الحكامة والمواطنة
Topic outline
-
-
بطاقة التّواصل / المقياس الحكامة والمواطنة / الأستاذ : محمّد نمرة
المقياس : الحكامة والمواطنة
الأستاذ : محمّد نمرة
المستوى : السنة الثالثة ليسانس - تخصص لسانيات عامة.
الحجم الساعي : ساعة ونصف.
المعامل : 1
الرصيد : 1
أهداف التّعلم : بلورة مفاهيم المواطنة و دور الحكامة في بناء المجتمع المدني.
-
الأستاذ : نمرة محمّد
M.NEMRA@UNIV-DBKM.DZ : البريد المهني
-
رابط فيديو المحاضرة الأولى:
-
رابط فيديو المحاضرة الثّانية:
https://www.youtube.com/watch?v=xg0GYayOV-k
-
المحاضرة الأولى: مدخل إلى موضوع المواطنة
مقدمة:
تعدّ المواطنة من المفاهيم السّياسية المعاصرة في الفكر الغربي، وكانت إلى زمن غير بعيد تعني الاشتراك مع الآخرين في حيز جغرافي يسمى الوطن، بحيث يطغى على هذا الاشتراك طابع الشعور العاطفي الّذي يحرك الإنسان في نشاطاته وعلاقاته مع الآخرين، ومع مرور الوقت تغيرت النظرة إلى مفهوم المواطنة، حيث أصبحت هذه الأخيرة مصدرا لنشأة أنواع من العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بين المواطنين. ولم تأخذ المواطنة معناها الحديث إلا بعد ظهور وتكوين الكيانات السياسية، وهو ما ساهم في تطور معناها من اشتراك المواطنين في الشعور العاطفي اتجاه الكيان إلى الاشتراك في مجتمع سياسي وما ينتج عن ذلك من حقوق وواجبات.
1.نشأة المواطنة في الغرب:
استقر مفهوم المواطنة في الفكر السياسي المعاصر كمفهوم تاريخي شامل ومعقد، لأن الفكر السياسي إنما ينتج انطلاقا من حراك اجتماعي معقد تتحكم فيه السيرورة التاريخية، لذا تتخذ إنتاجاته القانونية والثقافية، كما أن ترجمة الانتاج الحضاري عمليا من خلال الدولة، يتخذ أبعادا متشابكة يصعب مها نفي حضور مجموع القيم المشكلة لتلك الحضارة، بما فيها العقائد والمتغيرات السوسيوثقافية، والمتغيرات العالمية. من خلال التجربة السياسية الغربية يمكن رصد ثلاثة تحولات متداخلة ومتكاملة، شهدتها الأوضاع السياسية لهذه التجربة، استطاعت لقوتها أن تحول بعض مرتكزات بناء الدولة، وأن تزرع أسسا سياسية أرست مبدأ المواطنة:
أ.التّحول الأوّل: جاء مع نهاية الحروب الدينية بإقرار معاهدة وستفاليا سنة 1648م، وهو اسم يطلق على معاهدتي السلام بمدينتي أوسنابرك ومونستر بألمانيا التي أنهتا حرب الثلاثين عاما في الإمبراطورية الرومانية، وأخمدتا حرب الثمانين عاما بين إسبانيا ودول المقاطعات السبع المنخفضة المتحدة، أو فيما بعد هولندا. وقعها مندوبون عن كل من الإمبراطور الروماني فرديناند الثالث (1637م-1657م)، ومماليك فرنسا وإسبانيا والسويد وجمهورية هولندا والإمارات الكاتوليكية والبروتستانتية التابعة للإمبراطورية الرومانية. وتعتبر هذه المعاهدة أول اتفاقية دبلوماسية في العصر الحديث أرست نظاما جديدا في أوروبا الوسطى والغربية مبنيا على مبدأ سيادة الدول. فأصبحت مقررات هذه المعاهدة جزءا من القوانين الدستورية للإمبراطورية الرومانية.
ب.التّحول الثّاني: فقد تجسد في إقرار المشاركة السياسية، وما شهده بدوره من تطور وتوسع، صاحبه تداولا للسلطة سلميا.
ج.التّحول الثّالث: يتجلى في سمو القانون، وشموله لسائر المواطنين، وما أنتجه الفكر السياسي الغربي من مؤسسات، أو ما أطلق عليه مؤسسة السلطة السياسية في ظل الدولة القومية الحديثة.
2. نشأة المواطنة في الإسلام:
تطرح فكرة المواطنة في السياق الإسلامي إشكال النموذج التصوري للدولة، على الرغم من أن مصطلحي الدولة والمواطن، لم يتم تداولها بالشكل إلا بعد نجاح الثورة الفرنسية سنة 1789م، لأن مفهوم الدولة قبل ذلك كان على أبعاد يحضر فيهما الدين والعرق بقوة. حتى تقلصت سلطة الكنيسة، وسطوتها على الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في أوروبا في منتصف القرن السابع عشر الميلادي، فتطور مفهوم المواطنة ليهل الوازع الديني في إشكالية الانتماء لدولة واحدة، لترسيخ الصرح لفَنُّ الديمقراطي الذي أصبح الميزة الأولى في بناء دولة عصرية متطورة.
والمتتبع لأحداث التاريخ الإسلامي يتبين أن الفكر الإسلامي كان سباقا للتأصيل لمبادئ المواطنة، ويظهر هذا في تلك الوثيقة المكتوبة التي عرفت باسم دستور المدينة، أو ما يطلق عليها الصحيفة وهي الأساس في المرحلة الأولى لنشأة الدولة الإسلامية في حقوق الحاكم وحقوق الرعية وتنظيم المجتمع والدولة، وكذلك تتردد في نصوص السنة المطهرة كلمات: الراعي، والرعية، والبيعة، والإمارة، والطاعة للأمير، وفيها تشريعات في حقوق الحاكم ومسئوليته، وحقوق الأفراد، وحرياتهم، والسيادة، والسلم، والحرب، والمعاهدة، والقضاء والشورى، ومركز الأقليات الدينية، وغير ذلك مما يدخل في صميم الأحكام الدستورية، والسياسية بالمصطلح المعاصر. ومعنى ذلك: أن السنة إنما أيضًا مثل القرآن الكريم تعتبر مصدرًا من مصادر الأحكام الدستورية والسياسية في الدولة الإسلامية؛ لأنه كما قلنا: ذكرت أمور هي من صميم النواحي الدستورية والسياسية -كما قلنا- مثل: الإمارة والطاعة للأمير وغير ذلك وحقوق الأفراد وحرياتهم وعلاقة المسلمين بغيرهم في السلم والحرب وغير ذلك.
وهذه الصحيفة في الأصل صحيفتان (وثيقتان): أحدها يختص بالمهاجرين والأنصار، والأخرى بالمسلمين من جهة واليهود من جهة أخرى، والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، ثم قررت الصحيفة أن هؤلاء أمة دون الناس، والأمة مجموعة أحلاف؛ إذ إن الأفخاذ والقبائل تركت كما كانت وأصبحت أعضاء في الأمة وعد المهاجرين فخذا واحدا، وأما الفرد فيشارك في الأمة مشاركة مباشرة عن طريق الفخذ والقبيلة وعلاقة الفخذ بالأمة تتضح في أنه يدفع النفقات غير الخاصة كالدين وفداء الأسرى كما كان من قبل؛ إذ لم يكن يوجد خزينة مركزية أنذاك؛ ولذا نصت الصحيفة إنهم أمة واحة من دون الناس المهاجرون من قريش على ربعتهم فيتعاقلون بينهم . وكلمة (الأمة) شملت أيضا طوائف المدينة الأخرى كاليهود، وإن كانوا لا ينتمون إليها انتماء وثيقا كالمهاجرين والأنصار؛ ولذلك لم تقع عليهم نفس الواجبات وليس لهم نفس الحقوق. فجعلت هده الوثيقة غير المسلمين المقيمين بالمدينة مواطنين في الدولة الإسلام مواطنين فيها، لهم من الحقوق، وعليهم من واجبات المواطنة.
3- أصول المواطنة في الإسلام: يقوم التأصيل الشرعي لمفهوم المواطنة على المبادئ والقواعد التالية:
أ- الأخوة: الأخوّة والمؤاخاة في الله سبحانه، حيث جعل الإسلام هذا النّوع من الأخوّة فوق كلّ أخوّة إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ. وقد جعل الإسلام هذا التّآخي من كمال الإيمان، حيث جعله رابطة قويّة بين المسلم وأخيه المسلم، ومن كمال الإيمان أن يحبّ المسلم لأخيه ما يحبّ لنفسه.و التّآخي في الله مسئوليّة يتقلّدها كلّ مسلم ويحافظ عليها بأمر الله تعالى، وبقدر المحافظة على هذه الأخوّة تكون قوّة الإيمان.
والأخوّة في الإنسانيّة بحكم أنّ الإنسان مهما اختلفت عقيدته هو أخ للإنسان عليه أن يتوجّه إليه بالدّعوة لهدايته وتزكيته. وهذا من أهمّ خصائص المنهج القرآنيّ.وللأخوّة مكانة سامية في الإسلام، تحقّق عدّة فوائد مهمّة للفرد والمجتمع الإسلاميّ والعالميّ، منها:
- تحقيق التّماسك والتّرابط في المجتمع الإسلاميّ، حيث تربط الأخوّة بين الأفراد وتشدّ من أواصر الصّلة والمحبّة والتّعاون والتكافل الاجتماعي، وتحقيق العدل في المجتمع الإسلاميّ لأنّها تبنى المجتمع على أساس من علاقات اجتماعيّة سليمة..
- حماية المجتمع الإسلاميّ من أشكال الانحراف، ومن أمراض الضّعف الحضاريّ، بحيث يستمرّ هذا المجتمع في قوّته وعطائه.
- تحقيق التّوازن الاجتماعيّ، بتحقيق معنى الأخوّة السّامي، فلا يستشعر الفرد المسلم ألم الفوارق بين المسلم وأخيه المسلم سواء كان ذلك الفارق في المال أو في الجاه أو في غير ذلك، ممّا يحقّق توازنا بين الفئات الاجتماعيّة.
- توفير اشتراك أفراد المجتمع كلّهم في اتّجاه واحد، من أجل القيام بوظيفة معيّنة ذات غايات محدّدة هي الغايات الإسلاميّة. معنى هذا أنّ أغلى وأسلم أخوّة هي تلك الأخوّة الّتي يربط بينها رباط العقيدة الصّحيحة.
- تحقيق صالح المجتمع، حيث لا تتضخّم الذّوات الإنسانيّة على حساب هذا الصّالح، وفي أحداث التّاريخ الإسلاميّ البرهان على ذلك.
ب- وحدة المصالح والآمال والآلام: أكد الإسلام أن نظام الحقوق والواجبات في الدولة الإسلامية ينبغي أن تتم وفق مصالح المسلمين، وواقع المسلمين؛ ولذلك كان من فضل الله علينا أن تركت هذه الأمور، وفيها مجال للاجتهاد من أجل تحقق المصلحة العامة، هذه الأمور المتعلقة بعلاقة الحاكم بالمحكومين، وبتحديد سلطة الحاكم، وبيان حقوقه، وواجباته، وحقوق الرعية، وواجباتها، وبيان السلطات المختلفة، ووظيفة كل سلطة من هذه السلطات هو ما تشمله مادة تسمى -في الفقه الإسلامي- نظام الحكم في الإسلام.
والمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، هذه هي أهم الشروط التي قالها الفقهاء، لكن الحقيقة الإمام مالك توسع في هذا الأمر، وقال: ليس بلازم أن تكون المصلحة كلية ضرورية قطعية، يقول: المهم توجد مصلحة؛ فإذا وجدت هذه المصلحة العامة؛ ففي هذه الحالة تقدم على المصلحة الخاصة، ولما كانت الشريعة الإسلامية تجعل المصلحة المرسلة مصدرًا من مصادر التشريع الإسلامي، وذلك لأن المصلحة يمكن أن تغطي الوقائع المتجددة، والمصالح غير المتناهية، وهو ما تقصر عنه النصوص؛ لأنها متناهية.
جـ- العدل: هو عبارة عن جملة من الفضائل، فإنه مهما كان بين الملك وجنده ورعيته ترتيب محمود، بكون الملك بصيرا قاهرا، وكون الجند ذوي قوة وطاعة، وكون الرعية ضعفاء سلسي الانقياد، قيل: إن العدل قائم في البلد. ولن ينتظم العدل بأن يكون بعضهم بهذه الصفات دون كلهم، وكذلك العدل في مملكة البدن بين هذه الصفات. والعدل في أخلاق النفس يتبعه لا محالة العدل في المعاملة والسياسة، ويكون كالمتفرّع منه. ومعنى العدل الترتيب المستحب، إما في الأخلاق، وإما في حقوق المعاملات، وإما في أجزاء ما به قوام البلد. والعدل في المعاملة أن يأخذ ما ليس له، والتغابن أن يعطي في المعاملة ما ليس عليه حمد وأجر. والعدل في السياسة أن ترتب أجزاء المدينة الترتيب المشاكل لترتيب أجزاء النفس، حتى يكون المدينة في ائتلافها وتناسب أجزائها، وتعاون أركانها على الغرض المطلوب من الاجتماع، كالشخص الواحد، فيوضع كل شيء موضعه، وينقسم سكانه إلى مخدوم لا يخدم وإلى خادم ليس بمخدوم، وغلى طبقة يخدمون من وجه، ويخدَمون من وجه آخر،. ولا يكتنف العدل رذيلة الجور المقابلة له، إذ ليس بين الترتيب وعدم الترتيب وسط، وبمثل هذا الترتيب والعدل قامت السموات والأرض حتى صار العالم كله كالشخص الواحد، متعاون القوى والأجزاء.
د- الاجتماع: بطبع الإنسان أنه مفطور على العيش مع بني جنسه للاستئناس والتعاون على المصالح الدينية والدنيوية، وقد دعا الإسلام إلى حسن التعامل مع الإنسان، من أجل الألفة والتعاون والتعارف، فطبع الإنسان مدني، فلا يمكن أن يعيش وحده. قال تعالى: "ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" سورة الحجرات، الآية 13. وقوله أيضا: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" سورة آل عمران، الآية 103.
-
المحاضرة الثّانية: مفهوم الحكامة
(الحكامة أو الحوكمة أو الحكمانية أو الحكم الراشد)
ويعود أصل لفظة الحكامة (Governance) إلى اللّغة الإغريقية والتي تعني وتعبر عن قدرة ربان السفينة في قيادة سفينته وسط أمواج البحر والأعاصير كما أنّها تعبّر عن كل ما يمتلكه من قيم وأخلاق وسلوك يمكنه من المحافظة على أرواح وممتلكات الركاب، فإذا وصل إلى البرّ أطلق عليه الآخرون القبطان المتحكم جدا. وتعرف إذا الحكامة في اللغة العربية على أنها الذي سيطر وأدار وحكم وضبط. وتعني الاحتكام إلى العقل والرّجوع إليه.
مفهوم الحكامة (لغة واصطلاحا):
1- لغة: مشتقة من الفعل حَكَمَ بينهم يَحْكُمُ أي قضى. وحَكَمَ له وحَكَمَ عليه. والحُكْمُ أيضا: الحِكمَة من العلم. والحَكيمُ: العالم، وصاحب الحكمة. والحَكيم: المتقِن للأمور. والحَكَمُ، بالتحريك: الحَاكِمُ. وفي المثل: " في بيته يؤتى الحكم ". وحكمة الشاة: ذقنها. وحكمة اللجام: ما أحاط بالحَنَك. تقول منه: حَكَمْتُ الدابّة حكما وأحكمتها أيضا. وكانت العرب تتخذها من القد والابق، لان قصدهم الشجاعة لا الزينة. قال زهير: القائد الخيل منكوبا داوبرها. ويقال أيضا: حَكَمْتُ السفيه وأَحْكَمْتُهُ، إذا أخذتَ على يده. قال جرير: أَبَني حَنيفةَ أَحْكِمُوا سفهاَءكم إنِّي أخاف عليكم أن أغضبا.
وحكمت الرجل تحكيما، إذا منعته مما أراد. ويقال أيضا: حَكَّمْتُهُ في مالي، إذا جعلتَ إليه الحُكْمَ فيه. فاحْتَكَمَ عَلَيَّ في ذلك. واحْتَكَموا إلى الحاكم وتَحَاكَموا بمعنىً. والمُحاكَمَةُ: المخاصمة إلى الحاكم.
والمحكم بفتح الكاف الذي في شعر طرفة هو الشيخ المجرب، المنسوب إلى الحكمة. وأمّا الذي في الحديث " إن الجنة للمحكمين " فهم قوم من أصحاب الأخدود حكموا وخيروا بين القتل والكفر، فاختاروا الثبات على الإسلام مع القتل.
لفظة (GOVERNANCE) حوكمة مشتقة من (GOVERNEMENT). وهو ما يعني الانضباط والسيطرة والحكم، وعليه فإنّ لفظ الحكامة يتضمن الجوانب الآتية:
أ.الحكمة: ما تقتضيه من التوجيه والإرشاد.
ب.الحكم: وما تقتضيه من السيطرة على الأمور بوضع الضوابط والقيود التي تتحكم في السلوك.
كما نقصد بها الحكم وما يتطلبه ذلك من الالتزام والانضباط والسيطرة بوضع القواعد والضوابط التي تحكم السلوك، وبصورة تضمن إدارة وقيادة قوية ورقابة منضبطة حازمة. إنّ كلمة حكم لم ترد في اللغة العربية بمعنى الحكامة، إلاّ أنّ المعنى العام لها هو المنع من الظلم والفساد، وهو الأمر المتفق عليه اصطلاحا لكلمة الحوكمة التي تهدف إلى منع الظلم والفساد في الإدارة، ولقد حاول البعض ترجمتها إلى الحاكمية أو الضوابط المؤسسية الحاكمة، إلاّ أنّ المصطلح الحالي والمتفق عليه هو الحكامة. كما ترادفها بعض المصطلحات التي تفي نفس المعنى وبالأحرى نفس المضمون وهي الحوكمة، الحكم الراشد، الحكم الصالح، وهذه المصطلحات تدلّ على الانضباط والسيطرة.
2- اصطلاحا: يمكن تعريف الحكامة على النّحو الآتي
مدحت أبو النصر: هي فن إدارة الحكومة وتسيير أمورها بسلاسة وفعالية وتحقيقها لأهدافها الاجتماعية على نحو يحقق رضا المواطنين.
وفي تعريف آخر عُرّفت على أنّها قدرة الحكومة على عملية الإدارة العامة بكفاءة وفعالية وبحيث تكون خاضعة للمساءلة ومفتوحة لمشاركة المواطنين، وتدعم النظام الديمقراطي للحكومة.
ومنه الحوكمة والحاكمية أو الحكم الراشد تهدف إلى مكافحة الفساد وتحقيق كل من العدالة والمساواة والشفافية.
إن الحكامة تظهر أهميتها أثناء الأزمات على وجه الخصوص وذلك بتجنبها وكذا محاولة استقرار السوق.
وفي الجانب القانوني يُعرّفها صبري أحمد شلبي على أنّها: مجموعة من القوانين والقواعد التي تحدد العلاقة الشفافة بين الإدارة والعاملين فيها مع محاولات إبعاد وتفادي الانهيار والزوال.
- ويعرّفها الباحثون المتخصصون في أغلب المنظمات الدولية على أنّها: "تعبير عن ممارسة السلطة السياسية، وإدارتها لشؤون المجتمع وموارده المادية والمالية والبشرية وغيرها. فهي حكم تقوم به قيادات سياسية منتخبة، وأطر إدارية كفأة لتحسين نوعية حياة المواطنين، وتحقيق رفاهيتهم، وذلك برضاهم وعبر مشاركتهم ودعمهم".
- أمّا في اللغة الإنجليزية فيقصد بالحكامة التدبير الرشيد والحكيم، وهي مفهوم استعجالي تبناه المجتمع الدولي لتجاوز حالة الخلل الواقعة في نماذج التنمية التي لا يجد فيها المجتمع الدولي الفرصة المناسبة للتعبير عن رأيه وموقفه، وحمولته الثقافية في المشاريع التنموية التي تهدف إلى تحسين مستواه المعيشي. كما أنّها ركيزة للوصول إلى حالة التنمية البشرية المستدامة، التي تتأسّس على ضرورة وإلزامية إزالة الحدود بين القوى المؤثرة، والتي تتجسد فيما يلي:
أ - الدولة هي صانعة القرار الأول، والمشرعة للقوانين التي تمكن أفراد المجمع من الاستفادة الأمثل من قدرات البلد.
ب- القطاع الخاص هو المسؤول الأول عن النمو بمؤشراته الاقتصادية.
ج- المجتمع المدني والسياسي الممثل في الجمعيات والأحزاب السياسية وغيرها هو ميدان للممارسة، والمشاركة، والتشارك وفق إستراتيجية واضحة الأهداف.
- أمّا الباحثون في ميدان الحكم فكانت لهم إسهاماتهم في وضع مفهوم للحكامة، وهذا من خلال تعريف كاتو وآخرين (2000)، وهي: إدارة موارد الدولة الاقتصادية والاجتماعية بهدف تحقيق التّنمية. والدول ذات الحكم الرشيد تمارس السلطة بموجب قوانين، من الممكن توقعها من قبل العامة، من خلال مؤسسات الدولة ومنظماتها الخاضعة للمحاسبة والمساءلة بكل شفافية، وبمشاركة الناس في عملية التنمية وإعداد السياسات.
ويتضّح من خلال التّعاريف السّابقة إنّ الحكامة هي: مجموعة القيم الفاعلة والهادفة للإصلاح الكلي الشامل والمتواصل لمنظومة المجتمع بالاستناد لمنظومة قانونية سليمة، وأطر محاسبية واضحة، وإعلام كفء ونزيه يحقق الثقافة التي تعكس العدالة الاجتماعية، بما يحقّق أفضل الأهداف المجتمعية.
-
المحاضرة الثّالثة : مفهوم المواطنة ومقوماتها
1.مفهوم المواطنة:
أ.المواطنة لغة: يشتق مصطلح المواطنة من الوطن، والوطن في معجم لسان العرب هو: "المنزل الذي يقيم به، والجمع أوطان. وأوطان الغنم والبقر مرابطها، وأماكنها تأوي إليها، ومواطن مكة مواقعها". وطن يطن وطنا: أقام به. وطن البلد: اتخذه وطنا. توطن البلد: اتخذه وطنا، وجمع الوطن أوطان: منزل إقامة الإنسان ولد فيه أم لم يولد، مواطنة: مصدر الفعل واطن بمعنى شارك في المكان إقامة ومولدا.
فقد تطوّر مفهوم الوطن عند العرب، فلم يعد مجرد تاريخ وجغرافيا. بل أصبح مكونا للذات ، ومساهما عضويا في خلق الأنا والنحن، وأصبح واهبا للمفاهيم التي ننظر بها إلى أنفسنا وإلى العالم. أي أصبح مرادفا للثقافة.
ب.المواطنة اصطلاحا: أما المواطنة في الاصطلاح فهي بأبسط معانيها: " إلتزامات متبادلة بين الأشخاص والدولة. فالشخص يحصل على حقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية نتيجة انتمائه لمجتمع معين، وعليه في الوقت ذاته واجبات يتحتم عليه آداؤها".
أما التعريف القانوني للمواطنة هي: "أن تكون عضوا في مجتمع سياسي معين أو دولة بعينها. القانون يؤسس الدولة ويخلف المساواة بين مواطنيها، ويرسي نظاما عاما من حقوق وواجبات تسري على المجتمع دون تفرقة. وعادة ما تكون رابطة الجنسية معيارا أساسيا لتحديد من هو المواطن في الدولة. وتجعل شرط حيازتها سواء أكانت أصلية أم مكتسبة للتمتع بكل الحقوق والحريات المدنية والسياسية".
وتترتب على المواطنة القانونية - أي حمل جنسية دولة ما - ثلاثة أنماط من الحقوق والواجبات : السياسية والمدنية والاقتصادية الاجتماعية. تشمل الحقوق السياسية الحق في الانتخاب، والترشح، والتنظيم. وأهم الواجبات دفع الضرائب المستحقة على كل مواطن وفق القوانين والإجراءات الضريبية المعمول بها. وتتضمن الحقوق المدنية كلا من الحريات الشخصية، والحق في الأمان والخصوصية والاجتماع، والحصول عن المعلومات، فضلا عن حرية الاعتقاد والتعبير. وحرية تشكيل تنظيمات مدنية مثل: الجمعيات والنقابات والمنظمات الغير حكومية، وحرية الانتقال والحركة والمقاومة السلمية، والحق في محاكمة عادلة. ولا ترتبط الحقوق الاقتصادية الاجتماعية بالحق في الملكية، ولكنها تمتد إلى الحقوق المرتبطة بممارسة العمل مثل: الحصول على أجر عادل، وعطلة دورية، والحق في الإضراب والتفاوض الجماعي.
وذهب البعض إلى أن المواطنة مصطلح مستحدث في اللغة العربية للتعبير عن الكلمة الإنجليزية citizenship. أما عن تعريف المواطنة في الموسوعة العربية العالمية فهي: "اصطلاح يشير إلى الانتماء إلى أمة أو وطن". وتعرف دار المعارف البريطانية المواطنة بأنها: "علاقة بين الفرد والدولة كما يحددها قانون تلك الدولة، وبما تتضمنه تلك العلاقة من حقوق وواجبات متبادلة في تلك الدولة ".
وعليه يتوجب وجود سلطة قضائية مستقلة في تلك الدولة قادرة على حماية حقوق الأفراد من أي اعتداء عليها، أو سلبها أو انتقاصها سواء من جانب مختلف أجهزة الدولة، أو على يد الأفراد أنفسهم في علاقة بعضهم ببعض. هذا إلى جانب منظمات فاعلة للمجتمع المدني وبالأخص المنظمات الحقوقية والإعلامية التي تنهض دائما على حماية حقوق الأفراد، وصيانتها، والكشف عن جميع صور الانتهاك الذي قد يتعرضون له.
2. مقومات المواطنة: المواطنة ليست وضعية جاهزة يمكن تجليها بصورة آلية عندما تتحقق الرغبة في ذلك، وإنما هي سيرورة تاريخية، ودينامكية مستمرة، وسلوك يكتسب عندما تتهيأ له الظروف الملائمة، وهي ممارسة في ظل مجموعة من المبادئ والقواعد، وفي إطار مؤسسات وآليات تضمن ترجمة مفهوم المواطنة على أرض الواقع، وإذا كان من الطبيعي أن تختلف نسبيا هذه المتطلبات من دولة إلى أخرى، ومن زمن إلى آخر بسبب اختلاف الثقافات والحضارات، والعادات والقيم، ومستوى النضج السياسي، فإنه لا بد من توفر مجموعة من المقومات الأساسية المشتركة، ووجود حد أدنى من الشروط التي يتجلى من خلالها مفهوم المواطنة في الحياة اليومية للأفراد، وفي علاقاتهم بغيرهم، وبمحيطهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ومن أهم مقومات المواطنة نخص بالذكر:
أ.المساواة وتكافؤ الفرص: لا تتحقق المواطنة إلا بتساوي جميع المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات، وتتاح أمام الجميع نفس الفرص، ويعني ذلك التساوي التام أمام القانون، الذي يعد المرجع الوحيد في تحقيق تلك الحقوق والواجبات، وإذا كان التساكن والتعايش والتعاون من العناصر الأساسية التي يفترض توفرها بين المشتركين في الانتماء لنفس الوطن. فإنها تهتز في حالة عدم احترام مبدأ المساواة، مما يؤدي إلفى تهديد الاستقرار، لأن كل من يشعر بالحيف، أو الحرمان دون حق مما يتاح لغيره، وتغلق أبواب الانصاف في وجهه، يصبح متمردا على قيم المواطنة، ويكون بمثابة قنبلة موقوتة قابلة للانفجار بأي شكل من الأشكال.
والوطن التي تتعدد أصول مواطنيه العرقية، وعقائدهم الدينية، وانتماءاتهم الثقافية والسياسية، لا يمكن ضمان وحدته واستقراره إلا على أساس مبدأ المواطنة الذي يرتكز على منظومة قانونية وسياسية واجتماعية وأخلاقية متكاملة، والمساواة كمقوم رئيسي للمواطنة، تعني أنه لا مجال للتمييز بين المواطنين على أساس الجنس، أو اللون، أو الأصل العرقي،/ أو المعتقد الديني، أو القناعات الفكرية، أو الانتماء والنشاط السياسي والنقابي والجمعوي. واختلاف الفئات واتماءاتها وصفاتها لا يجعل أيا منها أكثر حظا من غيرها في الحصول على المكاسب والامتيازات، كما لا يكون سببا في انتقاص الحقوق، أو مبررا للاقصاء، والتهميش، وحسن تدبير الاختلاف والتعدد لا يتم إلا في إطار المواطنة التي تضمن حقوق الجميع، وتتيح لكل المواطنين والمواطنات القيام بواجبهم، وتحمل المسؤوليات في وطنهم على أسس متكافئة. فلا يمكن إلغاء الصفات والانتماءات والمعتقدات وغيرها من خصوصيات بعض الفئات، وإنما يقوم على احترامها، وإتاحة لها فرص المشاركة في اغناء الوطن، وتنمية رصيده الثقافي والحضاري.
ولضمان مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع أفراد الوطن الواحد، وفي المجتمع الذي تتناقض فيه المصالح والأغراض، فإنه لا بد من وجود ضمانات قانونية، وقضاء مستقل وعادل يتم اللجوء إليه من قبل كل من تعرضت حقوقه للمس أو الانتهاك.
ب.المشاركة في الحياة العامة: لتمكين المواطنين والمواطنات من المشاركة الفعلية في الحياة العامة، لا بد من توفر استعدادات حقيقية لذى المشاركين في الانتماء إلى الوطن، وهذه الاستعدادات لا تتوفر إلا في حدود ضيقة في ظروف قمع الحريات، ومصادرة الفكر المتحرر من التبعية والخنوع، وفي ظل الأنظمة التي الأنظمة التي تناهض العمل السياسي الذي يحمل رؤية انتقادية، أو موقف معارض للحكام والسياسات المتبعة، ففي مثل هذه الظروف التي تعرفها المجتمعات عموما، والعربية خصوصا، يلاحظ انزواء كثير من الكفاءات، وبروز الفردانية، والابتعاد عن المشاركة في الحياة العامة، والنفور من العمل السياسي، وغير ذلك من الظواهر المناقضة للمواطنة. فالأنظمة القمعية ولو اختفت وراء ديمقراطيات شكلية مسؤولة من تقليص فرص المشاركة، ومدمرة لقيم المواطنة، ولا يأتي نمو استعداد المواطنين والمواطنات للمشاركة في الحياة العامة إلا في ظل حرية الفكر والتعبير، وحرية الانتماء والنشاط السياسي والنقابي والجمعوي، وفي إطار الديمقراطية التي يكون فيها الشعب هو صاحب السيادة، ومصدرا لجميع السلطات.
والمشاركة في الحياة العامة تعني إمكانية لولج جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية متاحة أمام الجميع دون أي تمييز، بدءا من استفادة الأطفال من الحق في التعليم والتكوين على المواطنة وحقوق الإنسان، واستفادة عموم المواطنين من الخدمات العامة، مرورا بحرية المبادرة الاقتصادية، وحرية الابداع الفكري والفني، وحرية النشاط الثقافي والاجتماعي، وانتهاء بحق المشاركة في تدبير الشأن العام بشكل مباشر كتولي المناصب العامة وولوج مواقع، أو بكيفية غير مباشرة كالانخراط بحرية في الأحزاب السياسية، وإبداء الرأي حول السياسات المتبعة، والمشاركة في انتخاب أعضاء المؤسسات التمثيلية على المستوى المحلي والوطني والمهني. وهذا ما يضمن فعالية النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويضفي الحيوية على المشهد الوطني، مما يساهم في خلق واقع ينشد التطور المتواصل والارتقاء المستمر.
ج.الولاء للوطن: يعني أن الرابطة التي تجمع المواطن بوطنه تسمو على العلاقات القبلية والعشائرية والحزبية، ولا خضوع فيها إلا لسيادة القانون. وأن هذه الرابطة لا تنحصر في مجرد الشعور بالانتماء، وما يطبع ذلك من عواطف، وإنما تتعدى إلى جانب الانتماء الوجداني، وذلك في إدراك واعتقاد المواطن بأن هناك التزامات وواجبات نحو الوطن لا تتحقق المواطنة دون التقيد الطوعي بها. فلا تكفي وجود ترسانة من القوانين والمؤسسات التي تتيح للفرد التمتع بحقوقه والدفاع عنها في مواجهة أي انتهاك، واستردادها إذا سلبت منه. بل يجب تشبع المواطن بقيم المواطنة وثقافة القانون.
ويعني الولاء للوطن شعور كل مواطن أنه معني بخدمة الوطن، والعمل على تنميته والرفع من شأنه، وحماية مقوماته الدينية واللغوية والثقافية والحضارية، والشعور بالمسؤولية عن المشاركة في تحقيق النفع العام، والالتزام باحترام حقوق وحريات الآخرين، واحترام القوانين التي تنظم علاقات المواطنين فيما بينهم، وعلاقاتهم بمؤسسات الدولة والمجتمع، والمساهمة في حماية جمالية ونظافة المدينة أو القرية التي يقيم بها، وحماية البيئة فيها، والمشاركة في النفقات الجماعية، والانخراط في الدفاع عن القضايا الوطنية، والتضامن مع باقي المواطنين والهيئات والمؤسسات الوطنية في مواجهة الطوارئ والأخطار التي قد تهدد الوطن في أي وقت، والاستعداد للتضحية من أجل استقلال الوطن، والارتكاز على مبدأ اعتبار المصالح العليا للوطن فوق كل اعتبار، وأسمى من كل المصالح الذاتية الخاصة والأغراض الفئوية الضيقة.
والولاء للوطن لا ينحصر في المواطنين المقيمين داخل حدود التراب الوطني، وإنما يبقى في وجدان وضمير وسلوك المواطنين الذين اضطرتهم الظروف للإقامة في الخارج، لأن مغادرة لأي سبب من الأسباب، لا يعني التحلل من الالتزامات والمسؤوليات التي تفرضها المواطنة، وتبقى لصيقة بالمواطن تجاه وطنه الأصلي حتى ولو اكتسب الجنسية في دولة أخرى.