثوب، فاستعمال أحدهما في دلالة الأخرى يكون مجازا مثل: استعمال أثوُب لأكثر من عشرة ثياب أو ثياب للدلالة على أقلّ من عشرة.
يعرب جمع التكسير حسب موقعه في الجملة، ويعامل في إعرابه معاملة المفرد فتختلف الحركات على آخره باختلاف موقعه، فيُرفع، وتكون علامة رفعه الضمّة، ويُنصب وتكون علامة نصبه الفتحة، ويُجرّ وتكون علامة جرّه الكسرة إلا إذا كان ممنوعا من الصّرف فإنه يُجرّ بالفتحة نيابة عن الكسرة ولا يُنوَّن.
يقول ابن يعيش في شرح المفصّل: "واعلم أنّ إعراب هذا الضّرب [يقصد جمع التكسير] يكون باختلاف الحركات، نحو: هذه دُورٌ وقُصُورٌ، ورأيت دُوراً وقُصوراً، ومررت بدُورٍ وقُصورٍ بخلاف جمع الصّحّة، وإنّما كان إعرابه بالحركات لأنه أشبه بالمفرد "، ويقصد بجمع الصّحّة: جمع المذكّر السّالم.