أصول النحو
Topic outline
-
محاضرات مقياس أصول النحو السنة الثالثة
لسانيات عامة
المحاضرة الأولى: أصول النحو المصطلح و المفهوم.
مفهوم أصول النحو:
1/ تعريف الأصل:
أيهما أسبق الشيء أم أصل الشيء؟ كلمة (الأصول) أصلها الّلغويّ المادّة (أ ص ل)، وأصلُ الشّيء أسفله، والقصد في أسفل الشّيء هو الأساس الذي يتفرّع منه ومبدؤه الأوّل.
أصول جمع أصل وهو: ما يبنى عليه غيرُه؛ كأساس البيت. ويأتي بمعنى الدليل، نقول: أصل تحريم الخمر قوله تعالى في سورة المائدة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90].
ويأتي بمعنى الحكم المجمع عليه ويأتي بمعنى الكتاب، نقول: صحيح البخاري من أصول أهل السنة والجماعة. ويأتي بمعنى المقيس عليه.
إن مُفردة الأصول المُرتبطة بالعُلوم هي مجموعة القواعد التي تُبنى من خلالها الأحكام المُتعلّقة بالعِلم.
2/ تعريف النحو: كان أقدم تّعريف للنحو ما قدّمه ابن السّراج في كتاب (الأصول) حين عرّفه بأنّه العِلم الذي يبحث في كِلام العرب واستقرائه على نحو يجعل المُتكلِّم يتعلّم كلامهم ويحذو حذوهم، وبهذا يكون ابن السّراج أوّل القائمين على تخصيص تعريف واضح لعِلم النّحو، تبعه في ذلك ابن جنّيّ بتعريفه للنحو في كتاب (الخصائص)، فذكر بأنّه العِلم الذي يعتمد على اتّباع نهج كلام العرب في تصرّفه من إعراب أو غيره، كالتّشبيه، والجمع، والتّحقير، والتّكسير، والإضافة، والنّسب، والتّركيب وغير ذلك، والظّاهر من هذا التّعريف أنّ عِلم النّحو يُعنى في دراسة الكلمة وآخرها، تبعاً لارتباطها بغيرها من كلمات داخل الجملة وهو ما يُعرف بالإعراب، وهذا يختلف عن دراسة بُنية الكلمة الذي يُعدّ عِلماً مُنفصلاً آخر يُسمّى بعلم الصّرف.[٣] تعريف النّحو حسب آراء العلماء تعدّدت آراء عُلماء الّلغة في تأطير مُصطلح النّحو وطبيعته، وخصائصه، وقد تباينت هذه الآراء بين أهل الّلغة القدماء والمُعاصرين؛ لاختلاف زوايا الحُكم عليه عند كلّ واحدٍ منهم، ويظهر ذلك في تطوّر علم النّحو، وفيما يلي بيان لتعريف النّحو عند عُلماء الّلغة المُحدَّثين والقدماء:[١] تعريف النّحو عند العلماء القدماء للنّحو العديد من التّعريفات المُختلفة عند عُلماء الّلغة القُدماء، والذين تناولوه بطرائق مُختلفة، وفيما يلي بعضها:[١] تعريف ابن منظور: عرّف ابن منظور النّحو في مُعجمه (لسان العرب) من خلال المادّة الّلغويّة له (نَحَوَ)، ليصل إلى أنّه "القصد"، وكان قد أخذ هذا عن عالم الّلغة ابن السّكيت، وبرأيه أنّ هذا التّعريف ينطلق من التّشابه بين معنى النّحو في الّلغة والاصطلاح؛ إذ يجتمعان في أنّه عِلم يبحث في القصد الذي يستدعي استخدام لفظ ما، والجدير بالذِّكر أنّ هذا التّعريف يعود إلى ما قاله (أبو الأسود الدُّؤليّ) حينما وضع أوّل النّحو في العربيّة، فقال للنّاس حينها: انحوا نحَوه، ففهم النّاس أنّ عليهم انتهاج ما وضعه لهم، فارتبط حينها المعنى بالقصد، والطّريق فسُمّي نحواً. أبو علي الفارسيّ: عرّف أبو عليّ الفارسيّ النّحو بأنّه العِلم الذي تمّ قياسه واستنباطه من خِلال استقراء الكلام العربيّ، كما أشار إلى كونه ينقسم إلى قسمين: الأول ويُعنى بالتّغيّرات الّلاحقة بأواخر الكلام، والثّاني الذي يرتبط بالتّغيُّرات الواقعة في ذوات الكلام نفسه. علي الجرجانيّ: عرّف علي الجرجانيّ النحو في كتابه (التّعريفات) بأنه عِلم بالقواعد والقوانين التي تُعرَف من خِلالها الأحوال الخاصّة بالتراكيب العربيّة سواء من الإعراب أو البناء، وغيرهما ممّا يتعلّق بالتّراكيب، كما أضاف الجرجانيّ فقال إنّ هذا العِلم يبحث في أحوال الكلام من حيث الإعلال والصّحة، فيكون بذلك عِلماً يُمكن من خِلاله معرفة أصول صحّة الكلام وفساده.
3/تعريف علم اصول النحو:أُخذت كلمة (الأصول) في أصلها الّلغويّ من المادّة الّلغويّة (أصل)، وأصلُ الشّيء أسفله، والقصد في أسفل الشّيء هو الأساس الذي يتفرّع منه ومبدؤه الأوّل، وهذا ما ورد في مُعجميّ (لسان العرب) و(القاموس المُحيط)، بالإضافة إلى ما جاء في مُعجم (الوسيط) إذ زيد على ما ورد أنّ مُفردة الأصول المُرتبطة بالعُلوم هي مجموعة القواعد التي تُبنى من خلالها الأحكام المُتعلّقة بالعِلم، أمّا في اصطلاح الّلغة فقد ذكر الفقيه محمّد الخضريّ في كتابيه (أصول الفقه)، و(علم أصول الفقه) أنّ مفهوم عِلم الأصول يتمثّل في كونه عِلماً يبحث في قواعد معيّنة يتمّ فيه استنباط الأحكام الفرعيّة الخاصّة بذلك العِلم، ومن هُنا يُمكن اعتماد تعريف مُصطلح "عِلم أصول النّحو"، تبعاً للأنباريّ الذي قال في كتابه (لمع الأدلّة) بأنّه العِلم الذي يتناول الأدلّة النّحويّة التي تمّ تحليلها من فروع النّحو وفُصوله. ل ابن الأنباريّ " أصول النّحو أدلّة النّحو الّتي تفرّعت منها فروعه وفصوله، كما أنّ أصول الفقه أدلّة الفقه الّتي تنوّعت عنها جملته وتفصيله ".وعرّفه المتأخّرون بأنّه
العلم بالأحكام النّحويّة، وأدلّتها الإجماليّة، وكيفيّة الاستدلال، وحال المستدلّ ).قال السّيوطيّ في " الاقتراح ": " هو بالنّسبة إلى النّحو، كأصول الفقه بالنّسبة إلى الفقه "لعلم أصول الفقه فقد صاغَه على صوغه تمامًا. وبالعموم هو يقصد الأدلَّة التي سنأتي عليها هنا، ويقصد أنَّه يبحث في كلّ أصل من حيث إفادتُهُ للنحو والتركيب لا لشيء آخر؛ فعندما يبحث في الكلام المنقول إلينا من العرب لا يقصد به الاعتبار بمعناه مثلاً إنَّما بما يدلّ فيه على القواعد والتركيب، وكذلك كيف ننتقل من الدليل إلى القاعدة، ومَن هو الذي يقوم بهذه العمليَّة..
فائدة علم أصول النحو: لعلم اصول النحو أهمية كبيرة يمكن أن نوجزها على النحو التالي:
إن معرفة علم أصول النحو تُعلِمُنا أمرًا ينقصنا وهو أنَّ قواعد النحو التي نتعامل معها لمْ تأتِ عبثًا، بل تعتمد على نظام عقليّ رصين وجهود ضخمة بذلها آلاف العلماء -على أقلّ تقدير مُمكن- على مدار مئات الأعوام -وما زالت تُبذل حتى اللحظة- في محاولة فهم وتأمُّل وتدبُّر النظام اللُّغويّ عمومًا والعربيّ خصوصًا. فإنَّ ما نراه من قواعد ليستْ تحكُّمات فارغة من الغرض والهدف، بل هي النتيجة الأخيرة لعمليَّة طويلة جدًّا من الجهد العلميّ لاستخلاص هذه القواعد التي ننفر منها ونعتبرها ثقلًا علينا، ولو عرفنا ما وراءها من نظام وترتيب لتغيَّر مِنَّا الشعور تجاهها قطعًا، ولما استساغ أحدٌ أنْ يسخر من قواعد النحو كما نرى كثيرًا في الأعمال التمثيليَّة وبين ألسنة الطلاب في وطننا العربيّ.
ــــــ نعرف من هذا العلم جهود المُفكِّرين المُسلمين واكتمال منظومة العلم العربيّ و الإسلاميّ. من حيث إنَّ علم أصول النحو أقرب ما يكون للمنطق العامّ وعلم المنهج وفلسفة اللغة. وجهود العلماء في هذا المنحَى تمثِّل الظهير الفكريّ للعلوم الإجرائيَّة -وهي التي تتعامل مُباشرةً مع أهدافها كالنحو والفقه- وتُبيِّن لنا اكتمال منظومة العلوم الإسلاميَّة والعربيَّة.
ــــ نعرف من هذا العلم وحدة منظومة العلوم العربيَّة والإسلاميَّة التي تتضامُّ وتتشابه في وحدة وتناغم حيث لا تستطيع فصلها أو اجتزاءها مهما حاولت. فعلم أصول النحو يتضامّ ويتآصَرُ مع علم أصول الفقه من وجوه كثيرة. وهكذا في كامل المنظومة العلميَّة الإسلاميَّة. ومن هنا يأتينا الثبات والاطمئنان إلى تاريخنا، وتاريخنا العلميّ خاصَّةً وننشر هذا بين أبناء أمِّتنا حتى تتمُّ استعادة الثقة التي يحاول الكثير النَّيل منها. إن تلك الأصول أو الأدلة التي جرت الإشارة إليها كانت موجودة عند الأوائل من النحاة متجسدة في أقوالهم وأعمالهم قبل أن تفرد بالبحث والدرس في مؤلفات علمية مستقلة. كان العلماء الأوائل من النحاة يستخدمونها في التعرف على قواعد التركيب النحوي للجملة العربية ، فالقياس مثلاً استخدمه النحاة في توجيه الآراء وحسم الخلافات وتخريج الشواهد ، قبل أن يبحثوا في تعريفه وأركانه وطرق استخدامه ، ومثل هذا يمكن أن يقال في الفقه ، إذ نجد فقهاء الصحابة وكبار التابعين قد استخدموا القياس والسماع و الاجماع قبل أن يبحثوا في مفهوم السماع أو القياس أو الإجماع ، إذ كانت هذه الأدلة راسخة في عقولهم إذ تدربوا عليها عمليا في حياة رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) وتلقنها عمليا منهم كبار التابعين إلى أن جمعها الإمام الشافعي في كتابه ( الرسالة )، وحّدها وعرّفها ثم جرى البحث النظري فيها .
-
-
-
-
-