Aperçu des sections

  • التعريف بالمقياس

    مادة الأنثروبولوجيا الثقافية والاجتماعية موجهة إلى طلبة الليسانس2. تهدف الوحدة لإعطاء الطالب فكرة شاملة عن المجالات التي تهتم بها الأنثروبولوجيا، باعتبار الأخيرة تطرح في جوهرها مسألة فهم الإنسان وثقافاته المتعددة، من خلال تفاعل الفرد داخل مجموعته الإثنية، وما يتشكل من خلال هذا التفاعل من تصورات ومعتقدات، وانعكاس ذلك على سلوكه، وأيضا كنسق أو جزء لا يتجزأ من البناء الإجتماعي الكلي، لفهم سلوكه داخل الأبنية الفرعية للمجتمع، ويتم تقديم الدروس على مستوى موقع جامعة خميس مليانة، وذلك في إطار مشروع التعليم الإلكتروني عن بعد (E-learning) بالولوج عبر الرابط

    http://moodle.univ-dbkm.dz

    • Icône Forum

       يحتوي المقياس على ثمان محاضرات ستجعل منا كطلبة سنة ثانية ليسانس نتوصل في آخر السداسي إلى فهم ماهية الأنثروبولوجيا بشقيها الاجتماعي والثقافي ، ونحاول أيضا اكتساب المغزى من الدراسات الأنثروبولوجية في هذين الجانبين الهامين المكونين للأنثروبولوجيا، بتعلمأبجديات البحث الإثنوغرافي... وبالتالي فما يجعلنا نكتسب هاته الخبرة هو الاجتهاد في مطالعة عديد الدراسات التي تخص هذا المقياس والتخصص

  • معلومات الإتصال

    • الجامعة

      الجيلالي بونعامة خميس مليانة

      الكلية

      العلوم الاجتماعية والانسانية

      القسم

      علم الاجتماع

      المستوى

      الثانية ليسانس

      التخصص

      علم اجتماع الجريمة والإنحراف

      المقياس المقرر

      أنثروبولوجيا اجتماعية وثقافية

      الاستاذ

      موسى إسماعيل شماخي

      نوع الدرس

      أعمال موجهة

      السداسي

      الرابع/ 2023-2024

      المعامل

      1

      الرصيد

      2

      الحجم الساعي

      الحجم الساعي في السداسي: حوالي 45 ساعة

      الحجم الساعي في الأسبوع: ساعة ونصف

      الايميل

      lycency2@gmail.com

       أو عن طريق صفحة الفسيبوك المتاحة موسى إسماعيل شماخي https://www.facebook.com/profile.php?id=100042827137836

      أو رابط قناة اليوتيوب الخاصة بي:

      https://www.youtube.com/channel/UCFefDZZpm0mcXDu4MQ2VCJA

  • مساحة التواصل

  • أهداف المقياس

    • 1)    وصول الطالب في نهاية السداسي إلى فهم معنى الأنثروبولوجيا الثقافية والاجتماعية.

      2)    وصول الطالب إلى فهم ماهية الجانب النظري والتطبيقي في الدراسة الأنثروبولوجية، حين تناوله شقي البنى الإجتماعية أو الإثنيات المتعددة في الثقافة المجتمعية ككل.

      3)    وصول الطالب إلى المرحلة التي يمكن فيها اجتياز الإمتحان النهائي وإظهار مدى استيعابه للمادة.

  • المكتسبات القبلية

    • -اطلاع الطالب على الكتب في التخصص.

      -متابعة المستجدات على اليوتيوب من خلال الكتب الصوتية في مجال الثقافة والمجتمع.

      -النزول إلى المجتمع والإحتكاك بالمديريات ذات الصلة بالثقافة والسياحة والصناعة التقليدية والفنون وغيرها مما يمت بصلة للثقافة ككل مركب.

  • خطة العمل (محتوى المقياس)


    • (1) المداخلة الأولى: مدخل إلى الأنثروبولوجيا وأهم مناهجها
      مدخل إلى الأنثروبولوجيا العامة
      فروع الأنثروبولوجيا
      أهم المناهج المستخدمة في علم الأنثروبولوجيا
      (2)
      المحاضرة الثانية: رواد الأنثروبولوجيا
      بين لويس مورغان وإدوارد تايلور
      مارسيل موس
      دور كايم
      مالينوفسكي
      راد كليف براون
      مارغريت ميد
      (3)
      المحاضرة الثالثة: أنثروبولوجيا الجزائر
      مدخل مختصر إلى تاريخ الحضارة الجزائرية
      الدراسات الفرنسية للمجتمع الجزائري إبان إحتلال الجزائر
      الهوية الجزائرية بين التنوع والتجانس
      اللغة ودورها في تماسك المجتمع
      القيم الدينية والتماسك الإجتماعي
      (4)
      المحاضرة الرابعة: أعلام الأنثروبولوجيا في الجزائر
      إسهامات محمد أركون العلمية في المجال السوسويوثقافي
      إسهامات بعض الباحثين الأنثروبولوحيين الجزائريين في مجال الدين.
      إسهامات مالك شبل العلمية في المجال السوسويوثقافي
      إسهامات عدي الهواري العلمية في المجال السوسويوثقافي
      إسهامات أحمد بن نعوم العلمية في المجال السوسويوثقافي
      إسهامات عبد الرحمان موساوي العلمية في المجال السوسويوثقافي
      إسهامات مريم بوزيد سبابو العلمية في المجال السوسويوثقافي
      إسهامات أحمد بن نعمان العلمية في المجال السوسويوثقافي
      (5)
      المحاضرة الخامسة: أنثروبولوجيا القرابة
      القرابة ومفهومي السياسة والإقتصاد
      أنثروبولوجية القبيلة
      القرابة والرباط الإجتماعي
      قبلية القرابة في مجتمعنا الجزائري
      المرأة الجزائرية بين القيم المحلية والعولمة
      (6)
      المحاضرة السادسة: أنثروبولوجية الاتصال
      (7)
      المحاضرة السابعة: الأسرة وغرس قيم الاتصال
      (8)
      المسجد كمؤسسة سوسيوثقافية
      (9)
      الإمتحـــــــان

  • مخرجات التعلم للمقياس

    • - وصول الطالب  إلى معرفة النظريات المفسرة  للمظاهر السوسيوثقافية في المجتمع، من خلال تمكنهم من معرفة كل عالم من علماء الأنثروبولوجيا على حدى، فلا يمكننا أن نكون باحثين أنثروبولوجيين إلا بالمرور على هؤلاء المنظرين، بالإضافة إلى ما يتبع ذلك من محاولات الإستفادة القصوى من نظراتهم المتمايزة خدمة لأنثروبولوجية جزائرية متميزة ببحثها الميداني الحاذق وقراءاتها الذكية للتراكمات المعرفية.

      -  فهم معنى تاریخ الجزائر الثقافي.

      • - التمییز بینما إذا كانت الدراسات الثقافیة التي تناولت المجتمع الجزائري (موضوعیة، أو ذات خلفیة ایدیولوجیة).
      • -وصول الطالب في نهاية السداسي إلى فهم معنى فكرة "الإلتحاق بالمستوى العالمي في المعرفة العلمية، لا يكون إلا من الإنطلاق من التحكم في المستوى المحلي لهذه المعرفة العلمية.

      - وصول الطالب في نهاية السداسي إلى فهم معنى تمايز الأدوار بين الجنسين وفق ما تمليه الثقافات المتنوعة.

      تحكم الطالب في تحليل العلاقات القرابية من خلال الأبنية المتعددة التي تندرج ضمنها وتحددها.

      -ولا يمكن أن نصل بالطالب إلى مرحلة الطالب الباحث إلا بمطالعته لكتب ذات علاقة التخصص نذكر منها ما يلي في قسم الكتب:

  • مقدمة عامة

    •  

      تعتبر الأنثروبولوجيا من أهم العلوم التي يحتاجها الفرد والمجتمع، باعتبارها علم يهتم بالإنسان خالصا من دون المخلوقات والأشياء، فهي كما حددها الأنثروبولوجيون وعلماء الإجتماع، كلمة يونانية مشتقة من (أنثروبوص) وتعني الإنسان، و(لوجي) أو (لوجوص) وتعني العلم.

      ويختلف المصطلح في مناطقنا العربية من مشرقها إلى مغربها، فهناك من يطلق عليها علم الإنسان في دول المشرق العربي، وهناك من يسميها علم الأناسة كالمغرب الأقصى، وهناك من يطلق عليها علم الأنثروبولوجيا، أو (الأنثروبولوجيا)، وتؤدي كلها إلى ما مفاده اصطلاحا: العلم الذي يدرس الإنسان من الجوانب الثلاث الآتية:

      الجوانب الثقافية، الجوانب الإجتماعية، والجوانب البيولوجية ، وبالتالي فالأنثروبولوجيا تنقسم إلى:

      الأنثروبولوجيا الثقافية

      وهي الأنثروبولوجيا التي تهتم بثقافات الأفراد، وخصوصية كل مجتمع عن المجتمعات المختلفة، وتحاول فهم تفاعل الفرد داخل مجموعته الإثنية، وما يتشكل من خلال هذا التفاعل من تصورات ومعتقدات، وانعكاس ذلك على سلوكه، وتكون الدراسات الأنثروبولوجية في فرعها الثقافي في شكلين، أولهما الدراسة الآنية وهي التي تدرس ثقافة المجتمع كما هي الآن في وقتها الراهن، وهناك الدراسات التتبعية أو التاريخية، وهي التي تدرس ثقافة المجتمع بالرجوع إلى حقبها التاريخية، وظروف تغيرها وتشكلها.

      الأنثروبولوجيا الإجتماعية

      تهتم هاته الأخيرة بسلوك الإنسان الإجتماعي، كنسق أو جزء لا يتجزأ من البناء الإجتماعي الكلي، محاولة فهم سلوكه داخل الأبنية الفرعية للمجتمع ، وتختلف المدرسة الأمريكية عن المدرسة البريطانية في اعتبار الأنثروبولوجيا الإجتماعية جزءا من الثقافية وهو رأي المدرسة الأمريكية، في حين ترى المدرسة البريطانية، أنها فرع رئيسي في الأنثروبولوجيا العامة، يتفرع عنها الأنثروبولوجيا الثقافية، ولقد تفرعت عن الأنثروبولوجيا فروعا حديثة، جراء تطور المجتمعات بين القرن الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين، حيث ظهرت بالإضافة إلى الفروع الكلاسيكية السابقة، فروع حديثة متمثلة في:

      الأنثروبولوجيا السياسية، الأنثروبولوجيا الإقتصادية، الأنثروبولوجيا الصحية، الأنثروبولوجيا النفسية، أنثروبولوجيا اللغة والألسنية، أنثروبولوجيا القرابة، أنثروبولوجيا الدين والرموز، أنثروبولوجيا التغير الإجتماعي، الأنثروبولجيا الحضرية، أنثروبولوجيا الوسط الصناعي والتقنية، أنثروبولوجيا المرئية والسينما والفن، أنثروبولوجيا الجسد، أنثروبولوجيا الصحة، وهي كلها تعد حقولا من حقول الأنثروبولوجيا الأنثروبولوجيا، ويتم اعتمادها كمقياس في جامعة انتمائي السابقة بقسنطينة2 وموجهة لطلبة طور الماستر. 

      الأنثروبولوجيا البيولوجية

      هي جانب الدراسات الذي يهتم بجسد الإنسان وسلالاته وعرقه، كجزء من العالم الحيواني (باعتباره كائن حيواني له خصائص فيزيائية، تختلف عن باقي الكائنات الحية)، ويدخل فيها علم التشريح، والوراثة، والحفريات البشرية، ومن موضوعات الإهتمام المتصلة بهذا الميدان: (أنماط النمو عند الصغار، آثار التغذية، العلاقات بين شكل الجسم، وشكل الأداء الوظيفي البيولوجي والثقافي، والعوامل الوراثية وعلاقاتها بالمرض والعلاج) .

  • المحاضرة الأولى: أهم المناهج المستخدمة في علم الأنثروبولوجيا

    • أهداف المحاضرة: 

      تهدف المحاضرة إلى محاولة التوصل بالطالب إلى فهم أبجديات البحث اأنثروبولوجي وما الذي يتوجب على الباحث أثناء تناوله الدراسة الأنثروبولوجية القيام به، للتوصل إلى نتائج أكثر دقة.

      لا يمكننا القيام بدراسات أنثروبولوجية واقعية وصادقة، دون فهم المناهج الواجب اتباعها عند كل دراسة، وباعتبار الدراسات الأنثروبولوجية دراسات ميدانية، وجب على الباحث أن يكون حاذقا باعتباره أداة بحثية نفسه، ومنه فأهم المناهج الأنثروبولوجيا هي:

      المنهج الإثنولوجي

      تعتبر الإثنولوجيا الجزء النظري من الدراسات الأنثروبولوجية، وهي تتمثل في تلك التقنيات التي يجب أن يتبعها الباحث الأنثروبولوجي، للحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات حول موضوع بحثه، من خلال النظريات والإتجاهات الفكرية التي تناولت موضوعه، وهي مرحلة أسبق كرونولوجيا، من المرحلة الثانية المتمثلة في المنهج الإثنوغرافي.

      المنهج الإثنوغرافي

      هو الجانب الميداني للدراسات الأنثروبولوجية، وهي أصعب مراحل البحث الأنثروبولوجي، حيث يتطلب من الباحث مزيدا من الصبر والحكمة والتبصر، وكذا ذكائه من أجل الحصول على أكبر قدر من المعلومات، حول موضوع دراسته، فهو الأداة البحثية الأساسية لبحثه، ولا يستطيع الحصول على معلومات كافية، إذا ما لم يكن متمكنا من استخدام وسائل البحث الميدانية، المتمثلة في الملاحظة بالمشاركة والمقابلة، اللتان يعتبران من أهم وسائل البحث الإثنوغرافي وأنجعها.

      الإثنوغرافيا:

      یرى "باتون "Patton أن البحث الإثنوغرافي یعنى بالثقافة بـشكل خـاص، فسؤاله الدائم هو:

      - ما ثقافة هـؤلاء النـاس؟ وهل یفتـرض أن أي مجموعـة من النـاس تعـیش مـع بعضـها لفتـرة زمنیـة معینة ستكون ثقافة معینة خاصة؟

      -ما انعكاسات هذه الثقافة على تشكیل ســلوكهم، وممارساتهم الحیاتیة ونظـرتهم إلى الواقع الإجتماعي والثقافي الذي یعیشون فیه[i]؟

      ویـرى " "Young,Mفي كتابه "ثقافة الشرطة وطریقة عملهم في بریطانیا" أن البحث الإثنوغرافي "طریقة وأداة لفهم أسـالیب مجتمع أو جماعة ما وطرقـهم في الحیـاة الیومیـة، من خلال معرفـة أفكار أعضائه ومعتقداتهم وقـیمهم وسـلوكیاتهم، وما یصـنعونه من أشـیاء یتعاملون معها، ویــتم ذلك عن طریق الملاحظة بالمشاركة في الوضع الطبیعي الحیاتي من جانب الباحث، دون الإستعانة بمترجم حتى یستطیع فهم حیاتهم الإجتماعیة بدقة أكبر[ii]"، بمعنى أنه الدراسة الوصفیة الدقیقة لمجمل الحیاة، عند جماعة إجتماعية.

      البحـث الإثنوغرافي في رأي "تیلـوین" مـنهج لبناء الحقائق، واســـتنتاج الدلائل والبراهین من المشاهدة الفعلیة للظاهرة المدروسة، ویتطلب هذا المنهج من الباحث معایشـة فعلیـة للمیدان أو الحقـل موضع الدراسة[iii]، وعلیــه یكون الباحث الإثنوغرافي من النــوع المشاهد المشارك، مــا یجعـــل البحـث الإثنــوغرافي واقعــا بــین حــدود البحــث الكیفــي السوســیولوجي المــراد الفهــم، والبحــث الإجرائـي الذي یسـتهدف الفهم والمشاركة في التغییر نحو الأفضل.

      أما علماء الأنثروبولوجیا الأمریكیون، والذين تأثرت بهم شخصيا في دراساتي المتنوعة وفي أطروحتي التي نقلت لكم من خلالها هذا الشق المتعلق بالإثنوغرافيا، ومنهم "إتكنسون"، و"سـمیث"، و"دیلامونـت"، فقـد عرفـوا المنهج الإثنوغرافي بأنـه الطریقة التي یتم من خلالها وصف ثقافـة مجتمع مـا، وهو المـنهج الذي یستخدمه الباحث لملاحظة السلوك في بیئته ووضعه الطبیعي، ویتوصل من خلال هذه الملاحظات إلى معنى لهـذا الـسلوك.

      - إذن البحـث الإثنوغرافي هو ذلك النـوع مـن البحـوث التـي یـتم إجراؤؤهـا بواقـع طبیعـي غیـر متكلـف، وبواسطة معیشة الباحـث الفعلیـة الملاحظـة بالمشـاركة لجميع وقـائع السـلوك في الحقل، ودونمـا أي نوع من الضـبط المسـبق"[iv]، ویعتمد المـنهج الإثنـوغرافي على الوصف والتحلیل، باسـتخدام الكلمة والعبارة، عوضا عن الأرقام والجداول الإحصائیة، فتتركز أهمیـته في كونه یقدم لنا وصفا مكثفا ""Thick Description للظاهرة محـل الدراسـة، ویشیر "مایلز" و"هوبرمان"، بأن البحث الإثنـوغرافي يسعى إلى الكشف عن "غیر المتوقع" أو "المستور" أو "المسكوت عنه"، من خلال دراسـة الظـاهرة التربویـة، اعتماداً على مشاركة الباحث المتعمقة لمجتمع الدراسـة، ولكونـه الأداة الرئیسة في جمع المعلومات وتــصنیفها وتحلیلـها[v].

      1.1. أدوات المنهج الإثنوغرافي:

      مع تطـور مفهوم المـنهج الإثنوغرافي، أصـبح منهجية بحثیة تعتمد وصف الظواهر الإجتماعية من خلال الفهم المتعمق لها، فعلى عكس البحث الكمي، الذي یركز عادة على التجریــب والكشــف عن الســبب أو النتیجة، بالإعتماد على المعطیات الرقمیة، فالسؤال المطـروح في البحث النوعي، سؤال مفتوح النهایـة ویهـتم بالعملية" "Process والمعنى أكثـر من اهتمامه بالسبب والنتیجة.

      یعتمد المنهج الإثنوغرافي أساسا في جمع بیاناته على الملاحظـة، خـصوصا الملاحظـة بالمشاركة، والمقابلـة المفتوحـة المتعمقة مع عینة الدراسة، وینطلـق المنـهج الإثنـوغرافي من مفهوم نظري وفلسفي مناقض لمفاهیم البحـوث التقلیدیـة، ففي حـین یسعى البحـث الكمـي الإحصـائي إلى تحدیـد الأسـباب، والتنبــؤ وتعمـیم النتـائج، یسعى البحث الإثنـوغرافي إلى التبصـر، والفهم، والإستكشـاف، ودراسة السلـوك الإنساني من خـلال التفاعل بـین الباحث والمبحـوثین، وعبر الفهم المتعمق لشعور وأحاسـیس وأفكار ومعتقدات المبحوثین، ومن ثم ینتج من هذا التحلیل الكیفي نوعا من المعرفة یختلف عن نتائج البحث الكمي.

      2.1. الملاحظة بالمشاركة:

      وكباحث أنثروبولوجي مهتم بمجتمعي وجب علي أن أعتمد الملاحظــة بالمشاركة، كأداة لجمع البیانات، وعلیه فالملاحظة بالمشـاركة هي التي یقوم فیها الباحث بمشاركة منظمة واعیة، حسبما تسمح الظروف في نشـاطات الحیاة الإجتماعیـة، وفي اهتمامات الجماعات، بهدف الحصول على بیانات تتعلق بالسـلوك الإجتماعي، وذلك عن طریـق اتصـال مباشـر یجریـه الباحث من خلال مواقف اجتماعیة معینة[vi].

      1.2.1. المراحل الأساسیة لإستخدام الملاحظة بالمشاركة:

      أ. قبل الذهاب إلى المیدان:

      - دراسـة الخصـائص الإجتماعیـة العامـة لمجتمـع البحـث مـن واقـع البیانـات المنشـورة المتاحـة، سـواء كانت تاریخیة أو إحصائیة، وذلك كالتالي[vii]:

      - فحص أنماط الإتصال في الجماعات المدروسة.

      - اكتشاف وسائل التعاون وعملیات التبادل بین أفرادها وفحص أنماط القیادة، ومشاكل الجماعة، .

      - التعرف على أنماط العقاب والجزاء داخل الجماعات المدروسة.

      ب. في المیدان:

      نظرا لكون الباحث عضوا في الجماعة الأولیة التي یقوم بدراستها، فإنـه من المسـتحیل أن یسـجل ملاحظاته في نفـس الوقـت الذي یقوم فیه بـدوره كعضو مشارك، لهذا فإنـه من الضروري أن یبتعـد من وقت لآخر أو كلما سنحت الفرصة، لتدوین ما تم اكتشـافه والتوصـل إلیـه، كما یجـب أن یفصل ملاحظاته عن تفسیراته.

      ج. عرض النتائج:

      یجـب أن یحتـوي تقریـر الباحـث الـذي أجـراه عـن مشـكلة بحثـه، والذي اسـتخدم فیـه الملاحظـة بالمشاركة كأداة لجمع البیانات، البنود التالیة:

      - عبارة إجمالیة عن المشكلة الأنثروبولوجية التي یبحثها.

      - وصف لنوع الجماعة الأولیة التي یقوم بدراستها.

      - إعطاء المرات التي كان الباحث فیها مع الجماعة.

      - وصف موضوعي مختصر، للتفاعلات التي لاحظها أو سمعها.

      - تفسیر الباحث للنتائج مستخدما المفاهیم الأنثروبولوجية.

      - تدوین المشاكل التي واجهها الباحث أثناء الملاحظة بالمشاركة، ومالذي فعله للتغلب علیها.

      3.1. المقابلة المفتوحة المتعّمقة:

      3.1.1.خطوات إجراء المقابلة:

      أ. التخطیط للمقابلة: وفیه یتم:

      - تحدید أهداف المقابلة.

      - تحدید الأشخاص الذین سیتم مقابلتهم.

      - تحدید أسئلة المقابلة.

      - تحدید المكان المناسب لإجراء المقابلة.

      ب. تنفیذ المقابلة: ویرتبط بعاملین اثنین: تسجیل المقابلة، وتوجیه المقابلة.

      - تسجیل المقابلة: یرتبط أسلوب تسـجیل المقابلة بنـوع الأسـئلة المطروحـة، فهل هي مقیدة أم مفتوحة، ویلاحـظ أن تسـجیل المقابلة یعتبر من العملیات بالغـة الأهمیـة، وذلك لإرتباطها بموضوع البحـث وأهدافـه ومستوى المفحوصین، وتتخذ عملیة التسجیل عدة أشكال، منها التسـجیل الكتابي للمعلومات أثناء المقابلة، أو اسـتخدام المسـجلات الصوتیة.

      - توجیه المقابلة: تتوقف البیانات التي تسـفر عنها المقابلة، على الأسـلوب الذي یوجه بـه الباحـث المقابلـة، وتلعب شخصیة الباحث دورا هاما في هذا الصدد، ومن المهارات التي ینبغي توفرهــا في الباحث، قدرته على اســـتهلال الحدیث وتوجیهه، وكذلك مهاراتـه في إثارة عوامل التشـــویق، التي تجعل التفاعل بینه وبین المفحوص أمرا سهلا، یــؤدي إلى سهولة الحصول على الإستجابات المطلوبة.


      [i] Patton m, qualitative research and evalvation methods, sage publication, london,2002, pp67-68.

      [ii] David N Gellner , Eric Hirsch, Inside Organizations Anthropologists at Work, Berg Editorial offices, New York, usa, 2001, p1.

      [iii] تیلوین مصطفى، مدخل عام في الأنثروبولوجیا، دار الفا اربي للنشر، بیروت، لبنان، ط1، 2011، ص ص
      .105-101

      [iv] - Hammersley, atkinson, Ethnography principile and practice, library of congress, new york , usa, 1995, p10.

       [v] بوحوش عمار، مناهج البحث العلمي وطرق إعداد البحوث، دیوان المطبوعات الجامعیة، الجزائر، ط4، 2007،
      ص137.

      [vi]  نفس المرجع، ص ص 95-96.

      [vii]  نفس المرجع، ص ص 75-80.

    • Icône Test
      Ouvert : samedi 17 février 2024, 02:50
      Terminé : dimanche 18 février 2024, 02:50
  • المحاضرة رقم 2: رواد الأنثروبولوجيا

     

    علم الأنثروبولوجيا Anthropology | المرسال

    الهدف من المحاضرة:

    إن الهدف من هاته المحاضرة المتمثلة في رواد الأنثروبولوجيا، هو إعطاء الطالب فكرة معمقة وشاملة عن علماء الأنثروبولوجيا والمؤسسون الأوائل لعلم الأنثروبولوجيا، ومحاولة فهم نظرياتهم وتفسيراتهم لثقافات المجتمعات، باعتبارنا في تخصص الأنثروبولوجيا ملزمون بالمعرفة المعمقة لهؤلاء الباحثين الذين استطاعوا بمجهوداتهم، إحداث الشرخ العلمي والتخصصي بين علم الإجتماع وعلم الأنثروبولوجيا، ومحاولة تمكين الطالب من التوصل إلى حسن توظيف نظريات هؤلاء في تحليله للمعطيات البحثية التي يتعامل معها.

     

    مخرجات التعلم:

    وصول الطالب  إلى معرفة النظريات المفسرة  للمظاهر السوسيوثقافية في المجتمع، من خلال تمكنهم من معرفة كل عالم من علماء الأنثروبولوجيا على حدى، فلا يمكننا أن نكون باحثين أنثروبولوجيين إلا بالمرور على هؤلاء المنظرين، بالإضافة إلى ما يتبع ذلك من محاولات الإستفادة القصوى من نظراتهم المتمايزة خدمة لأنثروبولوجية جزائرية متميزة ببحثها الميداني الحاذق وقراءاتها الذكية للتراكمات المعرفية.

     

       بين لويس مورغان وإدوارد تايلور  

    وُلِد "لويس هـ. مورغان" في مزرعة بالقرب من قرية أورورا في ولاية نيويورك، درس القانون واستقر كمحام في روتشستر في عام 1844، وفي عام 1855 أصبح مستشارًا قانونيًا لشركة السكك الحديدية التي كانت تبني مضمارًا بين ميشيغان ومنطقة تعدين الحديد في ليك سوبريور، بالإضافة إلى عمله المهني والعلمي، كان مهتمًا جدًا بالسياسة وانضم على التوالي إلى الحزب الجمهوري وأصبح نائباً له ثم سيناتورا، و أصبح عضوا في عام 1875 في الأكاديمية الوطنية للعلوم، ورئيسا للجمعية الأمريكية للنهوض بالعلوم في عام 1879، والتي من خلالها أنشأ  قسم الأنثروبولوجيا عام 1875.[i]

     لويس مورغان العالم الأنثروبولوجي:

    "لويس هنري مورغان" مؤسس رئيسي للأنثروبولوجيا العلمية، المعروف بشكل خاص بتأسيس دراسة أنظمة القرابة ونظريتها الشاملة للتطور الاجتماعي، حيث تناول مواضيع القرابة والتطور الثقافي من خلال مجتمع الايروكوا وسينيكا والأوجيبوا في أوائل الأربعينيات من القرن التاسع عشر، واهتمً بالأميركيين الأصليين، ودافع طوال حياته عن كفاحهم ضد الاستعمار والقمع، بإجرائه لمسح شامل للتاريخ والتنظيم الاجتماعي والثقافة المادية لأمة الإيروكوا، حيث تم بعدها تبنيه من قبل قبيلة سينيكا (1846)، فصير منها محور اهتمامه الخاص.

    ظهرت نتائج ملاحظاته في عصبة  Ho-dé-no-sau-ne أو الإيروكوا سنة 1851، وفي عام 1856 تحول اهتمامه  إلى ثقافة سينيكا في شطر القرابة، والتي كانت تختلف بشكل ملحوظ عن المجتمع الأنجلو أمريكي، حيث اكتشف تسميات متطابقة تقريبًا بين أوجبوا بشمال ميشيغان، جعلته يخمن أنه إذا تم العثور على النظام أيضًا في آسيا، فقد يتم تحقيق نطرية  الأصل الآسيوي للهنود الأمريكيين.

    بعد ذلك شرع في سلسلة من التحقيقات بعيدة المدى حول مصطلحات القرابة التي يستخدمها الأفراد في الثقافات المختلفة، وقد جمع نتائجه في عمله الرائد: "نظم القرابة وتقارب الأسرة البشرية" سنة 1871 فكان هذا العمل فاتحة للدراسات الأنثروبولوجية بعده خاصة في مجال القرابة وأنظمتها المتعددة، كونها المبدأ التنظيمي الأساسي في معظم مجتمعات ما قبل الصناعة، وقد قادت دراسة القرابة لمورغان إلى تطوير نظريته حول التطور الثقافي، والتي تناولت المجتمعات القديمة، إلى ما أطلق عليه: خطوط التقدم الإنساني من الوحشية إلى الحضارة وكان بالضبط عام 1877، وكان هذا المنظور من بين التخمينات العلمية الرئيسية الأولى حول أصل وتطور الحضارة، حيث افترض "مورغان" أن التقدم في التنظيم الاجتماعي نشأ في المقام الأول من التغيرات في إنتاج الغذاء، بتقدم المجتمع من مرحلة الصيد إلى التجمع (والتي أشار إليها بمصطلح "وحشية")، إلى مرحلة الزراعة المستقرة ("الهمجية") ثم إلى مجتمع حضري يمتلك زراعة أكثر تقدماً (حضارة).

    إن نظرية "مورغان" القائلة بأن الحياة الاجتماعية للإنسان قد تطورت من مرحلة أولية من الاختلاط من خلال أشكال مختلفة من الحيوات الأسرية، والتي ستبلغ ذروتها في الزواج الأحادي، ظلت لفترة طويلة قديمة إلى أن انجذب نحوها "كارل ماركس" و"فريدريك إنجلز"، وكان ركيزة لهما في تناولهما الطبقة الوسطى الصناعية والتجارية سوسيوثقافيا، وهوما يجعل من "مورغان" عميدا من عمداء الأنثروبولوجيا الأمريكية والعالمية، ولعل الباحث الأنثروبولوجي في دراساته حول القرابة وأنظمتها في مجتمعنا الجزائري يستفيد من نظرية مورغان التطورية التي تعتمد التغير الإجتماعي ثابتا في الأنظمة إلا أنه كباحث ينتمي لمنظومة قيمية متمايزة عما تناوله الباحث مورغان الذي اهتم بما سماه مجتمعات بدائية، وهو ما يستدعي إخضاع الدراسة الأنثروبولوجية عندنا إلى عديد الأطر السوسيوثقافية لفهم مكامن التغير وعدم إعطاء الحكم المسبق على أن كل تغير سيصب بالضبط في نظرة مورغان التطورية، فقد يكون التغير وفق منظور الباحث الأنثروبولوجي الجزائري الخاضع لمنظومة قيمية مسبقة، ايجابيا وقد يكون سلبيا وفق معايير يتفق عليها البناء السوسيوثقافي العام، وقد  أكد على هذا النقد الذي وجهه "ادوارد تایلور" لمورغان" فالبرغم من اتفاقهما على ثابت التغير إلا أن "تایلور" لا یصر على عد مراحل تطور الثقافة من الوحشیة إلى البربریة فالمدنیة بمثابة حتمیة ملزمة محتفظاً في الوقت نفسه بمبدأ التقدم التطوري من الأدنى إلى الأعلى حقیقة وضعیة، وكان "تایلور" أول من درس طرق إشعال النار عند البدائیین، وطریقة الطهي بالحجارة الساخنة عند الجماعات التي لم تتعرف على صناعة الفخار، كما أنه درس بعنایة نظام الزواج الاغترابي المحلي، ونظام الزواج مع أنساب الأم (ابن الخال أو الخالة)، ويبدو أن "تایلور" قد تأثر بـ "أدولف باستیان" الذي يرى في التفسیرات النفسانیة للنمو الثقافي، ليقول بأن الثقافة، مثلها مثل النباتات، تتصف بالانتشار أكثر من كونها تتطور، ویرى بأن الناس أخذوا من جیرانهم أكثر مما اخترعوا أو اكتشفوا بأنفسهم. ویرى بأن هناك عدداً من الاكتشافات التي نشأت في مكان واحد وانتشرت منه إلى أماكن أخرى: مثال ذلك الفخار الذى یرى بأنه انتشر في أمریكا من المكسیك، والقوس والسهم والشطرنج الذى نشأ في الهند وانتشر في العالم الجدید عبر المحیط الهادي إلى المكسیك.

     لقد استنتج "تايلور" من دراسته المیدانیة لقبائل الهنود الأمریكیین من شعب البویبلو بجنوب غربي الولایات المتحدة أن جمیع العقائد الدینیة ظهرت نتیجة للتفسیر الخاطئ لبعض الظواهر التي یتعرض لها الإنسان مثل الأحلام والأمراض والنوم والموت، ویرى أن ظاهرة الأحلام وظاهرة الموت كان لهما الأثر الأكبر في توجیه الفكر
    الاعتقادي لدى الإنسان، فالأحلام هي التي أوحت للإنسان بفكرة الروح والجسد ذلك أن البدائي یتخیل نفسه متنقلاً من مكان إلى آخر وهو نائم، بل وقد یرى نفسه وهو یؤدي أعمالاً یعجز عن القیام بها وهو في حالة الیقظة، ومن ثم نشأت لدیه اعتقادات بأن الروح تفارق الجسد أثناء النوم مبتعدة إلى عوالم أخرى ثم تعود مرتدة إلیه عند الیقظة، ویعني عدم رجوع الروح إلى الجسد الموت، وقال "تایلور" أن تلك الأفكار ارتبطت بالطقوس والعادات كما ارتبطت أیضاً بعادة تقدیم القرابین لأرواح الأجداد، ومن هنا طرح مصطلح (الأنیمیة-الأرواحیة) أي الاعتقاد بوجود الأرواح والآلهة والجن والشیاطین وغیرها من الصور اللا منظورة والتي عدها "تایلور" الأصل الثقافي للمعتقدات الدینیة على اختلاف أنواعها والتى تطورت إلى فكرة الإله العالي في مراحل متقدمة من البشرية، وقد أكد على أن كل ما حدث من ممارسات في أول ما حدث كان لنية سليمة حورته الثقافة بتداخل الغث والسمين والنوايا السيئة بالحسنة، والشر بالخير، وركز على ضرورة تطبيق النظریة الأنثروبولوجیة كسبيل رئيسي، لفهم كل ما یتعلق بالمحتوى الذهني للخرافة، وفهم الثقافات غیر الغربیة بشكل عام، واعتبر الأنثروبولوجيا ثمرة التمحور التاریخي والمعرفي الفریدة: "هنالك نوع من الحدود یجب أن تكون إلى جانبها من جهة التفاعل مع الخرافة ولنتخطاها من الجهة الثانیة وفق ما أطلق عليه "النظریة الأنثروبولوجیة المعقلنة"، وهو بذلك يحاول كغيره من العلماء الغربيين أن تذويب الثقافات البدائیة حسبه، باعتبارها بقایا أنقاض أو عقلنة میتة، تعرقل الحياة العملية المدنية بسبب ترابطها مع المراحل المتدنیة من تاریخ العالم العقلي، ولا يفوتني أن أعقب بهذا الصدد مستذكرا ما قال به وزير ايطاليا الأسبق برلسكوني في بدايات الألفية الجديدة وعقب غزو أمريكا للعراق، حيث صرح لإحدى الصحف بأن الوقت حان لتغريب المشرق، وهو ما يؤكد مدى تغلغل أفكار هؤلاء المنظرين الأنثروبولوجيين في سياسيي العالم الغربي مذ قرنين من الزمن ومدى انتشار الفكر التنويري كغزو ثقافي واستيلاب فكري في شتى المجتمعات العالمية. 

     


    إيميل دوركايم

    یُعد إمیل دوركایم من أهم العلماء الفرنسیین، في نهایة القرن التاسع عشر وبدایة القرن العشرین، الذین اقترنت أسماؤهم بنشأة علم الاجتماع، وعلى الرغم من شهرة علماء آخرین ساهموا في التأسیس، مثل "كارل ماركس"، و"ماكس فیبر،" اللذین یصف أعمالهما "إیمانویل والر شتاین،" الرئیس السابق للجمعیة الدولیة لعلم الاجتماع، بـ "تراث علم الاجتماع"، إلا أن "دوركایم" یبقى الأكثر حضوراً في تاریخ علم الاجتماع، وأعماله الأقوى إسهاماً في إنضاج علم الاجتماع تخصصاً منفصلاً على الأقل عن الإقتصاد الذي كان التخصص الرئیس لكل من "ماركس" و"فیبر".[ii]

    إن حهد تأسیس علم خاص بالمجتمع ظهر منذ بدایة الحیاة الأكادیمیة لإمیل دوركایم؛ فعندما كان متربعاً على كرسي علم الاجتماع في جامعة بوردو، وعمره لا یتجاوز التاسعة والعشرین، أصدر كتايه: "في تقسیم العمل الاجتماعي" و"الانتحار"، ولم تكد تمضي سنوات قلیلة، وتحدیداً سنة 1894م، حتى أصدر كتابه الشهیر "قواعد المنهج في علم الاجتماع"، الذي بوأه مكانة مهمة بین علماء الاجتماع الذین عاصروه، والحقیقة أن هذین الكتابین إضافة بطبیعة الحال، إلى كتاب "الأشكال الأولیة" الذي صدر بعد أن التحق دوركایم بجامعة السوربون كانا كفیلین بأن تسود المدرسة "الدوركایمیة" في فرنسا، وخاصة إزاء اسمین بارزین في تلك المرحلة؛ "غابرییل تارد" 1904-1849م في الكولیج دو فرانس، وهو مؤلف "مبادئ السوسیولوجیا" و"قوانین المحاكاة"، وقد كان الكتاب الأول من أكثر كتب السوسیولوجیا الفرنسیة رواجاًّ، ثم "روني وورم" 1956-1867م في كلیة الحقوق، مؤسس المجلة العالمیة للسوسیولوجیا، ومؤسس المعهد الدولي للسوسیولوجیا سنة 1894م، وجمعیة باریس للسوسیولوجیا.[iii]

    إسهاماته في الحقل السوسیوثقافي

    لقد أكد "دوركایم" على فكرة الاستمراریة بین المجتمعات القدیمة المسماة دینیة، والمجتمعات الحدیثة المسماة علمانیة، أي فكرة العلاقة الماهویة المتبادلة بین الدین والمجتمع، وبالفعل كان "دوركایم" منشغلاً بالكشف عن الأسباب الخفیة للشعور الدیني في العالم الحدیث، إذ بین كیف أمكن في مجتمع الثورة الفرنسیة، تحویل أشیاء علمانیة "كالعقل، والوطن، والحریة، إلى أشیاء مقدسة، وفتح بذلك المجال أمام التساؤلات المعاصرة، حول مدلول "الدین العلماني،" كما وضح أولویة الدین في تطور المقولات، التي تشكل أساس الفكر في كل الحقول، من المجتمع إلى السیاسة والعلم، مستخلصاً ّ أنه "یوجد في الدین شيء خالد مقدر له أن یبقى بعد زوال كل الرموز الخاصة التي حملها الفكر الدیني عبر الزمن، إذ لا یمكن أن یوجد مجتمع لا یستشعر الحاجة إلى أن یصون ویرسخ، تبعاً َ لفترات فاصلة منتظمة المشاعر الجماعیة، والأفكار الجماعیة، التي تؤسس وحدته وشخصیته.

    إذن یعود الفضل لـ"إیمیل دوركایم"، الذي فسر مكونات الظاهرة الإجتماعیة بأنها: نظم اجتماعیة لها صفة الضغط والإلزام، كما أنها تتكون من الرموز الإجتماعیة، والقیم والأفكار والمُثل، وتأكیده على مفهوم الضمیر الجمعي في تحدید الضبط داخل المجتمع، حیث یرى أنه من أجل تحقیق التماسك الإجتماعي، وجب أن یتخلى الفرد عن أنانیته، ویخضع لقیم ومبادئ الجماعة.[iv]

         ووجب أن نوضح من خلال ما سبق، أن علماء الأنثروبولوجیا والإجتماع، كانوا ینددون في أغلب الأحیان، بالأصوات المطالبة بانتزاع دراسة ثقافة الحضارات من الشبكة السوسیولوجیة، وعلى رأس هؤلاء العلماء، نجد "مارسیل موس" و"إیمیل دوركایم"، وقد اتضح جلیا ذلك، بمنشورهما في الحولیة السوسیولوجیة سنة 1913، بحیث اعتبرا أن البیئة التي یغوص فيها أفراد الأمم المختلفة، هي بیئة أخلاقیة تفوق الوطنیة والقومیة، لذلك تستدعي من المهتمین بالتوسع الدولي، أن یفهموا مبدأ اللاّ تكافؤ في الحیاة الدولیة، ویكمن ذلك في الدراسات العابرة للقومیات، ولمختلف التفاعلات الجماعیة، وبین مختلف النظم الثقافیة للمجتمع الذي یعبُرُهُ، حتى تتشكل لديه النظرة الحقیقیة، للحیاة الإجتماعیة، وهي دعوة واضحة إلى عدم الإكتفاء بالتنظیر والنزول للمیدان والإحتكاك بالثقافات للمجتمعات المختلفة، وهو دور الأنثروبولوجي الحقیقي الذي تعد دراسته ذات طابع إمبریقي، كدراسة
    "
    دوركایم" نفسه حول مجتمع استرالیا البدائي بدایات القرن 20، ولعلنا كباحثين أنثروبولوجيين جزائريين قد نستفيد من دراساته فيما يتعلق بالممارسات الشعائرية ولكن ما يتوجب علينا الوقوف عنده هو الإختلاف الجوهري بين المجتمعات التي قام بدراستها ومجتمعنا الجزائري، فالشعائر التي استدعت "دوركايم" إلى تفكيك أدوار أنساقها ونعتها بالطقوس قد لا تكون كذلك لما يفكك الباحث الأنثروبولوجي جماعات شعائرية في مجتمعنا، كتفسير شعيرة الحج مثلا والطواف حول الكعبة، كونها تعتبر عبادات وجزء منتظم في ركن من أركان الدين، لكن قد يستمد الباحث الأنثروبولوجي الحاذق تحليله انطلاقا من هذا الإختلاف بين الدين كتصور والتدين كممارسة وقد يتوصل إلى تفسير عديد المظاهر السوسيوثقافية في قالب الطقوس إذا ما تشابهت الممارسة مع ممارسات ذات صلة بالعادات والتقاليد، فلا يمكننا أن نخفي ممارسات الشعوذة التي تنطلق كممارسة في أولها التماسا لتحقيق غاية روحية معينة، يهوي بها أصحابها من الدين كمثال إلى التدين كواقع ممارس، وقد سبق أن تحدث عديد الباحثين الأنثروبولوجيين عن التشابه بين عديد ما يمارس في المجتمع المغربي كـ "وستمارك وغيرتز" اللذان فسرا الخوف من العين والتطير بممارسات تقترب إلى الممارسات في المجتمعات الوثنية على غرار قبائل جنوب شرق آسيا وهو ما يستدعينا كباحثين إلى ضرورة التقصي والعمل الإمبريقي الإثنوغرافي الجاد للتوصل إلى واقع الممارسة ومن ثم إعطاءها التفسير الذي يليق بها.

    كما يمكننا أن نستفيد من هذا المنظر بالنظر في ولائه الشديد لكل ما يميز انتماءه القومي، فقد كان وفيا للتراكمات التي سبقته من أبناء جلدته لمجتمعات متعددة، وباعتبار بلادنا الجزائر كانت مجالا لهاته الدراسات الغربية ذات النزعة الكولونيالية، على غرار دراسات "لوتورنو" و"هانوتو" لمجتمعنا الجزائري خاصة منطقة القبائل الكبرى، وقد اهتدى أو كما قال الباحث أحمد بن نعمان في كتابه "فرنسا والأطروحة البربرية" والذي أنصح القارئ بمطالعته: أن "دوركايم" اهتدى إلى نظرية تقسيم العمل من خلال ما توصل إليه سابقوه الذين ذكرنا في تفسير عديد الممارسات السوسيوثقافية كالتجمعات والتويزة وغيرها من ممارسات توحي بالنزعة التضامنية بين أبناء الجزائر، فقسم المجتمعات من خلالها وفق منظور التضامن الآلي الذي يميز المجتمعات الكلاسيكية، والتضامن العضوي الذي تتميز به المجتمعات الحديثة حسبه، وأعود لأقول بأني ذكرت هاته النقطة حتى يعي الباحث الأنثروبولوجي الجزائري أهمية العمل الميداني الإثنوغرافي، والذي يرتكز على قاعدة معرفية يكتسبها الباحث من البحث في التراكمات السابقة للتوصل إلى معرفة أنثروبولوجية أقرب إلى الصحة وقابلة للتعميم.   

     برونيسلاف مالينوفسكي

    هو عالم أنثروبولوجیا بریطاني الجنسیة بولندي الأصول ولد في 7 أفریل سنة 1884 بمدینة كاراكاو في بولندا وبها درس وتحصل على درجة الدكتوراه في الطبیعة والریاضیات سنة 1908، إلاّ ّ أن قراءته مؤلفات السیر "جیمس فریزرFrazer" وخاصة منها كتاب الغصن الذهبي، وتأثره بها، دفعه إلى الاتجاه نحو دراسة الأنثروبولوجیا، فسافر إلى إنجلترا سنة 1910 لیلتحق بجامعة لندن للعلوم الاقتصادیة ویدعم تكوینه في هذا الاختصاص وكان له ذلك على ید "سلیجمان Seligman" "ووستر مارك Wester Mark" و"ریفرزRivers" و"هوبهاوس Hobhouse" وبعد ست سنوات من 1914إلى 1920 قضاها في أسترالیا وأنجز خلالها دراسته عن جزر التروبریاند، عاد مجددا إلى أنجلترا لیتولّى تدریس الأنثروبولوجیا بجامعة لندن ویشغل أول كرسي ینشأ لهذا العلم أي الأنثروبولوجیا بها سنة 1927 وقد تتلمذ على یدیه كل من "رایموند فیرث" و"إیفانز بریتشارد"، وذاع صیت "مالینوفسكي" فوقعت دعوته مرات عدة أستاذا زائرا في عدد من الجامعات الأمریكیة، وأثناء الحرب العالمیة الثانیة
    خیر الإقامة بالولایات المتحدة الأمریكیة أستاذا بجامعة "ییل Yale".

    من أهم مؤلّفات "مالینوفسكي" یمكن أن نذكر:

    - سكان الأرجوناوتس في غرب المحیط الهادي" 1922

    - الجریمة والعرف في المجتمع البدائي" 1926

    - الأسطورة في علم النفس البدائي" 1926

    - الجنس والكبت في المجتمع البدائي" 1927

    - النظریة العلمیة للثقافة" 1940السحر والعلم والدین" 1948

    توفي مالینوفسكي في 14ماي سنة  1942 بنیوهیفن في الولایات المتحدة الأمریكیة.[v]

     إسهاماته في الحقل الأنثروبولوجي

     یعد مالینوفسكي مؤسس الأنثروبولوجیا الاجتماعیة بناء على دراساته التي أنجزها حول شعوب المحیط الهادي، وإليه أیضا یعود الفضل في تركیز قواعد الاتجاه الوظیفي، وقد عارض النظریات التطوریة المبكرة في الأنثروبولوجیا لیؤكد أهمیة التفسیرات الوظیفیة للظواهر الاجتماعیة الثقافیة ویبرز التداخل بین عناصر الثقافة أو النسق الاجتماعي ویبین أن وظیفة هذا النسق تكمن في العمل على إشباع الحاجات النفسیة والاجتماعیة أولیة كانت أو ثانویة أو مشتقة وفق التصنیف الذي اقترحه لها، هذا فضلا عن كونه اختبر نظریات التحلیل النفسي من منظور ثقافي مقارن، وإلیه یعود الفضل في تأسیس الوظیفة التداولیة القائمة في المجتمعات البدائیة بالتناقض مع الوظیفة المرجعیة التي كانت تجري في اهتمامات اللسانیانیین، فهو الذي أثار مسألتین مركزیتین في التحلیل التداولي:

    -الأولى: فاعلیة إنجازیة بعض الأفعال في اللغة المستعملة.

    - والأخرى: مسألة المرجعیة التي لا تزال تثیر كثیرا من النقاش، ولعل أهم ما تخرج به نظریة التداولیة التطبیقیة في تحلیل الخطاب هو مفهوم "المسكوت عنه".

    ولعل الناظر إلى الثقافة العربیة وبالخصوص في العهد الإسلامي، یجد تفوق الحضارة الشرقیة على نظیرتها الغربیة الحدیثة، التي عرفت في العصر الحدیث فقط، وعلى ید" مالینوفسكي" و"فیرث" وغیرهما من منظري الدرس اللساني في الفكر اللغوي الغربي، بید أننا نزعم أن علماء الحدیث النبوي، كانت لهم الید الطولى في إشارتهم لأهمیة السیاق، من خلال دراستهم لأحوال الحدیث شكلاً ومعنى، وذلك من أجل استنباط الأحكام الفقهیة[vi].

    وإن كان ما كان، فلا یمكن إغفال الدور الذي لعبه "مالینوفسكي" في الحقل الأنثروبولوجي، حیث كان من السباقین إلى تبني البحث المیداني، والاعتماد على تقنیة الملاحظة المباشرة والمعایشة، في دراسته للمجتمعات، فقد وظف هذا المنهج في دراسته للوظائف التي تضطلع بها الأسطورة في الحیاة الیومیة "للبدائي"، وذلك من خلال معایشته للسكان الأصلیین في جزر"التروبریاند" الواقعة في الشمال الشرقي بغینیا الجدیدة، حیث أتقن لغتهم، وشاركهم طقوسهم، وصاحبهم في رحلاتهم، وقد أصدر عدة أبحاث تخص سكان هذه الجزر منها "أخلاق وعادات المیلانیزیین".

    وقد خلص الباحث "عامر السدراتي"، إلى أن "مالینوفسكي" حاول البرهنة على أن الحكایات التي تكون فلكلور "الأهالي" لا یمكن فصلها مبدئیا عن السیاق الاجتماعي والثقافي للحیاة القبلیة، فالأفكار والأحاسیس المتضمنة في الحكایة لا تثار فقط أثناء سرد الحكایة، بل عند كل عرف وقاعدة أخلاقیة یتم استحضارها، بل وفي كل طقس، فالأسطورة "لیلیو" تقدم نموذجا للقیم الأخلاقیة للنظام السوسیولوجي للمعتقدات السحریة، یقول "مالینوفسكي": "الأسطورة لیست حكایة عادیة، ولا محاولة للتفسیر العلمي في شكله البدائي، ولا عمل فني ولا وثیقة تاریخیة، إنها تؤدي وظیفة أساسیة ترتبط بطبیعة التقالید واستمراریة الثقافة، بالموقف الإنساني من الماضي"[vii]، ویمكن شرح هذا من خلال دراسة سالفة لي حول المجتمع التیمیموني، حیث اتضح جلیا من خلال احتفالیة السبوع بزاویة الحاج بلقاسم، أن الأفراد لا یزالون یسردون تلك القصص القدیمة للرجال الصالحین، ویستحضرونها، بل یجعلون منها تقلیدا، وقد بنیت في مقامها الأول على قصة منام الشیخ بلقاسم، الذي كان مدرسا للقرآن الكریم، ورأى رسول الله في منامه فأصبح سعیدا بذلك وجمع تلامذته آمرهم بالتحضیر لإحتفالیة یقرأ فيها القرآن ویذكر فيها الله ویطعم فيها الطعام ویوزع على عابري السبیل والفقراء والمساكین.

    وفي الأخير وجب أن نعترف كباحثين أنثروبولوجيين بأن "مالینوفسكي قد:

    - أسس لمفهوم "المعایشة" لدراسة الثقافة الشعبیة" "الفلكلور".

    - وأكد على استحالة فصل الأسطورة عن الطقوس، وبالتالي عن الثقافة.

    راد كليف براون

    حاول "راد كلیف براون" أن یطور الأنثروبولوجیا الاجتماعیة إلى علم طبیعي یقوم على الدراسة العلمیة المقارنة للأنساق الاجتماعیة عند الشعوب البدائیة، حیث أسهم إسهاماً كبیرا في دراسة البناء الاجتماعي وأنساق القرابة، یعد هو و"مالینوفسكى" المؤسسین لمدرسة الأنثروبولوجیا البریطانیة الحدیثة.

    - ألف كتاب: "جزر الاندمان" سنة 1922

    جمعت مقالاته العلمیة ومحاضراته في ثلاثة كتب:

    - "البنیة والوظیفة في المجتمع البدائي" سنة "1952

    - "علم طبیعي للمجتمع" 1957.

    - "المنهج في الأنثروبولوجیا الاجتماعیة".

    راد كليف براون العالم الأنثروبولوجي

    إن الحدیث عن هذا العالم هو الحدیث المباشر عن البنائیة الوظیفیة، وهي تمثل اتجاها یذهب إلى أن غایة المجـتـمـع، هـي الحفاظ على النظام الإجتماعي، وتأكید ثباته النسبي واستمراریتُه، وبالمثل یكون هدف كل مكون من مكونات البناء، وكذلك الطریقة التي ترتب وتنظم بها هذه المكونات، هو تحقیق النظام والتوازن الإجتماعي.

    یـرى "راد كلیف براون" أن البنـاء یتـألف مـن كائنـات إنسـانیة، وأن كلمـة "بنـاء" تشـیر بالضـرورة إلـى وجـود نـوع مـن
    التنسـیق والترتیـب بین "الأجـزاء"، التي تـدخل فـي تكوین "الكل" الـذي نسميه "بنـاء،" وكذلك یوجـد روابـط معینة تقـوم بـین هذه "الأجزاء" التي تؤلف "الكل"، وتجعل منه بناءا متماسكا متمایزا، وبمقتضى هذا الفهم تكون "الوحــدات الجزئیـة" الداخلة في تكوین "البنـاء الإجتماعي،" هي "الأشـخاص"، أي أعضاء المجتمع الـذي یحتـل كل مـنهم مركـزاً معیناً، ویـؤدي دوراً محدداً في الحیاة الإجتماعیة، فالفرد لا یعتبر جزءاً مكوناً في البناء، ولكن أعضاء المجتمع من حیــث هم "أشــخاص"، یدخلون كوحدات في هذا البناء، ویدخلون في شبكة معقدة من الروابط، فــ "رادكلیف براون" یستخدم مفهوم البناء الإجتماعي بمعنى واسع، لأنه یدخل فیه كل الروابط الثنائیة التي تقوم بین شخص وآخر، مثل العلاقة بین الأب والإبن، أو العلاقة بین الشعب والدولة، وغیرها.

    ویرى "راد كلیف براون" كذلك، أن البناء الإجتماعي لیس إلا مجموعـة مـن "الأنسـاق الإجتماعیـة،" والأنساق هي الأجهزة أو الـنظم التي تتفاعل فیما بینها داخل إطار البناء الكلي الشامل، والنسـق عبـارة عـن عـدد مـن النظم الإجتماعیـة التـي تتشـابك وتتضـامن فیمـا بینهـا في شكل رتیـب مـنظم، كما أن النظام عبارة عن قاعدة أو عدة قواعـد منظمـة للسـلوك، یتفـق عليهـا الأشـخاص وتنظمهـا الجماعـة داخـل البنـاء.[viii]

    یرى "راد كلیف براون" أن علاقة النظم بالبناء علاقة ذات شطرین:

    - علاقة النظام بأفراد الجماعة داخل البناء الإجتماعي.

    - علاقة النظام بسائر النظم الأخرى التي تتعلق بالنسق وبالبناء الإجتماعي.

    فمثلاً النسـق القرابـي یتـألف مـن عـدد مـن الـنظم المتعلقـة بـه، كنظـام التوریـث والنظـام الأبـوي والنظـام الأمـوي وهكـذا، ومـن مجموعـة الأنسـاق القرابیـة والإقتصـادیة والسیاسـیة والعقائدیـة وغیرها، یتـألف البنـاء، ویمیز "راد كلیف براون" بین "الصورة البنائیة"، و"البناء الواقعي،" فالصورة البنائیة هي الصورة العامة أو السویة لعلاقة من
    الروابط، بعد تجریدها من مختلف الأحداث الجزئیة، رغم إدخال هذه التغیرات في الإعتبار، أما البناء الواقعي فهو البناء من حیث هو حقیقة شخصیة، وموجودة بالفعل، ویمكن ملاحظتها مباشرة، والبناء الواقعي یتغیر بسرعة واستمرار، بعكس الصورة البنائیة التي تحـتقظ بخصائصها وملامحهـا الأساسیة بدون تغییر، لفترات طویلة من الزمن، وتتمتع بدرجة من الإستقرار والثبات، أما بخصوص الوظیفیة فیرى فكرة الوظیفة التي تطبق على النظم الإجتماعیة، تقوم على المماثلة بـین الحیاة الإجتماعیة والحیـاة البیولوجیة، فالوظیفة هي الدور الـذي یؤدیـه أي نشـاط جزئي في النشـط الكلي الذي ینتمي إليه، وهكذا تكون وظیفة أي نظام اجتماعي هي الدور الذي یلعبه في البناء الإجتماعي، الـذي یتألف مـن أفراد الناس الـذین یرتبطون ببعضهم الـبعض، فـي كل واحد متماسك عـن طریـق علاقات اجتماعیة محددة.[ix]

    مارغريت ميد:

    مارغریت مید

    ولدت "مارغریت مید" في السادس عشر من شهر كانون الأول عام 1901م في فیلادلفیا بولایة بنسلفانیا، كان والدها ویدعى إدوارد مید یعمل أستاذا للعلوم الاقتصادیة في كلیة الأعمال بجامعة بنسلفانیا، وهي عالمة الإنسان الأمریكیة التي قضت حیاتها في دراسة الشعوب الذین یعیشون على الجزر البعیدة في المحیط الهادئ، ذهبت إلى ساموا، وإلى غینیا الجدیدة مرات عدة، حیث درست خمسة شعوب منفصلة هم:

    - المانوس.

    -الأرابیش.
     -المندوغومور.
    -
    الشامبولي.

    - الإتامول.

    وذهبت كذلك إلى "بالي" لدراسة سكانها وقد قامت بذلك لأنها أرادت دراسة حیاة الشعوب الأخرى، وعلى وجه الخصوص أولئك الذین كان اتصالهم بالحضارة الغربیة لا یزال ضعیفا، وهي لم تذهب إليهم لتملي عليهم ما ینبغي أن یقوموا به حسبها، بل لترى كیف یمكن لمجتمعها أن یتعلم منهم؟[x]

     مارغيت ميد العالمة الأنثروبولوجية

    لقد ركزت مید على ما یمكن للفرد اكتسابه من الثقافة التي ینتمي إليها، باعتبارها المتحكم الرئیس والأساسي في تكوین شخصیته، وقد وجدت الإختلاف واضحا في علاقة التنشئة المجتمعیة للأفراد بالسلوك المستقبلي للأفراد، ففي مجتمع الأرابیش یكون تكوین الفرد سلیما حیث لا یراعون في ذلك بین الذكورة والإناثة، فیكون الفرد منتظما في سلوكه حین بلوغه سن المراهقة خادما لقومه، في حین یحدث عكس ذلك تماما في مجتمع الموندوغومور حیث تكون فیه خلاصة التنشئة عنف الأفراد اتجاه بعضهم بعض، لمبالغتهم في معاملة الفرد حین تنشئته على أنه غیر مرغوب فیه حسب ذكورته أو أنوثته، فلا یستطیع فرض نفسه في مجتمعه (الذكوري أو الأنثوي)، إلا من خلال سلوكه السلوك العنیف الذي یثبت من خلاله جدارته بالمكانة التي یصبو إليها، وبالرغم من عدم تركیز المجتمعین على أنوثة الفرد أو ذكورته إلا أن الإختلاف واضح في النتیجة، وهو ما یؤكد تأثر نفسیة الأفراد بمن حولهم، فقد یكونون سببا في تكوینه رجلا صالحا في مجتمعه، أو عكس ذلك تماما.

    وتعود "مید" للمجتمع الشامبولي لتجد الأنثى متمیزة لما تملكه من إحساس، یتفوق عن إحساس الرجال، وهي بإحساسها هذا تفرض نفسها في مجتمعها بتكوینها للعلاقات القرابیة وكسبها للعدید من الأفراد ممن هم حولها، على عكس الرجال الذین ینهمكون في تحقیق المكانات على حساب بعضهم بعض، ولا یمكن أن نفصل ما وجدته مید في هذا المجتمع بما جاء في كتاب العالم الألماني باخوفن" حول الأم، بأن أساس تكوین القرابات یرجع إلى الأم، فهي المصدر الأول لسلالات الإنسان، وقد ارتكز كثیرا على دراسات "هیرودیت،" التي بینت أن المرأة هي أصل نسب الإنسان منذ قبل العصور الهیلینیة (أي قبل القرن الرابع للمیلاد وحتى موت الإسكندر المقدوني في 323سنة قبل المیلاد)، حیث یرى بأن الآلهة التي جاءت على ذكر حضارات سابقة كالحضارة الفرعونیة (الحضارة الإیزیسیة) جاءت كلها بصیغة الأنثى، كآلهة الأرض والحرب وغیرها، وقد بقیت هاته النظریة معزولة في
    ظل ما تعرضت له من نقد، إلى أن أكدها "لویس مورغان"، في رسالته "عصبة الإیروكیز"، حیث اهتدى إلى فكرة العشیرة، من خلال دراسته لقبائل الهنود الحمر، حیث وجد النسب عندهم والعلاقات والحكم، مرتبط بنسبهم الموحد، الذي یرجع إلى الأم الأولى الأصل، والأمر نفسه في الهندوسية أو كما قال "غاندي" أحترم البقرة لأنها أمي.[xi]

    مما سبق وجب أن أقول بأننا كباحثين أنثروبولوجيين قد نستفيد من هذا الطرج إذا ما ركزنا الملاحظة ودققناها كباحثين حاذقين يهمهم ما وراء الظاهر، فالملاحظ البسيط لا يرى ما يراه الأنثروبولوجي وإن اشتركوا نفس الزمكان، بل إن الأنثروبولوجي يتوجب عليه النظر إلى ما وراء الممارسة، ففي مرات نزولي إلى عديد المناطق من جزائرنا العميقة صادفني مصطلح "النيف" والذي يتحدث به الكثير من أنساقنا المكونة لمجتمعنا خاصة في شقها الرجولي أو الذكوري، وهنا أقودكم إلى مسألة الجندر من منظور أنثروبولوجي، وقد يتساءل القارئ هنا: من يتسيد على من؟ وتجيبنا الممارسة الفعلية بأن لا سيد على الآخر هنا، بل كل يقوم بدور معين، ذكرا أو أنثى أو بالأحرى رجلا أو امرأة، لتحقيق "النيف" كقيمة سوسيوثقافية، إذ يتصرف كل من الرجل والمرأة وفق ما يمليه المجتمع لتحقيقه كقيمة مثلى تمارس فيها المرأة ممارسات متعددة، تجعل من الرجل يفتخر بأنها جزء منه ومن عائلته وقبيلته وعرشه وبلده وهكذا دواليك، ويتواجد في المنظومة السوسيوثقافية أيضا مصطلح "الواجب" والذي تتقسم فيه الأدوار بين الرجال والنساء فالجميع يتحدث عن أن فلانا "دار الواجب"، لكنك في وليمة معينة أو زيارة ما كما تسمى في الجنوب الغربي على سبيل المثال: وليتحقق إطعام الناس الغداء قبل صلاة الظهر بالضبط أو العشاء قبل صلاة العشاء بالضبط، تلعب فيه المرأة دورا حاسما كجندي خفاء، وأي خلل في دورها يعصف بمصطلح الواجب الذي يفتخر الرجل ويتغنى به أمام الرجال، وأستغل الفرصة لأنصح نفسي وكل أنثروبولوجي جزائري بضرورة تعلم العربية واكتسابها لما فيها من قيم تعكس ما تفضلت به قبل قليل، إذ تتضمن العبارة العربية إذا ما قال القائل مثلا: "يحيا الرجال" النساء الفحلات أيضا، وهو ما يندر ملاحظته في لغات أخرى.


    مارسيل موس

    اشتهر "مارسيل موس" في عالم الأنثروبولوجيا بعد أن اهتدى إلى وضع ثلاث مستويات للبحث العلمي في الميدان الأنثروبولوجي يجب الإرتكاز عليها للوصول إلى حقائق علمية قابلة للتعميم:

    - الإثنوغرافيا (الدراسة التفصيلية للعادات).

    - الإثنولوجيا، (جانب الخبرة الذي يلي الإثنوغرافيا ويتيح مجال المقارنة بين الثقافة المدروسة وسائر الثقافات).

    - الأنثروبولوجيا (تعني المسعى النظري الفلسفي القابل للتعميم بعد دمج الدراسات الميدانية بالإنتاج النظري).[xii]

     مارسيل موس العالم الأنثروبولوجي

          إن الأنثروبولوجيا ومن خلال دراستها لجانب الإتصال، فهي تحاول تحليل العلاقات الإجتماعية، إنطلاقا من آليات الإتصال المختلفة بين الأفراد والجماعات، وذلك من خلال محاولة فهم تمثلات الأفراد واعتقاداتهم اتجاه ما يتخذونه رمزا لهم، وهو ما ركز عليه "مارسيل موس" في دراسته لقبائل "الميلانيزيا" بالمحيط الهادي، والتي تعد دراسة انثروبولوجية بامتياز، حيث اهتدى إلى أفكار مخالفة للرأي السائد قبله (ما يعرف بالتطورية المادية)، بعمله الإمبريقي الميداني المتميز، فأصحاب النزعة المادية لطالما ربطوا اتصالات الأفراد ببعضهم البعض، بنزعة حب التملك، منذ بدايات الإنسان الأولى وصولا إلى أبشع صورها (رأس المالية).

    إن "مارسيل موس" ومن خلال دراسته للمجتمع الملانيزي، أكد على وجود آليات إتصال أسمى، لا علاقة لها بحب التملك أو الثروة، نظام تبادلي إقتصادي قائم على الهبة، يجعل من الشخص الميناليزي مدينا لمجتمعه منذ ولادته، فأولى الهبات المقدمة له هي حليب أمه ومني أبيه، وهو يتراوح بين الذكورة والأنوثة، بحسب إرادة المانح، لينطلق في حياة رمزها الإتصالي الأول الهبة، فكلما قدم له شيئ من أحد أفراد قبيلته فهو مدين له إلى أن يهبه هبة في المقابل، وقد عبر على هذا النوع من الإتصال "دور كايم" بالإتصال الآلي (التضامن الآلي)، والذي لا يقتصر على نظام الهبة فقط، بل على سبيل المثال: وفي مجتمعنا الجزائري يطلق عليه نظام التويزة، وهي شكل من أشكال التعاون بين الأشخاص، لتحقيق أهداف معينة كبناء المنازل، أو حفر الآبار (الفقارة في منطقة أدرار وتيميمون وعين صالح وبني عباس)، أو تنقية الطرقات والمزارع والكهوف من الرمال (يقال لها بالزناتية آفراك)، أو جني المحاصيل جماعيا، حيث لا يحصل المتعاونون على المقابل المالي، بقدر حصولهم على الرضا النفسي فالمجتمعي.

    قائمة المراجع:

    - كلود ليفي شتروس، الأنثروبولوجيا البنيوية، ت. مصطفى صالح، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، سوريا، 1977.

    - إيميل دوركايم، في تقسيم العمل الإجتماعي، ت.الجمالي حافظ، المكتبة الشرقية، بيروت، لبنان، 1982.

    - Marcel Mauss, Essai sur le don. Forme et raison de l’échange dans les sociétés archaïques, in Sociologie et anthropologie, Paris, france, 1950.

    - https://www.mominoun.com.

    - https://www.books4arab.com.

     



    [ii]  أنظر: یونس الوكیلي، “الأنثروبولوجیا الفرنسیة.. دراسات ومراجعات في تراث إمیل دوركایم ومارسیل موس.”

    [iii]  أحمد مصطفى خاطر، الخدمة الإجتماعیة وتنمیة المجتمع الریفي (رؤیة نظریة وواقعیة)، المكتب الجامعي الحدیث،
    الإسكندریة، ،1990، ص 112.

    [iv]  أرمان ماتلار، التنوع الثقافي والعولمة، ت. خلیل أحمد خلیل، دار الفارابي، لبنان، ط1، 2008.

    [v]  أنظر: موقع مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث.

    [vi]  مرتاض عبد المالك، تداولیّة اللّغة بین الدلالیّة والسیاق، مجلة لسانیات، مركز البحوث العلمیة والتقنیة حول تطویر اللغة العربیة، الجزائر، م10 ،ع10، ص ص 80-61.

    أنظر أيضا: لخضر لغزال، سیاق الموضوعات وأھمیته في تصنیف صحیح ابن حبان، مجلة الممارسات اللغویة، جامعة مولود معمري، تیزي وزو، الجزائر، م10،ع1 ،ص ص 142-109.

    [vii]  أنظر: عامر السدراتي، حول نظریة الوظیفة الثقافیة للأسطورة عند "مالینوفسكي"، موقع أنثروبوس.

    [viii]  بیرتي ج بیلتو، دراسة الأنثروبولوجیا المفهوم والتاریخ، ت. كاظم نور الدین، دار الحكمة، بغداد، العراق، ط1، 2010.

    [ix]  فیلیب لابورت تولرا. جان بیار فارنیيه، إثنولوجیا أنثروبولوجیا، ت. مصباح الصمد، مؤسسة مجد الجامعیة للدراسات والنشر والتوزیع، بیروت، لبنان، ط1، 2004.

    [x]  أنظر: مارغریت مید الجزء الأول، موقع أنثروبوس.

    [xi] نتیجة جیماوي، نظام القرابة بالمجتمع (ماهیته وأهمیته ووظائفه)، مجلة التغییر الإجتماعي، جامعة بسكرة، الجزائر، ع4، 2017، ص338.

    [xii] يونس الوكيلي، تراث الأنثروبولوجيا الفرنسية، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 2016. 

  • المحاضرة رقم 3: أنثروبولوجيا الجزائر

    الهدف من المحاضرة:

    إن محاضرة أنثروبولوجیا الجزائر موجهة إلى طلبة السنة الثانية لیسانس، وتهدف إعطاء الطالب فكرة معمقة وشاملة عن تاریخ الجزائر الثقافي وتنوع الدراسات الأنثروبولوجیة وتمایزها، والممارسات السوسیوثقافیة للمجتمع الجزائري الذي یعد نتاجا لعدید الحضارات المتداولة على منطقة المغرب العربي والمغرب الأوسط خاصة (الجزائر(، حيث يتم تقديم الدروس على موقع الجامعة، في إطار مشروع التعليم الإلكتروني عن بعد (E-learning)، ويمكن أن يتواصل الطالب مع الأستاذ عبر الإيميل الخاص بالأستاذ لتوطيد العلاقة الإتصالية المعرفية أكثر فأكثر، وإليكم ما قترحته من برنامج وفق منهجيتي الدائمة المرتبطة باحترام البرنامج ومحاولة تحويره وفق خصوصية مجتمعنا الجزائري المتميز سوسيوثقافيا.

    مدخل مختصر إلى تاريخ الحضارة الجزائرية

     الدراسات الفرنسية للمجتمع الجزائري إبان إحتلال الجزائر

    الهوية الجزائرية بين التنوع والتجانس

    اللغة ودورها في تماسك المجتمع

    القيم الدينية والتماسك الإجتماعي

     

     

     

     

     

     

     

     

    المخرجات:

    نحاول أن نتوصل بالطالب في الأخير إلى:

    -  فهم معنى تاریخ الجزائر الثقافي.

    - التمییز بینما إذا كانت الدراسات الثقافیة التي تناولت المجتمع الجزائري (موضوعیة، أو ذات خلفیة ایدیولوجیة).

      


    مدخل مختصر  إلى تاريخ الحضارة الجزائرية

    إن وجود الجزائر كما نعرفها اليوم، يرجع الفضل فيه إلى تراثها، الذي خلدها عبر الأزمنة منذ إنسان العصر الحجري القديم الذي يشهد عليه معلم ”كاف أبوبكر” شمالي قرية "أولاد ميزاب" ببلدية الدحموني شرق مدينة تيارت، وهو محطة للرسومات الحجرية الصخرية الشاهدة على العبقرية الفنية للإنسان لفترة ما قبل التاريخ، وذلك ما بين 6000-1000 قبل الميلاد حسب البطاقة التقنية لهذا المعلم، ثم"حضارة كلمناطة" "الإنسان الأشولي" المرحلة التطورية حيث تحول الإنسان المنتصبHomo erectus  للإنسان العاقل  Homo sapien وكذا الحضارة الأبيرو مغربية والقبور الميغاليثية التي تشهد على الغنى التراثي لوطننا، بالإضافة إلى معالم الحضارة النوميدية والمخطوطات المخلدة لها بداية من سنة 203ق م، وصولا إلى الحضارة الرومانية والتي واجهها الأمازيغ بكل قوة، لدرجة أنهم استطاعوا أن يوقفوا امتدادها والتي تعود إلى القرن الرابع الميلادي ق 04 م، ثم الحقبة الإسلامية التي أثرت التأثير الكبير في تشكيل التراث الروحي المعنوي، من عادات وقيم للمجتمعات المغاربية ككل، بداية بتأسيس الدولة الرستمية بتيارت سنة 150هـ، ثم الدولة الفاطمية سنة 296هـ، ثم الدولة الزيرية فالحمادية ببجاية، فالزيانية بتلمسان من 1200م حتى 1500م، وصولا إلى العثمانيين، ثم الإستدمار الفرنسي الذي حاول طمس كل مخلفات الحضارات سالفةالذكر المادية منها والروحية، حتى يُصير من الجزائر فرنسية من خلال أكثر من 130 سنة إحتلالا لأراضينا الطاهرة.

    إن الفرنسيين كانوا آنذاك يعتبرون أنفسهم ورثة شرعيين للرومان في احتلالهم لأراضينا وأن من حقهم أن يعودوا إلى هذه الديار بعد غياب دام خمسة عشر قرنا، فلا عجب بعد ذلك أن يكون الفرنسيون طوال عهد الإستدمار قد كرسوا جهودهم في البحث التاريخي والتنقيب عن الآثار، لإحياء ذكرى روما والإشادة بمميزاتها الحضارية في الجزائر القديمة.[i]

    وبالتالي فالحديث عن تاريخ الجزائر هنا هو محاولة التطرق الى جانب التاريخ الثقافي، ولا يمكننا التحدث عن المجتمع الجزائري الحالي إلا بالمرور على عديد التقلبات والصراعات والمكافحات التي صنعت الثقافة الجزائرية الحالية، ولقد تفطن العديد من العلماء الجزائريين إلى ضرورة الإهتمام بتاريخ الجزائر وكتابته، حتى يتسنى للأجيال معرفة مكانتهم وأهميتهم بين الثقافات العالمية المتمايزة، ولقد ذكر مبارك الميلي في كتابه تاريخ الجزائر، أنه تلقى العديد من التهاني والتشجيعات من عديد المناضلين الذين جاهدوا لتبقى الجزائر متميزة بثقافتها خاصة في عهد الإستدمار الفرنسي الذي حاول فرنسة كل ما هو جزائري، ويذكر مبارك الميلي أن الشيخ عبد الحميد ابن باديس كتب له تعقيبا على منجزه "أخي مبارك، إذا كان من أحيا نفسا واحدة كأنما أحيا الناس جميعا، فكيف بالذي أحيى أمة كلها، ماضيها وحاضرها وحياة مستقبل أبنائها، فلا يكفي والله عملك أن تشكره الأفراد ولكن يكفيك، أن تشكرك الأجيال، وإن كان هذا في الجيل المعاصر قليلا، فسيكون في الأجيال القادمة كثيرا..... وأنا بدوري أشكرك".

    ولقد سار بعد الإستقلال على النهج السالف شيخ المؤرخين السيد أبو القاسم سعد الله، والذي ذكر في كتابه تاريخ الجزائر الثقافي إلى ضرورة كتابة تاريخنا بأيدينا حتى يتسنى لنا توثيق الحقائق ومسح التزييفات، وقد انتقد الذين يتذمرون من التزويرات والتلفيقات الواقعة في كتب التاريخ التي تناولت الجزائر والتي معظمها تعود لكتاب كولونياليين، ودعا إلى ضرورة البحث العلمي في مجال التاريخ المحلي لصناعة وعي ثقافي متين لأجيال الجزائر المستقلة.[ii]

     


    الدراسات الفرنسية للمجتمع الجزائري إبان إحتلال الجزائر

     دراسة "روني كابي" 1824-1828:

    يعتبر "روني كابي" من أوائل الفرنسيين الذين نزلوا بأرضنا الجزائر، حيث كانت تقاريره وكتاباته توحي بأن الجزائر الشاسعة مساحة جنوبا باتجاه افريقيا، هي بوابة حقيقية للتوغل إلى افريقيا، وهي بذلك ذات أهمية كبيرة من ناحيتين حسبه:

    - الأهمية التجارية الكبيرة.

    - تراثها المعنوي الحافل.

    وقد عنيت دراسته بتمويل كبير من الإدارة الفرنسية، وكانت نتيجتها أن قدم خريطة للجزائر وجنوبها الكبير، التي تمثل أكثر من 80% من مساحة الجزائر، والتي اعتمدها الفرنسيون للتوسع لاحقا، كما كانت تقاريره قاعدة لتأليفات هامه على رأسها مؤلف "دوماس" بعنوان "الصحراء الجزائرية"، وبتشجيع من الماريشال "بيجو".

    "بربروجر" "مؤسس المكتبة الفرنسية العامة" ببلادنا الجزائر:

    طرح هذا الفرنسي الكولونيالي فكرة إنشاء مكتبة عامة فرنسية في الجزائر، حتى يستغلها الضباط والمترجمون كأدوات عمل لازمة لمهمتهم في الجزائر، ولم يكن "بربروجر" مكتف اليدين، بل كان ملازما لتحركات العسكريين في مناطق الجزائر المختلفة منذ دخول الإستدمار سنة 1830، حيث اهتم بجمع الوثائق والكتب والمخطوطات من الأماكن التي تم تدميرها من طرف العسكريين من مساجد وزوايا، وقد استمر في رحلاته هاته لأكثر من خمس سنوات جمع فيها عديد المخطوطات والكتب والوثائق، إلى أن صدر قرار تأسيس المكتبة العامة بالجزائر العاصمة، وأذن لـ "بربروجر" بتولي إدارتها سنة 1936.

    وبعد سنين ليست بالكثيرة  وبالضبط بعد القضاء على ثورة الأمير عبد القادر سنة 1848، تم الإستلاء على مكتبته، التي كانت تحتوي على ذخائر المخطوطات العربية الإسلامية، كما تم نهب محتويات مكتبة الشيخ الحداد بعد القضاء على ثورته أيضا سنة 1871، وصودرت ونقلت إلى المكتبة العامة بالجزائر العاصمة، وبعد إقتراب استقلال الجزائر قامت الإدارة الفرنسية ، بحرق المكتبة العامة حتى لا ينتبه الجزائريون لتحويل ونقل محتوياتها الهامة، وهو في حد ذاته تمويه ذكي مدروس.

    "كوفي" "والتنقيب عن الآثار":

    يعتبر هذا العسكري الأثري أول من سمح له في الجزائر من طرف المستعمر بالتنقيب في آثار وتاريخ الجزائر، فقد اهتم بدراسة القباب والمساجد وطريقة بنائهما، واختلاف أشكالهما، وكذا مواقعهما وتأقلمهما مع المناخ والبيئة، وانطلق في عمله هذا منذ 1831، وقد كان الغرض الأول من هذا التنقيب، خدمة الإيديولوجية الفرنسية الإستدمارية مكان الإسلامية، ويتجلى في الآثار الرومانية من كل من جميلة وتيمقاد التي نقب عنها كوفي نفسه واكتشفها، بالإضافةإلى الاثار المتوزعة في مناطق الجزائر الشاسعة، التي نقب وحافظ عليها المستدمر فيما بعد، باعتباره الحفيد الأكبر للرومان، وامتدادا له في أراضينا الجزائرية الطاهرة.

    شارل فيرو" والنزعة "البربرية":

    يعد "شارل فيرو" نموذجا لذلك الطراز الخاص من المثقفين الموسوعيين الفرنسيين الذين عاصروا المراحل الأولى من احتلال فرنسا للجزائر، ومثلما سنرى، فإنه ترعرع في أوساط الجيش ودوائر الشرطة هناك، ثم لفت الأنظار مبكرا إلى شدة اهتمامه بمختلف مظاهر الحياة الجزائرية، حيث نجده قد رصد فنونها الشعبية، وسجل لهجاتها وتقاليدها، ودرس آثارها المعمارية الإسلامية، ووجه فوق كل ذلك اهتماما كبيرا إلى دراسة التاريخ العربي والإسلامي في منطقتنا المغاربية، ثم انخرط في سلك الحياة السياسية والدبلوماسية حتى قادته مسئولياته إلى ليبيا كقنصل لبلاده فيها، حيث أقام بها فترة طويلة.

    إن أشهر دراساته التاريخية عن بلادنا الجزائر الكتاب الذي خصصه لدراسة عشر من المدن الجزائرية، من بينها جيجل وبجاية، وعنابة، وسطيف، وتبسة، دراسة مونوغرافية وافية مفصلة، غير أن دراساته عن الجزائر لم تقتصر على الميادين السالفة؛ بل نراه يخصص أبحاثا أخرى عن قبائلها، ولهجاتها المحلية، ويضع دراسة نحوية في اللغة البربرية، كما نراه يكب على محاولة لوصف الطراز المعماري الذي يميز مساجدها وقصورها خصوصا في قضاء قسنطينة، أو يدرس بعض جوانب الحياة العثمانية في الجزائر، وقد أفرد فيرو كتابا خاصا تناول فيه عددا من شخصيات الاستشراق والمترجمين الفرنسيين الذين سبقوه إلى ميدان دراسة العالم العربي، حيث استعرضهم واحدا واحدا منذ حملة نابليون على مصر في نهاية القرن الثامن عشر حتى احتلال فرنسا للجزائر، وهو ما يؤكد وفاءه لأجداده المستدمرين، واعتبارهم فاتحين (استخدامه مصطلح الفتح الفرنسي)، مقابل طمس هوية السكان كمسلمين وتركيزه على التقسيم العرقي من خلال مصطلحي (البربر، والعرب)، وساعده في هذا اتقانه كما أسلفنا لعديد اللغات العربية والبربرية والتركية.[iii] 

     


    الهوية الجزائرية بين التنوع والتجانس

    ماهية الهوية:

    تعزى كثرة الأحاديث الدائرة اليوم حول موضوع الهوية، كتزايد الاهتمام بها إلى حركة الاستعمار، وما جنته هذه الأخيرة على الإنسانية أفرادا وجماعات، وما كرسته ثقافة الغالب على المغلوب، والتابع والمتبوع، هذا بالإضافة إلى التطور الهائل لوسائل التكنولوجيا؛ وما تولد عنها من سرعة في الاتصال والتواصل بين مختلف الأمم؛ حيث أضحى العالم مجرد قرية صغيرة.

    فتزايُد الاحتكاك بين الذات والآخر؛ جّراء العوامل الآنفة الذكر، زاد من حدة البحث والتعمق في موضوع الهوية، وأدى إلى طرح إشكالية الهوية الفردية والهوية الغيرية، وبات الكل معن ببحث هذا الموضوع لأن كل فرد بات مضطرا لإثبات ذاته والتعريف بكيانه، ومحاولة الحفاظ على وجوده واستقلاله مقابل وجود الآخر.

     ويلاحظ أنه رغم كل التغيرات التي طرأت على مفهوم الهوية؛ إلا أن جوهر المفهوم لم يتغير، إذ حافظ المصطلح على مركز الدائرة رغم تغير المحيط، فمن أجل الوقوف على أقدم المفاهيم التي وضعت لمعالجة مصطلح الهوية، تعود بنا الأدراج إلى تنظيرات الفلاسفة الأوائل ذلك أن: «مصطلح الهوية ليس وليد الساعة، بل يضرب بجذوره في عمق تاريخ التفكير الإنساني فقد ظهر مفهوم الهوية لأول مرة مع المنطق الأرسطي، وتم توظيفه منذ تلك اللحظة، في السياقات العلمية المنطقية كالرياضيات بصفة خاصة، وفي السياقات الفلسفية بصفة عامة،» فأرسطو هو أول من وضع الخطوط العريضة للمفهوم، وإن كان قد صاغه وفق طريقة رياضية إلا أن مفهومه يعد النواة التي لم يستطع المصطلح أن يتخلص منها رغم كل التطورات التي اعتلته، «وبذلك يكون المعلم الأول الذي افتتح مجال التفكير في مفهم الهوية وفق منظوره المنطقي والرياضي، بحيث تجده يعبر عن قانون الهوية بتعابير متعددة كأن يقول: "أ هو أ، أ=أ، هو هو الشيء نفسه وقد تدل هذه التعبيرات أن للشيء ذاتية خاصة يحتفظ بها دون تغيير، فالشيء دائما هو هو ومعنى ذلك أن الهوية تفترض ثبات الشيء".

     وإذا كانت هناك آراء تقول اليوم بحداثة المصطلح والمفهوم، فلا شك أن المقصود من وراء مثل هذه الصيحات هو تنامي الإهتمام بالوضوع  وشيوعه لدرجة بات يبدو معها كأنه فكرة جديدة، وليس المقصود منها الجدة والابتكار، «الهوية مصطلح معاصر، شاع بين المجتمعات بسبب ظهرة العولمة وما صاحبها من احتكاك ثقافي، وما نتج عنه من ظواهر سلبية كالتثاقف والاستيلاب الثقافي وغيرها من الظواهر التي أصبحت تهدد وجود ثقافات الشعوب المغلوبة على أمرها وعلى رأسها المجتمعات العربية؛ فكان لابد من إلغاء حل للتصدي لكل ما يمكنه المساس بثقافاتهم، "كما أن تزايد وتيرة الاهتمم اليوم بالمصطلح والمفهوم ولّد إشكالا آخرا؛ تجلى في تعدد المفهومات التي وضعت لهذا المصطلح، إذ لم تعد هناك تخوم واضحة للمفهوم، ولم تعد مسألة البحث فيه هينة وبات مفهوم الهوية مفهوما غامضا ومعقدا ومتشعب المداخل تتفاعل داخله حقول معرفية عدة، وتتصارع ديناميات الأنا" و"الآخر"، ال"أنا" وال"نحن"، الوحدة والتعدد، التطابق والاختلاف، وقد شكل مفهوم الهوية منذ سنين وحتى اليوم إشكالية مؤرقة غير قابلة للتجاوز في مختلف الفضاءات الثقافية والحضارية، ولكن مهما يكن فإن جل الباحثتين والدارسين متفقون على أن مفهوم الهوية، يطلق على نسق المعايير التي يعرف بها الفرد، وينسحب ذلك على هوية الجماعة والمجتمع والثقافة، هذا بالإضافة إلى أن أي مفهوم وضع لهذه الأخيرة اشتمل بالضرورة على وجوب وجود شروط أهمها:

    - التميز والتفرد والاختلاف عن الآخر؛ فمفهوم الهوية، يشمل الامتياز عن الغير، والمطابقة للنفس، أي خصوصية الذات، وما يتميز به الفرد أو المجتمع عن الأغيار من خصائص ومميزات، ومن قيم ومقومات، أما إذا أردنا أن نقف على أكثر المفاهيم شمولية فستصبح الهوية هي«: مجموعة الخصائص والمميزات العقدية اللغوية والمفاهيمية والأخلاقية والثقافية والعرقية والتاريخية والجغرافية والسياسية، والعادات والتقاليد والسلوكات التي تطبع شخصية الفرد والجماعة والأمة بطبع معتين ينفرد به عن باقي الأمم، حيث تشكل مرجعيته المعبرة عن ثقافته ودينه وحضارته. [iv].

    الهوية الجزائرية:

         تتفق العديد من التخصصات العلمية على أن مفهوم الهوية لا يخرج عن نطاق كونها ذلك التعريف أو التمييز أو بالأحرى ذلك التحديد للفرد أو للجماعة ضمن حدود جغرافية وزمنية معينة، كذلك تعرف الهوية من خلال تكون شخصية الفرد ضمن مسار التنشئة الاجتماعية حيث يكتسب مجموعة من المقومات الثقافية والدينية والسياسية وغيرها، ليتسنى له تحديد انتمائه ضمن المجتمع الذي يعيش فيه، ففي هذا السياق أضحى مفهوم الهوية غامضا في السنوات الأخيرة بالنظر الى التحولات التي طرأت على تركيبة المجتمعات ضمن نظام العولمة لاسيما إثر حركات الهجرة المتتالية منذ الحرب العالمية الثانية انطلاقا من دول الجنوب نحو دول أوربا وأمريكا، حيث نتج عن ذلك ظهور أجيال جديدة اكتسبت جنسيات تلك الدول التي استقبلت آبائهم إضافة إلى جنسياتهم الأصلية، لذلك عاد التساؤل مجددا عن الهوية والانتماء والمواطنة في تلك المجتمعات الغربية.[v]

    تعقيب:

      وبما أننا جزء من هذا العالم المتمايز فيعد موضوع الهوية في مجتمعنا من أهم الموضوعات التي يجب تناولها في التخصصات الإجتماعية والإنسانية، وتخصص الأنثروبولوجيا خصيصا، باعتبار الجزائر حقل متميز لمثل هكذا دراسات فالتنوع الذي تشهده الجزائر سوسيوثقافيا هو ما يميزها عن بقية المجتمعات ويديم استمرارها، وبالتالي فماهي نقاط التجانس والتنوع الثقافي (الهوياتي)؟

        لقد ساهمت عديد العوامل التاريخية والحضارية في تشكيل الهوية الجزائرية الحالية، والتنوع الذي تشهده يتحدد من خلال: الدين، العولمة، السياسة، المدنية، اللغة وغيرها من المقومات، وإذا ما عدنا إلى ما قالته الباحثة مليكة صياد، فإن مجتمعنا الجزائري يشترك أفراده في العديد من الخصائص وهذا لا يعني تطابقهم الكلي بقدر ما يعني تشابههم وتوافقهم في عديد المميزات التي تجعلهم يشكلون ما يسمى بالثقافة الجزائرية الموحدة، التي ستنناولها في محور أعلام الأنثروبولوجيا في الجزائر بالتطرق للباحث أحمد بن نعمان ودراسته للخصوصية النفسوأنثروبولوجية الجزائرية، فالشخصية هاته لم تكن لتتواجد لولا تواجد هوية موحدة للأفراد، هذا التوحد هو في مجال الدين والذي يعتبر دين الدولة في الدستور، وكذا في اللغة التي يتفق الجميع على تنوعها اللهجي من منطقة إلى أخرى والذي لا يؤثر على الوحدة اللغوية رغم الأقاويل التي تخلق كل مرة ومسألة الفرونكوفونية والعربية واللسان الأمازيغي، فالرجل التارقي يفتخر بتارقيته والرجل الميزابي يفتخر بميزابيته والرجل الشاوي يفتخر بشاويته، لكن هناك عوامل أكبر تجعل منهم جميعا يعيشون بسلام هو جانب الدين الذي يجمعهم والذي يقر باختلافهم لكن في حدود التكامل والسلام، ((وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفو إن أكرمكم عند الله أتقاكم))، فالدين لا يوحد اللسان والنسب لكنه يوحد القلوب والأرواح، وهو ما ينطبق على اللهجات الأخرى لمناطق الغرب والشرق والشمال والجنوب، فالعربية بلهجاتها المختلفة هي وسيلة للتواصل كغيرها من اللغات، ويجب أن نعرج على مسألة العروش المختلفة والتي تحدد أنساب الأفراد فهي تساعد في تشكيل مجموعة من الصفات تميز المنتسبين لها كعرش اولاد نايل الذي يعد أكبر الأعراش ويفتخر المنتسب له بارتباطه بالنسب الشريف للرسول صل الله عليه وسلم، وبكرمه وجوده وغيرها، هذا لا ينقص من شأن غيرهم من العروش ولكن هو تميز يفتخر به على سبيل المثال عرش اولاد دراج الذين يعتبرون أنفسهم أهل للكرم والنسل الشريف .....

    إن هذا التنوع لا يعني دوما التوافق والسلام ففي مناطق كمنطقة أدرار توجد صراعات عرقية رغم توحد الأفراد دينيا، في مسالة الشرفة  وغير الشرفة، وهنا تأتي قيم المواطنة لتوحد الأفراد وتردعهم بنص القانون الوضعي وضمن قوانين دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وهو دليل على تكامل الأنساق كلها في سبيل تحقيق الإستقرار المجتمعي العام.

     

     

    اللغة ودورها في تماسك المجتمع (اللغة العربية نموذجا)

    اللغة العربية كمقوم ثقافي:

    إن اللغة العربية من مقومات مجتمعنا الجزائري، فنحن لا نسطيع أن نقول أننا مجتمعات عربية ولساننا ينطق لغات أخرى، فانتماؤنا لهاته الأمة هو تحدثنا بلسانها الذي يميزها عن ألسن المجتمعات المتعددة، وإذا كانت الهوية تتشكل في جانب من جوانبها من اللغة، فإننا مطالبون في البحث في بحر اللغة ومعانيها ومصطلحاتها، حتى نسقل هاته الهوية بما يتماشى وثراء مكونات لغتها.

    إن اللغة العربية كما يعلم الجميع تتكون من أكثر من إثنى عشرة مليون كلمة، محتلة الرتبة الأولى من بين اللغات، ولكن مسألة حياتها وموتها (اللغات الحية واللغات الميتة)، تبقى مرهونة بمدى استخدامها في التواصل الواقعي والمواقعي، وذلك بتكثيف التواصل بها تحدثا (كتابة وصوتا وصورة)، ولسنا ندعو إلى الإنغلاق على لغتنا وفقط، بل إن الإطار الذي نصب فيه هو إطار تميزي عن الآخر المختلف بلغتي التي أنتمي إليها.

    وبالتالي فإننا كأنثروبولوجيين جزائريين، نحاول البحث في مواطن التميز في لغتنا، والتشجيع على الإستثمار في هاته المواطن حتى تظهر في بسيطة اللغات العالمية كلغة من لغات العالم الحية.

    اللغة وتعدد زوايا التناول:

    إن اللغة العربية ليست مجرد كلمات وألفاظ، بل هي ذلك الجانب الهام في الثقافة، ونحن كأنثروبولوجيين لا بد أن نتناول هاته المسألة بدقة، فهي كما تستطيع توحيد الأفراد، فقد تساهم في إحداث العكس، فاللغة لم توجد للتواصل فحسب، بل هي التي تميزني عن الآخر المختلف، وهي جزء من هويتي ولساني الذي توارثته جيلا فجيل، وقد تناول موضوعنا هذا عديد العلماء والباحثين في مجال العلوم الإجتماعية والإنسانية، كمالك ابن نبي الذي طور معرفته باللغة العربية، حيث راجع كل كتبه المترجمة للغة العربية وشرع بالكتابة وإلقاء المحاضرات بها، والجابري الذي انتقد العقل العربي من خلال تناول علاقة اللغة بالفكر في الثقافة العربية، ومحمد الغزالي الذي رأى ما لم يره غيره، واعتبر بأن اللغة العربية لم تنفصل عن الإسلام مذ طلعت على العالمين شمسه، كجزء منه يقوى ويضعف بضعفها،وأحيل الجميع إلى الوقوف على هاته العبارة والتمعن فيها جيدا حتى نفهم القصد، فالعربية كلغة ليست هي قوة الدين الإسلامي ولا قوة أي دين آخر، بل هي قوية بالدين، وما قاله الشيخ الغزالي لا يخرج عن السياق الذي قال به عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يوما، بأن العربية تزيد في مروءة المرء مع الإيمان القطعي بأنها لا تكون كذلك، وقاعدة الإسلام غائبة.

    يتضح مما سبق بأن الأنثروبولوجيا تبحث دوما في العلاقة الوطيدة والحتمية بين اللغة كنظام ونسق هام في المجتمع، ودورها في تشكيل الثقافة وتحديد الهوية، وقد اعتبرها مالك ابن نبي من أهم أساسات وركائز المجتمع بل أكد على ضرورة الإعتناء بها كإرث شفهي يميز المجتمعات عن بعضها، وقد شدد على أنه لم يحدث أن تطورت أمة معينة وحضارة ما بلغة غيرها، وأن تعطيل اللغة يندرج ضمن تعطيل الأفكار والذي يشبه تعطيل الغرائز بالنسبة للكائنات الحيوانية، ما يؤدي بها إلى الإنقراض،[vi] وبالتالي فإن وجود اللغة في المجتمعات المختلفة، وفي منظوماتها الثقافية كائن منذ وجود الإنسان، ما يجعل الأنثروبولوجيين يهتمون بها كأرضية خصبة لمواضيعهم الأنثروبولغوية إن صح لي التطفل على المصطلحات وتلقيبها بما تفضلت.

                                                        القيم والتماسك الإجتماعي

    القيم والمجتمع:

    يتطلب منا كباحثين أنثروبولوجين التعامل مع القيم كأداة أولية متحكمة في استقرار المجتمع وترابطه وتماسكه، من خلال التركيبة القيمية المتفق عليها من طرف الجماعات الإنسانية في محيط أو مجال زمكاني معين، إنه ذلك البعد السوسيوثقافي، الذي يجعل منها الشطر الرئيسي في تكوين الثقافة لأبناء المجتمع، وهو بذلك ينطلق حيث انتهت وآلت إليه دراسات علم اللسانيات، التي تهتم بموضوع اللقيم باعتبارها كيانا يحدد هوية الأفراد ويميزهم عن غيرهم من أبناء  جلدتهم.

    ومنه فالأنثروبولوجيا تهتم بالقيم كركيزة هامة مؤسسة للعلاقات ومحددة للسلوكات الإجتماعية بين الأفراد والجماعات، من خلال ما يحتويه هذا البناء من جزئيات مكونة، تشمل العادات والتقاليد والدين واللغة وغيرها مما توارثه الأبناء عن الأجداد، وتوافق عليه المجتمع.

    وبالتالي كيف تستطيع القيم أن تحافظ على استقرار وتماسك المجتمع، من خلال هاته الجزئيات سالف ذكرها؟

    مفهوم القيم:

    یعرفهـا شـوارتز Schwart بأنهـا المعتقـدات حـول الأمـور والغایـات وأشـكال السـلوك المفضـلة لـدى الناس، توجه مشاعرهم، وتفكیرهم، ومواقفهم، وتصرفاتهم، واختیاراتهم، أي المعيار الذي ينظم علاقاتهم بالواقع والمؤسسـات والآخرین وأنفسهم والمكان والزمان، وتســــــوغ مواقفهم وتحــــــدد هویتهم ومعنى وجودهم، إذ تتصـــل بنوعیـة السلوك المفضل لمعنى الوجـــــود وغایــاتــــه، من خلال تعریفه نجـــد أن القیم في نظره تخدم مصلحة كیان اجتماعي، سواء كان فردا أو جماعة، وكلامه الآتي یوضح فكرة، القیم تمثل الاستجابة للمتطلبات العالمیـة الـثلاث:

    -       إحتیاجـات الأفـراد ككائنـات بیولوجیـة.

    -       مسـتلزمات تنسـیق التفاعـل الاجتمـاعي.

    -       متطلبـات الأداء السلس والبقاء على قید الحیاة ."

    وقد اقترح " شوارتز " سبع أنواع تحفيزية متميزة من القيم نذكرها كالآتي:

    -       قيم التقارب الإجتماعي: وهي تعمل على حماية أو تعزيز رفاه الآخرين.

    -       قيم المطابقة التقييدية: معاقبة النفس حين تحفز إجراءات تحتمل إلحاق الأذى بالآخرين، وانتهاك القواعد.

    -       قيم التمتع: تتمثل في إشباع السرور الحسي والعاطفي.

    -       قيم تحقيق النجاح الشخصي من خلال إثبات الكفاءة.

    -       قيم النضج: وتتجسد فيالتقدير والتفاهم، وقبول الذات والآخرين والعالم المحيط.

    -       قيم التوجيه الذاتي: تتمثل في التفكير المستقل، والعمل على الإختيار بين المواقف.

    -       قيم الأمن: تعمل على إحداث السلام والوئام، واستقرار الجماعات فالمجتمع.[vii]

    مستويات الدين:

          للدين مستويات في حياة الأفراد والمجتمعات، عرفتها البشرية أفرادا وجماعات إما كاملة أو ناقصة لكنها لم تكن منعدمة تماما، وهذه المستويات هي التي يتم تناولها من طرف الباحث الأنثروبولوجي :

    مستوى الشعور:

       إن الشعور بالارتباط الديني هو أول مراتب الدين لدى الأفراد والجماعات "الشعور الفردي والشعور الجمعي"، وهو مستوى قائم في نطاق الأحاسيس والعواطف والوجدان ليقر بتهيّئِ الإنسان لاستقبال الطبع الديني،ُ وحين نلتفت إلى ما كتب حول مصادر الدين لدى الإنسان ندرك حقيقة هذا المستوى من خلال وجود مصدر "الخوف"، والخوف كظاهرة غريزية تمثل لُبّ الامتداد الديني داخل النفس البشرية، ولقد كتب "ماكس نوردوNourdau.M " عن الشعور الديني قائلا: "هذا الإحساس أصيل يجده الإنسان غير المتدين، كما يجده أعلى الناس تفكيرا، وأعظمهم حدسا وستبقى الديانات مابقيت الإنسانية.

          كما صرح أيضا العديد من العلماء والباحثين عن حقيقة هذا الشعور وثباته في تجاربهم الخاصة أثناء تعاملهم أو مواجهتهم لمواقف دينية، ومن بين هؤلاء مثلا نجد "توكفيلTocqueville de. A " الذي يعترف قائلا "إنني لست مؤمنا لكن أيا كان الإيمان الذي أشعر به، إلاّ أنني لم أستطع مطلقا من أن أحمي نفسي من شعور عميق عند قراءة الإنجيل".

    كما يعتبر "ج زيملSimmel.G "" الدين إيقاعا للنبض الداخلي للإنسان، وهو يرى بشكل جاد جدا وجود الشعور الديني الذي لايمكن حسبه أن يختفي أو أن يأفل، مع تأكيده على الدور الفعال لهذه المشاعر الدينية في حركية المجتمعات وديناميكيتها.

    وهكذا كتب الكثيرون ممن لا يمكن عدهم أو حصرهم عن هذا الخضوع الوجداني للأفراد والجماعات نحو ما يوصف بالدين، ومن ثمة فمستوى الشعور هو المستوى القاعدي الذي لايمكن للإنسان أن يكتمه أو يداريه أو ينفيه، لأنه يتصف بالجبرية والحتمية التي لاتقاوم، ولذلك كان هذا المستوى هو مدخل المنتقدين للفكر الإلحادي والقائلين به فها هو أحد هؤلاء المنتقدين "مارسيا إليادEliade.M " يعلن قائلا: " يمكن القول تقريبا إنه عند أولئك المحدثين الذين أعلنوا أنفسهم لا متدينين، كانت الديانة والميثولوجيــــــا خفيتين في ظلمات لاشعورهم".

    ولقد كرر "الغزالي" في كتابه "إحياء علوم الدين" عبارة "إستفت قلبك" فيما يتعلق بالأحكام والتشريعات الدينية الإسلامية، وهي الدالة على وجود الترابط والإتصال والتجانس بين القاعدة الشعورية والمستوى السلوكي لدى كل فرد.

    ويجمع "كانط Kant.e" أصحاب هذا المستوى الشعوري للدين في مقولته: "إنه لاينبغي البحث عن الدين خارجا عنا، بل في داخلنا".

    مستوى  الإعتقاد:

    وهو المستوى المتعلق بالقناعات الفكرية الواضحة والمباشرة، وهي ماقد يعبٓر عنه الإنسان ويصرح به في أقواله، وهو أيضا ما يمكن أن يحجبه أو يعكسه حسب رغبته أو حالته، إلا أنه يعد أول أشكال التعبير عن البعد الديني لدى الفرد، كما يدلّ هذا المستوى على الموقف الشخصي المبني إما عن التقليد والمحاكاة وإما عن الفهم والتفكر والإقتناع، والإعتقاد مستوى نسبي متغير وغير ثابت بالضرورة، فالفرد قد يصبح معتقدا في شيء ويمسي معتقدا في غيره، ومن بين العلماء والباحثين الذين وقفوا عند هذا المستوى في تحديد معنى الدين "ميشيل ماييرMayer.M " في كتابه "تعاليم خلقية ودينية"، بل قد يمثل مستوى الإعتقاد لدى البعض محور الدين ولُـبّه وهو العنصر الأسمى الــذي يبرز إنسانية العنصر البشري في علاقته مع الدين، لأنه يعتمد على العقل والتأمل والتدبر والتفكر مما يتميز به الإنسان على غيره، ويجعله واعيا بقراراته وسلوكاته.

    مستوى الممارسة:

    وهو المستوى العملي والفعلي "التطبيقي" للأفكار المعتقد بها والأحـــاسيـس الشاعر بها، غير أن هذا المستوى أكثر من سابقه "الإعتقاد" نسبية وتغيرا، لأن هناك العديد من الناس من يقف عند حدود المستويين السابقين، ولذلك تطلق غالبا في الكثير من المجتمعات عبارة "المتدينين الممارسين practitioners Religious" و"المتدينين غير الممارسين practitionersNon-religious" ولقد كان هذا المستوى هو الآخر محور العديد من التعريفات وجوهرها في تحديد ماهية الدين، وهو ما نلاحظه عند: "شاتلChatel " فيكتابه "قانون  الإنسانية"، و"إميل برنوفBurnauf.E " في كتابه علم الديانات، و"ريفل Revel"" في كتابه "مقدمة تاريخ الأديان".

    إذن فالدين يكون ظاهرة نفسية حينما يكون في المستوى الأول، ويكون ظاهرة فكرية فلسفية حينما يكون تصورا واعتقادا... .إلخ، ومستوى الممارسات هو الجزء المادي من الدين والمظهر الخارجي له، كما أن له من الأهمية ما يجعل "أليكس دي توكفيل Tocqueville de" يجزم قائلا: "إنني لا أتصور مطلقا أنه من الممكن الحفاظ على وجود الدين دون ممارسة خارجية"  إلا أنه لا يتفاءل بالإكثار منها، بل يدعو للحد منها والحفاظ على ما يعتبر ضروريا لاستمرار العقيدة ذاتها.

    كما يعرف "راد كليف براون Brawn.C.R " الدين في هذا  الإطار لينظر إليه على أنه التعبير بشكل أو آخر عن حالة الإحساس بالإعتماد والتبعية لقوى خارجه عن أنفسنا، ويرى من ذلك أن التعبير الأساسي عن هذا الإحساس هو الشعيرة، وكذلك كانت هذه الممارسات والسلوكات معقل تعريف "سانت جيمسJames.S " للدين والذي صرح هو الآخر بضرورتها وأهميتها قائلا: "إن العقيدة التي لا تدور حولها أي شعائر أو طقــوس تموت لأنها تكون وحيدة منعزلة، ومن ناحية أخرى فإن الشعـائر والطقوس المجردة من كل اعتقاد ديني، ليست من الدين في شيء".

    مما لاشك فيه أن للشعائر والممارسات أهمية كبرى في فهم الدين، أما الممارسات فقد تكون شفوية كالتسبيح في الإسلام والتعميد في المسيــحية وشعـائر التلقين والأدعية..وغيرها، كما قد تكون جسدية كالإستحمام في مياه النهر المقدس عند الهنود، والوضوء في الإسلام....وغيرها، وهناك من العلماء من جمع بين مستويين، كما فعل "Raville" بين المستوى الشعوري والمستوى السلوكي، وفــعل "جيمس فريزرFrazer.J" بين المستوى  الإعتقادي والمستوى السلــوكي، ومثل  ذلك وصف به "ج. ميلتون ينجرYenjer.M.J" الدين بكونه نظام معتقدات وممارسات "...وغيرهم، وكذلك "دوركايم" في تعريفه المشهور للدين.

    وأمام تعدد مستويات الدينّ واختلاف مفهومه بين الباحثين، مما أكد لدينا مقولة "كلمنت وبWebb.C.C " بأن "الدين لايمكن تعريفه"، لا يسعنا في أبحاثنا ودراساتنا إلا أن نأخذ بما نصح به "جيمس فريزرFrazer.J " قائلا بأن: "كل ما يستطيع أن يقوم به الباحث في هذا المجال هو أن يحدد بدقة ما يعنيه بكلمة "الدّين"، ثم يعمل على استخدام هذه الكلمة عبر مؤلّفه بالمعنى الذي حدده منذ البداية لأنه لايوجد موضوع اختلفت فيه الآراء َّمثل موضوع الدين، ولذا يستحيل الوصول إلى معنى للدين يرضي الجميع.[viii]

     قائمة مراجع المحاضرة:

    - نور الدین طوالبي، الدین والطقوس والتغیرات، ترجمة وجيه البعیني، عویدات للنشر والطباعة، بیروت- باریس، دیوان المطبوعات الجامعیة، الجزائر، ط1، 1988.

    - كتابي محمد السویدي حول بدو التوارق، وكذا مقدمة في دراسة المجتمع الجزائري.

    - مقدمة ابن خلدون.

    - بیار بونت ومیشال ایزار، معجم الإثنولوجیا والأنثروبولوجیا.

    - Augustin Bernard: «Enquête sur l’habitation rurale des indigènes de l’algérie»
    imprimerie orientale fontana fréres, Alger, 1921.

    - Augustin Bernard: «L'évolution du nomadisme en Algérie», N. Lacroix, Annales de
    Géographie, Année 1906, Volume 15, Numéro 80, pp. 152-165.

     - http://www.persee.fr Le: 04/02/2008.

    - Danièle Jemma-Gouzon, «VILLAGES DE L’AURÈS Archives de pierres», Éditions
    L’Harmattan-Paris, 1996.

    - ÉMILE DERMENGHEM: «Le culte des saints dans l’islam maghrébin», Éditions
    Gallimard, France, 1954.

    - ÉMILE DERMENGHEM: «Le Pays d’Abel, Le Sahara des Ouled-Naïl des Larbaa et
    des Amour», Librairie Gallimard, 1960.

    - Fanny Colonna, «Aurès/Algérie 1935-1936», Photographies de Thérèse Rivière, OP.
    - UAlger et Éditions de la Maison des Sciences de L'homme- Paris, 1987
    Fanny Colonna, «Les versets de l’invincibilité, Permanence et changements religieux
    dans l’Algérie contemporaine», Presses de la fondation nationale des sciences politiques, Paris 1995.

    - François Laplantine, «La description ethnographique», ouvrage publié sous la
    direction de François Singly, NATHAN UNIVERSITE, Paris 1998.

    - Germaine Tillion, «Le harem et les cousins», Éditions du Seuil, Paris 1966.

    - Germaine Tillion: «Il était une fois l’ethnographie», Éditions du Seuil, 2000.

    - Jean Copans, «L’enquête ethnographique de terrain», ouvrage publié sous la direction de François Singly, NATHAN UNIVERSITE, 1998.

    - Jean MORIZOT: «L’Aurès ou le myte de la montagne rebelle», Éditions L’Harmattan, Paris1991.

     



    [ii]  أنظر كتابي: أبا القاسم سعد الله، كتاب تاريخ الجزائر الثقافي، ومبارك الميلي، كتاب تاريخ الجزائر.

    [iv] مليكة صياد، الهوية الثقافية.. الماهية والمقومات الأساسية في خطاب البشير الإبراهيمي، مجلة بدايات، جامعة الأغواط، م2، ع2، 2020.

    [v]  بلقاسم سلاطنية , زينب شنوف ، الهوية الجماعية عند الشباب، مجلة العلوم الإنسانية، جامعة بسكرة، الجزائر، م15، ع2، 2015.

    [vi] مالك بن نبي، مشكلات الحضارة – مجالس دمشق-، دار الفكر، دمشق، سوريا، ط2، 2006.

    [vii] Schwartz, S. H, universals in the content and structure of values: Theoretical advances and empirical tests in 20 countries, In M. P. zanna (Eds.), advances in experimental social psychology, Vol 25, New York, 1992, p 1.

    [viii] Nina Koivula, basic human values in the workplace, department of social Psychology, university of helsinki, vol 4, 2008, pp15-16.

  • المحاضرة الرابعة: أعلام الأنثروبولوجيا في الجزائر

    الهدف من محاضرة أعلام الأنثروبولوجيا في الجزائر:

    تهدف المحاضرة لإعطاء الطالب فكرة شاملة حول الأنثربولوجيين الجزائريين وأعمالهم، ومن ثم تثمين هذه الأعمال من طرفه، مساهما بذلك في عملية التراكم العلمي الأنثربولوجي حول المجتمع الجزائري، حيث يتم تقديم الدروس على موقع الجامعة، في إطار مشروع التعليم الإلكتروني عن بعد (E-learning)، ويمكن أن يتواصل الطالب مع الأستاذ عبر الإيميل الخاص بالأستاذ لتوطيد العلاقة الإتصالية المعرفية أكثر فأكثر.

     وكذا محاولة تحوير ذلك مع واقع مجتمعنا الجزائري، لأعطي الفرصة للطالب للبحث في ما قال به الباحثون  الجزائريون سابقا وحاليا، وكذا للمساهمة معا في التأسيس لطالب جامعي مفكر بدلا من طالب يعتمد على التلقين ونسخ ولصق ما قال به الأخرون دونما تمحيص منه وتحليل وتشغيل للبنته الفكرية والمعرفية.

    مخرجات التعلم:

    -وصول الطالب في نهاية السداسي إلى فهم معنى فكرة "الإلتحاق بالمستوى العالمي في المعرفة العلمية، لا يكون إلا من الإنطلاق من التحكم في المستوى المحلي لهذه المعرفة العلمية.

    إسهامات بعض الباحثین الأنثروبولوحیین الجزائریین في مجال الدين (asjp)

    ركز البحث الذي جاء به الباحث الجزائري "غانم إسلام" على دراسة  إسهامات أنثروبولوجيا الاستشراق في حفظ التراث الإسلامي "الاستشراق البريطاني نموذجا" فعرض الباحث نشأة الاستشراق البريطاني ووضح العلاقة بين الاستشراق بشكل عام والأنثروبولوجيا، وعلاقة الاستشراق البريطاني وعلم الأنثروبولوجيا الاجتماعية بشكل خاص وعلاقة علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية بالاحتلال البريطاني، وقد أوضح البحث أهم اسهامات المستشرفين البريطانيين في حفظ التراث العربي الإسلامي، وأهم المستشرقين البريطانيين الذين عملوا على المحافظة على التراث الإسلامي،[1] وتعقيبا على ما سبق فإني كباحث أنثروبولوجي جزائري متيم بكل ما يمت بصلة إلى مكامن التميز في منظوماتنا السوسيوثقافية، أدعو الباحث في الأنثروبولوجيا إلى ضرورة التمحيص حين قراءة الأبحاث التي جاء بها الغربيون اتجاه مجتمعاتنا الشرقية عامة، كونها لا تخلو من عديد الإيديولوجيات والخلفيات التي ينطلق بها الباحث الغربي قبل دراسته لنا، على غرار الجنرال "دوماس" حيث كانت لي دراسة حول "الخيل والمجتمع الجزائري" فاستوقفني وصفا دقيقا لهذا الجنرال الفرنسي ليس لجانب من تراثنا فحسب، بل امتداد تحليلالته إلى ربط الممارسة التي تربط الأفراد وعلاقاتهم بالخيل، وتحويرها في قالب الصراع بين الغرب والشرق، باعتباره عاصر فترة بدء الغزو الغربي لأمتنا الشرقية وتنبأ بأن الفروسية التي يتميز بها الجزائريون، قد تكون أهم عوامل عرقلة الحملة الإستدمارية الفرنسية لبلادنا الجزائر، واعتبر هذا الموروث جزء من علاقة العربي والمسلم عامة، بفرسه، كونها تتجاوز مجرد فلكلور أو تراث إلى التأسيس لفرسان أقوياء أشداء يصعب مجابهتم من الآخر المختلف.[2]

    مما سبق يتضح بأن "دوماس" يقول بضرورة فهم عديد الخصوصيات السوسيوثقافية لكل مجتمع قبل غزوه وهو ما فقهته القوات الفرنسية وسيرت ايديولوجيتها المعرفية خدمة لكولونيالتها، وهو ما يتوجب علينا كباحثين جزائريين في عصر الإستقلال التفطن له والإستفادة من خبرات هؤلاء الإثنوغرافية الميدانية، ومحاولة بناء أنثروبولوجيا قيمية جزائرية، تكون درعا لمقاومة كل ما هو دخيل ولا يتناسب مع استقرار المنظومة السوسيوثقافية هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن ما قال به "دوماس" وهو يتناول موضوع الفروسية يندرج في سياق ضرورة إعداد العدة اللازمة لمواجهة الآخر المتربص، وهو يصب فيما يصير حولنا الآن من أحداث وصراعات سياسية واقتصادية ودينية، فالقضية الفلسطينية التي لم ترى نور الحرية لحد الساعة وتعيش ويلات الحرب الدينية الصريحة من الأمم الغربية التي تعد امتدادا لـ "الجنرال دوماس" حيث يقوم الغرب بإبادة كل أشكال المقاومة ضد إيديولوجيته ويحاول تسخير كل العوامل كي يبقى القوة الواحدة والوحيدة التي تتصرف في الشعوب وتقرر مصيرها.

     


    إسهامات مالك شبل في المجال الأنثروبولوجي:

    لقد جاء في مقال الباحث الجزائري البروفيسور "أوذاينية عمر" حول "مالك شبل": "يعتبر فيه الأخير واحدا من أهم الأنثروبولوجيين العرب الذي ذاع صيته في الغرب، خاصة أوروبا وأمريكا، وبالضبط بعد أحداث 11سبتمبر 2001 بأمريكا، في حين يرى أن تواجده بالوطن العربي ضعيف ومحتشم، أما بالجزائر بلده فيكاد تواجده ينعدم حسبه، ويقول الباحث بأن المفكر "مالك شبل" واحد من أهم الشخصيات التي تدعو إلى عصرنة الإسلام بشكل يتماشى مع العالم الجديد، كما يدعو الى حوار الأديان وحوار الحضارات من أجل التعايش السلمي في العالم الذي أصبح مليء بالعنف تحت مسمى الدين، ومن أهم أعماله التي تناولت المواضيع الأنثروبولوجية نجد كتبه: الجسد في الاسلام، تكوين الهوية السياسية، موسوعة الحب في الاسلام، بيان من أجل إسلام الأنوار، أبناء إبراهيم اليهود والمسيحيون والمسلمون.[3]

    ويعقب الباحث الأنثروبولوجي في نفس سياق الفكرة التي قبلها، بأن إسهامات "مالك شبل" تعد تراكما نبني به نظرة جديدة منقحة وفق خصوصية التخصص والمجتمع المدروس، والظاهرة المدروسة، ونذكر الناقدين لـ "مالك شبل" بأن حضارتنا الإسلامية لما سقطت ماديا أتبع ذلك السقوط سقوطا معنويا لما استفاد الغرب مما وصلت إليه الحضارة الإسلامية، فكان ذكاؤهم في التعامل مع علوم الحضارة الإسلامية، سببا في ارتفاعهم وهبوطنا، وبذلك فالبحث الأنثروبولوجي يستلزم عدم دفن كل ما توصلت إليه الدراسات الأنثروبولوجية، بل يجعل منها تراكما معرفيا يصل بها إلى الحقيقة، وربما يتساءل الباحث الأنثروبولوجي  هل تناول "مالك شبل" لهاته المواضيع يستثني كون الغرب حضارة مادية لا تؤمن بالميتافيزيقيا والأخلاق والدين واللاهوت؟ أم عكس ذلك تماما؟

    وقد تجيب الدراسة الأنثروبولوجية في حقل الإنحرافات الفكرية على أن كثيرا ممن توجه للتقارب الفكري تجاوز الفكر إلى العقائد، وإذا كان العالم الغربي يروج للديمقراطية فلا يجب أن يكون متناقضا ويكافح بعض الممارسات الدينية هنا وهناك، ويتجاوز قيم الديمقراطية؟، وربما "مالك شبل" كان أدرى منا بتناقض الغرب في التعامل مع فكرة تقارب الأديان، وهل هي فعلا تقارب الأديان في إطار الإحترام، أم هو امتداد للهيمنة الغربية على الشعوب العالمية، ربما يجيب على هاته التناقضات الواقع الذي نعيشه حاليا واللااستقرار في العلاقات السياسية العالمية بين الشرق والغرب، حيث فضح الشرق عديد الممارسات الغربية بل واتهمها باستبداد كل ما هو شرقي، ولا يمكن أن نغفل كباحثين أنثروبولوجيين حاذقين بأن هاته الحرب السياسية الباردة بين قوى الشرق والغرب، هي في سياق صراع القيم والثقافات وهي محاولة لإثبات الذات في عالم أكل فيه القوي الضعيف بشعارات التقارب والسلام وغيرها، هاته العودة القوية للشرق لم ترتكز على التقارب الذي نادى به "مالك شبل"، كإرتكازها على التنوع العقائدي والقيمي والإجتماعي (الصين البوذية، والروس الأرتذكسية الشيوعية، والهند الهندوسية.....)، وما يمكننا أن نقول به كباحثين أنثروبولوجيين يهمهم مقام مجتمعهم من كل هاته التغيرات العالمية، بأننا نملك كل مقومات العودة إذا ما اشتغلنا على تقويم ما انحرف من ممارسات بإضفاء القدوة الحقيقية للأنساق المشكلة للبناء الكلي، وقد نبهت إلى خطر فقدان القدوة في المجتمع في دراسات سابقة لي، لعديد الولاءات للجماعات المتعددة (الدينية، والإثنية، والعرقية، والجهوية،،،وغيرها) والتي هددت ولا زالت استقرار مجتمعنا الجزائري.

     

     

     

    إسهامات عدي الهواري في المجال الأنثروبولوجي

    هواري عدي عالم اجتماع وعالم سياسي، ودكتور دولة في مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية (EHESS) في باريس عام 1987. وكان أستاذًا لعلم الاجتماع في جامعة وهران (الجزائر) ثم في جامعة ليون، التي يعمل فيها أستاذًا فخريًا على مدار السنوات القليلة الماضية، كان يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يعمل باحثًا مشاركًا في جامعة جورج تاون.

    وهو مُنظّر معروف لـ "الانحدار الخصب" على أساس النموذج التونسي حيث يلتزم الإسلاميون في السلطة بمراعاة واقع المجتمع والدولة ، وقد كتب العديد من الكتب والمقالات حول الإسلاموية والانتقال إلى الديمقراطية، أحدث مؤلفاته كتاب بعنوان "القومية العربية الراديكالية والإسلام السياسي" (مطبعة جامعة جورج تاون ، 2017).

    أستاذ زائر و / أو باحث في العديد من الجامعات، وكان مقيماً بشكل ملحوظ في معهد الدراسات المتقدمة في برينستون في 2002-2003، تم انتخابه كعضو مشارك لرئاسة AUF / IMéRA  في "Transformations Structurelles et Dynamiques Institutionnelles in Francophonie"  من 9 سبتمبر 2019 إلى 7 فبراير 2020 مع مشروع البحث: الموارد الطبيعية بين الاستخدام السياسي والمتطلبات الاقتصادية.

    تكوينه:

    التعليم الابتدائي والثانوي والعالي في وهران

    بكالوريوس في علم الاجتماع وبكالوريوس في الاقتصاد من جامعة وهران (1973)

    DEA  في الاقتصاد في غرونوبل (1974) عن الهياكل المصرفية للاقتصاد الاستعماري في الجزائر

    دكتوراه في علم الاجتماع في الهياكل الزراعية والإسكان الريفي في الجزائر من 1830 إلى 1939 (تحت إشراف جيولبرت دوراند)

    دكتوراه الدولة في EHESS تحت إشرافL. Valensi  حول الدولة والسلطة في مجتمعات العالم الثالث: الحالة الجزائرية (1987)

    التعليم الجامعي

    مدرس في جامعة وهران (قسم علم الاجتماع) منذ عام 1976

    1981-1983: مدير معهد العلوم الاجتماعية

    1983-1986: انتداب إلى EHESS  في باريس

    1991: باحث في برنامج فولبرايت بجامعة برينستون (الولايات المتحدة الأمريكية)

    1994-1996: أستاذ مشارك في معهد ليون للدراسات السياسية

    1996-1997: أستاذ زائر بجامعة يوتا (مدينة سالت ليك)

    1997-1998: أستاذ زائر في IEP Lyon

    1998 : أستاذ في معهد ليون للدراسات السياسية

    2002-2003: عضو معهد الدراسات المتقدمة، برينستون ، الولايات المتحدة الأمريكية

    2007-2008: أستاذ زائر في جامعة كاليفورنيا، كاليفورنيا ، الولايات المتحدة الأمريكية.

    المنشورات الحديثة

    عدي لحواري، "نظام السلطة في الجزائر، أصله وتطوراته"، Confluences Méditerranée ، 2020 ، vol. 2020/4 ، رقم 115.

    عدي هواري، أزمة الخطاب الديني الإسلامي: العبور الضروري من أفلاطون إلى كانط، لوفان، PUL Presses universitaire de Louvain ، Pensées muslimes contemporaines ، 2019 .

    عدي هواري، "النظام السياسي والسلم الأهلي في الجزائر"، ملتقى البحر الأبيض المتوسط ، 2017، رقم 100.

    عدي هواري، القومية العربية الراديكالية والإسلام السياسي ، أنتوني روبرتس (تقليدي)، واشنطن العاصمة، مطبعة جامعة جورج تاون: مركز الدراسات العربية المعاصرة ، جامعة جورج تاون ، 2017.[4]

     


    "أحمد بن نعوم" وفكرة المقدس والسياسي:

    لقد لخص وخلص الباحث الجزائري أحمد بن نعوم في مقاله المنشور بمجلة لسانيات الصادرة عن مركز الكراسك بوهران والمعنون بـ: "Le Sacré et le Politique" إلى ما يلي:

    - يقول أنه من السهل، في أيامنا هذه، ملاحظة أن العلاقات التي تربط المقدس والسياسي يظهر في أساسها موقف المتكلم: من أي موقع سياسي ينطلق المتكلم لتأسيس خطاب عن إنشاء "الكينونة-معا" في مجتمع ذي ثقافة وتقاليد إسلامية؟ وهنا أقول معقبا كقارئ أنثروبولوجي بأن السياسة بحد ذاتها هي جانب من جوانب التدين فلا يمكن أن يتخلى السياسي عن مرجعيته الدينية ولو تظاهر بالعلمانية، ولعل أبرز مثال على ذلك ما لاحظناه جميعا من خلال الحرب على فلسطين حاليا منذ شهر أكتوبر 2023 والذي عبر فيها الغرب من منابر سياسية متعددة على دعمه لما قال به وزير خارجية أمريكا بالحرف الواحد "أنا يهودي وجئت إلى اليهود لنصرتهم".

    - يقول أيضا بأنه انطلاقا من الموقع الذي يكون منه الكلام، يتعين المنهج والإجراء والمعرفةgnôsis) ) التي انطلاقا منها تقام الخطابات حول المقدس والسياسي وعلاقتهما من داخل المقدس ومن داخل السياسي أو استثناءا من موضع آخر خارجهما، فمن هذا الموضع الثالث تبين عن نفسها العلوم الإنسانية والعلوم الإجتماعية التي من بين مواضيعها، يوجد بالطبع موضوع الخطاب حول المقدس وحول السياسي، من داخل كل واحد من هذين الحقلين نفسهما.

    - منذ عصر النهضة ومنذ عصر الأنوار (أو التنوير كما يحلو لنصر أبي زيد أن يسميه)، بدأت أوروبا بإزالة كنائسها عن السلطة السياسية والدولة، مكسبة المجتمعات الإنسانية السيادة على نفسها، معتبرة أياها مصدرا لكل شرعية سياسية، إن هذه الوضعية هي التي مكنت من ظهور العلوم الإجتماعية وتطورها، وربما تبقى هاته النظرة للمفكر "أحمد بن نعوم" تحتمل عديد التفسيرات كون العلوم الإجتماعية انبثقت فعلا من أوضاع اجتماعية واقتصادية وسياسية ودينية، لكنها أيضا وهي تؤسس لنفسها لا يمكنها أن تكون خارج هاته الأوضاع بل تتأثر وتؤثر باعتبار المنظرين أنفسهم لهم خلفياتهم وإيديولوجياتهم قد لا تتضح للوهلة الأولى لكنها تظهر لما يستوجب إظهارها، وهو ما أكد عليه ماكس فيبر في كتابة العالم والسياسي أين تتبخر الموضوعية ازاء الإيديولوجية.

    - يستمر "أحمد بن نعوم" قائلا: منذ نهاية القرن التاسع عشر والعالم الإسلامي يحاول تأسيس حداثة مستلهمة ومفروضة بتطور الرأسمالية في أوروبا، متجنبًا إقحام سلطة رجال الدين ومؤسساتهم الدنيوية في مصادر الشرعية القانونية، والسلطة السياسة والدولة، فباستثناء تركيا، وإلى حد ما العراق، يدرج أي مجتمع إسلامي بصورة كاملة مصدر سيادته ومؤسساته ضمن إطاره الخاص، وهذا ما يفسر ضعف التفكير الموضوعي في مصادر القانون وفي أصل الدولة في المجتمع الإسلامي.

    - منذ بداية القرن العشرين يتبنى الجامعيون بصورة ضمنية سلوكا يكرس المراقبة الذاتية، متمثلة في السكوت عن التواطؤ بين رجال الدين ورجال السياسة في عملية إقرار الشرعية التي يتبادلونها حينما يرغبون في اعتلاء كرسي الحكم، إن هذا التبادل وهذا التواطؤ للسعي وراء السـلطة والحفاظ عليها له تاريخ ينبغي كتابته بسرعة، لأنه جزء لا يتجزأ من المأساة المتجددة باستمرار، (مأساة الطلاقthe tragedy of divorce ) الذي لم يتحقق أبدا بين هذين العنصرين، والذي يوجد في فعل الرابطة نفسه وفي تاريخ المجتمعات الإسلامية منذ وفاة النبي محمد (صل الله عليه وسلم) وحادثة سقيفة بني ساعدة الطقوسية (الوطن – العربية)، التي انتهت بتعيين أبي بكر الصديق كأول خليفة للمسلمين، والحال أن المراقبة الذاتية بهذا الخصوص، قد تجلت في وظيفة الباحثين في الـعلوم الإجتماعية نفسها، بحكم أن الحركات الوطنية كانت تدمج الدين في المؤسسات المنتجة للخطاب حول الاختلاف والهوية الوطنية، عازلة نفسها من خلال جوهر مسعاها نفسه، عن المجتمعات الاستعمارية،[5] ولعلي وضعت سطرا على ما أطلق عليه "أحمد بن نعوم" الطقوسية وهو مصطلح استخدمه الباحث وهو يعلم المعنى الحقيقي للطقوس التي لا تتصل بعهد الرسول صل الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين، قدر اتصالها بالمجتمعات الأولية البدائية أين تسيطر الممارسات الطوطمية مما أنتجته وتنتجه تفاعلاتهم الشعائرية، في حين كل ما يتعلق بزمن الخلفاء الراشدين هو استمرارية لعهد الرسول صل الله عليه وسلم وفق ما دستره القرءان والسنة النبوية المطهرة، ففي 12 ربيع الأول السنة11ه، توفي رسول الله صل الله عليه وآله وسلم، عظم الخطب، ونجم النفاق، وارتدت قبائل العرب، ولم تبق تقام الجمعة إلا في مكة والمدينة، وزحفت القبائل المرتدة إلى المدينة، وأصبح وجود الإسلام كله على المحك، ولكن لم تمض الشهور الباقية من العام 11 للهجرة حتى أدى (مقام الصديقية) دوره في خلافة النبوة، فتم إنفاذ جيش أسامة إلى بلاد الروم رغم الخطر الوشيك، وعقد الصديق رضي الله عنه (11) لواء لحرب المرتدين، فانطلق الصحابة في كل اتجاه، ومنهم سيف الله خالد ابن الوليد رضي الله عنه، وبمجرد فراغه من مسيلمة أواخر العام جاءه الأمر بالاتجاه إلى الإمبراطورية الفارسية، فخرج من نجد الى العراق مباشرة، وسارت جيوش أخرى إلى الإمبراطورية البيزنطية في الشام، كل ذلك في غضون شهور، وتوفي الصديق ري الله عنه، والجيوش الإسلامية مجتمعة في اليرموك لاجتثات الروم، وكانت ملحمة الشام الكبرى التي ودع بعدها قيصر الشام (وداعا لا لقاء بعده) كما قال، وجاء الفاروق العظيم فدفع بالجيوش إلى القادسية فألحق الفرس بالروم، ولم يمض وقت على بشارة فتح العراق حتى استدعاه صاحبه الأثير أبو عبيدة عامر بن الجراح قائد أركان الجيوش الشامية ليستلم مفاتيح القدس بيده.

     


    "مريم سابو" و"السبيبة" بـ جانت بالجنوب الجزائري:

    يقول الباحث الجزائري "عبد الحميد بورايو" بأن كتاب “تَنْ كِيلْ سَبَّيْبَه”، الذي نشره المركز الوطني للبحوث في ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ، يعالج ظاهرة شعيرة السبيبة باعتبارها ممارسة طقوسية، تعود لعصور موغلة في القدم، ظلت تُمَارَسُ من قبل سكّان حيّين كبيرين يمثّلان قسما هامّا من سكّان هذه المنطقة المتميزة بثراء ممارساتها الثقافية وبطبيعة مجتمعها المحافظ على تقاليده المادّية واللامادّية، احتوى الكتاب على مقدّمة وعرض للمسار المنهجي الذي اتبعته الباحثة وطرح لهذه الممارسة الثقافية والفنية من خلال علاقتها بنظريات الاحتفال في الدراسات الأنثروبولوجية، جاء الكتاب في سبعة فصول: تناولت الباحثة فيهم احتفالات عاشوراء المعروفة في البلاد المغاربيّة، في علاقتها بالطقوس القديمة الموروثة قبل الإسلام، والتفسيرات التي أُعْطِيَتْ لها من قِبَلِ الباحثين الأنثروبولوجيّين، وتوقّفت بالخصوص عند التفسير الثقافي منتقدة الاتجاه الطبيعي في تأويل الشعيرة، كما تعرّضت للتقويم الفلاحي عند جماعات العرب والتوارڤ وسكان شمال البلاد المغاربية، نظرا لعلاقة الشعيرة بهذا التقويم. تعرّضت بعد ذلك في الفصل الثاني لدراسة سكان منطقة جانيت؛ من حيث التركيبة والموقع والسكان والطبيعة العمرانية للقصور (الأحياء السكانية المكوّنة لمدينة جانيت)، وما يتعلّق بمميزات هؤلاء السكان من حيث الهوية وطبيعة المعاش والتاريخ الاجتماعي، في الفصل الثالث عالجت الطقوس الأسريّة المتعلقة بمراحل العبور من لحظة الميلاد إلى لحظة الوفاة، في الفصل الرابع تناولت مراحل أداء الشعيرة وعلاقتها بشعائر العبور (من سنّ إلى أخرى)، ثم إلى أسباب استمرار ممارسة الشعيرة وعنصر قوّتها وأهميتها في حياة مجتمع المنطقة، كما تطرّقت إلى ما يصاحب الشعيرة من تقاليد متعلقة بالجسد مثل تسريحات الشعر عند النساء ونوعية الحلي واللثام عند الرجل، ولباس كلّ من المرأة والرجل وطرق ارتدائه، وهي جميعا عناصر تسمح بالتفسير الرمزي لهذه الممارسة الثقافية المتوارثة عبر الأجيال، خصّصت الفصل الخامس لأداة الطبل المستعملة بقوة في وقائع الشعيرة وحاولت أن تتطرّق لرمزيتها، في الفصل السادس قدّمت الباحثة تصنيفا للمتن الشعري وملاحظات حول خصائصه، في الفصل السابع عالجت علاقة السبّيبة بالممارسة الدينية التصوّفيّة، وبعد الخاتمة نعثر على ملاحق بخصوص جميع المواد التي استند عليها البحث من أسماء الأعلام والقبائل واللباس والحليّ وتسريحات الشعر وأشكال العمارة والزراعة والمنتوجات الحرفيّة وآلات الموسيقى.

    ويستمر الباحث "بورايو" قائلا: وتكمن أهمّية هذا الكتاب في كونه يمثّل خلاصة تجربة بحثية دامت حوالي خمسة عشرة سنة، كانت قد قدمت الباحثة خلالها رسالة دكتوراه دولة حول دور الغناء والموسيقى والشعر في تشكيل عناصر الهويّة لدى سكان الآزجر، وكنت شخصيا قد ترأست لجنة المناقشة التي منحتها درجة مشرّف جدّا مع تهنئة اللجنة والتوصية بالطبع، وكانت الباحثة قد نشرت بعد ذلك بحثا باللغتين العربية والفرنسية يعرّف بالمنطقة وسكانها وتاريخها ويقدّم عرضا لاحتفال السبيبة مصحوبا بالصور والبيانات، تُعَدُّ مسيرة البحث هذه نموذجا نادرا في مسيرة البحث العلمي الأنثروبولوجي الجزائري، لعدّة أسباب من أهمها: أنه جاء في سياق النقص الكبير في العناية بالدراسات الأنثروبولوجية في الجزائر في فترة ما بعد استقلال الجزائر، لما تم استبعاد هذا الميدان الدراسي من الجامعة الجزائرية، لكونه مورِس من قبل علماء استعماريين، وقدم تبريرا لمختلف مراحل التعسف الاستعماري وممارساته، وقد تمت إعادة النظر في هذا الموقف في العشرية الأخيرة من هذا القرن وهناك محاولة الآن تجري لإعادة استنباته في الجامعة نظرا لدوره الهام في فهم الظواهر الاجتماعية ولإمكان ممارسته من وجهة نظر وطنية، ولأن تطوّراته جعلته يتجاوز النظرة الاستعمارية المشار إليها، لأنّ الباحثة مريم بوزيد التي تعمل باحثة دائمة بالمركز الوطني للبحث في ما قبل التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ تتميز بقدرة هائلة على البحث الميداني الأنثروبولوجي، وكانت قد ساهمت – متعاونة – في السنوات الماضية في تكوين دفعات طلابية في الدراسات العليا في مجال الأنثروبولوجيا والأدب الشعبي في جامعات الجزائر وخنشلة وتبسة، وقامت بتدريب عدد من الطلبة على العمل الميداني يستند البحث إلى قائمة غنية من المراجع، سواء منها المتعلقة بالمنطقة وسكانها وممارساتها الثقافية، أو تلك المتعلقة بالجانب المنهجي والنظري، وتُعَدُّ مريم بوزيد من الباحثين الأنثروبولوجيين القلائل باللغة العربية الذين لهم تكوين متميّز وتجربة عميقة في البحث الميداني، وهي تشقّ طريقها بصمت غير مبالية بالبروز على الساحة الإعلامية ولا في المهرجانات والنشاطات الثقافية، تكشف جميع بحوث مريم بوزيد ومساهماتها في الملتقيات العلمية الدولية والوطنية عن قدرتها الفائقة في استيعاب المناهج المعاصرة في البحث الأنثروبولوجي وتطبيق ما يناسب موادّ بحثها، كما أنها شديدة الحرص على عدم الإنبهار بالطروحات النظرية الغربية وتلقّي المناهج وآراء الآخر بشيء كبير من الحذر والفهم العميق والروح النقدية واستعمال ما هو مناسب من الأدوات المنهجية في دراسة التراث الوطني، وقد ركّزت في بحوثها على البعد الرمزي، وهو الأكثر مقبولية بالنسبة لدراسة التراث الجزائري، وأدعو بعد نهاية كلام الباحث "بورايو" القارئ والطالب إلى مطالعة مقالها الذي حاولت من خلاله تفريغ أعداد مجلة ليبيكا (1953) التي أسسها ليونيل بالو (Lionel Balout) من الجزء الأول الصادر 1953 إلى آخر عدد صدر في عام 1998.[6]

    ولا يفوتني أن أذكر السيد بورايو وكذا الباحثة مريم، بأننا سنتعرض للنقد المجتمعي كباحثين أنثروبولوجيين إذا وضعنا قطيعة ابيستيمولوجية ونحن ننقل ما قال به الآخر المختلف عنا، فلقد استوقفت "المستشرق لفيتسكي" مسألة علاقة التجارة الإباضية بالتبشير بالإسلام في بلاد السودان ونشره بين ساكنتها، ولا ينكر باحث أنه قد اجتهد في إيفائها حقها بالنظر إلى ما توافر بين يديه من الشواهد الضرورية للقيام بذلك، فلقد عمل في استنطاق هذه النصوص لإبراز العلاقة المعنية وتبئيرها، وفي هذا الصدد، تناول كتاب "السر" للشماخي، و"طبقات المشايخ" للدرجيني، و"مسالك" البكري، للنظر في ما ذهب صاحب أول هذه المصادر اعتماداً على ثانيهما؛ من كون إسلام أحد ملوك السودان قد تم على يد التاجر الإباضي يحيى بن خلف النفوسي، وأنه هو المعني برواية البكري التي تعرضت لإسلام ملك غانا الذي سمي بين قومه بالمسلماني ([1])، ولقد أسفر نقده لهذه النصوص وموازنته بينها عن رد دعوى الشماخي، وعن الاحتفاظ بدلالة روايتها([2])، وإذ نسجل للفيتسكي هذا الحس النقدي الفيلولوجي، فإنه لا يسعنا إلا أن نأخذ عليه في هذا المضمار ما سكت عنه حول دور أخلاق التجارة الإسلامية في إثارة انتباه السودانيين إلى الإسلام، وفي هذا الصدد، فإن كثيراً من المستشرقين يردون انتشار الإسلام بالسودان إلى سلطة تجار المسلمين الرمزية المتخفية في معاملاتهم التجارية مع الأهالي([3])، ويبدو أن "لفيتسكي" لم يستطع أن يخرق هذا التقليد الذي نهجه سلفه ويتقيد به خلفه من المستشرقين، فهو الذي يعرف ابن حوقل جيداً، قد غض الطرف عما يرويه هذا الأخير عن "حسن كمال في الأخلاق والأفعال، والتقدم في أفعال الخير لكثير التجار الإباضيين بأودغست، وأمانتهم التجارية منقطعة النظير([4])، وهو الذي وقف على منع الإمام الرستمي عبد الوهاب ابنه أفلح من مرافقة قوافله التجارية إلى السودان، بمخطوط الويسياني ومخطوط الدرجيني، فقد التزم السكوت عن سبب هذا المنع الذي يعود في الواقع إلى عدم تفوق أفلح في الامتحان الفقهي الذي امتحنه به أبوه الإمام في مسألة التجارة والربا([5])، بل أكثر من ذلك، فلقد تعمد بتر النص عند استشهاده به لكي يطمس مسوغ هذا المنع([6]).[7]

     


    إسهامات أحمد بن نعمان العلمیة في المجال السوسویوثقافي

    ”نظرة على جزء من كتاب نفسـیة المجتمـع الجزائـري

    تساءل الفيلسوف والباحـث الإجتماعي الجزائـري "أحمـد بـن نعمـان" فـي كتابـه "نفسـیة المجتمـع الجزائـري" عن كيفية فهم خصوصية الفرد الجزائري، وارتـأى إلا إلى أن یتفق وينتهج منهج الأنثروبولوجي، حيث كان المدخل الذي اعتمده  لدراسة الثقافة والشخصیة، هو الإنطلاق من الثقافة لفهم الشخصیة ولیس العكس، ذلك لأن الثقافة أعمق بعدا من أبعاد الشخصیة، وفي هذا الإتجاه، یــرى "كلوكهون أنه إذا توصلنا إلى معرفة أنماط الثقافة السائدة، فإننا نحقق بالضرورة كسبا كبیرا وتقدما معتبرا في معرفة الشخصیة.

    یقول: "أحمد بن نعمان" "اتبعنا المنهج التحلیلي لمضمون الأمثال الشعبیة وذلك للأسـباب التالیـة:

    1. إن الأدب الشــعبي مــن أبرز مظاهر الثقافة في المجتع وأهم ســجل لها رغم حركتها وتغیرها المضطرد، وهو نـابع من واقع البیئة التي یعـیش فیها المجتمـع، ومحفـوظ، "في الذاكرة الشـعبیة" بلغـة المجتمع المدروس، وبالتالي فهو یحافظ على السمات الأساسیة لشخصیة المجتمع، رغم كل التغیرات التي تطرأ علیها نتیجة العوامل المختلفة التي یتعرض لها.

    2. للأدب الشـعبي علاقـة قویـة بالنظـام التربـوي السـائد في المجتمـع، والذي بفضـله تنتقل الثقافة بكل مظاهرها المعنویة "كاللغة والدین وأنماط السلوك الخلقي وظواهر الفكر العلیا بتصـوراته ومقولاتـه.. والمادیة "كالتكنولوجیا والمعارف العلمیة والمهارات الیدویة وكیفیة المعیشة.."، من جیل إلى جیل.

    3. وللأدب الشـعبي أیضـا علاقـة عضـویة بلغـة المجتمـع المـدروس، واللغـة كمـا یؤكـد "مالینوسـكي "Malinowski. Bهي أهم الظواهر الثقافیة باعتبارها خاصیة إنسانیة، ومن ثمة فهي مفتاح الثقافة في أي مجتمع، ومعرفة الباحث للغة الأدب الشعبي في الجزائر بلهجاتها المختلفة تجعله یتفادى الخطأ الشائع الـذي یقـع فیـه الكثیـر مـن الأنثروبولـوجیین الـذین یعتمـدون علـى المتـرجمین والشـارحین، ذلـك أن علـم اللغـة یثبـت أن الكلمة لیسـت مجموعـة مـن الحـروف الجامــدة والأصــوات الجوفــاء، وانمـا هي كائن حي یحمل الكثیر من المعاني، ولا یؤدي الإعتماد على الترجمة الحرفیة إلى التوصل إلـى مضـامین الكلمـات، وفحـوى اللهجات المتداولة داخل الوطن، وخاصة البربریة أو الأمازیغیة منها.

    4. إمكانیة جمع أكبر رصید ممكن من مادة الأدب الشعبي المتداول فـي المجتمـع المـدروس وتحلیلـه، وإجـراء المقارنـة لملاحظـة مـدى التطـابق فـي الواقـع العلمـي بـین القـیم المتضـمنة فـي الأدب الشـعبي، والقـیم السائدة في أنماط السلوك المختلفة لأفراد المجتمع.

    ومن خلال اسـتخدامه تحلیل مضـمون الأمثـال الشـعبیة، والملاحظـة المباشـرة لسـلوك الأفـراد الذین یمثلون هذه السمات، توصل إلى حصر أربع وأربعین سمة یتمیز الفـرد الجزائـري نذكر منها بإضافات بسيطة: 

    1. الصراحة...... "أخرج لربي عریان یكسیك".

    2. حب الوضوح...."ازرع ینبت ."

    3. الصدق..."ما یدوم غي الصح ."

    4. التمسك بالأصول "العرف المستقر"..... "وطني خیر من شبعة بطني ."

    5. الواقعیـة..."وهـي الإبتعـاد عـن الخیـال، والرضـوخ لأمـر الواقـع فـي كـل الأحـوال، "حیینـي الیـومواقتلني غدوة ."

    6. مقـت الإدعـاء والتظـاهر...."تعیـا العـین تكبـر والحاجـب فوقهـا" "لوكـان مـانعرفكش یـا خـروببلادي نحسبك بنان ."

    7. القناعة...."الكسرة والما والراس فالسما ."

    8. سرعة التكیف مع الأحول المستجدة..... "عاند لا تحسد"، "دیر كي جارك ولا بدل باب دارك."

     

    قائمة مراجع المحور:

    - MAMMERI Mouloud, Algérie: une expérience de recherche anthropologique, in Jean Guiart (s/d), Etudier sa propre culture, Expériences de terrains et méthodes, Ed. L'Harmattan, Paris, 2009.

    - BENNOUNE Mahfoud, Esquisse d'une anthropologie de l'Algérie politique, Ed. Marinoor, Alger,1999.
    - BENNOUNE Mahfoud, Education, Culture et Développement en Algérie, Ed. ENAG, Alger,2000.
    - MAROUF Nadir, Les fondements anthropologiques de la norme maghrébine, Ed. L'Harmattan, Paris, 2005.

    - MOUSSAOUI aBDERRAHMANE, Espace et sacré au Sahara: Ksour et oasis de sud-ouest
    algérien, Ed. CNRS Anthropologie, Paris, 2002.

    - DIONIGI Albera et TOZY Mohamed, La méditerranée des anthropologues, Fractures, Filiations, ContiguÏtés, Ed. Maisonneuve & Larose MMSH, Paris, 2005.

    - MAROUF Nadir et ADEL Faouzi & Khedidja (s/d), Quel avenir pour l'anthropologie en Algérie actes du colloque de Timimoun les 22, 23 et 24 novembre 1999, Ed. CRASC, Oran, 2002.

     

     



    ([1]) في رواية الشماخي: "وسافر أبو يحيى إلى بلاد السودان. فألقى ملكهم ناحل الجسم، ضعيف القوى. قال له: ما بك؟ قال: خوف الموت! قال أبو

    القاسم: فأخبرته من الله وصفاته ـ سبحانه ـ والجنة والنار والحساب، وما أعد الله للمطيع والعاصي. فكذبني، وقال: لو صح عندك ما تقول، لما بلغت إلينا تطلب الدنيا. فما زلت أذكِّرُه نعم الله وآلائه حتى أسيلم، وحسن إسلامه". (أبو العباس أحمد بن سعيد الشماخي، كتاب السير، تحقيق محمد حسن محمد، ص. ذ.، ص. 263). في رواية البكري: "وكان عنده ضيف من المسلمين يقرأ القرآن ويعلم السنة فشكا إليه الملك دهمهم من ذلك، فقال له: أيها الملك لو آمنت بالله تعالى وأقررت بوحدانيته وبمحمد عليه الصلاة والسلام [...]: فلم يزل به حتى أسلم وأخلص نيته [...] وصح إسلامه وإسلام عقبه وخاصته وأهل مملكته مسلمون فوسموا ملوكهم من ذلك بالمسلماني". (أبو عبيد الله البكري، المغرب في ذكر بلاد إفريقيا والمغرب، وهو جزء من كتاب "المسالك والممالك"، ص. 187؛ Texte Arabe, publié sous les auspices de M. Le Maréchal Comte Randon Gouverneur Général de l’Algérie, Alger, s. d).

    ([2]) [....] c’est l’Ibadisme qui fut la forme primitive de l’Islam ouest-soudanais », (Lewicki, «Traits d’histoire du commerce transsaharien», op. cit., pp. 297- 298.

    ([3]) تراجع، على سبيل المثال، مادة "الإسلام في إفريقيا السوداء" من "قاموس الأديان" الذي أشرف على إعداده الراهب الفرنسي بول بوبارد (Dictionnaire des Religions, P. U. F. 1984.)

    ([4]) أبو القاسم ابن حوقل النصيبي، كتاب صورة الأرض، ليدن، بريل، 1938، ص. 99.

    ([5]) أورد لوسياني رواية ذكر فيها أن أفلح بن عبد الوهاب اراد مرافقة قوافل والده إلى بلاد كوكو، فأخذه الإمام عبد الوهاب يختبره في الفقه وخاصة في مسألة الربى، فأجاب عن كافة الأسئلة فيما عدا سؤال واحد. فأمره أبوه بعدم السفر حتى تزداد خبرته بأمور التجارة (مخطوطة "سير أبي الربيع"، س. ذ، ورقة 25، نقلاً عن م. ع. إسماعيل، الخوارج في بلاد المغرب، س. ذ، ص. 282).

    ([6]) أورد ليفتسكي النص العربي على هذا الشكل، ونترجمه كذلك إلى الفرنسية: "وذكر... أنه أراد السفر إلى بلاد جوجوا، فلما برز رحله، خرج إليه الإمام عبد الوهاب والده... قال له ارجع... فرجع" (Lewicki, « L’Etat nord-africain de Tâhert et ses relations avec le Soudan occidental... », op. cit., p. 523.



    [3] أوذاينية عمر، مالك شبل - الأنثروبولوجي الجزائري الحاضر في العالم الغربي الغائب في العالم العربي-، مجلة التغير الاجتماعي، جامعة بسكرة، الجزائر، ع2، م2، 2017، ص ص 300_314.

    [7]  ينظر: فريدة بن عزوز، أبحاث تادِيوش لفيتسكي في فجر العلاقات التجارية بين ضفتي الصحراء الكبرى.

     

     

    • Icône Chat

      هناك كتاب هام للباحث أحمد بن نعمان بعنوان فرنسا الكولونيالية والأطروحة البربرية...... يرجى الإطلاع عليه وكتابة الإستنتاجات من مطالعته

    • Icône Forum

      يكتب الباحث الأنثروبولوجي حول مواضيع سوسيوثقافية متعددة أذكروها مع ذكر مالذي يتوجب على الباحث الأنثروبولوجي فعله والقيام به للوصول إلى نتائج علمية أكثر دقة..

      أذكر واحدة منها على سبيل المثال أنه وجب عليه أن يملك رصيدا معرفيا تراكميا من مطالعة تلدرسات السابقة حول موضوع بحثه....

      وأحيلكم طلبتي الأعزاء إلى الاطلاع على مقال لي بعنوان: 

      منهجية البحث الإثنوغرافي في ميدان العلوم الإجتماعية - ASJP

  • المحاضرة الخامسة: أنثروبولوجيا القرابة

    الهدف من المحاضرة:

     - إعطاء الطالب فكرة معمقة وشاملة عن تنوع الدراسات الأنثروبولوجية في مجال القرابة والعائلة والجندر.

    - التعرف على الإتجاهات النظرية في دراسة القرابة، وعلاقتها بالسياسة والإقتصاد، .....

    - التطرق إلى عديد المفاهيم المرتبطة بها كالقبيلة والعائلة والتغير الإجتماعي الذي تعرضت له هاته المفاهيم عبر الأزمنة المتمايزة.
    مخرجات التعلم:

    - وصول الطالب في نهاية السداسي إلى فهم معنى تمايز الأدوار بين الجنسين وفق ما تمليه الثقافات المتنوعة.

    - تحكم الطالب في تحليل العلاقات القرابية من خلال الأبنية المتعددة التي تندرج ضمنها وتحددها.

    القرابة ومفهومي السياسة والإقتصاد:

    لقد اعتبر "مورغان" بأن نظام القرابة مرتبط إرتباطا وثیقا بالنظام الإقتصادي، ویرى بأن تحول الأنظمة الإقتصادیة في المجتمعات عبر العصور المختلفة، ومذ الإنسان البدائي، أثر تأثیره المباشر على نظام القرابة، ویعتبر بأن نظام القرابة في عصر الإنسان البدائي المتوحش (الحضارة البربریة المتوحشة)، لم یكن فیه شكل للأسرة، بل كان تزاوج الإنسان كبقیة الحیوانات، ثم المرحلة البربریة الأخیرة التي جاء معها مفهوم الزراعة وتشكلت معه بوادر العائلات، حیث ظهر (الزواج، النسب، الأخوال والأعمام)، وتشكلت معه علاقات وروابط دمویة وحق ملكیة الأراضي الزراعیة، والإرتباط بالأرض والإستقرار، ثم المرحلة المدنیة والتي تعتبر بالنسبة لـ "مورغان"، أهم المراحل وأعلى درجات تحضرها، بظهور المدن الصناعیة، حیث انتقلت المجتمعات من المرحلة الزراعیة، إلى المرحلة الصناعیة، والتي یرى فیها أعلى درجات الحریة والمساواة، والعدالة الإنسانیة[i].

    انتقد "شتروس"، في كتاباته المجتمعات الحدیثة ونظامها العائلي والإجتماعي، حیث رأى بأن تأثیر التطور التقني الطبي ألقى بظلاله على نظام القرابة، من خلال العلاقات البیولوجیة، التي غلبت الإجتماعیة، وقد تساءل عن تلك العلاقات التي یتم من خلالها تخصیب البویضات، من طرف رجال ونساء من أماكن مختلفة، والتي أنتجت (أمان إثنان وأب واحد، ثلاث أمهات وأب واحد، أم واحدة وآباء مختلفون، بالإضافة إلى الأم والأب العادیان)، وقد أوضح بأن هذا یتواجد في قبائل الهنود بالبرازیل، حیث بإمكان الرجل أن یتزوج دفعة واحدة عدة أخوات، أو أما وبنتها التي أنجبتها مع زوج سابق، ثم إن هؤلاء النسوة یتكفلن جمیعا بتربیة أطفالهن، ومن خلال هذا الطرح یتضح لنا بأن "كلود لیفي شتروس"، یحاول ربط الصلة بین ما توصل إلیه المجتمع الحدیث، بالمجتمعات الإنسانیة القدیمة في مسألة القرابة، فهو استطاع أن یحدث تغیرات أساسیة في التفكیر الأنثروبولوجي وهذا لم ینطبق على فرنسا فقط بل شمل العالم الخارجي كذلك، وأمكنه ذلك من صیاغة نظریة جدیدة في القرابة وتأثر بها الكثیر من العلماء المعاصرین وخصص للنسق القرابي كتابا من أهم كتبه "الأبنیة الأولیة للقرابة"، وقد عرف القرابة على أنها عبارة عن انتماء شخصیة أو أكثر إلى جد واحد أو اعتقادهم أن لهم جدا واحدا، وقد تكون القرابة حقیقیة وقد تكون متخیلة أو قانونیة وتقوم الأولى على صلات الأم في الغالب، وهي العنصر الأساسي في القرابة، كما أن قواعد تحدید القرابة تختلف من مجتمع لأخر اختلافا واضحا، فهناك مجتمعات تجعل من القرابة متصلة بالأب وحده وتسیر في خط الذكور أو ما یطلق علیه (الخط الأبوي)، وفي هذا النطاق تعتبر الأم وأقاربها بعیدون عن القبیلة أو العشیرة أو الأسرة، وهناك مجتمعات ترى العكس تماما، حیث القرابة فیها تسیر نحو الأصل الأموي أو ما یسمى (الخط الأموي)، إلى جانب هذا ثمة مجتمعات أخرى ترى أن القرابة تسیر مع الخطین الأموي والأبوي، أي أن الشخص یعتبر عضوا في عشیرة أبیه وفي عشیرة أمه وأبناء الطرفین أقارب له، وهذا ما اصطلح على تسمیته بقرابة الجانبین، أو إن صح التعبیر (القرابة الثنائیة)، إضافة إلى هذه المجتمعات، یوجد مجتمعات تتبع القرابة فیها عدة خطوط، فمثلا بعض عشائرها تسیر وفق خط الأم وفي بعضها الآخر تسیر وفق خط الأب وفي النوع الثالث وفق المنطقین معا، وتسمى هذه القرابة (قرابة الخطوط المتعددة)، كما أن نسق القرابة یقوم في أساسه على نوعین من العلاقات فالنوع الأول هو العلاقة التي تقوم على رابطة الدم وینشأ عنها الأقارب المقربین والذي تربطهم روابط الأم، أما النوع الثاني فیمثل العلاقة أو القرابة التي تنشا عن طریق المصاهرة او الزواج.[ii]

    القرابة والسياسة:

    إن ظاهرة السلطة والقهر والتحكم لم تغب عن الفعل الإنساني خلال كل الفترات التاريخية التي مر بها، وهذا ما أكد عليه بن خلدون من خلال نظريته نظرية الوازع حيث رأى وجوب وازع يردع الخلائق عن الظلم مع عدم الإهتمام بالصيغة التي يتم من خلالها الضبط والتحكم داخل المجتمع، سواء كانت دينية تتجسد في دعوة ما أو دنيوية تعبر عن ايدولوجية علمية أو فلسفية، وإن كانت الدولة شكل من أشكال السلطة هذا باعتبار كونها الحاكم الوحيد لأجهزة العنف الشرعي والقهر الإيديولوجي والممثل الوحيد لجميع المؤسسات والسلطات، وباعتبار شرط الرضا والقبول المبدأ الضامن لاستقرارها المنعقد بينها وبين الطرف الأخر المتمثل في الشعب، إلى جانب تطورها التاريخي الذي يخول لها السيادة والطاعة بداعي الأقدمية والتضحية فقد سعت عديد المجتمعات الى مأسسة هياكلها من خلال ما سمي في الأدبيات بمرتكزات الدولة الوطنية، من خلال مؤسسات وبناءات كمؤسسة الجيش والأحزاب والمنظومات الإدارية ..الى غيرها من المؤسسات ذات الصبغات الحداثية، ورغم هذه المعطيات السوسيولوجية الحديثة التي تحلت بها الدول وكذا دولتنا الجزائرية، فلا يزال مجتمعنا على سبيل المثال محافظا على العديد من المميزات الأنتروبولوجية القائمة على القرابة والإنتماء العائلي والجهوية والعرقية، بل تعدت اطارها السوسيوثقافي إلى الإطار الرسمي القائم على سلطة القانون وفقط، لتستغله وفق تصوراتها العروشية والشعورية الضيقة في كثير من الأحيان، لتقف بهذا الشكل كعائق أمام المسار الديمقراطي وتكبح في عديد من الأحيان عملية بناء الدولة وتجسيد فعالية المواطنة في مجتمع شأنه القيام على الحرية والتعددية والمساواة والعدالة الإجتماعية، وبالتالي تأكد الحضور الفعلي للبنى الاجتماعية وخاصة التقليدية منها في الكثير من الأشكال الحداثية ضمن مجالات السلطة في مجتمعاتنا المحلية[iii].

    أنثروبولوجية القبيلة:

    مجتمع القبيلة في الإسلام - جمعية الأوان

    يتشكل المجتمع البدوي من عدة جماعات وأول جماعة لهذا المجتمع الأسرة التي تشكل الوعاء الذي تلتقي فيها كل روابط البدو الاجتماعية، ويزداد نطاق الأسرة في المجتمع البدوي اتساعا حيث يشمل عميد الأسرة وأبناءه وأحفاده وزوجاته، وتعتمد الأسرة البدوية على النظام الأبوي حيث يرتبط أفرادها بالأب مادام حيا، وقد تمتد المسؤولية في الغالب للأقارب كالجد أو الأعمام في غياب الأب، حيث تتصل القرابة في المجتمع البدوي العربي بالأب دون عائلة الأم، وتشكل مجموعة من الأسر فخذا، و يتكون في الغالب من 6 إلى 23 خيمة تعيش في مكان واحد جنبا إلى جنب، وهي ذات خط قرابي واحد، لكن قطعانها من الأغنام تتوزع على الإقليم لإستغلال أمثل لمناطق الرعي، ومجموعة أفخاذ تشكل البطن ثم تأتي القبيلة التي تشكل رأس التنظيم الإجتماعي للمجتمع البدوي، ويمكن اعتبارها مجتمعا متماسكا يتصف بالتضامن وسيادة روح الجماعة، كما أن القبيلة مسؤولة عن الضبط الاجتماعي داخل المجتمع وفرض العادات والقوانين المتفق عليها، وهي منوطة أٌيضا بشؤون الحرب والدفاع والإشراف السياسي والإداري على مختلف الوحدات التي تشكل المجتمع البدوي[iv].

    وهناك مجموعة من الخصائص يجدها الباحث الأنثروبولوجي في القبيلة قد لا توجد في أنماط قرابية أخرى هي:

    ارتباط وثيق بقيم البداوة والتي تطغى فيها روح الجماعة (الضمير الجمعي) على روح الفردانية، وهي ميزة فرضتها طبيعة الحياة القاسية حيث ترتحل القبيلة من مكان إلى آخر بحثا عن الأمن (الإقتصادي) وهي متفطنة ككيان لكل (وضع سياسي محيط)، فما يصادف الباحث الأنثروبولوجي وهو يتقصى في علاقات القبائل مع بعضها البعض هو الصراع المتجدد، وهي حتمية فرضتها أولا الترحال الدائم الذي يجعل القبيلة منغلقة في غالبية ممارساتها على أعضائها المكونين لها، وكل تواصل خارجي يحصل وفق حسابات مدروسة قد تكون اقتصادية أوسياسية جعل الكثير منها يزول ويبقى روايات شعبية هنا وهناك كقبائل الجيتول والغرامنتس[v]، هذا ولا يمكننا أن نخفي قيم الشهامة والرجولة والصبر والعهد وغيرها من قيم ايجابية لطالما تمتعت بها أنساق القبائل المتمايزة وإن اختلفت في الزمكان.

    القرابة والرباط الإجتماعي

    منصات | للأبحاث والدراسات الاجتماعية

    مفهوم رباط أو رابطة:

    لغة: رباط اسم مشتق من الفعل ربط والجمع: َرابِطات وروابِط، الرابطَةُ من الدَّواب ونحوها: المربوطة الرابطةُ.

    اجتماعيا: الجماعة من الأفراد يجمعُهم أمر يشتركون فيه، كرابطة الدَّم: القرابة، صلة الرحم، والرابطة هي العلاقة والوصلة بين الشيئين، ويقال ربط الشيء بمعنى شده.

    إجرائيا: الرباط وهو الخيط الذي يربط ويشد جماعة ما من الأفراد فنسميهم رابطة نسبة للرباط الذي يربطهم، حيث يختلف هذا الرباط من جماعة إلى أخرى، ويتمثل في رباط القرابة، الصداقة، الجيرة....والرباط الاجتماعي أو الرابطة الاجتماعية التي هي جماعة من الأفراد تربطهم علاقات اجتماعية تقوم على رباط معين.

    مفهوم رباط القرابة:

    لغة: هي الدنو في النسب والقربى في الرحم.

    اصطلاحا: فهي علاقة اجتماعية تعتمد على الروابط الدموية الحقيقية أو الخيالية المصطنعة، ولا يعني اصطلاح القرابة في الأنثروبولوجيا العلاقات العائلية والزواج فقط، وإنما يعني أيضا المصاهرة، فالقرابة هي علاقة دموية والمصاهرة هي علاقة زواجية فعلاقة الأب بابنه هي علاقة قرابية، بينما علاقة الزوج بزوجته هي علاقة مصاهرة، كما أنها "مجموعة صلات رحمية وروابط نسَبية تربط الأفراد بوشائج عضوية واجتماعية متماسكة تلزمها بتنفيذ التزامات ومسؤوليات وواجبات تفيد أبناء الرحم الواحد أو النسب الواحد.

     إن المقصود بذلك إجرائيا: هو أن رباط القرابة هو كل صلة مباشرة بين شخصين أو مجموعتين ينحدرون من نسب واحد حيث تكون هذه الصلة مستمرة ودائمة حتى نهاية حياة الفرد أو الجماعة، لأن الصلة تتطلب التواصل المستمر وبانقطاع هذا الأخير تنقطع الصلة الرحمية أو تضعف مع الزمن.[vi]

    تشكل الروابط:

    رابط القرابة:

    كل المجتمعات البشرية وبدرجات متفاوتة محكومة بالقرابة كرابط يشكل مجموعة النسل والإرث والطقوس والأدوار بنسب مختلفة، سواء تلك التي يمثل فيها نظام القرابة تعقيدا أقل ودورا أقل كما هو الحال في المجتمعات الغربية، أو تلك المجتمعات التي تميل للاعتماد على نظام القرابة بشكل كثيف لتحديد وتوزيع الأدوار الإجتماعية والاقتصادية لأفرادها كما هو الحال في المجتمعات الشرقية بشكل عام، ولهذا فإن نظام القرابة والعائلة يمكّننا من فهم أوسع لطبيعة المجتمع الذي تتم دراسته من خلال هذه الأنظمة الإجتماعية.

     والجدير بالذكر، أن نظام القرابة هو في أساسه عملية عقلية وليس تطبيقية أو منهجية تسير على أسس عالمية ثابتة، فالناس ينظرون لنظامهم القرابي والعائلي، بتداخلات فلسفية، ودينية، واجتماعية وهذا ما يسبب اختلاف النظرات والإعتبارات الإجتماعية والفكرية لهذا النظام، فعلى الرغم من أن أنظمة القرابة تعتمد بشكل أساسي على العلاقة البيولوجية، فإنها ظاهرة اجتماعية وثقافية، فالطريقة التي يصنّف فيها المجتمع نظام القرابة المتبع لديه، هي ظاهرة ثقافية، اجتماعية، وليست بالضرورة أن تكون معتمدة بشكل علمي على الروابط البيولوجية (علاقات الدم)، فلفظة الأب، قد تطلق على الأب البيولوجي "genitorr"، وقد تطلق على من يقوم بتولي مسؤولية الطفل، وتنشئته وهو ما يسمّى بالأب الإجتماعي "Pater عندما يتم تأسيس الأبوة بالزواج، فإن الأب هو زوج الأم، وفي المجتمعات التي تمارس النساء فيها تعددية الأزواج، كما هو الحال في "تودا الهند"، الأبوة البيولوجية غير مهمة، فالأبوة يتم تحديدها من خلال طقس، مما يعني أن الأب الإجتماعي هو المهم هنا.

    وبما أن الأنظمة القرابية هي خلق اجتماعي، فهناك عدة طرق للنظر للمصاهرة، وقرابة الدم وتصنيفهما حسب المجتمعات المختلفة، كما أن هناك اختلافات في أنواع الروابط الإجتماعية المكونّة من خلال القرابة، والطريقة التي تفترض بهذا النظام، أن يعمل بها اتجاه الأنظمة الأخرى، ففي الأنظمة ثنائية الإنحدار (النسب)، يتم التركيز على القرابات البيولوجية، على عكس القرابات المعرفّة اجتماعيا وثقافيا.

    رابط التجاور:

    يشير علماء الإجتماع والأنثروبولوجيا إلى رابط المجاورة (جماعة الجيران)، بصفتها أحد جماعات المواجهة أو ما يطلق عليه مصطلح الجماعة الأولية، التي تفرض إقامة علاقات إجتماعية بين أعضائها، بحكم المجاورة المكانية، فعنصر المكان هو الجذر النفسي الذي يشد أفراد الجماعة إلى تأسيس علاقات المواجهة، وقد كشفت الإحصاءات الإجتماعية لبعض سكنات الأحياء الجامعية، أن الطلبة يميلون إلى تشكيل علاقات مع الغرف الأقرب تجاورا إلى غرفهم، وأن الأمكنة الأكثر شعبية كالمداخل المشتركة، تمثل تجسيدا لعلاقات أعمق من الأماكن المستقلة.[vii] 

    قبلية القرابة في مجتمعنا الجزائري:

    محمد بوضياف .واد الشعير - ﺃﻋﺮﺍﺵ ﺃﻭﻻﺩ ﻧﺎﻳﻞ ﻭﺃﻭﻻﺩ ﺯﻛــــﺮﻱ ﻗﺮﺃﺕ ﻛﺘﺎﺏ ﺗﺎﺭﻳﺨﻲ  ﻣﻬﻢ ﺟﺪﺍ ﻟﺼﺎﺣﺒﻪ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﻲ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺤﻤﻴــــﺪﻋﺒﺎﺳﻲ ﻳﺘﻨﺎﻭﻝ ﺩﺭﺍﺳﺔ  ﻋﻠﻤﻴﺔ ﻣﻮﺛﻘﺔ ﻋﻦ ﺃﻋﺮﺍﺵ ﺍﻭﻻﺩ ﻧﺎﻳﻞ ﻭﺍﻭﻻﺩ ﺯﻛﺮﻱ ﺑﻦ

    يميل الإنسان بطبيعته للعيش في إطار جماعي مع بني جنسه تربط بينهم الحاجات المشتركة، وينشأ بينهم نمط
    من التفاعل والعلاقات المتبادلة القائمة على أساس التعاون والعمل المنسق لإنجاز الأهداف المسطرة، وتتباين قوة هذه العلاقات ومستوياتها وأنماطها من مجتمع إلى آخر وحسب ظروف الزمكان.

    إن ما يميز هذه المجتمعات وما أجمع حوله علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا هو قوة العلاقة بين الأفراد على أساس القرابة التي تنطوي عليها الحياة الاجتماعية في الأرياف بكافة أنساقها، فالتضامن الاجتماعي بين أعضاء الجماعة القرابية بمختلف صورها كالعائلة والعشيرة، العرش أو القبيلة وبمختلف انحداراتها المبنية على الروابط الدموية الحقيقية أو المتأتية عبر علاقات المصاهرة أو تلك التي تشمل رابطة الولاء التي تغذيها فكرة الانتماء للمجال الجغرافي المشترك، يتجلى وبوضوح في العديد من المناسبات الاجتماعية كالتعاضد والتآزر في الأفراح والأتراح والهبة لنصرة المظلوم في وقت الأزمات والتعصب لذوي القربى في كل المواقف، ما يعكس قوة التماسك والشعور الجمعي عند هذه الجماعات وتمتد القرابة كبنية اجتماعية أساسية في الأرياف لتشمل أبعادا تتجاوز المجال الاجتماعي والاقتصادي إلى المجال السياسي، ورغم اتفاق بعض الباحثين حول تراجع وتقهقر ادوار هذه البنية بحكم أنها تخص المجتمعات التقليدية والبسيطة والأولية والتي فقدت الكثير من تقليديتها جراء سيرورة التحديث التي لحقت بها، إلا انه لا تفتأ حتى تستعيد نشاطها وحيويتها في العديد من المناسبات كالانتخابات مثلا أين تبرز وبوضوح تعبيراتها السياسية، فتوزيع الأدوار والوظائف الحكومية ومراكز السلطة في هذه المناطق غالبا ما تتحكم فيها عوامل القرابة والعشائرية والقبلية ويعتبر المجتمع الريفي الجزائري واحدا من المجتمعات الذي مازالت فيه القرابة باتساع أو ضيق روابطها فاعلا ناشطا لدى سكانه في اختياراتهم المتعددة، وتبرز تجلياتها أكثر في الانتخابات على سبيل المثال كشكل من أشكال المشاركة السياسية وكنموذج يتداخل فيه القرابي مع السياسي، لذا ووقوفا عند هذا الطرح وجب علينا كدارسين البحث في الحقل السوسيولوجي عن إيجاد مبررات موضوعية وعقلانية لفهم عميق وأدق للظاهرة، والعمل في نفس الوقت على إيجاد الفواعل الاجتماعية الأخرى التي توسع من مساحة الولاء للوطن وتقلص من حيز الولاءات القرابية الضيقة والهشة، لأنه كثيرا ما تشكل اختياراتنا السياسية المبنية على أساس العاطفة والقرابة والمناطقية والعروشية وتهميش معايير الكفاءة والعدالة والنزاهة والبرامج السياسية الواقعية عائقا وظيفيا أمام العمليات والبرامج التنموية التي تستهدف مجتمعاتنا الريفية، بفعل السياسات التسييرية الفاشلة للمنتخبين المحليين، خاصة على مستوى المجالس الشعبية البلدية أين يتجلى الأثر الكبير للروابط القرابية.[viii]

    وأعقب على ما سبق بأن الباحث الأنثروبولوجي لا يكتفي بهذا القدر (الجانب السياسي)، بل يتوجه إلى فهم العلاقات المكنونة داخل ما يشكل القرابة ويبحث في معانيها التي تتأسس على المعنويات والشعور وما يتبعها من ممارسات، فكثير منا تعرض لهاته العلاقات المعنوية بين أمه وخاله مثلا، وكيف تقوم الأخت في مسألة الميراث بالسماح لأحد إخوتها إذا ما كان هناك تقسيم لإرث ما، وقد يفقه الباحث الأنثروبولوجي هاته الممارسة بإسقاطها على وازع الحقوق المتعددة وعن الدور الذي يلعبه مفهوم (السماح)، فهل كل من سمح في شيئ لأخيه يندرج في سياق المعنى الإيجابي، أم يؤسس لعلاقات مستقبلية براغماتية يرى فيها الأخ حق أخته، حقه هو بالذات، ولقد عرضت علينا مثل هاته المسائل في عديد المرات وكيف تحولت العواطف الجياشة إلى عواصف تعصف بالعلاقات، وكيف يقود التسامح إلى اللاتسامح.، وأقول وأنا أكتب هاته الأسطر بأني شخصيا تعرضت لهذا الموقف لما تجادلت مع والدي حول إن كانت أمي رحمها الله تعالى سمحت في قطعة أرض لأحد أخوالي، وكانت إجابة أبي أن أمي مرتبطة بخالي ليومنا هذا بقطعة الأرض الفلاحية، حتى بعد وفاتها بسنوات، والسبب هو وفاتها بعد أبيها (جدي) ما يخول لها الحق في الأرض (لزوجها وأبنائها)، خاصة وأنها سمحت شفهيا فقط ما يجعلنا شركاء مع خالي في الأرض، وبالتالي فالباحث الأنثروبولوجي تحيط به عديد العوامل والأسباب وهو يتناول مسألة القرابة والعائلة ولا يمكنه أن يغفل عن كل صغيرة وكبيرة ليصل إلى فهم الواقع السوسيوثقافي للعائلة الجزائرية، لأني في اللحظة التي كنت أقول فيها لأبي بأن أمي سمحت، ونحن بدورنا كأبناء نسامح خالنا، نسيت أني أهضم بذلك حق أبي الشرعي الذي يرتبط بنصيب أكبر مما نرتبط به نحن كأبنائها، باعتبار الزوج يرث أكثر من الأبناء، هذا على سبيل المثال لا الحصر، والأمثلة لا تعد ولا تحصى، والقرابة والعائلة حقل خصب يستلزم عديد الدراسات الإثنوغرافية الصادقة. 

    المرأة الجزائرية بين القيم المحلية والعولمة

    المرأة والسيداوية:

    تركز قنوات الإعلام العالمية في معظم مواضيعها على المرأة باعتبارها نصف المجتمع، مسلمة بوثيقة "القضاء على جميع أشكال التمييز"المعروفة اختصاراً باسم "سيداو" "CEDAW":

    Convention on the Elimination of All Forms of Discrimination Against Women""

    وقد اعتمدت هذه الوثيقة الجمعية العامة في هيئة الأمم المتحدة في 18 ديسمبر 1979م، وحددت مبادئ وتدابير معترف بها دولياً لتحقيق مساواة المرأة بالرجل في كل مكان، وتضمنت "30 مادة" بصيغة ملزمة قانونية، وجاء اعتماد الجمعية العامة لها تتويجاً لمشاورات أجرتها طوال فترة خمسة أعوام فرق عاملة متنوعة أشرفت عليها لجنة المرأة في هيئة الأمم والجمعية العامة.

    وتدعو هذه الإتفاقية الشاملة في 16 مادة منها إلى المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل بغض النظر عن حالتها الزوجية في جميع الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية، وتدعو أيضاً إلى سنّ تشريعات وطنية لحظر التمييز ضد المرأة، وتوصي باتخاذ تدابير خاصة مؤقتة للتعجيل بالمساواة بين الرجل والمرأة وباتخاذ خطوات لتعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية التي تجعل من التمييز عرفاً دولياً، وتنص تدابير أخرى على منح المرأة حق المساواة في الحياة السياسية والعامة، وعلى تكافؤ فرص التحاقها بالتعليم وحق اختيارها نفس البرامج المقررة للرجل، وعلى عدم التمييز في فرص التوظيف والأجر، وعلى ضمانات العمل الاجتماعية في حالتي الزواج والأمومة، وتركز الإتفاقية على ما للرجل والمرأة من مسؤوليات متساوية في إطار حياة الأسرة، وهي تبرز أيضاً ما تدعو إليه الحاجة من خدمات اجتماعية، ولاسيما مرافق رعاية الأطفال لتمكين الوالدين من الجمع بين التزاماتهما الأسرية وبين مسؤوليات العمل والمشاركة في الحياة العامة[ix].

    إن الناظر إلى هاته الوثيقة نظرة سطحية يجدها خيرا، لكن ما ينطبق عليها هو ظاهر في رحمة وباطن من ورائه العذاب والجحيم، يؤكد هذا تفسير أحد الإعلاميات لمضمون هاته الوثيقة، تقول "ديل أوليري" "Dale O'Leary" في بحث لها في هذا الخصوص تحت عنوان "الصحة والحقوق الجنسية والتناسلية" معلقة على الوثيقة: "تنص الوثيقة على أن حق حرية الاختيار في أمور التناسل وأسلوب الحياة يعتبر حقاً أساسياً للمرأة، كما يعتبر التمتع بالحقوق الجنسية والتناسلية مطلباً ضرورياً لكي يكون لديها حق حقيقي في تقرير المصير" وعلقت بقولها: "إن حرية الإختيار في التناسل" يقصد بها الحصول على حق الإجهاض عند الطلب، وأسلوب الحياة يقصد به الشذوذ الجنسي وجميع الأشكال الأخرى للجنس خارج نطاق الزوجية. 

    وهي كلها مصطلحات تستخدمها القنوات الفضائية في زمننا، "تفضيل جنسي أو ميل جنسي" عِوضاً عن الشذوذ الجنسي، ولفظ "شريك Spouse" بدلاً من زوج أو زوجة، حتى يتم زواج المرأة بمن شاءت دعماً لتعددية أنواع الزواج الشاذ، ولفظ "طفل الحب والجنس" عوضاً عن الطفل غير الشرعي أي ثمرة العلاقة غير الشرعية، وهي كلها تسمية المسميات بغير مسمايتها، ويستخدمون لفظ "جندر" والمقصود به "النوع" ليتم إلغاء مصطلح ذكر وأنثى ليتم لهم بذلك إضفاء الصفة الشرعية لكل الأشكال الأخرى الشاذة.  

    وكان من المفترض في صياغة الوثيقة أن تلتزم بضبط المصطلحات والألفاظ، خاصة وأنها دولية، حتى تكون واضحة ومفهومة لدى الجميع، فهي من الأمور المنهجية الهامة التي تحتل أولوية متقدمة في تأسيس المرتكزات، لأن المصطلحات هي الوعاء الذي تطرح من خلاله الأفكار، فإذا ما اضطرب ضبط هذا الوعاء أو اختلّت دلالته التعبيرية أو تميعت، اختل البناء الفكري وخفيت حقائقه وأدى إلى نتائج فكرية ومنهجية خطيرة، وهذا ما حصل تماماً. 

    المرأة الجزائرية والقيم المجتمعية المحلية المتميزة:

    المساء - "المرأة الجزائرية عبر العصور"

    إن مجتمعنا الجزائري يحوي ضمنه عديد المؤهلات الثقافية التي تميزة عن المجتمعات العالمية، وحتى لا نكون نسخة طبق الأصل عن المجتمعات الغربية، وفي ظل العولمة ومحاولات التغريب المتعددة داخليا وخارجيا، يتوجب على المرأة الجزائرية، الوعي والحرص اللازمين على تلقين الموروث الثقافي المحلي للنشئ، بصفتها الشخص الأول الذي يتفاعل معه الإنسان في حياته، والمدرسة التربوية الأولى في الحياة الإنسانية، ومن القيم المجتمعية التي يتميز بها مجتمعنا الجزائري، ومن خلال دراسة سالفة لي اتضح لي بعد النزول إلى الميدان والتجاوب مع عينات من أفراد مجتمعي المدروس بالجنوب الجزائري، أننا نملك تراثا قيميا غنيا  قيميا تساهم في استمراره المرأة الصحراوية، أذكره في ما يلي:

    - إكرام الضيف: في المنازل الخاصة ودور الزوايا(فهي المسؤولة عن الطبخ، ومن بين المأكولات آنور/ الملة/ الطعام،...وغيرها.

    - تساهم في تحقيق استمرارية (توقير الأولياء والمشايخ): فمن خلال إقامة الإحتفالات للمشايخ، الأموات كالسبوع في زاوية الحاج بلقاسم بتيميمون وحتى الأحياء، كزيارة الشيخ البكاري في قصر بني مهلال، تكون المرأة مسؤولة عن طهي الطعام والمأكولات للضيوف من شتى المناطق والأنحاء، وهي بذلك تغرس قيم الإيثار وحب الآخر في بنيها وبناتها.

    - تساهم في قيمة التعاون والعدل: من خلال التويزة بشتى أنواعها، سواء المتعلقة بالفقارة، أو البناء أو الأعراس، فهي بجانب الطهي تقوم بعملية الجني جنبا إلى جنب مع زوجها وأبنائها.

    قيمة أدب المعاملة: فمن خلال تعمقي في الإحتفالات الدينية، اتضح لي أن الزوايا، تخصص أماكن للرجال وأخرى للنساء، متجنبة الإختلاط، وهو ما يحث عليه قيم احترام خصوصية الجنسين، ويندرج في سلم قيم المجتمع المحافظ، بل يتعدى الأمر ذلكم إلى إقامة بعض الزيارات إلى اضرحة بعض الصالحات كزيارة "اما عيشة" بضواحي تيميمون دائما، وهو ما يدل على مكانة المرأة في مجتمع تيميمون خاصة، وسائر أنحاء الجزائر عامة.

    قائمة المراجع :

    - معن خليل عمر، علم إجتماع الأسرة.

    - محمد الحسن، الأسرة ومشكلاتها.

    - مصطفى بوتفنوشت، العائلة الجزائرية - التطور و الخصائص الحديثة، ترجمة : دمري أحمد، سلسلة المجتمع ديوان المطبوعات الجامعية بالجزائر،1984.

    - Ariès P., 1960, L’enfant et la vie familiale sous l’Ancien Régime, Paris, Plon.

    - Attias-Donfut C. et Segalen M., 1998, Grands-parents. La famille à travers les générations, Paris. Odile Jacob.

     - Avenel C. et Cicchelli V., 2001, Les familles maghrébines en France,
    Confluences Méditerranée, n° 39.

    - Bawin-Legros B. (1996). Sociologie de la famille. Le lien familial sous questions. De Boeck, Bruxelles.

    - Bonvalet C., Gotman A. et Grafmeyer Y., (dir.), 1999, La famille et ses proches.
    - Cadolle S., 2000, Être parent, être beau-parent. La recomposition de la famille, Paris, Odile Jacob.

    - Calmann-Levy. Commaille J. et Martin C., 1998, Les enjeux politiques de la famille, Paris, Bayard.

    Castel R., 1995, Les métamorphoses de la question sociale, Paris, Fayard.

    - Cicchelli V., 2001, La construction de l’autonomie. Parents et jeunes adultes face aux études, Paris, Presses universitaires de France, collection Sciences sociales et sociétés.

    - Cicchelli-Pugeault C. et Cicchelli V., 1998, Les théories sociologiques de la famille, Paris, La Découverte.

    - Damon J., 2001, «30 ouvrages sur les questions familiales » , Dossiers d’Études. Allocations familiales, CNAF, n° 25.

    - Martin C., 1997, L’après-divorce. Lien familial et vulnérabilité, Rennes, Presses universitaires de Rennes.



    [i]  عامر لطفي عبد الكریم، الصورة التولیدیة والنظریة البنیویة لدراسة القرابة (بحث مقدم في أنثروبولوجیا القرابة)، تونس، 2015، ص08.

    [ii] كلود لیفي شتروس، الأنثروبولوجیا البنیویة، ت.مصطفى صالح، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، سوریا، ج2، 1973، ص63.

    [iii] أنظر: مقال الباحثين بلحميتي مهدي/ زموري زين الدين، البنى الاجتماعية و ظاهرة السلطة داخل المجتمع المحلي في الجزائر.

    [iv] أنظر: مسلم محمد ساسي، السلطة في المجتمعات البدوية.

    [v] أنظر: عبد النور العمري، القبيلة البدوية المغاربية قبل وأثناء الفترة الرومانية.

    [vi] أنظر: كرابية أمينة، التغير الاجتماعي وانعكاسه على الرباط الاجتماعي في المجتمع الحضري، دراسة ميدانية لرباط القرابة ببلدية السانيا بوهران.

    [vii] أنظر: موسى إسماعيل شماخي، آليات تحقيق التماسك الإجتماعي: رؤية أنثروبولوجية دينية، مجلة أنثروبولوجيا، مركز فاعلون، الجزائر.

    [viii] أنظر: كرابية أمينة، مرجع سابق.

    [ix] أنظر: فاطمة عمر نصيف، الأسرة المسلمة في زمن العولمة.

    • Icône Chat

       أين تتجسد قيمة العلاقات القرابية في مجتمعنا من خلالوجهات نظركم كأنساق في البناء القرابي لمجتمعنا الجزائري؟

    • Icône Forum

      - يعتبر المجتمع الجزائري من المجتمعات التي تحافظ على عديد الممارسات التي يتخللها التفاعل بين أنساق القرابات المتعددة، برايكم ماهي هاته الأنساق المكونة للنظام القرابي، أعط أمثلة من منطقة انتمائكم. 

    • Icône Test

      - يساهم النظام القرابي القرابي في مجتمعنا الجزائري في تشكل عديد القيم ؟

  • المحاضرة السادسة انثروبولوجيا الاتصال

     

    الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) .. ودراسة السلوك البشرى

    لم يغفل كبار المنظرين الإجتماعيين المعاصرين من أمثال "بيار بورديو"، و"ميشال فوكو"، و"يورغن هابرماس"، أهمية لغة التواصل المتزايدة، خاصة في ظل التحولات الإجتماعية الهائلة، فإذا ما لم نهتم بلغة التواصل الخاصة بنا وأهملناها، فقد نتعرض إلى موجات السيطرة والهيمنة التكنولوجية، وهو ما عبر عليه الباحثون سالفوا الذكر بـ "ثقافة ما بعد اللغة"، وهو ما صرنا نعاني من ويلاته، حيث أصبحت وسائل التواصل الإجتماعي لغة العديد من أبناء مجتمعنا الجزائري، وما نجم عنه من إغتراب نفسي وأسري ومجتمعي، وأضرب مثلا من واقعنا المعيش، حيث صار الإبن يطلب غداءه وعشاءه برسائل فيسبوكية، بدلا من التواصل الفعلي، وانحلت الجماعة الواقعية بحلول العوالم الإفتراضية، فصار حضور الشخص الطبيعي بحضور التقنية لا قيمة له، وصار الكثير منا في زياراته لأقاربه يحاول الإقتراب من علبة الشحن، أكثر منه من شيئ آخر، وقد قال لي أحدهم: بأنه يحاول إكرام ضيفه بإشباع رغبة (الشحن الكهربائي لديه)، وإن كان الأمر يبدو في ظاهره مضحكا، إلا أنه يؤكد المقولة الشعبية: "هم يضحك وهم يبكي".

    وقد خلصت دراسة الباحث الجزائري "يطو.ع" حول: "الصورة السمعية البصرية وتأثيراتها على القيم والممارسات لدى تلاميذ الثانويات (شبكات التواصل الاجتماعي، الفيسبوك *Facebook* نموذجا)" دراسة ميدانية على تلاميذ ثانويات بلدية عين الترك"، إلى أن العديد من العلاقات الواقعية لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بالنسبة للتلاميذ المبحوثين في محيطهم الإجتماعي، والتي تشمل العلاقات الأسرية والقرابية وعلاقات الجيرة والعلاقات مع زملاء الدراسة، قد انسحبت من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي، فأصبحت تتوسع وتتعمق أكثر بواسطة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي على حساب الواقع، من خلال الإقبال المتزايد من المبحوثين (أفراد العينة) من الجنسين ذكورا وإناثا، للتعرض بصورة دائمة للمواقع الاجتماعية على شبكة الأنترنت، وبخاصة موقع الفيسبوك مقارنة بباقي المواقع، وذلك لعدة أسباب تتعلق بالمرونة والسهولة في نقل الأخبار والصور ومقاطع الفيديو وغيرها من المميزات التي يتيحها هذا الموقع، مفضلين استخدام اللهجة العامية، وكتابتها بحروف أجنبية، ومن أبرز سلبيات المواقع الاجتماعية حسب الدراسة، تدعيم العزلة الاجتماعية لدى التلميذ، بجلوسه علـى هـذا الموقـع لفترات كبيرة نسبيا، بما لا يتيح له الإختلاط مع الآخرين، واستيراد العديد من المشاكل الاجتماعية الأكبر من سنه، كالتفكك الأسري، واستيراد ما لا يتوافق ومجتمعنا الجزائري، بإحلال اللغة الأجنبية محل اللغة العربية كي يتماشى مع الثقافة العالمية السائدة، كنوع من الثقافة العالية وإثبات الذات حسبه، ولو أتاحت المواقع له الحـديث والتعليـق باللغة العربية، بالإضافة إلى أن هاته المواقع تتيح مجال التعرف على أفراد وجماعات مختلفة لتكوين علاقات خاصة، كالصداقات المشبوهة بين الفتيان والفتيات، والتي قد تتطور فيما بعد إلى علاقات تتنافى ومنظومـة القـيم المجتمعية المستمدة من ديننا الحنيف، وحضارتنا الأصيلة، وبالرغم من أن المواقع هاته فضاءات للتمرد على القيم والإنفلات من الخجل والحياء، إلا أن ما يعطي الباحث الغيور بصيص الأمل، هو انسحاب العديد من التلاميذ من العلاقات الإفتراضي إلى العالم الواقعي من خلال وعي المحيطين بهم، بتجسيد التلاقي والتفاعل الواقعي المستمر.

    إن لغة التواصل الواقعية بما تحمله من فنيات وعواطف إذا ما اندثرت تندثر معها الغاية الأسمى التي طالما تميزت بها في أنماطها التقليدية، حيث عملت على مدار تاريخ تفاعل أنساقها على تماسكهم وتميزهم، ثم إن ما يشهده مجتمعنا من غزو تقني خاصة ما يتعلق بوسائل التواصل الإجتماعي، لدليل قاطع على أننا نتعرض لإستيلاب لغتنا الحية الواقعية، حيث نضم صوتنا إلى صوت الباحث "يطو"، كون لغة التواصل في هاته المواقع تفتقد إلى خصوصية اللغة الواعية ولا تمت إليها بصلة، وإن كنا في عالمنا الواقعي نعاني من استخدام العامية بدلا من اللغة الفصحى، فلغة الإتصال في المواقع الإفتراضية تزيد الوضع تأزيما، خاصة وأنها تستخدم رموزا لا علاقة لها بالعامية ولا الفصحى، وقد تعرضت شخصيا للتعامل مع هاته الرموز من خلال تواصلي مع عديد الأشخاص، على غرار (HMD) والتي أستذكرها في ذات المرات التي تواصلت بها مع أحدهم بلغة عربية فصحى، في بدايات استخدامي للفيسبوك سنة 2010، حيث شرحها لي بأنها تعني (الحمد لله)، وSLM)) التي تعني (السلام عليكم)، وأحيط القارئ علما بأن حديثي بالعربية الفصحى في العالم الإفتراضي، هو نتاج ما تعرضت له في تنشئتي من خلال التكامل بين أسرة انتمائي والمسجد أين درست القرآن الكريم، وكذا المدرسة، ساندني في ذلك اعتبار والدي إطارا في قطاع التربية، وحرص أمي رحمها الله تعالى على هذا التكامل، وهو ما يؤكد دور الأم الهام في إعداد جيل متشبع بقيم مجتمعه، حيث تؤكد الدراسات النفسية والإجتماعية بأن علاقة الأم بطفلها تكمن أهميتها في نوعية التعامل معه، وليس في عدد ساعات التواجد معه، وذلك من خلال ما تمنحه من حنان وعطف وعناق، يقوي شخصيته ويزيد من ثقته في نفسه، ما يخوله بتأدية الدور الإيجابي المنوط به اجتماعيا.

    إن الإتصال السلبي من خلال المواقع الإفتراضية لا يقتصر على الرموز التي تختلف عما يتعارف عليه مجتمعنا الجزائري، ولكن فيما تحويه من جفاء (لغة جافة)، لا ترتقي حتى إلى لغة (الماوماو)، كونها افتراضية في مقامها الأول، ومختصرة ولا يلتمس منها الإشباع النفسي والروحي والجسدي المنشود في لغة التواصل الحقيقية، وهو ما ينذر المعنيين من المختصين في العلوم الإجتماعية والإنسانية، وكذا القائمين على وسائل الإتصال المتعددة، ويستدعيهم إلى ضرورة العمل على دراسة الواقع وتحليله وتقويم ما يمكن تقويمه، خاصة وأن الفئة الأكثر تعرضا لهذا (الإتصال الوهمي) هي فئة المراهقين والشباب، التي تعتبر اللبنة الأساسية في بناء مجتمعنا الجزائري.

    إن ما تحاول الأنثروبولوجيا الوصول إليه في هذا السياق هو تحقيق الإتصال اللغوي الواقعي الذي يعد القاعدة الأساس لكل الإتصالات الأخرى المتفرعة، وهو ما تزخر به منظومتنا اللغوية غنا وثراءا، لا يكتفي بالتواصل فحسب بل يرتقي به إلى فن التواصل، فاللغة مقوم اجتماعي وثقافي، يعبر من خلالها الأفراد عن ثقافة انتمائهم، أو كما يعرف "ألبرت هنري" الإتصال على أنه "نقل المعنى من شخص لآخر من خلال العلامات أو الإشارات أو الرموز من نظام لغوي مفهوم ضمنيا للطرفين"، ويتجسد من خلال العلاقات الأولية البسيطة التي يعيها الفرد بتعامله المستمر مع من حوله، ويسلكها في مجتمع الإنتماء لا شعوريا وفي غالبها تكون عفوية، مثل ما تؤكده التفاعلات اليومية كإلقاء التحية، وما يرافقها من إشارات محددة كرفع اليدين والإشارة بهما، أو الإبتسامة، هذا من زاوية التفاعل الإيجابي، وما يرافقها أيضا من تفاعل سلبي كالتلفظ بعبارات مشينة لا يعترف بها المجتمع في سلم قيمه المثلى، وما يرافقها من إشارات وايحاءات جسدية كاحمرار الوجه، وبروز العينين وعروق الرقبة وغيرها.

    ولا يمكن أن نغفل في دراساتنا الأنثروبولوجية أنماط الإتصال التي تعودنا عليها في صغرنا من خلال اجتماع العائلة والتفافها حول الجد والجدة، أو العم الأكبر أو الخالة الكبرى، والقصص التعليمية التي توسع خيال المتلقي، وتنشط ذاكرته، بقصص في معظمها تفسير مكني للواقع، وتأسيس لأجيال تعي ما ينتظرها في واقعها الإجتماعي، من خلال الإعتبار لمدلول "المحاجية"، و"الألغاز" "والأمثال الشعبية"، ثم إننا من خلال استذكارنا لما ميزنا عبر دهور مديدة، يحقق مغزاه اجتماعيا وثقافيا حينما يستثمر في مواقع التواصل، فتسخر الأخيرة لتحقيق الإتصال الإيجابي الفعال، وتصير التقنية سببا في إحداث التطور في شقه الإيجابي على جوانبنا السوسيوثقافية، وإن كانت هناك محاولات للمحافظة على هذا الإرث من بعض الباحثين الجزائريين الذين لا تكفيهم دراستنا هاته عرفانا بمجهوداتهم، على غرار ما تفضلت به الباحثتين الجزائريتين "مباركة. ع _ ونجاة .ب" وهما مشكورتين: "يعـــدّ تـاريخ الأمم الـغربية والعربية مبنيّ على حضارات وثقافات مختلفة ومتوارثة من جيل إلى جـــيل، ولكي يستطيع الإنسان أن يستمر في حياته بشكل صحيح، لابد من الرف على ماضي أجداده، وأن يحتفظ بما تركوه كإرث ثقافي لا يمكن الإستغناء عليه، لأنّه يمثل هويته التي يستمد منها شخصيته، وذلك بالتعرف على العادات والتقاليد المتوارثة عن الأجداد، فهي تعطي مظهرا قويا في حياة المجتمع، بحيث تشكل الثقافة محورا أساسيا في عملية التنمية الإجتماعـية، وقد سال حبـر الكـثير من الكتاب في جمع التراث الـشعبي كل حسـب منطقته، نذكر على سبيل المثال: عبد (الحميد بورايو، أحمد زغب، بن علي محمد الصالح، علي غنابزية)، حيث حاول كل واحد منهم جمع ودراسة التراث بطريقة ما، ومحاولة الوقوف على جذور التراث الأصيل من (فلكلور شعبي، وأغـاني شعبية، وألغاز شعبية، وحكم شــعبية، وألعاب شعبية، وألبسة ومأكولات وعمران، ولهجات وغيرها)، خاصة في ظل خطر العولمة المحدق بالهوية الجزائرية".

    قائمة المراجع:

     -عبدالغني، يطو. الصورة السمعية البصرية وتأثيراتها على القيم والممارسات لدى تلاميذ الثانويات (شبكات التواصل الاجتماعي، الفيسبوك *Facebook* نموذجا) دراسة ميدانية على تلاميذ ثانويات بلدية عين الترك: مجلة التدوين، جامعة وهران2، الجزائر، م10، ع2، 2018، ص210.

    - مباركة، عماري. نجاة، بقاص. دور الثراث الشعبي في تنمية المجتمع الجزائري "وادي سوف وسيدي بلعباس أنموذجين": مجلة آفاق علمية، جامعة تمنراست، الجزائر، م8، ع1، 2016، ص211

    • نورمان، فيركلف. اللغة والسلطة: ت. محمد عناني، المركز القومي للترجمة، القاهرة، مصر، 2016.
    •  

     

  • المحاضرة السابعة: الأسرة وغرس قيم الإتصال

    الأسرة وغرس قيم الإتصال                 ما هي أهمية الأسرة في المجتمع.. 4 أشياء تظهر مكانة الأسرة 

    يتعلم الفرد أبجديات الاتصال الأولى في أسرة انتمائه، فعلاقته الأولى هي علاقة بيولوجية غريزية بينه وبين أمه، أين يتعرف على ملامحها وصوتها ويتطور لديه سلوك الإتصال شيئا فشيئا مرورا بوالده وإخوته فالعائلة ككل، ثم إن فهم العلاقات الإتصالية لا يكون إلا بفهم هذا الكيان الهام في المجتمع، أو كما تقول الباحثة الجزائرية "جيماوي. ن" بهذا الصدد: "إن الباحث الأنثروبولوجي لا يستطيع فهم العلاقات الإجتماعية سواء المتعلقة بالعلاقة بين الرجال والنساء، أو بتشكيل المجموعات الإجتماعية، أو بالعلاقات بين المجموعات أو السكن وإمتلاك الأرضي والإرث وتصور الشخصية والعلاقات بالأجداد والتراتبيات الإجتماعية وغيرها، دون المرور بتحليل القرابة، فالعديد من المفكرين يتفقون على أن القرابة تؤدي العديد من الوظائف الإجتماعية والنفسية والسياسية والإقتصادية التي تعمل على إستقرار المجتمع البشري وإستمراره، وهو ما جعلها تكتسي أهمية كبرى داخل البناء الإجتماعي".

    ويجدر منا أن نذكر القارئ بأن تطور العملية الإتصالية للفرد من خلال نظام القرابة، ليس بمعنى الشق الإيجابي وفقط، بل قد يتطور للسلب حسب نوعية علاقات الإتصال، ما ينعكس على تفاعله مستقبلا مع الآخرين ممن يتواجه معهم كعضو في الجماعة والمجتمع عامة.

    تعرف الباحثة الجزائرية "فريدة فلاك" الأسرة بأنها "الخلية الأولى والأساس الذي يقوم عليه كيان المجتمع، باعتبارها البيئة الطبيعية الأولى التي يولد فيها الطفل وينمو ويكبر، حتى يدرك شؤون الحياة ويشق طريقه فيها، وتشترك مع المدرسة في التنشئة والتربية، كبيئة ثقافية يكتسب منها لغته وقيمه، وكذا تكوينه النفسي والجسمي والعقائدي والإجتماعي، حتى يكون فردا مؤهلا بما يكتسبه من قيم مجتمعه السوسيوثقافية، ما يدعو للمزيد من الحرص على القيام بالأدوار على أكمل وجه، من طرف الأنساق الرئيسية المكونه لها كمؤسسة سوسيوثقافية، خاصة في ظل تغير الأدوار وتعددها، ومشاركة المرأة الجزائرية لمهام ووظائف متنوعة، تجاوزت الأدوار الكلاسيكية التي عهدها عليها المجتمع في منظومته التقليدية.

    تقول الباحثة الجزائرية "فوزية صغيري" في مقال لها تحت عنوان: "تطور اتجاهات ومستويات الزواج بالجزائر" "أن نمط الزواج في الجزائر عرف تغيرات كبيرة يمكن إرجاعها إلى سلسلة التحولات الاقتصادية والسياسية خلال السنوات الأخيرة، وأبرز ما يتجلى من خلال هذا التغير هو الارتفاع المستمر لسن الزواج الأول بالنسبة للذكور والإناث معا، وهذا ما يشير إلى تداخل عوامل أخرى تحدد سن الزواج الأول وتؤثر فيه أهمها؛ تدني المستوى المعيشي، انتشار البطالة وأزمة السكن وارتفاع تكاليف الزواج ، بالإضافة إلى ارتفاع نسب التحضر، وهذا ما يفسر تباين سن الزواج بين المناطق الريفية والحضرية في جميع التعدادات الوطنية،......" وهذا ما نهدف إليه في دراساتنا الأنثروبولوجية انطلاقا بالإختلاف بين التقليدي والمعاصر، وكذا بدءا بسن الزواج وصولا إلى مختلف الممارسات التي ترافق العملية الزواجية ككل، وتستمر الباحثة قائلة: "وهذا ما نهدف إليه من خلال هذه الدراسة بتحليل جميع العوامل والمتغيرات المؤثرة على مستويات الزواج في الجزائر، ففي المناطق الريفية لا تزال العادات المتوارثة تحبذ الزواج المبكر خاصة عند الإناث، في حين أن المدينة بكل متطلباتها تؤثر على هذه القيم وتوجهه بما يتماشى مع تصورات وأوضاع الحياة الحضرية1، وتأخذنا "الباحثة الجزائرية "ليلى جمعي" إلى زاوية هامة هي منطلق نشوء العلاقة بين الرجل والمرأة في مجتمعنا الجزائري، وهي مسألة الزواج العرفي وتداخله مع الثقافة المحلية المزدوجة بين قوسي القانون الوضعي (التشريع الرباني- الدولة المدنية)، حيث توضح الباحثة بأن "نظام الأسرة في الجزائر على غرار العديد من الدول الإسلامية يؤسس على الزواج، وهو ما أكدت عليه المادة 2 من قانون الأسرة بنصها على أن الأسرة هي الخلية الأساسية للمجتمع وتتكون من أشخاص تجمع بينهم صلة الزوجية وصلة القرابة، لذا لم يعترف قانون الأسرة الجزائري استنادا إلى الشريعة الإسلامية، بإعتبارها المصدر المادي لهذا القانون، بتعدد أنماط الأسر مثلما هو عليه الحال في العديد من الأنظمة القانونية الأخرى التي تعرف الى جانب الأسرة الشرعية، الأسرة الطبيعية والأسر بالتبني، والأسرة معاد تشكيلها، وغيرها…، إلاّ أن المشرع الجزائري على نهج العديد من التشريعات الحديثة اشترط وجوب توثيق وتسجيل عقد الزواج ليرتب آثاره الشرعية، لسد الطريق أمام لجوء الأشخاص المقبلين على الزواج إلى ما يعرف ب الزواج العرفي بسبب المشاكل التي قد تنجم عن هذا الأخير مثل كثرة النزاعات وضياع الحقوق، إلا أن هذا لم يردع بعض الأزواج من اللجوء إلى الزواج العرفي لأسباب شتى، وهو ما يعرف أيضا عندنا بـ الزواج بالفاتحة، ويشترك الزواج العرفي كما هو معروف في المجتمع الجزائري، مع نظيره المنتشر في العديد من الدول العربية، في افتقاره للرسمية اضافة إلى عدم تسجيله لدى السلطات المختصة، والتي تعد المخولة قانونا بإبرام عقد الزواج وتسجيله، إلا أنه يختلف عنه في كونه زواجا شرعيا، لا يمكن وصفه بأي حال من الأحوال بأنه في حكم العدم، أو أنه زواج غير شرعي، أو أن العلاقة الناجمة عنه تعتبر في حكم الزنا وفق ما يردده عديد العلماء (فتاويهم وتدخلاتهم حول حكم الزواج العرفي)، لأن مفهوم الزواج العرفي وشكله في الجزائر ودول الغرب الإسلامي يعد مختلفا كليا عن نظيره في العديد من دول المشرق الإسلامي، باستثتاء اشتراكهما في غياب عنصر الرسمية في كل منهما، وعدم الإنتباه لمثل هذه الحقائق من شأنه، أن يرتب مشاكل لا نهاية لها، كدخول بعض النساء في علاقات زواج جديدة دون أن تكون حلا من زواج سابق بحجة أن الفاتحة لا تعد زواجا في منظور الشريعة الإسلامية".

    إن ما سبق يستدرجنا إلى تناول الإتصال الأسري وما ينتج عنه من تفاعل اجتماعي، من خلال العلاقات الإجتماعية بين الفرد وأعضاء الأسرة الواحدة خاصة (علاقة الأباء بالأبناء)، حيث لا يمكن للفرد أن ينمو النمو السليم بدنيا ونفسيا وعقليا بانعدام العلاقة هاته، وبالتالي فكل العلماء يؤكدون على دور العلاقة الوالدية القويمة في تقويم الفرد والتأسيس له كنسق هام في البناء الأسري فالمجتمعي.

    يعرف الباحث الأمريكي "تشارلز كولي" الإتصال الأسري على أنه: "العلاقات التي تقوم على التعاون الواضح والصراع والتعبير الحر عن الشخصية والعواطف لتنشئة الأفراد"، وأعقب على تعريفه الذي فيه جانب من الصحة كون الفرد يخلق بمقومات تجعله مستقبلا متميزا عن الآخرين، لكن لا يحصل هذا إلا بالوقوف على  مفهوم الحرية والصراع والتعبير الحر عن الشخصية، فالحرية في منظور القيم الإجتماعية الجزائرية تختلف عن الحرية في منظور المنظومات السوسيوثقافية العالمية المتمايزة، ويدعونا هذا إلى ضرورة العمل على توعية المقبلين على تكوين أسر، بالخدمة الإجتماعية وقبلها الخدمة التربوية بإدراج الأهداف الرئيسية للعلاقة الزواجية التي تتجاوز مجرد علاقة ذكر بأنثى إلى علاقة رجل بامرأة وهو ما يشرعه الدين الإسلامي الحنيف، وتؤكده قوانين الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية التي تصفه بـ (الميثاق الغليظ)، ووجب أن تنهجه المدرسة في برامجها التعليمية والجامعة من خلال أبحاثها العلمية، حتى لا نصاب بداء التملص إن حق لي التطفل على المصطلحات العلمية، وهو ما نلمسه في كثير من الأحيان من طرف عديد المبحوثين الذين يهربون إلى الأمام ويوجهون أصابع الإتهام للزمن، كقولهم: "بكري كنا غايا"، "الوقت تبدل ميشي كيما بكري"، أو بتوجيه التهم إلى الأسرة نفسها التي بحسب الكثيرين منهم قد تخلت عن دورها الرئيسي في التنشئة وخلفت الأم البيولوجية أما ثانية "المربية في الحضانة"، وقد لفت انتباهي في العالم الإفتراضي الذي صار يوازي العالم الحقيقي أو يفوقه أحيانا في التأثير على الأفراد، أحد المنشورات الساخرة تقول: "إذا كنت تريد أن تربي أبناءك أمهم الحقيقية، فتزوج مربية دور الحضانة نفسها"، وإن كنت أنقل هاته الكلمات الساخرة متألما على واقع الإستهتار بدور الأسرة الحقيقي الذي يستوجب تضافر جهود مختصي الخدمة الإجتماعية، والمسجد، والمدرسة والإعلام، لمواجهة ومجابهة التغيرات الحاصلة في مجتمعنا الجزائري، في ظل التعولم ودعوات التقارب الثقافي المسخر لها كل الإمكانيات المادية والتقنية والبشرية وغيرها.

    ‫كلود ليفي ستراوس مقالات في الأناسة | Anthropos.hira‬‎‫تحميل كتاب الفكر البري - كتب PDF‬‎‫حضور الدين وغياب الآلهة_ كلود ليفي شتراوس.pdf‬‎تصفح وتحميل كتاب كلود ليفي شتراوس..الأنثروبولجيا البنيوية..الجزء الثانى Pdf  - مكتبة عين الجامعة

    لقد انتقد "شتروس"، المجتمعات الحديثة ونظامها العائلي والإجتماعي، حيث رأى بأن تأثير التطور التقني الطبي ألقى بظلاله على نظام القرابة، من خلال العلاقات البيولوجية، التي غلبت الإجتماعية، وقد تساءل عن تلك العلاقات التي يتم من خلالها تخصيب البويضات، من طرف رجال ونساء من أماكن مختلفة، والتي أنتجت (أمان إثنان وأب واحد - ثلاث أمهات وأب واحد - أم واحدة وآباء مختلفون، بالإضافة إلى الأم والأب العاديان)1، وقد أوضح بأن هذا يتواجد في قبائل الهنود بالبرازيل، حيث بإمكان الرجل أن يتزوج دفعة واحدة عدة أخوات، أو أما وبنتها التي أنجبتها مع زوج سابق، ثم إن هؤلاء النسوة يتكفلن جميعا بتربية أطفالهن2، ومن خلال هذا الطرح يتضح لنا بأن "كلود ليفي شتروس"، يحاول ربط الصلة بين ما توصل إليه المجتمع الحديث، بالمجتمعات الإنسانية القديمة في مسألة القرابة، فهو استطاع أن يحدث تغيرات أساسية في التفكير الأنثروبولوجي وهذا لم ينطبق على فرنسا فقط بل شمل العالم الخارجي كذلك، وأمكنه ذلك من صياغة نظرية جديدة في القرابة وتأثر بها الكثير من العلماء المعاصرين، وخصص للنسق القرابي كتابا من أهم كتبه "الأبنية الأولية للقرابة"، وقد عرف القرابة على أنها عبارة عن انتماء شخصية أو أكثر إلى جد واحد أو اعتقادهم أن لهم جدا واحدا، وهو ما يتواجد في مجتمعنا الجزائري، حيث تؤسس العروشية إلى مفهوم الإنتماء الذي يعتز به الأفراد، وإن كان في أصله مباحا من نظرة الدين والقانون، لكنه لا ينبغي أن يتجاوز حدود معرفة الإنسان بتاريخه وأصوله إلى التعصب، وقد أشرت في إحدى مقالاتي المنشورة في مجلة المعيار عن جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، إلى الإنعكاسات السلبية للولاء المبالغ فيه إلى جماعة الإنتماء، سواء كانت هاته الجماعة دينية، ولا ينكر أحدنا أننا صرنا نلتمس الصراع جليا في مجتمعنا الجزائري بين تيارات دينية متعددة في مسائل فقهية أصل الإختلاف فيها رحمة، كمسألة زكاة الفطر التي يتعنت فيها البعض مستلزما إخراجها قمحا أو شعيرا، وفي المقابل ينظر الطرف الثاني جواز إخراجها نقدا، وقد بلغ بالكثيرين حتى لا أقول الكل ممن ينتسبون للفكر الأول، تبديع من يخالفهم في هاته المسألة، بالرغم من اجتهاد الطرف الثاني لإعطاء الحجة، وأنقل لكم ما قال به الدكتور محمد ـ د وهو أستاذ جامعي مختص في علم إجتماع الدين، وإمام متطوع، يؤكد وسطية فكره واعتدال توجهه، عنوان مقاله الآتي: "إثراء فقهي لا جدلي - قيمة معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه -".

    يقول: سأورد نقولا من (فتح الباري) إضافة إلى ما ذكرته من قبل من اعتبار الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري رضي الله عنه نصفَ صاع من حنطة في الزكاة (قيمةً) لا مجرد استبدال طعام بطعام، وهذا رد على من يقول بالفرق بين القمح والنقود، فإن أبا سعيد صرح بلفظ (القيمة) في عبارة له ستأتي: (قيمة معاوية)، وكان إخراج نصف صاع قمحا (حنطة) مما أمر به معاوية رضي الله عنه ووافقه عليه الناس، وبه يتأكد ما سبق من أن المسألة خلاف بين الصحابة أنفسهم، بل كاد إخراج القيمة يكون إجماعا لولا اعتراض أبي سعيد وابن عمر، والإجماع ذكره الطحاوي، ويتبين ما ذكرنا من أن القمح لم يكن موجودا زمن النبوة، وأغرب من هذا كله نقل الحافظ ابن حجر أن إخراج القيمة (نصف صاع قمحا) نُقل بأسانيد صحيحة عن سبعة من الصحابة (عثمان وعلي وأبي هريرة وجابر وابن عباس وابن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم)، وبقول الحافظ إن إسناد هذا صحيح، ينتفي ما قال في آخر كلامه بأن الأخذ بالقيمة اجتهاد مخالف للنص، فإن معاوية وسبعة من الصحابة - منهم خليفتان راشدان - لا يجرؤون على مخالفة النص باجتهاد ما لم يروا أن النص يحتمل الاجتهاد.

    إليكم بعض ما قاله الحافظ رحمه الله ليتبين أن في الأمر سعة:

    - أخرج ابن خزيمة والحاكم في صحيحيهما من طريق ابن إسحاق، عن عبد الله بن عثمان بن حكيم عن عياض بن عبد الله قال: قال أبو سعيد وذكروا عنده صدقة رمضان فقال: لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: صاع تمر أو صاع حنطة أو صاع شعير أو صاع أقط، فقال له رجل من القوم: أو مدين من قمح، فقال: لا، تلك (قيمة معاوية مطوية لا أقبلها ولا أعمل بها).

    - وقال ابن المنذر أيضا: لا نعلم في القمح خبرا ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم يعتمد عليه، ولم يكن البُر بالمدينة ذلك الوقت إلا الشيء اليسير منه، فلما كثر في زمن الصحابة رأوا أن نصف صاع منه يقوم مقام صاع من شعير، وهم الأئمة، فغير جائز أن يُعدَل عن قولهم إلا إلى قول مثلهم، (ثم أسند عن عثمان وعلي وأبي هريرة وجابر وابن عباس وابن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم [بأسانيد صحيحة]، أنهم رأوا أن في زكاة الفطر نصف صاع من قمح، وهذا مصير منه إلى اختيار ما ذهب إليه الحنفية، لكن حديث أبي سعيد دال على أنه لم يوافق على ذلك، وكذلك ابن عمر، فلا إجماع في المسألة خلافا للطحاوي.

    - وأما من جعله نصف صاع منها بدل صاع من شعير فقد فعل ذلك بالإجتهاد، بناء منه على أن قيم ما عدا الحنطة متساوية، وكانت الحنطة إذ ذاك غالية الثمن، لكن يلزم على قولهم أن تعتبر القيمة في كل زمان، فيختلف الحال ولا ينضبط، وربما لزم في بعض الأحيان إخراج آصع من حنطة، ويدل على أنهم لحظوا ذلك ما روى جعفر الفريابي في "كتاب صدقة الفطر" أن ابن عباس رضي الله عنه لما كان أمير البصرة، أمرهم بإخراج زكاة الفطر وبين لهم أنها صاع من تمر، إلى أن قال: أو نصف صاع من بر، قال: فلما جاء عليّ ورأى رخص أسعارهم قال: (اجعلوها صاعا من كل)، فدل على أنه [كان ينظر إلى القيمة] في ذلك.

    - قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، أما أنا فلا أزال أخرجه أبدا ما عشت، وله من طريق ابن عجلان عن عياض: فأنكر ذلك أبو سعيد وقال: لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صل الله عليه وسلم ، ولأبي داود من هذا الوجه: لا أخرج أبدا إلا صاعا، وللدارقطني وابن خزيمة والحاكم: (فقال له رجل: مُدين من قمح، فقال: لا، تلك [قيمة معاوية] لا أقبلها ولا أعمل بها.

    - قال النووي: تمسك بقول معاوية من قال بالمدين من الحنطة، وفيه نظر لأنه فعل صحابي قد خالفه فيه أبو سعيد وغيره من الصحابة ممن هو أطول صحبة منه وأعلم بحال النبي صل الله عليه وسلم ، وقد صرح معاوية بأنه رأي رآه، لا أنه سمعه من النبي صل الله عليه وسلم، وفي حديث أبي سعيد ما كان عليه من شدة الإتباع والتمسك بالآثار، وترك العدول إلى الاجتهاد مع وجود النص، وفي صنيع معاوية وموافقة الناس له دلالة على جواز الاجتهاد، وهو محمود، لكنه مع وجود النص فاسد الاعتبار.

    - قلت: لا أدري هل هو كلامه أو كلام النووي رحمه الله، ولكن كيف يفسد الاعتبار مع عمل غالب الصحابة؟ ...إنتهى مقال الأستاذ.

    إن كلام الأستاذ الذي ذكرته يندرج ضمن الحرص على تذكير الجميع بضرورة التقصي والبحث العلمي، قبل الخوض في إبداء الأحكام التي قد تضر بالبناء الإتصالي وتشوهه، وتنتقل به إلى الخلاف المذموم، حيث التمسنا في عديد الأحيان بروز الصراع  داخل المسجد، فقد تعرض والدي الذي اتخذت منه أحد المبحوثين حسب ما أبلغنيه للمضايقة وهو يصلي سادلا ذراعيه، لما أتاه أحدهم مستنكرا عليه السدل وداعيه للقبض.

    ‫الولاء: الولاء الثابت: أركان الواجب والوفاء - FasterCapital‬‎

    كما يعتبر الولاء للجماعة سلبيا إذا كان مرده للقبيلة أو العرش، حيث يصطلح عليه شعبيا (البنعميس)، إذا ما حقق غايات لمجموعة ضيقة على حساب مجموعة أخرى ربما هي الأحق، ما يؤسس لحدوث شروخات داخل المجتمع الواحد التي تربطه أواسر أعمق من القبيلة والعرش، وقد تكون العصبية للمنطقة وما يرافقها من تنابز كـ (بحري، وتلي وقبلي، وصحراوي وغيرها)، من دواعي تفشي الكراهية والتنافر والتباغض، وهو ما يتنافى مع تصبو إليه العلوم الإجتماعية والإنسانية في سبيل تحقيق التقارب الإجتماعي، وأستذكر زيارة لي لمدينة الجلفة في يوم من الأيام، وبدعوى أحد المشايخ الذي يشرف على إحدى المدارس القرآنية، التي تعد امتدادا لجمعية العلماء المسلمين في المنطقة، حيث أشار إلى ضرورة التركيز على ما (يجمعنا لا ما يفرقنا)، وهو ما تؤكد عليه منظومتنا الدينية السمحاء، وتنتهجه بلادنا الجزائر امتدادا لزوايا الدين الرحمانية والقادرية وغيرها ممن حرصت على مواجهة ما تعرضت له الجزائر من محاولات تغريب وتذويب وتفريق، لتكون على ما هي عليه الآن (موحدة)، ونموذجا للوسطية والإعتدال.

    إنني من خلال العنصر السابق أدعو كل مؤسسات التنشئة الإجتماعية إلى ضرورة تكثيف أواصر التواصل الداخلي مع أنساقها المكونة لها، وتكثيف الإتصال الخارجي الذي يؤسس لمنظومة سوسيوثقافية متينة ومتميزة عن ثقافات المجتمعات الأخرى، وهي دعوة للمحافظة على الهوية الجزائرية المحلية التي ساهمت في تشكلها عديد العوامل التاريخية والحضارية، والتنوع الذي تشهده يتحدد من خلال: الدين، العولمة، السياسة، المدنية، اللغة وغيرها من المقومات، تقول بهذا الصدد الباحثة الجزائرية "مليكة صياد": "إن مجتمعنا الجزائري يشترك أفراده في العديد من الخصائص وهذا لا يعني تطابقهم الكلي بقدر ما يعني تشابههم وتوافقهم في عديد المميزات التي تجعلهم يشكلون ما يسمى بالثقافة الجزائرية الموحدة"، وهو ما جاء به الباحث الجزائري "أحمد بن نعمان" في دراسته حول "السمات الشخصية الجزائرية"، والتي لم تكن لتتواجد لولا تواجد هوية موحدة للأفراد، هذا التوحد هو في مجال الدين والذي يعتبر دين الدولة في الدستور الجزائري، وكذا في اللغة التي يتفق الجميع على تنوعها اللهجي من منطقة إلى أخرى والذي لا يؤثر على الوحدة اللغوية رغم الأقاويل التي تخلق كل مرة، على غرار (الفرونكوفونية والعربية واللسان الأمازيغي)، فالرجل التارقي يفتخر بتارقيته والرجل الميزابي يفتخر بميزابيته والرجل الشاوي يفتخر بشاويته، لكن هناك عوامل أكبر تجعل منهم جميعا يعيشون بسلام، ألا وهي القوة الغيبية الروحية (التصور)، والمتجسدة تدينا (ممارسة)، حيث يجمعهم ويقر باختلافهم في حدود التكامل والسلام، كما قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) (سورة الحجرات، الآية13)، فالدين لا يوحد النسب لكنه يوحد القلوب والأرواح، وهو ما ينطبق على شق اللهجات أيضا لمناطق الغرب والشرق والشمال والجنوب، فالعربية بلهجاتها المختلفة هي بدورها وسيلة للتواصل في منظومتنا لا للتميز أو التمييز.

     

    قائمة المراجع:

    - نتيجة، جيماوي. نظام القرابة بالمجتمع (ماهيته وأهميته ووظائفه): مجلة التغيير الإجتماعي، جامعة بسكرة، الجزائر، ع4، 2017، ص335.

    - فريدة، فلاك. مقاربة سوسيو إعلامو تربوية لتوطيد العلاقة بين الأقطاب الثلاثة الأسرة والمدرسة والمجتمع من خلال وسائل الإعلام الجديدة: مجلة التغير الاجتماعي، جامعة محمد خيضر، بسكرة، الجزائر، م5، ع2، 2020، ص17.

    - أنظر:  فوزية، صغيري. تطور اتجاهات ومستويات الزواج بالجزائر.

    - علاء الدين، كفافي. الإرشاد والعلاج النفسي الأسري: دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، 1999، ص123.

    - خلاص، دحمان. الإتصال الشخصي وأسس التواصل الأسري: الأسرة والمجتمع، م6، ع1، 2018، ص ص 18-32.

    - كلود ليفي، شتروس. الأنثروبولوجيا البنيوية: ت. مصطفى صالح، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، سوريا، ج2، 1973، ص63.

    - محمد تاج الدين، طيبي. إثراء فقهي لا جدلي - قيمة معاوية: المقال تم نشره يوم الخميس 20 أفريل ، 2023، وتم رؤيته الإثنين 24 أفريل 2023.

    https://www.facebook.com/profile.php?id=100028280804951&sk=about

    - مليكة، صياد. الهوية الثقافية الماهية والمقومات الأساسية في خطاب البشير الإبراهيمي: مجلة بدايات، جامعة الأغواط، الجزائر، م2، ع2، 2020، ص ص 79_86.

    - أحمد، بن نعمان. سمات الشخصیة الجزائریة من منظور الأنتروبولوجیا النفسیة: المؤسسة الوطنیة للكتاب ENAL، الجزائر، 1988.