-الدولة الرستمية: هي أول دولة خارجية في التاريخ، أسّسها عبد الرحمان بن رستم الفارسي الأصل وهو من أحفاد رستم أمير الفرس وقائد جيشهم بالقادسية، التي سحق فيها العرب المسلمون أهل فارس، ويبدو أن الخوارج ينتقمون من الإبراطورية العباسية، الشاسعة الأطراف، اعتمادها على العصبية القريشية، وفي ظل هذه الظروف نشأت الدولة الرستمية في بيئة جزائرية، في مدينة تيهرت تيارت حاليا، وخطّطت لعمرانها وأجرت المياه فيها، ومن حولها، وحاولت تنظيم الجيش، واجتهدت في تأسيسس إدارة لتسيير شؤون أهل الإمارة، وكذا نشر العلم بين الناس في المساجد التي كانت تحتدّ فيها المناقشات، ويكثر في جنباتها التدريس والتنوير على النزعة الخارجية الإباضية، بيد أن ذلك لايعني أن عامّة سكان الدولة الرستمية كانوا كلهم على مذهب ابن رستم وأصحابه ، بل كانت هناك فرق أخرى تحاول فرض نفوذها مثلا: الصقرية، الإعتزالية...، كان أمير هذه الدولة الجديدة فارسيا، كما كانت عصبيتهاإن شئت بربرية على نحوها، في حين أن نزعتها المذهبية إباضية، مما جعلها لا تعدم شيئا قليلا أو كثيرا من الاعتدال في الرأي والتسامح في الفكر فهي دولة مؤسسة تحت لواء الإسلام.

2-عوامل انتشار اللغة العربية في الشمال الافريقي:

يمكن حصر العوامل التي أدت إلى انتشار اللغة العربية في افريقيا الشمالية التي تعدّ الجزائر قلبها النابض فيما يلي:

أ-هجرة بعض  الفرق الإسلامية إلى بلاد المغرب: إن الفتنة التي وقعت على عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه والتي تولد على إثرها نتائج خطيرة حيث قتل وهو يصلي الفجر في مسجد الكوفة عام 40ه أدّت إلى تمزق في الرؤية الإسلامية واعتناق الناس مذاهب وفرق خرجت من رحم هذه الفتن الهوجاء من بينها: الخوارج- الشيعة- المعتزلة، ومن بقي من الناس في الصفّ سميوا بأهل السنة أو الجماعةـ وقد انقسم هؤلاء أيضا على نهج عباداتهم في كثير من الفروع فإذا هم يتمذهبون  بأربعة مذاهب كبرى: المالكية- الشافعية- الحنفيةو الحنبلية.

وقد عنّف الأمويون بكل الفرق الإسلامية التي لم تدن لسلطانهم ومن تلك الفرق الخوارج الذين تعرضوا على عهدهم لمذابح رهيبة لا تشرّف بأي وجه من الوجوه حرّية الرأي الذي كرّم بها الله عبده فاضطر أهل النزعة الخارجية المتطرفة غلى التشتت من أرجاء الأقطار الإسلامية المفتوحة إلى بلاد المغرب وخصوصا جبال نفوسة بليبيا، وبعض المناطق الداخلية من الجزائر ( تيهرت) وضواحيها.

ب- أثر تأسيس الدولة الرستمية في التمكين للعربية من الانتشار:

نشأت الدولة الرستمية في خضم الحروب الطاحنة ببلاد المغرب بحيث لا تكاد حرب تضع أوزارها حتى تضطرم حرب أخرى مكانها أشرس وأضرى، حيث وصفها عبد المالك مرتاض بالدولة العجيبة التركيب، وقد وقع تأسيسها تحت ظروف اضطرارية لم تكن متوقعة، ولا مخططا لها من قبل، فقد جاء عبد الرحان بن رستم من القيروان التي كان عليها واليا، وبعد أن علم أن ابن الأشعث مبعوث أبي جعفر المنصور قتل أبا الخطاب في معركة بطرابلس، أمعن الهرب نحو الغرب إلى أن بلغ قبيلة "لماية" فألمّ عليها لقديم حلف كان بينه وبين أهلها فيما يزعم المؤرخون، وفي هذا تقول أمل بنت صالح الشمراني عن تأسيسها:« ...تعود بدايات نشأة الدولة الرستمية بعد أن نجح أحد أفراد فرقة الخوارج ويدعى أبو الخطاب المعافري في تأسيس دولة إباضية بين قبائل البربر في بلاد المغرب...إلا أن الخليفة أبو جعفر المنصور أرسل إليهم جيشا مجهزا يقوده محمد بن الأشعث الخزاعي والتقى معهم في معركة تاورغا فقتل أبا الخطاب، واستقر في مدينة القيروان، بعد أن هرب عبد الرحمان بن رستم مع عائلته ونزل ضيفا على قبيلة لماية جنوب تيهرت وأسس دولة جديدة سماها الدولة الرستمية»[1]

ويجب أ نذكر بأن هذه الدولة كانت ثاني دولة تنشق عن الإبراطورية العباسية في الغرب إذ تأسست ستة سنوات من بعدمرور عبد الرحمان ابن رستم الذي لقب في التاريخ بأنه الداخل، ولو صدق الوصف للقب ب" صقر قريش"[2]

والواضح أن ابن رستم ينحدر من عائلة كانت تحكم فارس في عهد ما من التاريخ، وكان في دمه غريزة السلطة، والتطلع إلى تأسيس دولة على الطريقة الفارسية في إدارتها، جيشها، مع تطعيمها ببعض التقاليد الجديدة التي رسّختها الخلافة العباسية في الشرق العربي بدمشق وبغداد ذلك أن غرست في نفوس الفاتحين حب اللغة العربية والسعي وراء انتشارها وكذا التشبع بتعاليم الدين الإسلامي وإن اختلفت المذاهب.

     امتد النفوذ السياسي على عهد عبد الوهاب بن عبد الرحمان بن رستم، وهو ثاني امير رستمي يحكم تيهرت بعد وفاة والده المؤسس ، وكان عهد عبد الوهاب أزهى عهود الدولة الرستمية وأقواها، حيث امتدت حدود الدولة لتطأ تلمسان وما يجاورها غربا،وإلى طرابلس شرقا، إلى الزاب جنوبا، وذكرت بعض الروايات أنّها امتدت إلى ضواحي فاس وسجلماسة بالمغرب الأقصى.

ج- الرحلة إلى المشرق لطلب العلم:

     كان العرب قديما يعرفون بالحل والترحال، ويعتبرون الرحلان لطلب العلم مظهرا مشرّفا في الثقافة الإسلامية، حيث ظلوا يتبادلون الرحلة من المشرق إلى المغرب، ومن المغرب إلى المشرق للظفر بميادين المعرفة، وكذا التتلمذ على يد كبار العلماء سماعا وذلك بحضور مجالسهم ومناقشتهم، حيث كانت تعرض مسائل العلم وقضايا المعرفة، فكان الطلبة يلتمسون مشافهة الرجال والاتصال بهم شخصيا وكانو  يفتخرون بذلك.

ويقرّ الناقد عبد المالك مرتاض أن رحلة بكر بن حماد التيهرتي الزناتي هي من بين أهم الرحلات التي احتفظ بها التاريخ، وذلك في (سن مبكرة) 17، ولم توجد في كتب التاريخ تفاصيل عن خلفيات هذه الرحلة ودوافعها الحقيقية، حيث أصبحت هذه الرحلة مصدر تساؤل وجدل للنقاد على اختلاف مشاربهم ومن ذلك تساؤل مرتاض الذي مفاده:- هل رحلته هي هروب من مدينة تيهرت خشية الاضطهاد المذهبي؟ أم معرفية خالصة؟ويرسى الناقد أخيرا على إجابة مفادها أن بكرا بن حماد التيهرتي كان قد سافر إلى بغداد مرورا بالقيروان لطلب العلم حيث كان صاحب طموح وعلوّ و همّةـ، وقوة شخصيةو ارتأى أن يكمل تعليمه لأنه رأى بأن تعليمه في تيهرت ناقص نوعا ما...فذهب إلى مدينة بغداد واستطاع أن يفرض نفسه على النوادي الأدبية، حيث هجى الشاعر الطائر الذكر دعبل الخزاعي الذي كان سيّئ الرأي في الخليفة العباسي المعتصم، وإذا ببكر يحرّض الخليفة على دعبل وقد عاتبه أبو تمام الطائي على ذلك.

جالس بكر بن حماد أدباء بغداد ومفكّريها وفقهائها ومحدثيها وعلى الصعيد الأدبي نذكر: أبو تمام الطائي، دعبل الخزاعي، علي بن الجهم، والرياّشي، أبو حاتم السجستاني...، ويبدو أن أبا بكر كان أول شخصية فكرية جزائرية صميمة ميلادا ومنشأ ونسبا،و دارا، ترقى غلى تبوّأ الشهرة العربية مشرقا ومغربا ةفي الأندلس حيث تصدّر التعليم بالقيروان عام أربعة وسبعون ومائتين للهجرة.

وعليه إن رحلة  بكر بن حماد تنصرف إلى تعليل انتسار اللغة العربية بين المثقفين في الجزائر حين تلقى تعليمه الأول بمدينة تيهرت في بيئة ثقافية تتخاصب فيها ثقافات إسلامية متعارضة تنتمي إلى فرق الإباضية، والصفرية والواصلية، بالإضافة إلى الذين كانوا منتمين فكريا إلى الفقه العراقي المعروف بالرأي والقياس، والفقه الحجازي( المااكي) الشهير بالمحافظة الشديدة على التعلّق بالنص.

المصادر والمراجع:

1-أمل بنت صالح الشمراني، عوامل ضعف وسقوط دولة بني رستم في المغرب الأوسط، مركز البحوث والدراسات التاريخية، جامعة الأمير سطام عبد العزيز

2-عبد المالك مرتاض، الأدب الجزائري القديم، دار هومة، الجزائر، 2009، ص 27

 

 

معلومات الاتـصال

الأستاذة: عقيلة سرير

البريد الالكتروني: akilaserir@gmail.com

البريد المهني: a.srier@univ-dbkm.dz

رقم االهاتف: 0541404862

أيام التواجد بالجامعة: الأحد- الأربعاء - الخميس

 



[1] أمل بنت صالح الشمراني، عوامل ضعف وسقوط دولة بني رستم في المغرب الأوسط، مركز البحوث والدراسات التاريخية، جامعة الأمير سطام عبد العزيز ، ص306.

[2]   ينظر، عبد المالك مرتاض، مرجع سابق 32/38.

Last modified: Saturday, 9 December 2023, 2:23 PM