المحاضرة الرابعة
المحاضرة الرابعة
ينبغي كذلك الأخذ بعين الاعتبار معطيات المناخ بهذه المنطقة لفهم ماقبل التاريخ ، فتتميز منطقة إفريقيا الغربية بالتهاطل الغزير للأمطار كلما اتجهنا نحو السواحل ، وتتناقص كلما اتجهنا نحو الشمال حيث الصحراء ، أما في الجنوب فنجد منطقة السباسب الكبرى تتوسطهما الغابات المطرية الكثيفة ، تضم المنطق مرتفعات غينيا والطوغو والكاميرون النيجر والتشاد وغانا ونيجيريا والسنغال وليبيريا والبنين وغيرها. لم تنتج إفريقيا الغربية في الفترة التي سبقت العصر الحجري الحديث لحد الآن- الأشكال الإنسانية القديمة كما كان الحال في إفريقيا الشرقية والجنوبية ، ولا الكثير من الأدوات ، كما أن طبيعة المنطقة لا تسمح بحفظ تلك المخلفات أيضا ، ضف إلى ذلك فإن تلك المنطقة لا تتوفر فيها حيوانات الصيد من حيث الكثرة والتنوع مثلما هو الحال في إفريقيا الشرقية والجنوبية ، ويمكن اعتماد الفترة الممتدة إلى غاية 500 سنة ق. م. فترة العصر الحجري الحديث في إفريقيا الغربية.
ظهرت هنا كذلك الصناعات الحجرية الصغيرة المثبتة بالسهام ما يدل على أن أصحابها كذلك كانوا يملكون القوس وأن الصيد به كان يلعب دورا كبيرا ومهما في اقتصادهم ، كما ظهرت بعض القطع العريضة من الصيوان تسمى المعازق وهو ما يدل على وجود الفلاحة ، كما وجدت بالمنطقة بعض الصناعات الفخارية والفؤوس اليدوية ، إضافة إلى ظهور المهاريس المنحوتة وبعض الصناعات العظمية ، إذا فقد كان سكان المنطقة يتعاطون الفلاحة واستوطنوا الكهوف والمخابئ تحت الصخور ، كما يظهر أن سكان المناطق الساحلية قد توصلوا إلى استثمار الأصداف لتكون طعما لصيد الأسماك أو للتغذي عليها.
السكان على الساحل الغربي هم عبارة عن مجموعة من المزارعين يتوزعون الأمكنة التي تكثر فيها المياه لتساعدهم في أعمالهم الزراعية.
إن جميع في إفريقيا الجنوبية تعتبر المنطقة مسكن الانسان الأول وهي منطقة تتميز بالسباسب والغابات المتوسطة الكثافة ، كما عرفت المنطقة مناخا مستقرا نسبيا يساعد على الاستمرار.
تتشكل المنطقة من هضبة ، واسعة تغطي الجهة الشرقية منها الأحراش والمراعي الواسعة ، وكلما اتجهنا نحو الغرب نلاحظ ازدياد درجة التبخر وظهور الجفاف في السهول الواسعة وتضم كل من زمبابوي وملاوي وزامبيا وجنوب إفريقيا ومدعشقر وغيرها.
إن المواقع التي تعود إلى العصر الحجري الحديث تفوق عدد المواقع المعروفة في العصور السابقة في المنطقة ، وكانت هذه الفترة فترة تزايد ديموغرافي في المنطقة ، كما هذه الفترة إحتلت الكهوف والملاجئ تحت الصخرية أكثر فأكثر ، كما استغل انسان هذه المنطقة في هذه الفترة موارده المحلية أكثر من ذي قبل ، وتبين بقايا الحيوانات بمواقع الإقامة الأهمية المتزايدة للصيد خاصة بين الساحل والمناطق الداخلية الجبلية ، كما أثبتت لنا الدراسات وجود تنقلات إحدى الجماعات بتتبع الموارد الفصلية من الماء والأعشاب والحيوانات ما يؤكد على أنه كانت تقع اتصالات منتظمة بين المكتشفة مجموعات متجاورة.
تنحصر صناعات العصر الحجري الحديث بالمنطقة في الصناعات المتكونة أساسا من الحجارة الصغيرة والمكاشط والمحكات والأدوات الحادة المستعملة كرؤوس سهام ، ما يؤكد على استعمال القوس والسهم في الصيد ، إضافة إلى وجود أدوات عظمية أخرى وأسلحة الرمي ، تواصل إنتاج هذه الصناعات إلى الألف الثانية قبل الميلاد. إحتل الصيادون القاطفون من العصر الحجري الحديث بعضا من المناطق التي تعد من أغنى المناطق في العالم من حيث الموارد الغذائية الحيوانية والنباتية ، ولما كانت موارد الصيد هذه لا تنفذ وجد الصيادون متسعا من الوقت لتعاطي أنواعا من النشاط الفكري خاصة فن الرسم الصخري مثل طريقة عيش هؤلاء الصيادين القاطفين بهذه المنطقة في هذه الفترة ، مع عدم وجود آثار الصناعة الفخار. كما مارس سكان الجنوب صيد الأسماك خاصة بتقنية فخاخ السلة المصنوعة من الخشب ذات الشكل المخروطي ، حيث كانت توضع هذه الفخاخ في مجرى النهر كما توضحه الكثير من الرسومات الصخرية بالمنطقة ، إضافة إلى استعمالهم للسنارات رفيعة من العظم مسننة وبها قاطع ، إضافة إلى استعمالهم الحراب وهم واقفون في القوارب ، كما كانوا يصيدون كذلك عجول البحر بالضرب بالعصى حتى الموت أو بالقوس ، فسكان هذه المنطقة لم يكرسوا جهودهم لتدجين الحيوانات والزراعة ، وإستعملوا القرب وبيض النعام لنقل الماء ، ولا يوجد ما يوثق أنهم استعملوا الفخار في ذلك ، كما اعتمدوا على أكلهم أيضا على القواقع والمحار والحشرات وبعض الحيوانات الصغيرة.