Section outline

  •  الديمقراطية والتنوع الثقافي والعرقي والديني     المحاضرة الثانية عشرة

               تعتبر فكرة الديمقراطية من أكثر المسائل التي أثارت ومازالت تثير جدلاً واختلافاً كبيرين، وهذا لأننا نجد أن الديمقراطية شعار يرفع على نطاق واسع مع اختلاف وجهات النظر، مما أدى إلى جعل هذه الفكرة يكتنفها الغموض، ويشتد حولها الخلاف والجدل. ولفك اللبس الذي يحيط بهذه الفكرة وتوضيح معناها، ذلك أنه لا يمكن الحديث عن تطبيق فعلي وحقيقي للديمقراطية، ما لم يتم تكريس مجموع المبادئ والمقومات والخصائص التي يتميز بها هذا المفهوم. وعليه يمكن القول أن هناك مجموعة من المبادئ والأسس التي ما لم يتم تكريسها تبقى الديمقراطية مجرد معاني جوفاء، وشعارات دون تطبيق حقيقي.

    مفهوم الديمقراطية:

    مثلما كانت الفلسفة اختراعاً يونانياً، فكذلك كانت الديمقراطية ابتكاراً يونانياً، فقد أخذت مكانها في اللغة الإغريقية وانتقلت منها مثل الفلسفة إلى اللغات كافة بعد ذلك، وكانت مدينة أثينا محل ميلاد الديمقراطية، فقد لعبت دوراً فعالاً في إنماء ونضج الديمقراطية، إلى جانب الفلسفة، ومن أبرز مظاهر الارتباط بموطن الاختراع، أن الفلسفة اليونانية بلغت أوج ازدهارها في ظل سيادة الديمقراطية في أثينا.

    فلفظة الديمقراطية تختلف من لغة إلى أخرى، إلا أنها في الأساس تعود إلى اللغة اليونانية القديمة وهي مكونة من مقطعين "Demos" وتعني " الشعب"، وكلمة "Kratos" أي " حكم " أو "سلطة"، وبذلك تصبح الكلمة: "Demoskratos" أي " حكم الشعب".

    وعليه يمكن القول أن لفظة " ديمقراطية" أصلها كلمة يونانية مركبة في لفظين، ونلاحظ أن هذه اللفظة قد تمت استعارتها واستعمالها في باقي اللغات الأخرى ومنها العربية. أما إذا بحثنا في التعريفات التي جاء بها الفقهاء للديمقراطية فلا مجال لتعدادها أو حصرها، ولكننا حاولنا تصنيفها إلى مجموعات تتفق أو تدور حول فكرة معينة، ونتولى كلا منها بالتحليل والمناقشة والنقد، بغية الوصول إلى تعريف جامع مانع لهذه الفكرة.

    بحيث نجد أن هناك التعريف الكلاسيكي للديمقراطية أنها " حكم الشعب"، أو حكم الشعب نفسه بنفسه لنفسه، فالسلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية منبثقة من الشعب، وتحكم أيضاً باسم الشعب، والشعب باختياره يقوم بتنصيب حكامه.

    وبعبارة أخرى أكثر اختصاراً يعرفها البعض أنها حكومة الشعب بواسطة الشعب، وهو المعنى نفسه الذي قدمه أحد رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية القرن الـــــ 18، وهو الرئيس إبراهام لنكولن بقوله: "الديمقراطية هي حكم الشعب بواسطة الشعب ولأجل الشعب".

    الملاحظ أن التعاريف السابقة تركز على اعتبار الديمقراطية مصدرها الشعب كونها تمارس من طرفه في مواجهة الشعب من أجل تحقيق أهداف تعود للشعب ذاته، وتجدر الإشارة إلى أن المقصود هنا بحكم الشعب هو الشعب بالمفهوم السياسي، أي مجموع الأفراد التي تتوافر فيهم شروط الناخب، أي مجموع الناخبين في الدولة، فهذا الأخير هو الذي يمارس الحكم من أجل تحقيق أهداف تعود على الشعب بالمفهومين السياسي والاجتماعي.

    لكن هذه التعاريف الكلاسيكية واجهت جملة من الانتقادات التي يمكن إيرادها فيما يلي

    -     النقد الذي يوجه لهذا التعريف أن هذا الأخير يجعل استصدار كافة القوانين والقرارات الخاصة بإدارة شؤون الدولة بإجماع آراء المواطنين، وهذا الكلام إذا كان يبدو مقبولاً من الناحية النظرية إلا أنه عملياً غير قابل للتطبيق، وهذا لأن القوانين والقرارات تحتاج إلى كفاءات وخبرات معينة، قد لا تتوافر في مختلف فئات الشعب هذا من جهة، ومن جهة ثانية هذا الأمر صعب التطبيق من الناحية العملية لصعوبة الحصول على إجماع كافة المواطنين على كل ما يصدر في الدولة في قوانين وقرارات، كما أن هذه الطريقة ستؤدي إلى تعقيد وطول إجراءات إصدار أي قانون أو قرار في الدولة.

    بالتالي فالديمقراطية لم تبلغ غايتها المثالية بعد وهي " حكم الشعب بالشعب لصالح الشعب" بل هي لم تحقق بعد حكم الشعب، بالمعنى الحرفي للكلمة، وإنما هي كما دعاها روبرت دال نظام حكم الكثرة، لذلك فإن الممارسة الديمقراطية حالياً ليست سوى نفي حكم الفرد المطلق، وحكم القلة، وتجاوزهما إلى تحقيق حكم الكثرة، الساعي للوصول إلى حكم الشعب. وعليه فأن تعريف الديمقراطية بأنها حكم الشعب بواسطة الشعب وللشعب لا يطابق الحقيقة، ومن ثم فقد استبدل روسو قاعدة الإجماع بقاعدة الأغلبية، وقاعدة الإجماع وإن كان تطبيقها ضماناً تاماً لاحترام الحريات الفردية إلا أنها مستحيلة من الناحية العملية، ولذلك فإن قاعدة الأغلبية من الأمور المقبولة عقلا وعملا.