المحاضرة الأولى: أبنية مصادر الأفعال الثلاثية المجرّدة

1-   مفهوم المصدر

المصدر" هو الاسم الدّالّ على الحدث، الجاري على الفعل، كالضّرب والإكرام"، أو" الاسم الذي يصدر عنه الفعل كـ (الضّرب والقتل)، فإنّ (رب، وقتل) صادران عنهما مشتقان منهما".

     وبتعريف أيسر: المصدر هو ما دّل على حدث مجرّد من الزمن، ويكون لجميع الأفعال التامة التصرّف، سواء أكانت مجرّدة أم مزيدة.

    والأفعال التامّة التّصرّف هي التي تصرّف في جميع الأزمنة، والمقصود بالأزمنة هنا الصيغ أي الماضي والمضارع والأمر.

2-   أبنية مصادر الأفعال الثلاثية المجرّدة

الشائع في الأذهان أو لدى الأفهام- ربما- أن مصادر الأفعال الثلاثية في العربية كثيرة تعرف بالسماع أي أنها سماعية وليست قياسية على خلاف مصادر الأفعال الأخرى أي الرباعية والخماسية والسداسية، ولكنّ هناك أفعالاً، ثلاثية كثيرة تضبط أبنية مصادرها على أوزان معينة يمكن أن تندرج في باب القياس أو تعتبر بمثابة الأبنية القياسية، ومن ذلك:

-        ما ذكره سيبويه في باب " بناء الأفعال التي هي أعمال تعداك إلى غيرك وتوقعها به ومصادرها" إذ أشار إلى أن هذه الأفعال هي على ثلاثة أبنية، وهي

 

1-    فَعَلَ يَفْعُلُ

2-   فَعَلَ يَفْعِلُ

3-   وفَعِلَ يَفْعَلُ

وأنّ مصدرها يكون "فَعْلاً" أي يبني على وزن فَعْل، نحو: نَصَرَ نَصْراً، وقَلَبَ يَقْلِبُ قَلْباً، وشَرِبَ يشرِبُ شَرْباً.

   إلا أن بعض الأبنية ممّا  ذكر لم تأت مصادرها على هذا الوزن أي "فَعْل"، ومن ذلك: لَزِمَه يلزَمه لُزوماً، وَوَرَدَ وُروداً، وجَحَدَ يَجْحَدُ جُحوداً، بل جاءت على "فُعول" كما نرى، فشبهها لها بالفعل اللازم جَلَسَ، وقَعَدَ، فنقول جَلَسَ يَجْلِسُ جلوساً وقَعَدَ يقعد قُعوداً على وزن فُعول، فشبهت تلك الأفعال بهذه في بناء مصادرها لأن بناءها واحد، وقد جاء بعض مصادر  ما ذكر على فَعِلٍ مثل كَذبَ يكذب كَذِباً، وعلى فُعْل نحو شُرْب وشُغْل، وعلى فِعْل مثل قاله قيلاً وبعضها على فِعال مثل كذبته كِذاباً، وكتبته كتاباً، وبعض العرب يورده على القياس أي يجعله "كَتْباً" على وزن " فَعْل"، وبعضها جاء على فِعْلان نحو: حِرْمان، وعِرْفان، وعلى فُعْلان، نحو: الشُّكْران وهذا من النوادر التي تحفظ عن العرب- حسب سيبويه- ولا يقاس عليها خلاف الأكثر.

     وباختصار نقول: إنّ مصادر الأفعال الثلاثية المتعدية تأتي في الغالب الأعم على وزن "فَعْل"، ويمكن اعتبار ذلك قياساً فيها، وقد صرّح بذلك ابن مالك في ألفيته، إذ يقول

فَعْلٌ قياسُ مصدرِ المعُدّى       مِنْ ذِي ثلاثةِ كـَ " رَدَّ رَدّا"

     وقد أشار ابن عقيل في شرحه على الألفية إلى أن الفعل الثلاثي المتعدّي يجيئ مصدره على "فَعْلٍ" قياسا مطّرداً مثلما نص عليه سيبويه، حيث نقول: رَدَّ رَدَا، وفهم فَهْماً ونصر نصراً، معتبراً أن بعضهم أخطـأ الرأي بزعمه أنه غير مقيس.

ب- أما الفعل اللازم وهو الذي لا يتعدى إلى مفعول به أو إلى منصوب كما ذكر سيبويه- فإن مصدره يبنى على وزن "فُعول"، نحو جَلَسَ جُلُوساَ وقعد قُعوداً، وذهب ذُهوباً، وثَبَتَ ثُبوتاً، وقالوا في الأخير حسب سيبويه- الذَّهاب- والثَّبات، على وزن فَعال مثلما بنوه على فُعول، والفُعول أكثر وبنوا بعضها على وزن "فَعْلٍ" مثل سَكَتَ سَكْتاً وحرد حَرْداً.

ت- وما دلّ على حرفة أو صناعة فإن مصدره غالباً على "فِعالة" نحو خِياطة" وتِجارة، وزِراعة. يقول سيبويه" وقالوا : التّجارة، والخياطة والقِصابة"، وإنما أرادوا أن يخبروا بالصنعة التي يليها، فصار بمنزلة الوكالة، وكذلك السّعاية، إنما أخبر بولايته كأنّه جعله الأمر الذي يقوم به".

ث- والغالب فيما دّل على امتناع أن يبنى مصدره على "فِعال" نحو: أَبى إباءً، وجَمَحَ جِماحاً ونَفَرَ نِفاراً.

ج- وما دلّ على حركة واضطراب فمصدره غالباً على وزن "فَعَلَان" نحو: غَلى: غلياناً وطاف طَوَفاناً.

ح- والغالب فيما يدل على داء أن يكون بناء مصدره على وزن "فُعال" نحو سُعال وزُكام وعُطاس، وسُكات، يقول سيبويه :" وأمّا السُّكات فهو داء قالوا: العطاس، فهذه الأشياء لا تكون حتى تريد الدّاء".

خ- وإن دلّ الفعل على صوت فالغالب أن يكون مصدره على "فُعال أو فَعيل"، أو عليهما معاً، نحو: صاحَ صِياحاً، وصَهَلَ صَهيلاً، ونَعَقَ نُعاقاً ونَعيقاً.

 

 

د- وإن دلّ الفعل على سير فمصدره غالباً على وزن "فَعيل" رحل رحيلاً ودبّ دبيباً".

ذ- أما إن دلّ على لون فيكون مصدره غالباً على وزن "فُعْلة" نحو حمرة، وخضرة.

     وعليه نستنتج أن مصادر الأفعال الثلاثية تكون سماعية في الغالب، إلا أن منها ما هو قياسي، أي له ضوابط تحدّده، ويقاس من مصادر الفعل الثلاثي ما جاء على وزن: فَعْلٍ، وفَعَلٍ، وفُعولٍ، وفِعالٍ، وفَعَلَانٍ، وفُعالٍ، وفَعيلٍ، وفَعُولةٍ، وفَعَالَةٍ، وفِعَالَةٍ.

 

Last modified: Wednesday, 10 January 2024, 10:54 PM