يمكننا استهلال هذه المحاضرة بمجموعة من الأسئلة المتعلقة بعلم النحو وظروف نشأته ونموه ونضجه، منها: ما النحو؟ وما الباعث على نشأته؟ ومتى وضع ومن واضعه؟ وكيف كانت حاله في بداياته الأولى؟ وهل بقيت حاله - فيما بعد - كما كانت حين نشأ؟

تعريف النحو:

   جاء في المقاييس لابن فارس:" النون والحاء والواو كلمةٌ تدلُّ على قصد. ونحوْتُ نَحْوَه. ولذلك سمِّي نَحْوُ الكلام، لأنه يَقصِد أصول الكلام فيتكلمُ على حَسَب ما كان العرب تتكلَّم به... ومن الباب: انتحَى فلانٌ لفلانٍ: قصَدَه وعَرَض له."

   أما النحو في الاصطلاح فهو كما جاء في خصائص ابن جني في باب القول على النحو:" هو انتحاء سَمْت كلامِ العرب في تصرفه من إعراب وغيره، كالتثنية، والجمع، والتحقير، والتكسير، والإضافة، والنسب، والتركيب وغير ذلك ليلحق من ليس من أهل اللغة العربية بأهلها في الفصاحة، فينطقَ بها وإن لم يكن منهم، وإن شذّ بعضهم عنها رُد به إليها. وهو في الأصل مصدر شائع أي: نحوت نحوا كقولك: قصدت قصداً، ثم خصّ به انتحاء هذا القَبِيل من العلم، كما أن الفقه في الأصل مصدر فقِهت الشيء، أي عرفته ثم خصّ به علم الشريعة من التحليل والتحريم، وكما أن بيت الله خُص به الكعبة وإن كانت البيوت كلّها لله، وله نظائر في قصر ما كان شائعاً في جنسه على أحد أنواعه."

بواعث نشأة النحو:

   أما ما تعلق بنشأة علم النحو من أسباب ودوافع فيعود معظمها إلى أسباب دينية قرآنية بالدرجة الأولى، وذلك بعد أن اتسعت بلاد الإسلام منذ القرن الهجري الأول جراء الفتوحات وما نجم عن ذلك من اختلاط العرب بغيرهم من الأعاجم الذين صاروا مسلمين مخالطين للعرب في شبه الجزيرة وغيرها من البلاد الإسلامية، راغبين في تعلم دينهم، مقبلين على كتاب ربهم، مواظبين على زيارة المقدسات الإسلامية من أجل الحج والعمرة خاصة، فضلا عن المجاورة والإقامة، وهو الأمر الذي أثر على اللغة العربية سلبا فأدى إلى بداية فشوَ اللحن في البيئة العربية، وهي البيئة التي طالما حافظت على سلامتها اللغوية قرونا قبل ذلك، حيث " كان العرب ينطقون عن سليقة فطروا عليها، فلا يجهدون الذكر في ترتيب المفردات أو بناء الجمل، وهم في حال معرفه تامة بأساليب كلامهم عل وفق ما جبلوا عليه، وما توارثوه من أسلافهم. غير أنهم بعد مجيء الإسلام، ومخالطتهم الأعاجم مالت ألسنتهم إلى اللحن، والخروج عن أصول الكلام إلى مالا تحمد عقباه، فكانت غيرتهم على الدين وعربيتهم دافعاً لوضع النحو."

  وبعد أن رأى بعض الغيارى المخلصين من العلماء وولاة الأمر خطرَ اللحن الواقع من أبناء العرب ومن بعض أكابرهم -وهو الخطر الذي تعاظم وتفاقم حين تعدى اللحنُ اللغةَ إلى القرآن الكريم- انبروا للنظر في لغة العرب مستخرجين قواعدها من استعمالات السليقيين ومن مصادر أخرى على رأسها كلام الله تعالى، ولذلك فإن الدافع الرئيس الذي مهد لنشأة الدراسات النحوية دافع ديني بالدرجة الأولى، متعلق بالخوف على نصوص القرآن الكريم من التحريف نتيجة لتوسع رقعة الدولة الإسلامية ودخول الأعاجم في الدين الجديد منذ القرن الهجري الأول، وفي هذا  يقول محمد حسين آل ياسين:" إن النحو العربي نشأ بسبب الزيغ الذي طرأ على ألسنة العرب والخطأ في تلاوة القرآن الكريم، وذلك بعد اختلاطِ العرب بغيرهم من الأمم الأعجمية -ولاسيما في الأقطار المجاورة للجزيرة-  ونشأةِ المجتمعات الكبيرة التي جمعت أخلاطا مختلفة من الناس، فنشأ من هذا الاختلاط في الحياةِ والاجتماعِ الاختلاطُ اللغوي وطروقُ الفساد على ألسنة العرب وأبنائهم الناشئين في مثل هذه المجتمعات، وفي طليعة ذلك مجتمعات البصرة والكوفة وبغداد."

   ولمّا كان للقرآنِ الكريم أثرٌ عظيمٌ في الّلغة العربيّة، بعدِّه المصدر الأوّل للعربيّة، وكتابِها الأكبر، إذ إليه ترجع نشأةُ علومها كافّةً، من نحوٍ وصرفٍ ولغةٍ ومعجمٍ وبلاغةٍ وغيرها، فإنَّ الّلحْنَ وحدَهُ، لا يفسّر نشأة النّحو؛ فالنّحو شأنُ العلوم الإسلاميّة الأخرى، نشأ لفهم القرآن الكريم، والبونُ شاسعٌ بين محاربةِ الّلحن، وإرادةِ الفهم؛ لأنّ اللحنَ ما كانَ ليفضيَ بهذا النّحو إلى ما أفضى إليه في هذه المرحلة الباكرة من حياته."

 وضع النحو واضعه:

   أما عن واضعه فإن العلماء والمؤرخين اختلفوا في الأولين الذين سبقوا إلى هذا الوضع، ولجلال الدين السيوطي - رحمه الله- كتاب بعنوان (سبب وضع علم العربية) جمع فيه كثيرا من المرويات المتباينة المتعلقة بنشأة علم النحو وأول من وضعه، يقول في مقدمته:"... فهذا جزء جمعت فيه الأخبار المروية في سبب وضع علم العربية وبالله التوفيق"

 وبتتبع كتب التراجم وما ذكره الرواة القريبون إلى هذا العصر، يتبين أن معظمهم ينسب الوضع الأول إلى أبي الأسود الدؤلي،

   أما موطنه فالبصرة بلا خلاف، إذ " لما كانت البصرة أول مدينة مُصِّرت في الإسلام وفي العراق كانت أسبق إلى هذا الاختلاط وانتشار الخطأ والفساد في الألسنة، فكانت الداعيةُ فيها إلى نشأة ضوابط لسانية تصون ألسنتهم من الخطأ في المنطق وفي التلاوة القرآنية أشدَّ، ولهذا قام الغيارى على هذه اللغة وعلى لغة التنزيل بالمبادرة الأولى في وضع هذه الضوابط." حال النحو في بداياته الأولى:

   أما عن حال النحو في بداياته الأولى فمتسمة بالبساطة والسطحية، شأنه شأن مختلف العلوم في بداياتها، وقد وثقت الروايات المتعلقة بنشأة النحو وواضعه أهم مواضيعه ومباحثه التي تطرق إليها أصحاب قصب السبق بالتدريج في ذاك المجال بدءا بأبي الأسود الدؤلي ثم تلامذته من بعده كعنبسة الفيل، وعبد الرحمن بن هرمز، ونصر بن عاصم الليثي، ويحي بن يعمر العدواني، إلى أن قوي واستوى شيئا فشيئا على يدي عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وعيسى بن عمر الثقفي، وأبي عمرو بن العلاء، ومن جاء بعدهم كالخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب، والأخفش الأكبر أبي الخطاب، وسيبويه، والكسائي، والفراء، والأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة،  وغيرهم من جهابذة النحو.

 وقد وصف أحمد مختار عمر تلك الحال الأولى التي اتسم بها النحو بأنها " إشارات أو أحكام سريعة تمت في وقت مبكر جدا لا يتجاوز النصف الثاني من القرن الأول الهجري كتلك التي قام بها أبو الأسود الدؤلي أو علي بن أبي طالب أو غيرهما." خلافا لما صار عليه النحو فيما بعد خاصة في زمن الخليل.

نضج النحو وثراؤه بالآراء والمذاهب:

   إن كون الكتاب لسيبويه أولَ عمل نحوي كامل يصل إلينا ممثِّلا نحو النصف الثاني من القرن الهجري الثاني إنما يعني جهودا وإسهامات قدمها النحويون قبله فأضاف كل لاحق لبناتٍ إلى ما بناه وسطره السابقون، فقام النحو صرحا مكتمل البناء حسنَه. وقد ذكر المؤرخون وأصحاب التراجم كثيرا من الآراء والاجتهادات والأعمال النحوية التي سبقت الكتاب وأسهمت في تدرج النحو واكتماله، خاصة ما ألفه عيسى بن عمر، حيث قيل إن له كتابين أحدهما سماه (الجامع)  والآخر (الإكمال) وكلاهما مفقود، وقد مدحهما الخليل بقوله:

بطل النحو جميعا كله        غير ما أحدث عيسى بن عمر

ذاك إكمال وهذا جامع      فهما للناس شمس وقمر

فالحقيقة إذن أن النحو لم تبق حاله كما كانت عليه في بداياته الأولى، فقد عرفت ساحة هذا العلم إقبالا منقطع النظير، وهو الأمر الذي جعله من أغنى العلوم من حيث كثرة علمائه ومريديه، ومن حيث تعدد الآراء وتباينها فيما يتعلق بقضاياه ومسائلِه، ومن حيث اختلاف الأصول التي اعتمدها المنتسبون إليه، ومن حيث وفرة مؤلفاته وتنوعها، ومن حيث استمراره وتعميره، إذ لم يخل قرن من القرون من مؤلفات جديدة فيه، ومن حيث انتشاره وتوزعه الجغرافي، إذ لم تتخلف بيئة من بيئات العالم الإسلامي شرقه وغربه عن شرف الإسهام فيه... وهو الأمر الذي ترتب عنه ما يسمى بالمذاهب أو الاتجاهات أو المدارس النحوية.

تقسيم المدارس النحوية:

   بعد إجابتنا عن السؤال الأخير المتعلق بحال النحو بعد نشأته ونضجه، وإشارتنا إلى ما عرفه من تنوع في البيئات، وتباين في الأصول، وتعدد في الآراء والمذاهب التي ازدادت بمرور الزمن، سنتناول موضوع التقسيم المتعلق بآراء العلماء فيما يخص تلك الاتجاهات أو المذاهب أو المدارس... فقد مر موضوع تقسيم النحاة واتجاهاتهم أو انتماءاتهم بثلاث مراحل:

1/ تسمية العلماء بأمصارهم وبلدانهم: وقد كان ذلك شائعا منذ أن تميز أهل الكوفة عن أهل البصرة وظهر الخلاف بينهما في الآراء والأصول والمصطلح وغير ذلك، وهو على غرار الخلاف الذي كان في بيئات علمية مختلفة على رأسها بيئة الفقه.

 وتسمية العلماء بأمصارهم وبلدانهم أمر شائع معروف في مؤلفات من أرخوا للنحو من متقدمي المؤرخين وأصحاب التراجم ومن اهتموا بالقضايا الخلافية وبالأدب عامة كابن سلام( 224 هـ) وابن قتيبة( 276هـ)  وأبي الطيب اللغوي( 351 هـ)... وقد كان من أشد الدارسين رفضا لهذا المعيار سعيد الأفغاني " فليس هناك قاعدة أجمع عليها نحاة البصرة وتوارد على معارضتها نحاة الكوفة، أو قال بها الآخرون جميعا وعارضها الأولون جميعا"

2/ وسم مناهج العلماء وطرائقهم بمصطلح " مذهب": وهي مرحلة تالية لمرحلة التسمية الجغرافية، حيث كان يطلق على ما نسميه اليوم مدرسة نحوية اسم المذهب على غرار ما كان معروفا في بيئات علمية أخرى بين أصحابها اختلاف في الآراء وبعض الأصول كالمذهب المالكي أو الحنفي أو الشافعي أو الحنبلي أو الظاهري في بيئة الفقهاء، وكالمذهب الأشعري أو الماتريدي أو المعتزلي في بيئة المتكلمين. وكان ممن سبق إلى إطلاق ذلك في بيئة النحو ابن النديم( 385 هـ) في (الفهرست) وأبو بكر الزُبيدي (379 هـ) في (طبقات النحويين واللغويين) وقد سار على تلك التسمية كثير ممن جاء بعدهما من المهتمين بالنحو والنحاة كأبي البركات الأنباري(577هـ)  في ( نزهة الألباء في طبقات الأدباء )...

3/ إطلاق اسم "مدرسة" على المذهب أو المصر المعين: وهي تسمية حديثة تنم عن تأثر بالغربيين الذين شاع عندهم هذا المصطلح خاصة في الدراسات الأدبية كالمدرسة الكلاسيكية والمدرسة الرومنسية والمدرسة الواقعية والمدرسة الرمزية، وكذلك الدراسات اللسانية كمدرسة جونيف والمدرسة التوزيعية والمدرسة السياقية... وتعود بدايات استخدام هذا المصطلح إلى المستشرق كوتولد فايل G.Weil في مقدمة كتاب (الإنصاف) للأنباري، وقد تبعه كارل بروكلمان في كتاب (تاريخ الأدب العربي). أما من أوائل العرب استخداما لهذا المصطلح فنذكر الدكتور مهدي المخزومي في كتابه (مدرسة الكوفة ومنهجها في دراسة اللغة والنحو)، ثم شوقي ضيف فيكتابه (المدارس النحوية) وعبد الرحمن السيد من خلال كتابه (مدرسة البصرة النحوية).

بين المذهب والاتجاه والمدرسة:

مفهوم المذهب:

هو " الطريقة والمعتقد الذي تذهب إليه، والمذهب عند الفلاسفة مجموعة من الآراء والنظريات الفلسفية ارتبطت بعضُها ببعض ارتباطا منطقيا حتى صارت ذات وحدة عضوية منسقة ومتماسكة." وعلى ذلك فطريقة البصريين في دراسة النحو مذهبٌ وطريقة الكوفيين مذهبٌ آخر غيرُ المذهب الأول، وقد سمي كل من المذهبين فيما بعد مدرسةً "والقدماء أنفسهم أطلقوا على منهج البصريين اسم المذهب ومثله على منهج الكوفيين، وهم يقصدون بهذا الاسم ما نقصد بالمدرسة."

مفهوم الاتجاه: يشبه هذا اللفظ من حيث الدلالة لفظ المذهب، فالاتجاه كما يبدو بمعنى المذهب، ولم يفرق بينهما الشيخ الطنطاوي في كتابه( نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة) أثناء حديثه عن المذهب البغدادي حيث قال:" نشوء المذهب البغدادي على أيدي الجامعين بين النزعتين: قد مر بك أن فترة من الزمن بعد تلاقي الفريقين في بغداد اختلف فيها اتجاهات العلماء إلى ثلاثة أنحاء." ضمت البصريين والكوفيين والبغداديين.

 إلا أن الاتجاه قد يكون أخص من المذهب والمدرسة وأقل شأنا منهما، كأنْ يكون في المذهب الواحد اتجاهات مختلفة يضمها ذلك المذهب، أو أن يكون خاصا بشخص واحد كأنْ يكون لسيبويه اتجاه وللمبرد اتجاه آخر وكلاهما يمثل المذهب البصري أو المدرسة البصرية، فلا يرقى الاتجاه إلى وسمِه بالمذهب أو المدرسة، لأن المذهب كما عرفنا الطريقة والمعتقد الذي يتشكل من مجموعة من الآراء والنظريات.

مفهوم المدرسة: جاء في المعجم الوسيط:" المدرسة جماعة من الفلاسفة أو المفكرين أو الباحثين تعتنق مذهبا معينا أو تقول برأي مشترك، ويقال هو من مدرسة فلان على رأيه ومذهبه."

  وهي عند محمد حسين آل ياسين " لفظ يطلق على جماعة من الدارسين تشترك في وجهة النظر، ويكون لها منهج خاص يؤلف منها جبهة علمية، ويرتبط أفرادها برباط الرأي الموحد."

وقد عرف أحمد مختار عمر المدرسة النحوية بقوله:" إن هذا المصطلح يعني في نظرنا وجود جماعة من النحاة، يصل بينهم رباط من وحدة الفكر والمنهج في دراسة النحو. ولابد أن يكون هناك الرائد الذي يرسم الخطة ويحدد المنهج، والتابعون أو المريدون الذين يقتفون خطاه ويتبنون منهجه، ويعملون على تطويره والدفاع عنه. فاستمرار النظرية، أو المنهج، ودوامها عبر السنين شرط أساسي لتكون المدرسة التي لا يمكن أن تستحق هذا الاسم، أو يعترف بوجودها بمجرد مولد النظرية أو خلقها، حتى تعيش ويكتب لها البقاء لبعض الوقت بين المريدين."

موقف الدارسين من النحو العربي: تعددت آراء من تناول النحو العربي بالدراسة وتباينت، ومن ذلك:

- من الدارسين من أنكر وجود مدارس نحوية يتميز بعضها عن بعض أسلوبا ومنهجا، مدعيا أنها مجرد تجمعات جغرافية، ومن هؤلاء على أبو المكارم في (أصول التفكير النحوي) وسعيد الأفغاني في (في أصول النحو)، يقول:" درج العلماء على أن هناك مذهبا بصريا وآخر كوفيا. فما معالم كل من المذهبين؟ هذه الميزات والمعالم الآتية بعد ليست جامعة مانعة. فليس هناك قاعدة أجمع عليها نحاة البصرة وتوارد على معارضتها نحاة الكوفة، أو قال بها الآخرون جميعا وعارضها الأولون جميعا."

- ومنهم من لم يعترف إلا بمدرسة وحيدة هي مدرسة البصرة منكرا وجود مدرسة أخرى اسمها المدرسة الكوفية فضلا عن غيرها من بغدادية وأندلسية ومصرية... وقد سبق إلى هذا الرأي المستشرقُ جوتولد فايل G.Weil في مقدمة كتاب الإنصاف للأنباري، وممن قال به من العرب الدكتور إبراهيم السامرائي في كتابه المدارس النحوية أسطورة وواقع.

- ومنهم من أثبت وجود مدرستي البصرة والكوفة فقط، وهو رأي الدكتور مهدي المخزومي، وإليه مال الدكتور محمد حسين آل ياسين حيث قال - بعد أن ساق تعريف المدرسة-:" وعلى هذا فهناك مدرستان في الدراسة اللغوية قديما هما مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة، لصحة انطباق الحد المذكور على كلتا المدرستين، ونحن نختلف مع من نفى صفة المدرسة عن الكوفيين على هذا الأساس. ونختلف أيضا على الأساس نفسه مع من أطلق على جماعة من الدارسين في بغداد اسم المدرسة البغدادية وأخرى في مصر اسم المدرسة المصرية وثالثة في الأندلس اسم المدرسة الأندلسية." فخلافه هذا مع من لم يعترف إلا بالمدرسة البصرية وعلى رأسهم كوتولد فايل وإبراهيم السامرائي، ومع من قال بوجود مدارس كثيرة كما فعل شوقي ضيف في كتابه المدارس النحوية.

وهذا الرأي هو نفسه رأي الزبيدي في كتابه طبقات النحويين واللغويين، حيث جعل البغداديين مع البصريين أحيانا ومع الكوفيين أحيانا أخرى، وذلك حسب اتجاه كل نحوي وميوله، وكثيرا ما كان القدماء يسمون هؤلاء البغداديين بالجماعة الذين خلطوا المذهبين، ولم يطلقوا عليهم اسم المدرسة أو المذهب وعيا منهم لطبيعة المنهج كما فعل كل من ابن النديم( 385 هـ)  في الفهرست، والزبيدي ( 379 هـ) في الطبقات، والسيرافي( 368 هـ)  في أخبار النحويين، والأمر نفسه بالنسبة للنحاة الأندلسيين والمغاربة والمصريين والشاميين لأنهم جميعا ممن خلطوا المذهبين وعولوا في النحو على الانتخاب وشيء من الاجتهاد خلافا لما تميز به النحو البصري عن النحو الكوفي.

 

Last modified: Monday, 11 December 2023, 7:00 PM