مثل هذه المدرسةَ النحاةُ الذين خلطوا المذهبين ( وكأنهم بذرة الأخفش الأوسط ) وانتخبوا من آراء الفريقين لما كانت بغداد مقصد البصريين والكوفيين معا لكونها عاصمة الخلافة آنذاك دون أن يتحرروا من قيود المذهبين السابقين، فمذهب أبناء هذه المدرسة مذهب انتخابي ضم الخصائص المنهجية للمدرستين معا، فضلا عن أخذهم بمصطلحات الفريقين كما هي الحال اليوم، حتى أصبح طلاب النحو لا يفرقون بين المصطلح البصري والمصطلح الكوفي وكأن المصطلحين في الباب الواحد مترادفان كالنعت والصفة والجر والخفض وغير ذلك.

مميزات المدرسة البغدادية ومنهجها:

- جمعت بين المذهبين ومالت إلى الانتخاب.

- عُرفت هذه المدرسة بكثرة العلماء لأنها جمعت في بغداد بين من كانوا بصريين ومن كانوا كوفيين، وقد نجم عن تلك الكثرة في الأعلام كثرةٌ في المصنفات وفي الشروح المتعلقة بمصنفات السابقين.

- اتباع نهج من انتهت إليهما رئاسة الدرس النحوي، وهما المبرد وثعلب.

- لم يكن منهم من تعصب لأحد المذهبين على الرغم من ميلهم إلى أحدهما على حساب الآخر إلا قليلا، كتعصب ابن دَرستويه للبصرة وتعصب سليمان الحامض للكوفة.

- الاعتماد على الفصيح من المسموع والتثبت منه دون إقصاء، كما هي حال ابن جني في خصائصه، حيث يقول:" اللغات على اختلافها كلها حجة."

- الاحتجاج بالقراءات الشاذة ( ابن جني مثلا) وحتى بالحديث النبوي( كالزجاجي وخاصة الزمخشري في كتابه الأحاجي النحوية)

- الاحتجاج بشعر المولدين، كاستشهاد أبي علي الفارسي في كتاب الإيضاح ببيت أبي تمام:

مَنْ كانَ مرعى عزمهِ وهُمومِه ... روضُ الأماني لم يزلْ مَهْزولا

وكذلك فعل الزمخشري في الكشاف مبررا ذلك بقوله:" وهو وإن كان محدَثا لا يُستشهد بشعره في اللغة فهو من علماء العربية فأجعل ما يقوله بمنزلة ما يرويه." وقد احتج بشعر البحتري أيضا وهو من شعراء القرن الثالث وبشعر المتنبي وهو من شعراء القرن الرابع.

- تأثر بعض البغداديين بألفاظ أهل المنطق وعلم الفلسفة ومصطلحاتهما، كالعرض والجوهر والعلة وعلة العلة والدليل والحجة...

- اهتمام بعضهم بالعامل النحوي، حيث وضعوا له الأحكام والأصول.

- الميل إلى العمليات العقلية من تحليل وتأويل وحجاج وجدل مصحوب بالاستدلال والتعليل، كإكثار ابن جني من التعليل وكذلك ابن كيسان وغيرهما، وربما هو الأمر الذي دفع أبا علي الفارسي لأن يقول في أبي الحسن الرماني وهو نحوي معتزلي معروف بالنحو الممنطق المفلسف:" إن كان النحو ما يقوله الرماني فليس معنا منه شيء، وإن كان النحو ما نقوله فليس معه منه شيء."

أعلام المدرسة البغدادية: يمكن تقسيم نحاة بغداد إلى جيلين شكلا منهجها الخاص:

 

الجيل الأول: ميال إلى مذهب الكوفة دون تحيز أو تعصب على حساب البصرة، وذاك من الاعتدال والوسطية، فكانوا يسمون بالكوفيين تارة وبالبغداديين تارة أخرى، ومن هؤلاء:

ابن كيسان(299 هـ): خلط المذهبين فأخذ عن المبرد وثعلب، من كتبه المهذب في النحو، والمختار في علل النحو.

ابن شقير(317 هـ): من مؤلفاته: المقصور والممدود، المذكر والمؤنث، مختصر في النحو.

ابن الخياط، أبو بكر(320 هـ): له: الموجز، المقنع، النحو الكبير.

 

الجيل الثاني: ميال إلى مذهب البصرة دون تعصب على مذهب الكوفة باستثناء قلةٍ منهم، ومن أعلامه:

سليمان الحامض(305 هـ): كان شديد التعصب للكوفة.

الزجاج(310 هـ): له مختصر النحو، فعلت وأفعلت، ما ينصرف وما لا ينصرف، وقد كان ميالا إلى البصرة.

الأخفش الأصغر، علي بن سليمان(315 هـ): خلط المذهبين، وأخذ عن المبرد وثعلب واليزيدي.

ابن السراج(316 هـ): له الأصول في النحو، شرح كتاب سيبويه، الموجز... وقد كان ميالا إلى البصرة.

نفطويه(323 هـ): له كتاب المقنع، خلط المذهبين، وقد كانت بينه وبين ابن دريد مهاجاة.

ابن الأنباري، أبو بكر(327 هـ): له الكافي، والواضح، والموضح. كان ميالا إلى الكوفة.

الزجاجي، أبو القاسم(337 هـ): تلميذ الزجاج، من مؤلفاته الجمل، الكافي، الأمالي... كان ميالا إلى البصرة.

مبرمان(345 هـ): له شرح شواهد سيبويه، التلقين...

ابن درستويه(347 هـ): كان شديد التعصب للبصرة، من مؤلفاته الإرشاد، أسرار النحو، الرد على ثعلب في اختلاف النحويين، أخبار النحويين...

السيرافي، أبو سعيد(368 هـ): له شرح كتاب سيبويه، أخبار النحويين.

ابن خالويه(370 هـ): كان ميالا إلى الكوفة منتصرا لثعلب.

أبو علي الفارسي(377 هـ): له الإيضاح، التكملة، التذكرة، الحجة في القراءات... ميال إلى البصرة.

الرماني، أبو الحسن(384 هـ): له شرح كتاب سيبويه، شرح أصول ابن السراج. كان ميالا إلى البصرة شديد النزوع إلى الفلسفة والمنطق في درسه النحوي.

ابن جني(392 هـ): ميال إلى البصرة. من كتبه النحوية سر صناعة الإعراب، والمحتسب.

الربعي، علي بن عيسى(420 هـ): له شرح الإيضاح، وشرح مختصر الجرمي. وهو ميال إلى البصرة.

الزمخشري(538 هـ):

ابن الشجري(542 هـ):

الأنباري، أبو البركات(577 هـ): له لمع الأدلة، والإنصاف، والإغراب في جدل الإعراب....

العكبري، أبو البقاء(616 هـ): كان ميالا إلى الكوفة، له شرح الإيضاح، شرح اللمع، شرح المفصل، التبيين في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين.

ابن يعيش

الرضي الاستراباذي

Modifié le: lundi 11 décembre 2023, 20:26