Résumé de section

  • الحصّة الحادية عشرة والثانية عشرة :النقد الثقافي

         يعد النقد الثقافي نشاطا معرفيا معاصرا، أفرزته تيارات النقد لمابعد الحداثة كردة فعل على المناهج النسقية وعلى رأسها البنيوية اللسانية، التي علمنت مقولاتها النقدية الظاهرة الأدبية، و بالغت في تسييج النصّ الأدبي وعزلـه عن محيطه وسياقاته الخارجية؛ فأهملت بذلك اعتبارات الذات والمتلقي والسياقات المتعددة في نقده، بدعوى؛ أنّ لا أدبية للنصّ خارج حدود نسقه اللغوي أوجانبه الشكلي الجمالي.

         ومن ثمّ؛ فإنّ مهمة النقد الثقافي هي"الانتقال بالممارسة النقدية من نقد النصوص والعناية بجمالياتها الأسلوبية والبنائية إلى نقد الأنساق المطمورة فيها، أي نقد محمولاتها الثقافية وكشف ومصادرة أنساقها المتخفية... وبذلك، فقد طرح النقد الثقافي مشروعا بديلا لمشروع النقد الأدبي؛ إذ تنبـــــذ أطروحاتـــه المعايير البلاغيــة الجماليــــة التي احتـكم إليها نقد النصّ الأدبي ردحــــا من الزمن؛ وتهدف مساعي النــــاقد الثقافي من وراء مقولاتـــه إلى تحرير الخطاب من مبـــدأ الخضوع والتأسيس لفكرة " نقد ثقافة المركز و مواجهة هيمنة النسق"، متوسلا بإستراتجيـة تفكيكيــة تنزع إلى التقويض و التشظي لتسليط الضوء على المهمّش في الثقافتين الوطنيـة والإنسانيـة و ردّ الاعتبار إلى القيم غير الجمالية، الكامنة في أحشاء الخطاب الأدبي"

          و لئن كانت نشأة هذا التوجه النقدي، غربية؛ حيث ظهرت الإرهاصات الأولى للنقد الثقافي خلال القرن الثامن عشر بأوربا، أمّا الإعلان الرسمي عنه، فقد  كان في ثمانينيات القرن العشرين (1985م) بالولايات المتحــدة الأمريكيــة من قبل الناقد الأمريكي "فنسنت ليتش"، الذي دعـــــا إلى مشروع نقدي يحرر النقد المعاصر من نفق النقد الشكلاني، و يمكّن النقاد من تناول مختلف أوجه الثقافة لاسيما التي أهملها النقد الأدبي"...فإنّ النقد العربي المعاصر لم يكن هو الآخـــر بمنأى عن وهج هذا التوجه الجديد ويعدّ الناقد السعودي"عبد الله الغذامي"صاحب السبق في استقدام النقد الثقافي إلى فضاء النقد العربي المعاصر، ثم انتقلت عدواه بعد ذلك إلى ثلة من النقّاد العرب الذين اشتغلوا عليه، تنظيرا و تطبيقا.

    2- قراءة في مرجعيات و إشكالات النقد الثقافي :

        ظهرت متغيرات ثقافية منذ مطلع القرن العشرين كانت سبباً في ظهور الظاهراتية أو الفينومينولوجيا والتي كما يبدو وجد فيها الألمان توسيعاً لمفهوم الذاتية الرومانسية وتطويراً له وتجاوزاً للانساق الثقافية التي تخضع الذات للموضوع، ، فتشكل نسق ثقافي يؤكد حضور الذات في صياغة وتشكيل العالم الخارجي وفق رؤيتها ،  فالمعرفة " الحقيقية للعالم لا تأتي بمحاولة تحليل الأشياء كما هي خارج الذات (نومينا Noumena) وإنما بتحليل الذات نفسها، وهي تقوم بالتعرف على العالم، أي بتحليل الوعي وقد استبطن الأشياء فتحولت إلى ظواهر (فينومينا Phenomena)، ذلك أن الوعي لا يكون مستقلاً، وإنما هو دائماً وعي بشيء ما»

    وفي ظل هذا النسق الثقافي تغيرت النظرة  إلى علم التاريخ، فلم يعد وضعياً كما هو الحال عند علماء التاريخ الأوربيين في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، ولم يعد حتمياً كما كان لدى الماركسية ،وإنما أصبح الفرد يسهم في صناعة التاريخ ،من خلال تفاعله مع تلك الاحداث ،فلا وجود للتاريخ دون وعي الكائن أو تلقيه للأحداث وفق ثقافته الراهنة.

    هذا الوعي بدور الذات الفردية في صياغة العالم الخارجي كان له تأثير في نظرية الأدب، ومناهج النقد الأدبي، والأدب المقارن، وتبلور هذا الأثر في ما يسمى بنظرية التلقي التي تجاوزت المناهج التاريخية أو الخارجية التي تركز على دراسة الأدب من الخارج، وتجاوزت كذلك الشكلانية وما جاء بعدها من مناهج تتعامل مع النص على أنه نتاج مغلق ومعزول عن خارجه، فقد اتجه أصحاب هذا النسق  إلى التركيز على المتلقي؛ لأنه في رأيهم يسهم من خلال قراءته في إبداع أو خلق النص الأدبي، ففهم النص الأدبي يتعدد بتعدد ثقافة قرائه، ولا معنى لوجود النص الأدبي إذا لم يصل إلى متلقٍ، وهذا شيء طبيعي في ظل نسق ثقافي لا يعترف بالظواهر والنصوص إلا من خلال الذات الواعية، ومن هنا يصبح للمتلقي دور مهم في الإبداع الأدبي.

    إذا كان التّطور الثقافي نتيجة حتمية للتطور الاجتماعي  كما يقول هربرت سبنسر، والثقافة نتاج مجتمعات مفارقة للتشكيل البدائي الذي يكون أقرب إلى التأثر بالعالم الطبيعي، وهي تتطور مع تطور المجتمعات الساعية نحو مزيد من الرقي.                و إذا كان الناقد الإنجليزي رايموند وليامز قد وضع أولى التّصورات المنهجية فيما يتعلق بالدرس الثقافي من خلال كتابه «الثقافة والمجتمع »1958 حيث أسهم في تحويل وجهة المقاربة النقدية من مقاربة لغوية إلى مقاربة تتوسل تحديد المواقف والأنساق الثقافية التي تتخلل تلك النصوص باختلاف تمظهراتها.

    - النقد الثقافي و نظريات النقد الأدبي

    - تلقي النقاد العرب للنقد الثقافي (التحصيل و التأصيل)