Aperçu des sections

  • أعمال موجهة - دراسات لغوية - الفوج 03

  • بطاقة فنية للمقياس

    اسم الوحدة : وحدة التّعليم الأساسية

    الرصيد : 04

    المعامل : 02

    الأستاذ المسؤول عن المادة : محمّد نمرة

    المادّة : نقد أدبي معاصر  /   أعمال موجّهة

    السّداسي : الرابع

    الفوج الثالث

  • مساحة التواصل والدردشة

     

     

    فضاء التواصل

     

    الأستاذ : نمرة محمّد

        M.NEMRA@UNIV-DBKM.DZ  : البريد المهني

     

     

     

  • الحصّة الأولى والثّانية : النّقد السّيميائي

    النّقد السّيميائي

    1.     السّيميائيـة: النّشـأة والتّعريـف

    السّيميائية أو السّيميولوجية هي: " علم موغل في القدم، أيام الفكر اليوناني القديم مع أفلاطون وأرسطو الّلذين أبديا اهتماما بنظرية المعنى، وكذلك إلى الرّواقيين الّذين وضعوا نظرية شاملة لهذا العلم، بتمييـزهم بين الدّال والمدلول والشّيء، ولم يكن التـّراث العربيّ بعيدا عن مثل هذه المشاغل، فقد أولى المناطقة والأصوليون والبلاغيون والمفسّرون وغيرهم عناية كبرى بكل الأنساق الدّالة تصنيفا وكشفا عن قوانينها وقوانين الفكـر، وقد تجـلى ذلك في أطروحات الفلاسفة الإسلاميين من أمثال: الغزالي وابن سينا..."  .

    كما أنّها " قد استمدت بعض مبادئها من أطروحة الفلسفة الوضعية في جنوحها إلى الشّكل، وفي اتصافها بالنـّزعة العلمية، فالفلاسفة الوضعيون هم الّذين اعتبـروا اللّغة كلّها رمزا، وهذا الدأب اقتفاه النّقاد السّيميائيون في تصوّرهم للعلامة".

    ونجد أنّ: "السّيمياء قد عرفت تجلياتها الأولى في كتابات الفلاسفة الغربيين والعرب، وقد جاء ذلك في سياق حديثهم عن العلامة والدّلالة اللّفظية، وهي تلتصق عند العـرب بالسّحـر و الطّلسمات الّتي تعتمـد أسرار الحروف والرّموز والتّخطيطـات الدّالة، وأحيانا تصبح فرعـا من فروع الكيمياء، وأحيانا تلتصق السّيمياء بعلم الدّلالة، وأحيانا بعلم المنطق وعلم التّفسير والتّأويل، وإن بدا ذلك ليس بعيدا عن حقولها المعاصرة ".

    وقد بشّر - سوسير - بميلاد علم جديد سمّاه (السّيميولوجيا) و"يفضّل الأوروبيون مفردة السّيميولوجيا التزاما منهم بالتّسمية السّوسرية، أمّا الأمريكيون فيفضلون السّميوطيقا الّتي جاء بها المفكر والفيلسوف الأمريكي تشارلس ساندرز بيرس".

     

    وقد اعترض – رولان بارت – على مقولة - سوسير - الشّهيرة الّتي ترى أنّ:

     "السّيميولوجيا أوسع من اللّسانيات"، لتصبح العكس، أي اللّسانيات أوسع من السّيميولوجيا، ويقترح- بارت - مسمّيات جديدة تختلف عن المسميات السّوسرية، فالعلامة السّوسرية يسميها الدّلالة، والشّكل بديلا لما يسميه - سوسير- بالدّال، والمفهوم بديلا للمدلول.

    إنّ السّيميائية (Sémiotique )، والسّيميولوجيا (Sémiologie) مصطلحان يتجذران في اللّغة اليونانية في (Sémeion) وهي العلامة (signe) ، فالسّيميولوجيا هي: "العلم الّذي يدرس حياة العلامات داخل المؤسسة الاجتماعية"، كما يمكن اعتبار السّيميائية من حيث طبيعتها "دراسة نظرية لكل ما هو رموز ونحو وأنظمة وعقود، كذا كلّ ما له علاقة بإرسال المعلومة". إنّ السّيميائية، أوالسّيميولوجيا، أو السّيميوطيقا، أو العلاماتية، أو علم العلامات، أو علم الإشارة...، كلّها ترجمات لعلم واحد يُعنى بدراسة العلامات.

    ومن أشهر أعلام السّيميائية نجد:" تشارلس ساندرز بيرس، ورولان بارت، وغريماس، ورومان ياكبسون، وأمبيرتو إيكو، ومايكل ريفاتير، وجوليا كريستيفا، وبربرا هيرنستاين سمث، هذا إذا استثنينا إشارات سوسير...، غير أنّ الفيلسوف الأمريكي بيرس، هو أهم مؤسّسي هذا  الطّرح، وقد عرض نظرية سيميولوجية غاية في التّعقيد، لكن نظرته للعلامة وفاعلية وظائفها الدّلالية لا تختلف عن  الطّرح البنيوي الألسني".

    2.الاتجاهات السّيميائية الحديثة :

              أدّى تطور السّيميائيات، وتعدّد منابعها إلى ظهور اتجاهات عدّة، وقد خصّص الباحث - عبد الله إبراهيم - في كتابه الموسوم بــــــــــ : (معرفة الآخر) بالحديث عن الاتجاهات السّيميائية، والّتي قسّمها إلى ثلاث اتجاهات بارزة، وهي: سيمياء التّواصل- سيمياء الدّلالة    - سيمياء الثّقافة.

    أ‌.  سيميـاء التّواصـل:

    يركّز أنصار هذا الاتجاه (بويسنس، برييتو، مونان، كرايس، أوستين، فجنشتاين، مارتينيه) في أبحاثهم على الوظيفة التّواصلية، غير أنّ هذا التّواصل مشروط بالقصدية، "وبناءً على ذلك نحصر موضوع السّيميائية في العلامات القائمة على الاعتباطية، لأنّ العلامات الأخرى ليست سوى تمظهرات بسيطة. ويعني ذلك أنّ تحديد معنى تعبير رهين بتعيين مقاصد المتكلمين والكشف عنها، وبذلك تكون المقاصد ملمحا مميزا". ولسيمياء التّواصل محـوران اثنان:

    -    محـور التّـواصل : ويقسّم إلى تواصل لساني، وآخر غير لساني.

    وينحصر التّواصل اللّساني في عملية التّواصل بين النّاس عن طريق القول، ويكون وفق منظورات ثلاثة (سوسير، بلومفيلد، شينون، وفيفر)،أمّا التواصل غير اللساني فيسميه - بويسنس- لغات غير اللّغات المعتادة، وهو وفق معايير ثلاث (معيار الإشارية النّسقية، معيار الإشارية اللانسقية، معيار الإشارية).

    -   محـور العـلامـة: ويصنف محور العلامة إلى ثلاث أصناف، وهي: الأيقونة (icon)، المؤشر (index)، الرّمز (symbol).

    ب‌. سيميـاء الدّلالــة :

    يرى أيضا هذا الاتجاه وفي مقدمتهم - رولان بارت- أنّ: " اللّغة لا تستنفذ كلّ إمكانيات التّواصل، فنحن نتواصل، توفرت القصدية أم لم تتوفر، بكل الأشياء  الطّبيعية والثّقافية سواء أكانت اعتباطية أو غير اعتباطية. لكنّ المعاني الّتي تستند إلى هذه الأشياء الدّالة ما كان لها أن تحصل دون توسّط اللّغة. فبواسطة اللّغة باعتبارها النّسق الّذي يقطع العالم وينتـج المعنى- يتم تفكيك ترميـزية الأشياء"، وتتوزع عناصر هذا الاتجاه- حسب بارت - على ثنائيات أربع، كلها مستقـاة من الألسنية البنيوية، وهي: 

        - اللّغة والكلام، الدّال والمدلول، المركب والنّظام، التّقرير والإيحاء (الدّلالة الذّاتية والدّلالة الإيحائية).

    ج‌. سيميـاء الثّــقافـة:

    يمثل أنصار هذا الاتجاه المستفيد من الجدلية ومنه فلسفة الأشكال الرمزية عند       - كاسيرر-، وتنطلق سيميائية الثّقافة من اعتبار الظّواهر الثّقافية " موضوعات تواصلية وأنساقا دلالية، والثّقافة عبارة عن إسناد وظيفة للأشياء  الطّبيعية وتسميتها وتذكرها". ونجد لهذا الاتجاه مؤسّسيين، وأنصار في روسيا (يوري لوتمان- إيفانوف- أوسبنسكي- تودوروف، وفي إيطاليا (روسي- لاندي- وأمبيرتو إيكو).

    3. مجــالات التّوظيـف السّيميائـي:

    أصبح المنهج السّيميائي يوظّف في مجالات متنوعة، وأداة في معالجة العلامات اللّغوية (الشّعر، الرّواية، والقصة)، وغير اللّغوية (الرّسم، والفن التشكيلي،...)، وأصبح هذا التّحليل مفتاحا لفك الرّموز، وصالحا لمقاربة مختلف الأشكال العلاماتية، ومن مجالات التّوظيف وأعلامه نذكر:

    ·     الشّعر: (مولينو- رومان جاكبسون- جوليا كريستيفا- جيرار دولـودال- ميكائيل ريفاتيـر)

    ·     الرّواية القصّة: ( كريماس- كلودبريموند- بارت- كريستيفا- تودوروف- جيرار جنيت- فيليب هامون).

    ·     الأسطورة والخرافة: (فلاديمير بروب).

    ·     المسرح: (هيلبو- كير- إيلام).

    ·     السّينما: (كريستيان ميتز- يوري لوتمان)

    ·     الإشهار: (رولان بارت- جورج بنينو- جان دوران).

    ·     الأزياء والأطعمة والأشربة والموضة: (رولان بارت).

    ·     التّشكيل وفن الرّسم: (بيير فروكستيل- لويس مارتان- هوبرت داميش- جان لويس شيفر).

    ·     التّواصل: (جورج مونان- برييطو).

    ·     الثّقافة: (يوري لوتمان- تودوروف- بياتيكورسكي- إيفانون- أوسبنسكي- أمبرطو إيكو- روسي لاندي).

    ·     الصّورة الفوتوغرافية: (العدد الأول من مجلة التواصل- رولان بارت).

    ·     القصّة المصورة: (بيير فريزنولد دورييل).

    ·     الموسيقى: (مجلة Musique en jeu في سنوات 1970-1971).

    ·     الفن: (موكاروفسكي).

    4. الإشكـالات النّظريـة والتّطبيقيـة:

     أ.الإشكـالات النّظريـة:

    ومن أبرز الإشكالات النّظرية نجد:

    -     إنّ السّيميائية باتجاهاتها المتباينة تبقى مجرد اقتراحات أكثر من كونها مجالا معرفيا متميزا.

    -     الاضطرابات المعرفية والمفهـومية في الحقل السّيميائي والمتمظهـرة في تعـدّد المفاهيم أو المبادئ، وتباين الخلفيات المنهجية والمنطلقات النّظرية لدى أقطابها، والّذي حال بين المعرفة السّيميائية والقارئ.

    -     مشكلة تعدّد المصطلح، فقد أحصى باحث معاصر وهو – عبد الله بوخلخال- هذا التعدّد، فبلغ به ما يقارب تسعة عشر مصطلحا.

    -     تباين الرّؤى النّقدية عند أقطاب هذا المنهج، واختلافه من ناقد لآخر، وهذا وفق ما تمليه عليهم إيديولوجياتهم المختلفة.

    ب.الإشكاليـات التّطبيقيــة:

    إنّ إشكالات النّقد السّيميائي لا تنبثق كلية من تلك الإجراءات التّطبيقية، وإنّما تنبثـق أيضا من قصور المفهوم الّذي يشغله النّقد السّيميائي، لأنّ الإجراء التّحليلـي ما هو إلا معلـول أو نتيجة لعلّـة.

    وإنّ لجوء النّقاد إلى استعمال منهج إجرائي آخر إلى جانب المنهج السّيميائي دليل واضح على قصوره وعجزه في تحليل النّصوص، والّذين لجؤوا إلى التّركيب المنهجي، ونجد     - مرتاض- يطبّق منهجا مركّبا تصدع به عناوين كتبه ( ألف ليلة وليلة - تحليل سيميائي تفكيكي لحكاية حمّال بغداد، تحليل الخطاب السردي - معالجة تفكيكية سيميائية مركبة لرواية رقاق المدق، أ/ي - دراسة سيميائية تفكيكية لقصيدة أين ليلاي لمحمّد العيد آل خليفة ... )، " إنّ هذا التّضافر بين  السّيميائية والتّفكيكية في عملية إجرائية واحدة نعدّه    - من دون هوادة - مغالطة نقدية، لأنّها تكشف عن قصور الحقلين ويتمظهر في ذلك التّركيب الاستدعائي بين السّيمياء والتّفكيك، فلو كانت السّيميائية قادرة على استنباط الرّوح الجمالية للنص ما كان مثل هذا الاستدعاء".

  • الحصّة الثّالثة والرابعة : النّقد البنيوي

    النّقد البنيوي

    1. البنيوية : لغة واصطلاحا

      أ.البنيوية لغة:

      إنّ كلمة (البنيوية) مشتقة لغة من الفعل الثلاثي (بني)، نجدها في لسان العرب لابن منظور (ت711هـ) تتيح لنا الدلالات التالية:

    (البَنْيُ: نقيض الهدم، بَنَى البَنَّاءُ البِنَاءَ بَنْيًا وبِنَاءً وبِنًى، مقصور، وبُنْيَانًا وبِنْيَةً وبِنَايَةً وابْتَنَاه وبنّاه)، (والبناءُ: المبنيُّ، والجمع أَبْنِيَةٌ، وأَبْنِيَاتٌ، جمع الجمع..)، والبِنْيَةُ والبُنْيَةُ: ما بَنَيْتَهُ، وهو البِنَى والبُنَى..)، (يقال بِنْيَةٌ، وهي مثل رِشوة ورِشًا كأنّ البِنْيَة الهيئة الّتي بُنِيَ عليها..)، ( والبُنَى، بالضّم مقصور، مثل البِنَى. يقال: بُنْيَةٌ وبُنًى وبِنْيَةٌ وبِنًى، بكسر الباء مقصور مثل جزيةٍ وجزًى..)، (وأبْنَيُتُ الرجل: أعطيتُه بناءً أو ما يَبْتَنِي به داره..).

    كما تدّل (البنيةُ) في المعجم العربي الحديث لاروس على: (البيت: شاده وأقام جدرانه..)، (الأرض: أقام فيها البناء)، (الكلمة: ألزم آخرها ضرباً واحداً من سكون أو حركة..).

    وتجدر بنا الإشارة إلى أن القرآن الكريم استخدم هذا الأصل أكثر من عشرين مرّة على صورة الفعل (بنى) أو الأسماء (بناء) و(بنيان) و(مبنى)، يقول الله تعالى: "ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا".

    ب.البنيوية اصطلاحا:

    تشتق (البنيوية) وجودها الفكري والمنهجي من مفهوم (البنية) أصلا، وعليه قبل الشّروع في الحديث عن (البنيوية)، لا بدّ لنا من تحديد مصطلح (البنية).

               لقد واجه مصطلح (البنية) مشكلة حقيقية في الفلسفة المعاصرة، وهذا نتيجة الاختلافات النّاجمة عن تمظهرها وتجليها في أشكال متنوعة، فتعدّدت المفاهيم والتّعريفات العلمية إزاءها، ونجد - جان بياجيه - يعرّفها بقوله: "وتبدو البنية بتقدير أوّلي مجموعة تحويلات تحتوي على قوانين كمجموعة (تقابل خصائص العناصر) تبقى تغتني بلعبة التّحولات نفسها، دون أن تتعدى حدودها أو أن تستعين بعناصر خارجية".

    ويرى - ألبير سوبول Albert soboul))- في دراسته الموسومة باسم «الحركة الباطنة للبنيات» بتعريف موجز للـ« بنية»، فيقول: "إنّ مفهوم البنية لهو مفهوم العلاقات الباطنة، الثابتة، المتعلقة وفقاً لمبدأ الأولوية المطلقة للكل على الأجزاء، بحيث لا يكون من الممكن فهم أي عنصر من عناصر البنية خارجا عن الوضع الّذي يشغله داخل تلك البنية، أعني داخل المنظومة الكلية الشاملة".

    وعلى الرّغم من أنّ (سو سير) يعدّ أبا للبنيوية، إلاّ أنّه لم يستعمل كلمة (بنية) في كتابه (محاضرات في علم اللّغة العام)، بل كان يستعمل كلمة (نسق) أو (نظام).

    تنحصر (البنية) حسب - بياجيه - في ثلاثة خصائص، وهي الكلية، ومفادها أنّ (البنية) مكتفية بذاتها، ولا تحتاج إلى وسيط خارجي، بينما خاصية التّحولات فهي توضّح التّغيرات داخلها، والّتي لا يمكن أن تظل في حالة ثبات لأنّها دائمة التّحول، أمّا خاصية التّنظيم الذّاتي فهي تمكنها من تنظيم نفسها للمحافظة على وحدتها واستمراريتها.

                 ومن الصّعب تحديد مفهوم قار للبنيوية، وعليه لا يمكن إعطاء تعريف شامل ومحدّد لها، إلاّ أنّنا نجد لها تعريفات كثيرة:

                 ويعرّفها - يوسف وغليسي- بأنّها: "منهج نقدي ينظر إلى النص على أنه بنية كلامية تقع ضمن بنية كلامية أشمل يعالجها معالجة شمولية، تحوّل النّص إلى جملة طويلة، ثم تُجزئها إلى وحدات دالّة كبرى فصغرى، وتتقصى مدلولاتها في تضمّن الدّوال لها (يمثلها سوسير بوجهي الورقة الواحدة)، وذلك في إطار رؤية نسقية تنظر إلى النّص مستقلا عن شتى سياقاته، بما فيها مؤلّفه، وهنا تدخل نظرية ((موت المؤلف)) لرولان بارت، وتكتفي بتفسيره تفسيرا داخليا وصفيا، مع الاستعانة بما تيسّر من إجراءات منهجية علمية كالإحصاء مثلا".

    أمّا من النّاحية العلمية أو الفلسفية فيعرّفها - آندري لالاندAndré Lalande  - بأنّها مجموعة من العناصر تكون متضامنة فيما بينها، ويكون كلّ عنصر فيها متعلّقا بالعناصر الأخرى، ولا يستطيع أن يكون ذا دلالة إلاّ في نطاق هذا الكلّ، وعليه تكون البنية نسقا من الظّواهر، ومرتبطة فيما بينها ارتباطا وثيقا بعلاقات محدّدة.

    2. روافد البنيوية:

    أ.مدرسـة جـنيـف:

    إنّ الأعـلام المـؤسّسيـن لمدرسة جنيف هم " من الّذين تتلمذوا على يد دي سوسير بطريقة مباشرة، وكان لهم الفضل الكبير في جمع دروسه، وإخراجها للإنسانية، ومن أبرز أعلام هذه المدرسة شارل بالي (C. Bally) ،وسيشهاي (Sechehayالّلذان جمعا محاضرات أستاذهما ونشراها، وكانت لهما اهتمامات خاصة بقضايا اللّغة، ممّا جعلهما ينفردان بوجهات نظر متميزة"، و"هي الّتي أعطت الشّرارة الأولى للبنيوية (والفكر الألسني عموما)".

    ب . مدرسـة الشّكلانييـن الــرّوس:

    تعّد مدرسة الشّكلانيين الرّوس الرّافد الثّاني من روافد البنيوية، وتتشكّل هذه المدرسة من حلقة موسكو اللّغوية، والّتي تأسّست سنة 1915، وجماعة الأوبوياز، واسمها الكامل"جمعية دراسة اللّغة الشّعرية".

    أوّلا : حلقـة موسكــو اللّغويـة (1915- 1920)

    تأسّست الحلقة "في آذار 1915، بجامعة موسكو بزعامة رومان جاكبسون الّذي يعزى إليه تأسيس هذا "النادي اللّساني" رفقة ستّة طلبة. ومن أعضائها عالم الفلكلور السّلافي  بيوتر بوغاتريف P.Bogatyrev، والعالم اللّغوي غروغوري  فينوكور (G.Vinokur)، ومنظّرا الأدب ومؤرّخاه: أوسيب بيرك(O.Birk)، وبوريس توماشيفسكي(B. Tomashevsky)، وقد نذكر كذلك ميخائيل باختين  M. Bakhtine( 1895-1975) الّذي كان من رؤوس هذه الحلقة، ثم تبرّأ منها بعد ذلك نتيجة انتمائه السّياسي واختلافه الفكري؛ حيث يحاول المصالحة بين الشّكلانية والماركسية، مثلما نذكر فلاديمير بروب  V. Propp(1895-1970)، صاحب الأثر الخالد (مورفولوجية الحكاية الشّعبية) 1928، بغض النّظر عن حقيقة انخراطه ضمن هذا التنظيم...".

    ثانيا : جـماعـة الأوبــوياز "Opoyaz" (1916)

    تُعني هذه التّسمية المختصرة (جمعية دراسة اللّغة الشّعرية) الّتي تأسّست سنة 1916 بمدينة سان بيترسبورغ، ومن أعضائها:

    نجد - فيكتور شكلوفسكي-  v.chklovsky(1893- 1984)، و- بوريس إيخامبوم-  B.Eichenbaum ( 1866 -1959) ، و- ليف جاكوبنسكي- L.jakubinsky، وهي في الأصل مُشكّلة من جماعتين منفصلتين: دارسي اللّغة المحترفين وباحثين في نظرية الأدب.

    ج. حلقـة بــراغ "Cercle de Prague"  (1926 – 1948 ):

    حلقة براغ أو "البنيوية التّشيكية"، وهي المصدر الثّالث للبنيوية "تأسّست بمبادرة من زعيمها فيليم ماتيسيوس (V.Mathesius) من أعضائها التّشيكوسلوفاكيين (هافرانيك، تروكا، فاشيك، موكاروفسكي)، فضلا عن رينيه ويليك (من مواليد 1903 بفيينا لأبوين تشيكيين) وكذلك جاكبسون ونيكولاي تروبتسكوي الفارين من روسيا".

    ومع أنّ حلقة براغ "اشتهرت بدراساتها الصّوتية الدّقيقة، فإنّها أسهمت أيضا في تحليل لغة الشّعر، فرأت أنّه لا بد لوضع مبادئ وصف لغة الشّعر من مراعاة الطّابع الثّابت المستقل لها، تفاديا لخطأ شائع يتمثّل في الخلط الدّائب بينها وبين لغة التّواصل، والتّفاهم العادية، إذ تتميّز اللّغة الشّعرية بأنّها تكتسب صفة الكلام من حيث هي عمل فردي يعتمد على الخلق والإبداع...". و"كانت هذه الحلقة باعثا على نشوء حلقات لغوية أخرى قدمت ميراثا بنيويا معتبرا، مثل: حلقة كوبنهاغن (يامسليف وبروندال...) سنة1931، وحلقة نيويورك (سابير، بلوم فيلد، تشومسكي، ...) سنة 1934...".

    د. جـماعـة  "  Tel Quel" (1960):

           إنّ الحركة البنيوية في فرنسا "لم تزدهر إلا خلال السّتينيات، مع الجهود الرّائدة لجماعة( (Tel Quel، الّتي تنتسب إلى المجلة الّتي تحمل التّسمية نفسها، والّتي أسّسها النّاقد الرّوائي فيليب صولر - Philipe sollers (من مواليد 1936)، سنة 1960، وضمّت عُصبة من رموز النّقد الفرنسي الجديد، كزوجته الفرنسية ذات الأصل البلغاري جوليا كريستيفا Julia Kristeva  (من مواليد 1941)، ورولان بارت Roland Barthes              (1915-1980)، وميشال فوكو Michel foucault (1926-1984)، وجاك دريدا Jack derrida (من مواليد الجزائر 1930)"...

    3.أسـس النّـزعـة البنيـوية الغـربية:

    تقوم النّـزعة البنيوية الغريبة كغيرها من المناهج النّقدية الأخرى، على جملة من الأسس الفكرية والفلسفية والإيديولوجية الّتي تميـّزها عن المناهج الأخرى، وهي كالآتي:

    أ.النـّزوع إلى الشّكـلانية : 

    تعتبـر الشّكلانية (formalisme) مذهب أدبيّ ونقديّ، وقد برز هذا التّيار بقوّة في بداية  القرن الماضي، أخذت تتطــوّر مع مـرور الزّمن وتُراكم الدّراسات، وقد قامت بـدور ريادي في التّأسيس النّقدي الجديد، وقد مثّلته في العصر الحديث مناهج نقدية متعدّدة وهي:

    -     مدرسة الشّكليين الرّوس.

    -     مدرسة النّقد الحديث في الغرب.

    -     النّقد الألسني: ومثّلته الأسلوبية، والبنيوية، والتّفكيكية، ونظرية التّلقي، ونظرية النّص.

     ب.رفـض التــّاريخ:

    تقوم النـّزعة الاجتماعية الّتي كان روج لها المفكر الفرنسي هيبوليت تين (1893-1828، hyppolyte taine) الّذي كان يعتقد أنّ الظاهرة الأدبية والفنية يجب أن تخضع في تأويل قراءتها، وتحليل مضمونها: على ثلاثة عناصر تتمحّص للمؤلّف وما يحيط به وهي:

    1-         العرق (ويريد بها إلى عرق الكاتب وأصله السلالي).

    2-         الوسط أو المحيط الجغرافي و الاجتماعي للكاتب.

    3-         الزّمن ( ويقصد بها إلى التّطور التّاريخي الّذي يقع تحت دائرته الكاتب وهو يكتب إبداعه، ومثله في ذلك الفنان أيضا).

    ج. رفــض المؤلف:

    إنّ فكرة موت المؤلف ترتدّ في مصدرها الغربيّ، إلى جذور فلسفية تمتد إلى بنية الحضارة الأوروبية نفسها: "فقد أعلن « نيتشة » مقولة « موت الإله » ولاقت هذه الفكرة ترحيبا شديدا في الأوساط الأدبية والفكرية، لأنّها كانت تعبيرا عن اللّحظة التّاريخية، الّتي تمرّ بها أوروبا في ذلك  الحين". وقد انتقلت إلى الأدب ونقده "فأعلن الأدباء موت الشّخصية في مجال الأدب، وأعلن النّقاد موت المؤلف في مجال النّقد، وغير ذلك من المسمّيات، ترتدّ في جملتها إلى مقولة « نيتشة» الفلسفية وتعكس بنية الحضارة الأوروبية".

    د. رفـض المـرجـعـيـة الاجـتـمـاعيـة:

    يعتبر المنهج الاجتماعي من المناهج الأساسية في الدراسات الأدبية والنّقدية، وقد انبثق هذا المنهج - تقريبا - في حضن المنهج التّاريخي، واستقى منه منطلقاته الأولى خاصّة عند هؤلاء المفكرين والنّقاد الّذين استوعبوا فكرة تاريخية الأدب وارتباطها بتطورات المجتمعات المختلفة، أي أنّ المنطلق التّاريخي، كان هو الأساس الطّبيعي للمنطلق الاجتماعي. وقد أسهمت "نظرية الانعكاس الّتي طوّرتها الواقعية في تعزيز هذا التّوجّه الاجتماعي لدراسة الأدب، لكن المشكلة الأولى الّتي واجهت الدّراسات الّتي تربط بين الأدب والمجتمع كانت تتمثّل في فرضية مُؤدّاها أنّه كلما ازدهر المجتمع في نظمه السّياسية والاقتصادية وفي ثقافته وإنتاجه الحضاري نشب نوع من التّوقّع بأنّ هذا لا بدّ أن يصحبه - أو من  الطّبيعي أن يصحبه ازدهار أدبي". 

    ه. رفـض الـمعـنى مـن اللّغـة:

    لقد خاض النّقاد والبلاغيون العرب القدامى، حول ما عُرف في النّظرية البلاغية العربية بثنائية اللّفظ و المعنى، و" أنّ مسألة الفصل بين اللّفظ والمعنى لم تبق حبيسة الدّراسات القرآنية  إنّما انتقلت إلى مجال النّقد الأدبي، لتصبح من قضاياه الرّئيسية الّتي حظيت باهتمام كبير من النّقاد، لأنّ الدّراسات الجمالية للقرآن في إطار بحث قضية الإعجاز خصوصا، لم تكن منفصلة، في الواقع عن كلام العرب، والشّعر منها خاصة ". ومنذ أن طرح الجاحظ (ت255هـ)، نظريته المعروفة "...والمعاني مطروحة في الطّريق يعرفها العربيّ والأعجمي والبدوي والقروي، وإنّما الشّأن في إقامة الوزن، وتخيّر اللّفظ، وسهولة المخرج، وكثرة الماء، وفي صحة الطّبع، وجودة السّبك، فإنّ الشعر صناعة وضرب من النّسج وجنس من التّصوير... ".

    4. مستويات النّقد البنيوي:

    يقترح بعض النّقاد ترتيب مستوياته على النّحو الآتي:

    ·      المستوى الصّوتي: حيث تدرس الحروف ورمزيّتها وتكويناتها الموسيقية من نبر وتنغيم وإيقاع.

    ·      المستوى الصّرفي: وتدرس فيه الوحدات الصّرفية ووظيفتها في التّكوينين اللّغوي والأدبي خاصة.

    ·      المستوى المعجمي: و تدرس فيه الكلمات لمعرفة خصائصها الحسّية والتجريدية والحيويّة و المستوى الأسلوبي لها.

    ·      المستوى النّحوي: لدراسة تأليف وتركيب الجمل و طرق تكوينها وخصائصها الدّلالية  و الجمالية .

    ·      مستوى القول: لتحليل تراكيب الجمل الكبرى لمعرفة خصائصها الأساسية والثّانوية.

    ·      المستوى الدّلالي: الّذي يشغل بتحليل المعاني المباشرة وغير المباشرة والصوّر المتصلة بالأنظمة الخارجية عن حدود اللّغة الّتي ترتبط بعلوم النّفس والاجتماع، وتمارس وظيفتها على درجات في الأدب و الشّعر.

    المستوى الرّمزي: الّذي تقوم فيه المستويات السّابقة بدور الدّال الجديد الّذي ينتج مدلولا جديدا يقود بدوره إلى المعنى الثّاني أو ما يسمى باللّغة داخل اللّغة.

  • الحصّة الخامسة والسّادسة : النّقد النّفساني

    الـــنّــقــــد الــنّــفــــســـانـي

    1. مفهوم النّقد النّفساني:

            النّقد النّفساني هو منهج نقدي يقوم بدراسة الأنماط أو النّماذج النّفسية في الأعمال الأدبية، ودراسة القوانين الّتي تحكم هذه الأعمال في دراسة الأدب، وربط الأدب بالحالة النّفسية للأديب. ويستمدّ النّقد النّفسي آلياته النّقدية من نظرية التّحليل النّفسي psychanalyse، والّذي أسّسه سيغموند فرويد s. freud (1856-1939) في مطلع القرن الفائت، و الّذي فسّر على ضوئها السّلوك الإنساني بردّه إلى منطقة اللاوعي (اللاشعور).

            وخلاصة هذا التّصور أنّ في أعماق كلّ كائن بشري  رغبات مكبوتة، تبحث دوما عن الإشباع في مجتمع قد لا يتيح لها ذلك، ولما كان صعبا إخماد  هذه الحرائق المشتعلة في لاشعوره، فإنّه مضطّر إلى تصعيدها؛ أيّ إشباعها بكيفيات مختلفة ( أحلام النّوم، أحلام اليقضة، هذيان العصابيين، الأعمال الفنية )، كأنّ الفنّ – إذن – تصعيد وتعويض لما لم يستطع الفنان تحقيقه في واقعه الاجتماعي، واستجابة تلقائية لتلك المثيرات النّائمة في الأعماق النّفسية السّحيقة، والّتي قد تكون رغبات جنسية ( بحسب فرويد )، أو شعورا بالنّقص يقتضي التّعويض ( بحسب آدلر)، أو مجموعة من التّجارب والأفكار الموروثة المخزّنة في اللاشعور الجمعي (بحسب يونغ).

    2. مدرسة التّحليل النّفسي عند سيغموند فرويد s. freud :

            يرتبط ظهور النّقد النّفساني بمدرسة عرفت باسم مدرسة التّحليل النّفسي ، والّتي عدّت ثورة على النّزوع الجسدي في الدّراسات النّفسية واتجاهها نحو سيكولوجية الأعماق. وهي من المدارس الّتي بدأت منها الانطلاقة الحقيقية والمنظّمة للنقد النّفسي، وذلك في بداية القرن الفائت. ويعتبر فرويد  freud: " أوّل من أخضع الأدب للتفسير النّفسي، كان شغوفا بقراءة الآثار الأدبية، شديد الإعجاب بالشّعراء والأدباء، لأنّ الشّاعر رجل تراوده الأحلام في اليقضة كما تراوده في نومه، ولقد وهب أكثر من أيّ إنسان آخر، القدرة على وصف حياته العاطفية، وهذا الامتياز يجعل منه في رأي فرويد ، صلة وصل بين ظلمات الغرائز ووضوح المعرفة العقلانية المنتظمة".

           واستطاع فرويد freud أن يصف الجهاز النّفسي الباطني، وقسّمه إلى ثلاثة مستويات، وهي كالآتي:

    - الشّعور أو الوعي: ويضم وظيفة الإدراك  للجهاز الحسي، وجميع التّصورات والمشاعر الّتي يعيها المرء في وقتها.

    - ماقبل الشّعور أو ما قبل الوعي: ويضم جميع التّصورات والمواقف الّتي لم يتم الوعي بها في وقتها، لكّنها قابلة أن توعى في أيّ وقت.

    - ما بعد الشّعور أو العقل الباطن: وهي الإضافة الجديدة تميّز بها فرويد، ويتميّز العقل الباطن بأنّ مضامينه لا يمكن أن تصبح واعية، لأنّ رقابة ما قبل الوعي تمنع عنها الوعي، وهذه الرّقابة تضم نواهي مأخوذة من العالم الخارجي، كما تضم مجالات أصبحت بذاتها لا شعورية ولا واعية.

            وتقوم مدرسة التّحليل النّفسي على فرضية اللاشعور، والّتي تنقسم بدورها إلى ثلاثة عناصر متصارعة، وهي كالآتي:

    - الهو (  le cas) : وهو مزيج من الوعي و اللاوعي.

    - الأنا ( le moi ) : وهو الإنحراف أو الرّغبة في إشباع الشّهوة.

    - الأنا الأعلى ( le sur moi ) : هو النّزوع المثالي عند الإنسان.

             ومن رواد مدرسة التّحليل النّفسي نجد تلميذ فرويد، وهو السّويسري كارل جوستاف يونغ (1875-1961)، والّذي استبدل  اللاوعي الفردي - عند فرويد - باللاوعي الجمعي. وأضاف مصطلح ( الوعي الجماعي واللاشعور الجمعي). وجاء بعدهما إدلر، ويرى (يونغ) أنّ الرّواسب اللاشعورية الجمعية وهي ما تسمى( النّماذج الأولية) هي الّتي تبدو لنا في شكل رموز مألوفة، عابرة لحدود الزّمان ونفوس الماضي من الأجداد. وهي الرّموز الّتي يتّخذ منها المبدعون الحدثيون موضوعا لعملهم الإبداعي.إذ يتّخذ الرّمز اللاشعوري الجمعي الماضي قيمة في حضوره الإبداعي الحديث ممّا يفسّر استمرار تشّكل النّموذج ودوامه في الأدب.

     3. النّقد النّفساني عند شارل مورون وجاك لاكان:

     أ. النّقد النّفساني عند شارل مورون (charles mouron):

             وقد تجلّت قيمة أعمال مورون حين ظهر له كتاب هام في عام 1962، تحت عنوان        "الاستعمالات الملحة والأسطورة الشّخصية". ومن الجلي أنّ قيمة مورون النّقدية قد سبقت ظهور مؤلّفه هذا، وإن كان من المؤكّد أنّ أصداء نشر الكتاب في مجال التّحليل النّفسي، ومجال الدّراسات النّقدية والأدبية، قد عمل على ذيع صيت مورون، وقد فطن النّقاد والمحلّلون النّفسيون إلى أعماله الّتي تعدّ بحق بمثابة مساهمة جديدة في مجال النّقد النّفسي نظرا لأنّها تدعو إلى ارتياد عالم الأثر باعتباره ظاهرة فنية لغوية، لا وثيقة معرفية. وقد حدّد مورون المراحل الأساسية في نقده النّفسي، وهي كالآتي:

    -       مواكبة نصوص كاتب واحد بعضها على بعض، من أجل بنية العمل الأدبي اعتمادا على شبكة التّداعيات الحرة.

    -        إظهار الصّور والمواقف الدّرامية ذات العلاقة مع الاستيهامات.

    -        الأسطورة الشّخصية للكاتب حيث يشتمل كلّ نتاج أدبي على مجموعة من الصّور الخاصة الّتي تتّخذ مظهرا دراميا وتتكرّر بأشكال متباينة.

    -        فحص نتائج القراءة المباشرة بواسطة معطيات حياة الكاتب الّتي لا تهمنا إلاّ بقدر ما تترك على نفسيته من آثار سيكولوجية.

     ب. النّقد النّفساني عند جاك لاكانjacques lacan) ):

                اعتمد جاك لاكان (1901-1981) في نقده النّفسي على طروحات سيغموند فرويد، حاملا شعار "العودة إلى فرويد" ، وهذا من خلال التّأكيد على منظومة اللّغة في علاقتها باللاوعي، ووصفها بمرآة اللاوعي، واكتشاف أهمية الدّال في قيادة الوعي الذّاتي للشخصية الانسانية، وهذا من خلال دراسته التّحليلية لرواية غراديفا ( Gradiva).وانطلاقا منها وضع لاكان مفاهيمه الخاصة في نقده الأدبي، وهي على النّحو التّالي:

    - البنية اللّغوية للاوعي: يربط لاكان بين اللاوعي والبنية اللّغوية، ليعبّر عن سلطة اللّغة ضمن اللاوعي، ويقول على غرار فرويد " أنا أفكر حيث لا أوجد، إذن أوجد حيث لا أفكر".

    - مرحلة المرآة: تعتبر مرحلة المرآة الانطلاقة الأولى لتعرّف الانسان على ذاته من خلال الآخر، وفي هذه الحالة فالآخر هو تلك الصّورة الّتي يكتشف وجودها، و يجري في نفس الوقت عملية مطابقة بينها و بين ذاته المكتشفة، غير أنّ هذه الصّورة الّتي تتكّشف أمام الطّفل لمعرفة ذاته تكون مجرد صورة رمزية تحليلية، ترسمها الذّات بصورة وهمية مثالية، يسميها لاكان طرفة الصّورة المثالية.

           4. علاقة علم النّفس بالأدب:

            الصّلة بين علم النّفس والأدب وثيقة وعريقة، ولا يحتاج إثباتها إلى تكلّف في النّظريات، وتعسّف في البراهين، بل يغني عن ذلك استحضار حقيقة الأدب، وطبيعة الظاهرة الأدبية من حيث المنشأ والتّشكّل والتّلقي، وكذلك النظر فيما تمارسه الفنون الأدبية من أثر في الحياة، وما تسدّه من ثغرات في واقع الوجود البشري، وما تعالجه من أزمات يستعصي على علم النفس أن يعالجها بمفرده.

             فالأدب في حقيقته، حديث نفس إلى نفس، وبوح وجدان إلى وجدان، ورسالة روح إلى روح، بلغة هي في أصلها رموز لخوالج النّفس، ووسيلة لقضاء حاجاتها، نفعية كانت أم عاطفية، والأدب بطبيعته، فعالية نفسية ونشاط وجداني، بواعثه نفسية، وتشكّله نفسي، ومسلكه إلى المتلقي هو الحسّ والغزيرة والوجدان، وهي جميعها تُشكّل المكونات الأساسية لمفهوم النّفس. وما دامت الصّلة بين الأدب وعلم النّفس مؤكّدة، فمن الواضح أنّ هذه الصّلة عرفتها كل المراحل، الأمر الّذي دفع الدّارسين إلى التّمييز في هذا الارتباط بين طورين أساسيين ، وهما كالآتي:

              الأوّل: تمّ الاهتمام فيه برصد العلاقة بين الأدب والنّفس على مستوى الإنتاج والتّلقي الأدبيين.

             الثّاني: تمّت فيه بلورة تصوّرات نقدية مستمدة من علم النّفس والتّحليل النّفسي لدراسة الظّاهرة الأدبية وتجلياتها النّصية.

                وبالتّساوق عمل الباحثون والنّقاد على رصد المسوغات الّتي بررت ارتباط النّقد الأدبي بالدّراسة النّفسية خلال هذا التّاريخ الطّويل، والّتي تُعطي الشّرعية للاستمرار في ذلك، ما دامت تلك المسوغات قائمة، ويمكن تحديد أبرزها في ما يأتي:

    -        الطّبيعة التّعبيرية والذّاتية للأدب.

    -        الوظيفة التّفسيرية للنقد الأدبي.

    -        الوظيفة التّأثيرية للأدب.

    -        السعي العلمي للنقد الأدبي.

          5. عيوب النّقد النّفساني:

    - غلب التّحليل النّفسي العلمي المنهج النّقدي التّحليلي للأدب.

    - الحكم على العمل يكون بالقيم النّفسية الّتي يحتويها، لا على أساس توافر القيم الجمالية.

    - ساوى المنهج النّفسي بين المبدع وغير المبدع.

    - ليس من الصّواب النّظر إلى الأدب على أنّه محصلة شذوذ أو مرضا.