المحاضرة 01
محاضرات في مادة
وسط وغرب إفريقيا قبل القرن السابع
إن تاريخ غرب إفريقيا قبل القرن السابع يكتنفه الكثير من الغموض نظرا لغياب المصادر االمكتوبة حول هذه الفترة التي عرف فيها هذا الجزء من القارة عزلة حقيقية عن باقي شعوب و حضارات العالم، مما جعل دراسة هذه الفترة يعتمد بصورة شبه كاملة على الآثار المادية التي تركها الإنسان في هذه المنطقة من نقوش و رسومات و بقايا البنايات و المعابد والقصور و الخزف.
المحور الأول
حضارة الصيد في السافانا بإفريقيا جنوب خط الاستواء
مجتمع الصيد وجمع الثمار هو مجتمع يعتمد اقتصاده على البحث عن الطعام من النباتات والحيوانات البرية، بحيث لم يصل الى مرحلة يمكنه فيها صناعة طعامه او تامين غذائه اليومي عن طريق الزراعة او التربية الحيوانات.
وقد كان الصيد وجمع الثمار هو طريقة مورد الرزق السابقة للإنسان الهومو في جنوب افريقيا (وهو أول إنسان انشأ حضارة حجرية)، وتوضح جميع الدراسات أن الصيد و جمع الثمار النموذج الاقتصادي السائد في إفريقيا جنوب الصحراء إلى غاية الألفية السابعة قبيل الميلاد.
رغم أن أول الحضارات الإفريقية التي وصلت إلينا كانت منذ أن ظهر استعمال الحديد، و خاصة في منطقة السافانا، إلا أن هناك حضارات أخرى اقل تطورا ظهرت في المنطقة، اقتصر نشاطها الاقتصادي على صيد الحيوانات، في ظل جهلهم لتقنيات تربية الحيوانات والدواجن و زراعة الأرض.
لقد تميز الاقتصاد بالنسبة لهذه الأمم ببساطة كبيرة حيث لا يظهر فيها مجهود الإنسان في تطوير المنتوج الاقتصادي الذي اقتصر على أكل لحم الحيوانات التي تعيش في الخلاء بدون تدخل الإنسان، فحتى أثار عظام تلك الحيوانات ما تزال تشهد على تنوع تلك الأصناف الحيوانية التي كانت تخضع لصيد الإنسان الإفريقي، فحتى الحبوب التي كانت تجمع فانها من نوع الحبوب التي تنمو بطريقة طبيعية في الخلاء، و قد استعملت البغال من اجل طحن تلك الحبوب بعد قطفها.
لكن يبدو أن هذا النمط الاقتصادي البدائي لم يكن يحقق للإنسان الإفريقي الأمن الغذائي فهناك عدة شواهد أثرية تبين بان هناك العديد من هذه القوام كانوا يموتون من سوء التغذية أو نقصها أو بسبب المجاعات، خاصة مع بداية عصر التصحر و الجفاف خلال العصر النيوليتي(العصر الحجري الحديث.
و لقد تجسدت حضارة الصيد جليا في الأقوام و المجموعات البشرية التالية:
أولا: الخوسيون:
ويعرفون أيضا بــــ (الكوسيون) وهم مجموعة عرقية من البانتويون تعيش في جنوب شرق جنوب أفريقيا، و الخوسيون هم السكان الوحيدون الذين سكنوا البلاد منذ عصور ما قبل التاريخ .
ثانيا: البانتو:
أُطلقت هذه التسمية على الشعوب التي تتحدث لغة البانتو، وهي شعوب تنتشر في معظم إفريقيا الجنوبية، من منطقة البحيرات العظمى الأفريقية في الشمال إلى سواحل رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا .و يتميزون عن الزنوج بفارق بسيط في لون بشرتهم الأقل سوادا نوعا ما، و لقد انقسم البانتو إلى ثلاث أقسام و هي بانتو الجنوب، و البانتو الشرقيون، و البانتو الغربيون أو ما يعرفون ببانتو منطقة الكونغو.
و يطلق عليهم أيضا اسم بانتويون وهي مجموعة إثنية تعيش في جنوب قارة أفريقيا تتكون من مئات المجموعات العرقية يتكلمون لغات تتفرع من لغة أم واحدة هي البانتو وينتشرون ولا تعد اللغة هي الرابط الوحيد الذي يجمع البانتو و إنما يشتركون في وحدة الدم إذ ينحدرون من أصل عرقي واحد، لكن هذه الأسرة الكبيرة من البانتو عرفت تطورات جعلتها تنقسم إلى فروع جغرافية و تاريخية مكنت كل مجموعة منها من التميز بكيانها الاقتصادي والديني والعادات، منهال بانتو الشمال و بانتو الجنوب.
و تبقى المنطقة التي تشكل موطن حضارة البانتو هي إفريقيا الوسطى و بالضبط المنطقة الانتقالية بين منطقة الساحل الإفريقي و منطقة حواف الغابات الاستوائية، و هو ما يعرف بمملكتي البنين و الكونغو القديمتين.
1.انتشار شعوب البنتو:
يرجع المؤرخين سبب هجرة البانتو من مواطنهم الأصلية لسببين هما:
السبب الأول:
و يتمثل في انتقال البانتيين من اقتصاد بدائي هش يقوم على الصيد و التقاط الثمار إلى اقتصاد يقوم على إنتاج الغذاء كالزراعة و الرعي و تربية الحيوانات، مما نجم عنه تراجع في الوفيات و تزايد في النمو الديموغرافي أدى بهم إلى البحث عن مناطق حيوية أخرى خارج مواطنهم الأصلية أي من غرب إفريقيا إلى وسطها. بعدما استفادوا من تقنية زراعة الموز واليام([1])، التي جلبها الاندونيسيون إلى غابات وسط إفريقيا بين سنتي 200 و400م، أما السبب الثاني: فيعود إلى الغزو، حيث أدى تطور تقنيات صناعة الحديد إلى تفوق البانتو على الأقوام الأخرى مما جعلهم يقومون بغزو مواطن خارج موطنهم الأصلي، كما أصبحت الشعوب الأخرى تنجذب إليهم بسبب تفوقهم في استعمال الحراب الحديدية، و قدراتهم الفائقة على الصيد و الحصول على اللحوم، و من جهة أخرى قوتهم في دفع الأقوام الأخرى إلى الهجرة.
ثالثا: مجموعة السان(او البوشيمان):
السَّان هم مجموعة من السكان الأصليون في إفريقيا الوسطى ، و لقد جاء مصطلح للتعبير عن البوشيمان التي استعملت خلال الفترة الاستعمارية، وتشير الدلائل التاريخية والأركيولوجية إلى ان مجموعات البوشمن عاشت في مناطق جنوب أفريقيا منذ 22 ألف سنة، مما يجعلهم من أقدم المجموعات العرقية ان لم تكن الأقدم على الإطلاق في أفريقيا. وهي مجموعة بشرية عرقية بدائية تعيش في صحراء كالهاري التي تتوزع بين كل من بتسوانا ونامبيا وجنوب أنغولا.
و تتوزع قبائل البوشمن(السان) ما بين بتسوانا ونامبيا. يبلغ عددهم الآن حوالي 82 ألف نسمة، منذ حوالي 22 ألف عام، ويختلف شعب بوشمان عن الزنوج ببشرتهم البنية المصفرة وقاماتهم القصيرة وجباههم البارزة وعيونهم الضيقة. و يصنف البوشيمان على أنهم أقدم جماعة بشرية اتخذوا الحيوانات الأليفة في إفريقيا، و هم صيادون بالدرجة الأولى.
و كلمة بوشيمان مركبة من كلمتين هما: بوش و تعني شجيرات القصيرة، و مان: وتعني الرجل، و بهذا فهي تعني رجل الغابات القصيرة. و يعد البوشيمان من الشعوب الأكثر بدائية في العالم، و أكثرها أهمية من حيث ما تركته من تراث فني، لا ينتمون لا للجنس الأسود ولا للجنس الأبيض، يتميزون بقامات قصيرة نوعا ما لهذا فكثيرا ما يتم الخلط بينهم بين البيغمي (الاقزام) فالبوشيمان يختلفون تماما عنهم، حيث أن بشرتهم اقل سوادا و تميل إلى الصفرة وشعرهم المفلفل و خاصة عند النساء، يستعملون في صيدهم أقواس صغيرة و سهام مسمومة مخيفة، و لكن رغم بدائيتهم لم يعثر على دليل يثبت أنهم تناولوا لحم البشر، و قد عرفوا بمهارتهم في الرسم عن طريق الفحم و الحبر، حيث رسموا الظباء و حيوانات أخرى بدقة متناهية.
و ينتشر البوشيمان عبر أربع محاور هي:
المحور الأول: و هو صحراء ناميبيا و هي صحراء قاحلة مطلة على المحيط الأطلسي في جنوب إفريقيا و ينتشرون في المنطقة الممتدة من مصب نهر الأورانج حتى ميناء لورد بيتر.
المحور الثاني: يشمل أواسط نهر اورانج إلى وسط بتسوالاند في منطقة الكاب.
المحور الثالث: يشمل جنوب
رابعا: البيقمي(الأقزام):
يعد الأقزام هم السكان الأصليين للكونغو، و لكنهم ينتشرون الان في ثمان دول افريقية هي(غينيا الاستوائية، الغابون، الكامرون، إفريقيا الوسطى، الكونغو، بورندي، رواندا).
و هم مجموعة بشرية قصيرة القامة و ذلك من خلال تأقلمهم مع الظروف المناخية. ومن أهم نماذجهم المعروفة هم أقزام منطقة موبتي (Mbuti) في غابات ايتوري في جمهورية الكونغو الديمقراطية. ويطلق على البيغمي أيضا اسم باياكا (Bayaka)، والتي تعني قصيري القامة.
و ينقسم البيغمي إلى 3اقسام:
1.اقزام المنطقة الوسطى:وتشتهر هذه المجموعة بداية من غرب الكامرون حتى بورندي(و هم الأقزام الحقيقيون) و أهمها مبوتي(Les Mbuti) في شرق الزائير، وغرب االكونغو بالإضافة إلى البابينغ(Babinga) و مبنغا(Mbenga).
2.الأقزام الغربيون: سكنون وسط و جنوب الغابون، اين تعيش جماعة الاكوا، البابونغو والبيكوي، و جماعات أخرى.
3.الأقزام الشرقيون: وهم البامبوتي (les Bambouti) أي رجال الغابة ومنهم الاكا(Aka) و الايفي (évé) و الباتوا(Batoi).
و ينحدر البيغمي و البانتو من أصول قديمة مشتركة يرجع استيطانهم بالمنطقة إلى زمن بعيد تعود إلى أزمنة غير معروفة فلقد كانوا معروفين لدى الفراعنة بناة الأهرام، وما يزال في جمهوريتي الكونغو الديمقراطية وإفريقيا الوسطى يعيش حوالي 50 ألف بيغمي يزالون يحتفظون بنمط حياتهم القائم على الترحال و التقاط الثمار و الصيد، و لا يمارسون أي نوع من تربية الحيوانات أو لا زراعة. حيث يعتصمون بأشد الغابات كثافة في ةسط افريقيا ويعيشون في جماعات متباعدة يصطادون بالعصي و السهام المسمومة و يقيمون في اكواخ صغيرة في مكان منعزل في الغابة، أما من حيث اللغة فلا يكاد يعرف لهم لغة خاصة بهم وربما تكلموا لغة البانتو لكونها الأقرب إليهم.
أما بالنسبة لعقيدة البيقمي الدينية فهي خليط مما اقتبسوه من جيرانهم البانتو وبعض المعتقدات الأصيلة لديهم، فمنهم من يقدس العواصف الطبيعية بالبرق و سمونها الجداو قوة السماء، و يقدمون لها القرابين و المتمثلة في قلب الفريسة التي يصطادونها أو جزء منها. اما مجموعة الايفي الذين يسكنون غابات توري فيسمون هذا الإله ناعم توري، و يتقدون انه حاكم كل شيء و يقتل الأشرار بصواعقه و انه هو المسؤول عن إطعامهم.
خامسا:حضارة البانتو و ممالكها القديمة:
لقد ظهرت حضارة شعوب البانتو في المنطقة الانتقالية بين منطقة الساحل و منطقة الغابات الاستوائية الإفريقية، حيث أدى انتشار شعوب البانتو في هذه المناطق نتيجة تطور النموذج الاقتصادي من الصيد و قطف الثمار إلى الزراعة و الرعي، بالإضافة إلى تمكنهم من استعمال الحديد، و قد شملت هذه الحضارات أجزاء كبيرة من وسط إفريقيا متمثلة في كل من الدول الحالية وهي: الكونغو الديمقراطية، الغابون، جمهورية إفريقيا الوسطى، رواندا وبورندي.
فلقد عرفت هذه الحضارة بداية استئناس الحيوانات، وكان الحمار هو الحيوان الأليف الوحيد و المهم بالنسبة لشعوب البانتو في هذه الفترة، بينما الماعز، الخرفان و الأبقار فقد دخلت إلى وسط إفريقيا في وقت لاحق انطلاقا من الشرق الأوسط عن طريق مصر.
كما عرفت المنطقة ظهور نظام الإنتاج الزراعي الذي انتقل من وسط إفريقيا إلى أراضي السافانا الجنوبية، حيث أنها سلكت نفس طريق انتشار لغة البانتو، التي انتشرت كما سبق وأن ذكرناه انطلاقا من إقليم كاتنغا باتجاه الغرب و الشرق و الجنوب، و التي تعود إلى القرن الثالث الميلادي، فوصلت إلى الكونغو وأنغولا وإلى غاية نهر الزمبيزي و جنوب بحيرة تشاد و كل مناطق انتشار الشعوب الناطقة بالبانتو، أن هذا التحول في النظام الإنتاجي ساهم في تزايد عدد السكان الناطقين بالبانتو بشكل سريع في وقت قصير، و ساهم في ذلك أيضا اتصالهم بالشعوب العربية و الاندونيسية الذين جلبوا منهم تقنية زراعة الموز. و حتى الكثافة السكانية للبانتو في منطقة السافانا أصبحت مرتفعة مقارنة مع الفترات السابقة.
و من هنا بدأت تتشكل أول ممالك البانتو، حيث كانت أول هذه الممالك تعود إلى تاريخ نهاية العصر الحديدي، و كان ذلك بمثابة أول النتائج الحضارية للتطور النوعي في وسائل الإنتاج الزراعي، عن طريق تطور المستوى المعيشي للشعوب البنتية، فلقد أصبح االبانتو يفضلون الزراعة التي تقوم على تخصيص مساحات زراعية لكل عائلة، و بدأت العائلات يقلصون حصتهم من إنتاج اللحوم الحيوانية التي يتم جلبها من الصيد في الغابات، من خلال اللجوء إلى استهلاك اللحوم الناتجة عن تربية المواشي و الرعي، وهذا بعدما تعلموا هذه الممارسات عن طريق احتكاكهم بالشعوب السامية.
فهذه العوامل ساعدتهم على الاستقرار و التوطين، و بفضل استقرارهم بدأت تتشكل أول نماذج الدول، من بينها مملكة الكونغو، مملكة مونوموتابا، مملكة كوبا، مملكة لوبا، مملكة لوندا، مملكة باميليكي، مملكة بامون، و مملكة باتوا. و التي اثبت الأبحاث أنها كانت موجودة قبل القرن الثامن، و لكنها استمرت إلى غاية القرون الموالية و بلغت أوجها بين القرنين 11 و 15م
سادسا: مملكة باميليكي(Bamiléké):
ظهرت هذه المملكة في غرب و شمال غرب الكامرون الحالية، و يعد البامليكي فرع من شعب البانتو، حيث انتقلت عناصره باتجاه الكامرون في أوقات بعيدة في التاريخ بسبب الانفجار السكاني الذي حدث في وسط و غرب إفريقيا نهاية العصر الحديدي نتيجة تطور أساليب إنتاج الغذاء مما دفعهم إلى هذه المناطق من اجل البحث عن أراض جديدة و موارد جديدة لأعداد شعبهم المتزايدة.
و تعد منطقة بافوسام (Bafousam)، الموجودة في منطقة تيكار شمال غرب، حيث تعد بافوسام عاصمة أول مملكة للباميليكي و قرية أوائل الباميليكي بعد هجراتهم من وسط إفريقيا.
([1]) اليام هو نبات ومحصول زراعي في أكثر الدول الاستوائية على مستوى العالم يُرمز لة في بعض الدول (Plant yam‘s) ) وينمو هذا الجزء الكبير من ساق النبات تحت الأرض، ويخزن الطعام للنبات. وتحتوي الدرنات على كمية كبيرة من النشا و الماء وبعض السكر. وتحتوي بعض الدرنات على السموم التي قد تسبب المرض إذا ما لم تتم إماتتها بالطبخ. وتنتج درنات بعض أنواع اليام البرية مركبات تسمى الصابونين، يمكن استخدامها لعمل الكورتيزون، أي الهورمون الذي يعالج التهاب المفاصل، وبعض الأدوية الأخرى. وتُستخدم كلمة اليام للإشارة إلى درنات اليام. ويصل وزن بعض أنواع درنات اليام إلى أكثر من 45 كجم، كما يبلغ طولها 1,8م. وهناك 600 نوع من اليام، والنوع الطازج منه لونه أبيض أو أصفر. وغالبًا ما يلتَبس نبات اليام بالبطاطا الحلوة، وذلك بسبب إنتاج بعض أنواع البطاطا الحلوة لجذور مختزنة تشبه اليام.