Section outline

  •  

    المحاضرات

     

     تمهيد :

    إن تحقيق التنمية الشاملة متوقف على عطاء الأفراد لمجتمعاتهم،وما يقدمونه من إنتاج فكري وعضلي، و هذا لايتحقق إلا بالتربية والتعليم والمعرفة .لهذا تعد التربية أسا س كل تطور وتجديد ،ومن المسلم به كذلك أن خصائص المشروع التربوي لكل دولة يتحدد وفقا لضوابط  ومعايير تحدد أهدافه ورؤيته لطبيعة الإنسان والمجتمع ،والمعرفة التى يراد بناؤها،والقيم العليا التي ينشدها . هذا ما جعل التربية بحكم طبيعتها غاية في التعقيد، فهي تتداخل وتتشابك فى علاقات لانهائية  مع غيرها من المنظومات الإجتماعية ،و السياسية و الإقتصادية وغيرها،كما أنها تتضمن في ذاتها عناصر  رئيسية متنوعة  من معلم ومتعلم، ومناهج ومواد تعليمية،  وخبرات تربوية وغيرها .لذلك حق للتربية أن تكون عماد الأمم وضابطها في التطور و التخلف والوجود والعدم، وهي في وجودها تحتاج الى التعليم والتعلم ،لذلك سنحاول في المحاضرتين الوقوف على الخلفية التاريخية لنشأة التعليمة في عمومها وفي علاقتها بالفلسفة.

    بين التربية والتعليمية:

    تعريف التربية :

    لغة:

    كلمة تربية فى اللغة تعود إلى الفعل(يربو)فيقال ربى الولد أي غذاه وجعله ينمو وربا الشىء أي زاد ونما"[1].هذا المعنى ورد في القران الكريم في قوله تعالى(وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء إهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج)-سورة الحج –الأية 5 أي نمت.

    وورد أيضا فى القران الكريم قوله تعالى(قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين)سورة الشعراء الأية 18 وربى هنا بمعنى أنشاه ونمى قواه العقلية والجسدية والخلقية.

    كما أن التربية"نجدها مشتقة من كلمة ربى وتعني العناية بالشىء او إصلاحه،فإذا قلنا ربى فلان ولده فمعنى ذلك أنه نشأه تنشئة حسنة وفق عادات المجتمع الذي يعيش فيه"[2].

    "قال إبن الأثير:الرب يطلق فى اللغة على المالك والسيد والمدبر والمربي ولايطلق غير المضاف إلا على الله واذا أطلق على غيره أضيف،وفى حديث شريف"الناس ثلاثة عالم ربانى"هو منسوب الى الرب بزيادة الألف والنون للمبالغة وقيل من الرب بمعنى التربية،كانو يربون المتعلمين بصغار العلوم قبل كبارها"[3].

    "وورد فى الصحاح فى اللغة والعلوم أن التربية هي تنمية الوظائف الجسمية والعقلية والخلقية كي تبلغ كمالها عن طريق التدريب والتثقيف"[4].

    التربية عند بعض الفلاسفة:

    سقراط470-399 ق م ،يبني التربية على أساس نظرته للوجود والمعرفة،والتى إعتبرها فطرية لأنها كانت موجودة قبل وجود الإنسان، فالنفس كانت منفصلة عن الجسم بجوار الألهة والمعلم فى اعتقاده يتدرج بالمتعلم من المحسوس إلى المعقول، أي الإنتقال من ا لوحدة الى الكثرة.

    واعتبر سقراط العلم هو الفضيلة،  والرذيلة هي الجهل والتربية والتعليم تخدمان العقل وتسموان به إلى أعلى المراتب لذلك لا ينبغي إحتكار التعليم ،بل هو عام لجميع الناس  وكرس حياته فى تلقين المعرفة لأنه  كان يرى أن"الأهداف الحقيقية للتربية تتمثل فى تنمية قدرة الفرد على التفكير حتى يصل إلى المعرفة وهذه المعرفة هي أساس السلوك الصحيح كما تتمثل في معرفة الحكمة التى تحقق للفرد النجاح في حياته"[5].

    لذلك كان سقراط يخاطب الإنسان فى عقله بوصفه أداة المعرفة وموجه السلوك فأقام منهجه على قاعدة إعرف نفسك بنفسك.

    وعند أفلاطون427 -347ق م، يقيم التربية على أساس ان العالم ثنائية(عالم الحس وعالم المثل)والمعرفة تكون إستقرائية او ما يعرف بالجدل الصاعد واستنتاجيه  وهو الجدل النازل ،وإذا كانت النفس اقسام ثلاث –عاقلة وغضبية وشهوانية –فإن التربية تكون خاصة حسب كل طبقة وهذا لأجل تعويد النشىء على الفضائل الأربعة –العفة والشجاعة والحكمة والعدل لتحقيق السعادة والوصول إلى الكمال.

    هذه الفضائل تنتقل من الفرد إلى الدولة ومن الدولة الى الفرد لأن هدفهما واحد هو خلق المجتمع المثالي، والدولة الواحدة المتكاملة المنسجمة لذلك كانت التربية عنده "هي عملية إعداد العقل السليم  وبهذا تكون غايتها هي نجاح المجتمع وسعادته"[6] والتربية الحقيقية حينها تبدأ عندما نشرع فى تحرير أنفسنا من قيود الجهل  ما يعكس قيمة العقل وهو ما لخصه أفلاطون فى أسطورة الكهف.

    أما أرسطو 384-322ق م ،فيختلف مع أستاذه أفلاطون فى القول بوجود عالمين (حسي ومثالي)، وقال أن الوجود مادة وصورة وإتحادهما هو ما يشكل الوجود و إنفصالهما يؤدى الى فساده ،ويرى أرسطو أن " التربية تهدف إلى تحقيق السعادة وحتى يتم ذلك يجب الإهتمام بالتربية الجسمية والخلقية والعقلية"[7] فاهتم أرسطو بالمواد الدراسية كالتمارين الرياضية ،وتنمية الجانب العقلي والعاطفي و الأخلاقي للمتعلم و الأولوية في التربية والتهذيب هو الجانب الجسدى قبل الروحي وهو ما عكسه فى كيفية بناء الاسرة.

    وعند جون جاك روسو1712-1878م، رائد التربية الطبيعية يقرر أن تكون التربية سلبية أي يكتفى المربى بالنظر إلى الطفل وهو يتربى بين أحضان الطبيعة، لذلك "لا ينبغى أن نلقن التلميذ دروسا لفظية فالتجربة وحدها هي التى يجب ان تتولى تعليمه وتأديبه، فالتربية الأولى ينبغى أن تكون تربية سلبية خالصة"[8] فالتربية مصدرها النمو الحر لطبيعة الطفل وعدم الوقوف أمام إرادته ،والهدف منها كمال الأعضاء ورياضة الحواس وتقوية الطفل عقليا وجسديا.

    أما التربية عند جون ديوى-وإن كان الباحث قد ذكره سابقا- فيمكن الإشارة إلى مفهوم أخر أكثر شمولية "فالتربية هي ذلك النشاط الفكري المنظم الذى يتخذ الفلسفة وسيلة لتنظيم العملية التربوية وتنسيقها والعمل على إنسجامها وتوضيح القيم والأهداف التى تسعى إلى تحقيقها"[9] لذا فهى خاصية إنسانية تتم بمحاكاة الفرد لما هو سائد فى مجتمعه فهي تعنى بتهيئة الفرد وتنميته لما هو أحسن ،وتمكينه من مواجهة إحتياجات ومتطلبات البيئة الطبيعية والإجتماعية وشعارهم فى ذلك (تعلم بأن تعمل)وهذه العملية تقوم في أساسها على رؤية فكرية فلسفية تنظر لما يجب أن يكون و"يعتقد ديوي ان التربية تتسم بالطابع الإجتماعي فهي نتاج التفاعل بين الغرائز و الميولات الفردية و والظروف الإجتماعية الراهنة"[10] لذلك لا تحصل التربية إلا في وسط وبيئة معينين ، تتضمن خصائص ثقافية وعلمية وديمقراطية ، فالتربية هي المشاركة مع الأخر فى تجديد وتطوير واستمرارية المجتمع.

    أما عند المسلمين  فنجد ان مفهومها أكثر شمولية وتميزا حتى أنه مفهوم فريد في مضمونه لم تحدده أية ثقافة أخرى فهي تربية "منهاجها القران الكريم والسنة الشريفة ،تربية تقوم على إحترام إنسانية الإنسان وتهدف إلى تحريره من عبودية العباد الى عبودية رب العباد،انها تهتم بشكل متكامل ومتوازن ،فهي تربية عقلية جسمية  وخلقية وروحية وانفعالية واجتماعية"[11].

    تابع:

     

    تهتم التربية الإسلامية بميول المتعلم واستعداداته وقابليته، وهي تقوم على التعليم و طلب العلم لذاته،أسسها عقائدية ايمانية و أخلاقية تريد تحقيق السعادة الدنيوية و الأخروية ،فهي عملية هادفة ومستمرة تنقل كل انواع المعرفة وتتوارثها عبر الأجيال بجهد الجماعة لبناء الشخصية الإنسانية الإسلامية بشكل متكامل وشامل، وترقية استعداداته الفطرية و تعزيز نزعتها نحو الخير و الإبتعاد به عن الشر، لينال رضا الله والمجتمع ، لذلك تسعى الى تنميته وتطويره والمحافظة على عقيدته وقيمه وثقافته وتراثه.

    إن التربية في الإسلام تعني بلوغ الكمال بالتدريج ويقصد بالكمال هنا كمال الجسم والعقل والخلق و الدين، لأن الانسان موضوع التربية، فهي تخاطب فطرة المسلم بالإيمان الصحيح والعقيدة الراسخة أساسها التهذيب والتعليم والإقتداء ليكون نافعا لنفسه وأمته فتنمي كل استعداداته لتقدم النموذج المعبر عن الكمال الانساني مصداقا لقوله (صلى الله عليه وسلم) -إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق،ومن أمثلة علماء الإسلام الذين اهتموا بالتربية ،وعرفوها نجد :

     إبن سينا 370-428ه  والذى عبر  عن التربية بأنها "الإعداد للحياة الأخرة والحياة الدنيا"[12] .

    أما الغزالي 450-505ه فيعرفها " بأنها تهذيب لنفوس الناس في الأخلاق المذمومة والمهلكة وإرشادهم الى الأخلاق المحمودة المسعدة"[13] ،إن التهذيب والإرشاد لا يكون إلا بالتعليم الذي به يتحقق الكمال الإنساني والتقرب الى الله والسعادة فى الدارين.                                   

     ولقد عبر مالك بن نبى عن مفهوم التربية من خلال دورها فى بناء الحضارة وصنع الإنسان فاعتبرها "وسيلة فعالة لتغيير الانسان وتعليمه كيف يعيش مع أقرانه وكيف يكون معهم مجموعة القوى التى تغير شرائط الوجود نحو الأحسن دائما، وكيف يكون معهم شبكة العلاقات التي تتيح للمجتمع أن يؤدي نشاطه المشترك في التاريخ"[14] ،إن البناء التربوي هدفه خلق المجتمع الفاضل المؤثر في حركة التاريخ والإنسانية وبدون التربية تسقط صفة الإنسانية عن الإنسان فهي من يعلمه ويؤنسنه ويؤدبه ، فالفرد هو الجماعة والجماعة هي الفرد ووحدتهما التكاملية محرك الوجود .

    يعود تدريس الفلسفة الى بداية الفلسفة الغربية نفسها ، فقد كانت توجد في العصر القديم مدارس عديدة. وأول من اشار  الى هذا المفهوم هو التربوي الفرنسي ميشال توزي : - ميشال طوزي مولود سنة 1945 ،ديداكتيكي في مجال الفلسفة وباحث في علوم التربية عموما. ومن مؤسسي ما يعرف في فرنسا بالمقهى الفلسفي والجامعة الشعبية. وقد بلور نظرية في ديداكتيك تعلم التفلسف، سعى من خاللها إلى تحديد »العمليات المهيكلة للفكر الذي يريد أن يكون فلسفيا«؛ أي عمليات االستشكال والمفهمة والمحاججة، وهو ما يسمح للمتعلم بإنجاز مهام فكرية، قائمة على استقاللية الحكم وإبداعية التفكير، وعلى الروح النقدية التي تمكن من اتخاذ مواقف فكرية وعملية داخل المؤسسة التعليمية وخارجها.

    ويشير توزي انه لا يوجد معهد للبحوث يهتم بتدريس الفلسفة لكن تأسست وحدة ديداكتيك للغة الفرنسية والفلسفة وانعقدت جامعة صيفية حول هذا الموضوع سنة 1991، وعرفت  التعليمية الفلسفة في الجزائر بداية سنة 1993.

         خاتمة:

    التربية لها علاقة وثيقة بالمدرس والمتعلم، تنفتح على الإدارة والأسرة والمحيط الخارجي الذي يؤثر في المدرسة. لذلك  تمثل البيداغوجيا تلك النظرية التربوية التي تهتم بالمتعلم في مختلف جوانبه السلوكية والتعلمية والتثقيفية، وتقدم مجموعة من النظريات التي تسعف المتعلم في تعلمه وتكوينه وتأطيره.

    مما سبق نقول أن ثمة مرتكزات تربوية ثلاثة: المعلم، والمتعلم، والمعرفة. فالمعلم هو الذي يقوم بمهمة تكوين المتعلم، ضمن علاقة بيداغوجية. وما يعلمه المعلم من معارف وأفكار ومحتويات ومضامين وخبرات وتجارب يدخل ذلك ضمن علاقة ديداكتيكية . أما ما يحصله المتعلم من معارف ومعلومات يدخل ضمن علاقات التعلم. والجامع بين المرتكزات الثلاثة يسمى بالفضاء البيداغوجي. ومن هنا، يتضمن هذا الفضاء التربوي ثلاث علاقات أساسية هي: العلاقة الديداكتيكية (المعلم التعليم المعرفة)، والعلاقة البيداغوجية (المعلم التكوين المتعلم)، وعلاقة التعلم(المتعلم التعلم المعرفة).



     [1]  سعيد جاسم الأسدى، مروان عبد المجيد ابراهيم. الارشاد التربوى مفهومه ، خصائصه ، ماهيته. الدار العلمية للنشر و التوزيع، عمان، الأردن،ط1، 2003.ص105

    -[2] الاء جاسم كاطع ،مفهوم التربية من وجهة نظر الفلاسفة،مرجع سابق ص60

     -[3] نفس المرجع السابق ص61

    -[4] محمد منير مرسى، اصول التربية. عالم الكتب، القاهرة، مصر،دون طبعة، 2001ص17

    [5] - الاء جاسم كاطع ،مفهوم التربية من وجهة نظر الفلاسفة ،مرجع سابق ص64

    [6] - الاء جاسم كاطع ،مفهوم التربية من وجهة نظر الفلاسفة ،نفس المرجع السابق ص64

    [7]- عزت جرادات واخرون- اسس التربية ،مرجع سابق ص 23

    [8]- لكحل لخضر ، تربية الطفل عند  الغزالى مع مقارنتها بتربيته عند جون جاك روسو، رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في علم النفس والتربية، 1990ص241

     

    [9]-الاء جاسم كاطع ،مفهوم التربية من وجهة نظر الفلاسفة ،مرجع سابق ص67

    [10]- البار عبد الحفيظ، فلسفة التربية عند جون ديوى. رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير،جامعة منتورى، قسنطينة، 2010 ص35

    [11] - عزت جرادات واخرون ،اسس التربية ص25

    [12] - الاء جاسم كاطع ،مفهوم التربية من وجهة نظر الفلاسفة ،مرجع سابق ص 70

    [13] - عبد الكريم على اليمانى، فلسفة التربية. دار الشروق للنشر و التوزيع، عمان، الأردن، ط1، الإصدار الأول،2004.ص176

    [14] - عمر النقيب، مقومات مشروع بناء إنسان الحضارة- في فكر مالك بن النبي التربوي. الشركة الجزائرية اللبنانية، الجزائر، ط ،2009  ص49