المحور الأول: مفهوم السياسة الخارجية
Section outline
-
السياسة الخارجية
1- مفهوم السياسة الخارجية.
لا يوجد تعريف متفق عليه لمفهوم السياسة الخارجية عند علماء علم السياسة بشكل عام وعلماء العلاقات الدولية بشكل خاص، وعلى هذا الأساس فقد تعددت تعريفات الباحثين والمختصين في هذا المجال ومن بينها:
1- تعريف " كورت": السياسة الخارجية هي السياسة التي تتبعها الدولة من أجل تحديد مسلكها تجاه الدول الأخرى، يعني أنها برنامج الغاية منه تحقيق أفضل الظروف الممكنة للدولة بالطرق السلمية التي لا تصل حد الحرب.
2- السفير " ليون نويل": عرف السياسة الخارجية على أنها فن إدارة العلاقات بين دولة أخرى.
3- مودلسكي: السياسة الخارجية أنها نظام الأنشطة الذي تطوره المجتمعات لتغيير سلوكيات الدول الأخرى، ولأقلمة أنشطتها طبقاً للبيئة الدولية.
4- فيرنس وريتشارد سنايدر: يعرفان السياسة الخارجية باعتبارها منهج للعمل أو مجموعة من القواعد أو كلاهما، ثم اختياره للتعامل مع مشكلة أو واقعة معينة تحدث فعلاً أو تحدث حالياً أو يتوقع حدوثها في المستقبل، و يرى سنايدر في هذا المجال أن الدولة تُحَدد بأشخاص صانعي قراراتها من الرسميين، ومن ثم فأن سلوك الدولة هو سلوك الذين يعملون باسمها، و السياسة الخارجية هي عبارة عن سلسلة لقرارات اتخذت من قبل اشخاص يتولون المناصب الرسمية في الدولة، و قد أهتم "سنايدر" في دراسة السياسة الخارجية بالبعد الإدراكي عند صانعي القرار، و هذا يعني أن هؤلاء صناع القرار يتعاملون مع من حولهم بموجب أدراكهم الحسي، وكذلك بالنسبة للبيئة و التصورات المكونة في مخيلتهم.
5- روزيناو: يعرف السياسة الخارجية بأنها منهج للعمل يتبعه الممثلون الرسميون بوعي من أجل العمل على تغيير موقف معين في النسق الدولي بشكل يتفق والأهداف المحددة سلفاً.
6- حامد ربيع: يعتبر السياسة الخارجية هي جميع صور النشاط الخارجي حتى لو لم تصدر عن الدولة كحقيقة نظامية.
7- محمد السيد سليم: يعرفها بأنها برنامج العمل العلني الذي يختاره الممثلون الرسميون للوحدة الدولية من بين مجموعة من البدائل البرامجية المتاحة من أجل تحقيق اهداف محدودة في المحيط الخارجي.
ومن هذا المنطلق نذهب بالقول من أن السياسة الخارجية لأي دولة تعكس وجود عملية ديناميكية تأخذ بنظر الاعتبار المصلحة القومية والظروف البيئية الدولية، كما تجسد السياسة الخارجية عن وجود خطوات عديدة وهي على النحو التالي:
1- قيام الدولة في الغالب يترجمه المصالح القومية إلى مبادئ وأهداف محددة في حالة تبني سياسة خارجية محدودة.
2- أن صانعي القرار في ترجمة المصالح القومية يأخذون في حساباتهم الظروف البيئية المختلفة على المستوى الداخلي والخارجي.
3- أن تحقيق الأهداف المراد تحقيقها يتطلب من صانع القرار رفد العوامل المادية والبشرية والتكنولوجيا.
4- قيام صانع القرار من تطوير خطته أو استراتيجيته تبعاً لقدرات والامكانيات الدولة إلى درجة من الممكن التعامل مع مواقف السياسة الخارجية بالسلوك العقلاني من أجل تحقيق الأهداف الخارجية للدولة.
5- تبني الدولة مواقف إيجابية التي من شأنها تحقيق مصالح الدولة الخارجية تبعاً لقدرات الدولة.
6- قيام مؤسسات الدولة جميعاً بتقييم دوري للتقدم الذي أنجزته هذه المؤسسات تجاه تحقيق أهداف الدولة الخارجية.
2- السياسة الخارجية والسياسة الدولية:
يبين المختصين بالسياسة الخارجية على أن هناك تفاعل بين البيئة الداخلية والبيئة الخارجية أما عن طريق الاستجابة أو ردة الفعل أو كلاهما، وقد وردت في هذا الموضوع مجموعة من التعاريف التي تبين مصطلح السياسة الدولية، فالدكتور حامد ربيع يعرف السياسة الدولية على أنها التفاعل الذي لابد أن يُحدث الصِدام والتشابك المتوقع والضروري نتيجة لاحتضان الأهداف والقرارات التي تصدر من أكثر من وحدة سياسية، وعلى هذا الأساس يستنتج من هذا التعريف مجموعة من الملاحظات التي يمكن إيجازها بالآتي:
1- أن السياسة الخارجية هي عنصر من عناصر السياسة الدولية لكن بوصفها ليس تعبيراً عن أهداف محلية، وإنما بوصفها نموذجاً من نماذج السلوك الدولي.
2- أن السياسة الدولية بهذا المعنى تفترض علاقات تقاطعية تفرض تفاعل بين أكثر من دولة واحدة.
3- أن السياسة الدولية لا تقتصر على مجرد العلاقات بين الدول بل العلاقات تتأسس بين مختلف أشكال التنظيمات حتى غير الرسمية، طالما لها صفة دولية والأكثر تفصيلاً تعني:
1- أن السياسة الدولية تشمل في العمل ايضاً المنظمات غير الحكومية مثل منظمة الصليب لأحمر والاتحادات العمالية والجمعيات العلمية الدولية.
2- المنظمات الدولية الحكومية على الرغم من أنها تشكل جزء من السياسة الخارجية إلا أنها تتضمن عنصراً مستقلاً عنها.
و هناك ثلاث مفاهيم اساسية تستخدم في تنظير السياسة الدولية هي الفاعلون و الأهداف و الأدوات، لكن كلاً من هذه المفاهيم في حالة تغيير، و يبين اصحاب النظرية الواقعية التقليدية نظرتهم من هذه المفاهيم الثلاث، و يؤكدون أن الدولة تعتبر من ضمن الفاعلون على اعتبار أنها الوحيدة التي تحتل هذه الأهمية، أما ما يخص الأهداف فأن الدولة لم تعد تولي أهتماماً فقط لجوانب الأمن و القوة العسكرية بل تأخذ في الحسبان الرخاء الاقتصادي و أمور اجتماعية مختلفة مثل تهريب المخدرات و أنتشار الأيدز و التغييرات البيئية، أما الأدوات فهي في تغير مستمر فبالسبة للنظرة التقليدية السابقة تعد القوة العسكرية هي الأداة الوحيدة ذات لأهمية في العلاقات الدولية، أما في عالم اليوم فقد وجدت القوى الكبرى من أن استخدام القوة العسكرية من أجل تحقيق أهدافها أصبح أكثر كلفة من السابق، بالتالي فقد بدأت هذه الدول تتجه بأتباع قنوات أخرى غير العسكرية من أجل تحقيق أهدافها.
3- السياسة الخارجية والاستراتيجية:
يعود مصطلح الاستراتيجية إلى الاغريق حيث تميزت تلك الفترات من حياتهم بالحروب و القتال، ومثلت هذه الكلمة من حيث المضمون عندهم بمعنى " فن القائد" أو " فن الأشياء العامة"، أما من حيث المعنى فقد اقترنت الاستراتيجية بالقيادة العسكرية لكن فيما بعد تطورت و أتسعت لتتضمن الفعاليات السياسية الاقتصادية والاجتماعية،ـ فيما بعد أصبح لهذه الكلمة أكثر من تسمية لذلك توجب التمييز فيما بينها، فأصبحت الاشارة إلى التمييز الاستراتيجية العليا و العظمى والوطنية والعسكرية على اعتبار أن هذه الاستراتيجيات تدخل ضمن مفهوم الأمن القومي.
وقد عرف " ليدل هارت" الاستراتيجية بانها فن توزيع واستخدام مختلف الوسائط العسكرية لتحقيق هدف السياسة.
أما قاموس " أكسفورد" عرفها بأنها فن القائد العام، وكذلك فن عرض وتوجيه الحركات العسكرية الكبيرة، وأنها تختلف عن التعبئة التي تعتبر إدارة القوات في المعركة.
وقاموس العلوم السياسية فيعرفها بإنها خطة عمل لدحر عدو أو لتحقيق هدف ما، و تشير الاستراتيجية إلى خطة شاملة أو للأمد الطويل تتألف من سلسلة من الحركات من أجل هدف عام.
أما اليوم فأن الاستراتيجية من حيث معناها المعاصر بدأت تحتوي على جوانب سياسية واقتصادية ودعائية وفنية، حيث دخلت في عملية التخطيط الاقتصادي لتكون استراتيجية اقتصادية، وفي التخطيط السياسي من أجل خلق استراتيجية سياسية.
4- السياسة الخارجية والعلاقات الدولية:
لقد نشأت العلاقات الدولية مع نشوء الدولة القومية لذلك اعتبرت الدولة هي المصدر الساس في تنظيم هذه العلاقات، وقد دخل هذه المفهوم حيز الواقع العملي في القارة الأوروبية في نهاية القرن الثامن عشر و شاع في ارجاء العالم كافة من خلال الاستعمار الأوروبي، بالتالي فقد ارتبط تاريخ الدولة القومية بعدد من الحروب أمثال حرب الثلاثين عام التي تسببت بمقتل 30% من سكان أوروبا الوسطى، و التي دفعت الدول الأوروبية لإبرام اتفاقية ويستفاليا 1648 في مدينتي مونستر و أوزنابروك، و قد قسمت هذه المعاهدة ألمانيا إلى 350 دولة صغيرة.
لقد حصل تقدم في دراسة الظواهر الدولية، و على اثر ذلك أعتبرت العلاقات الدولية حديثة إذا ما قورنت بدراسة العلوم التي تهتم بالظواهر الدولية مثل العلوم السياسية و التاريخ الدبلوماسي و القانون الدولي العام، لكن هذا لا يعني أن العلاقات الدولية كقاعدة أساسية لم تكن قديماً بل ترجع جذورها إلى تحليل الحروب التي نشبت بين المدن اليوناينة القديمة.
أما من حيث ما ورد من تعاريف توضح معنى هذا المصطلح فهي على النحو التالي:
1- سبيكمان: يعتبر من بين أوائل الباحثين الذين حاولو تقديم تعريف لهذا الحقل فقد عرف العلاقات الدولية بانها العلاقت التي تربط افراد ينتمون لدول مختلفة، اما السلوك الدولي فهو السلوك الأجتماعي لأشخاص أو مجموعات تستهدف أة تتاثر بوجود أو سلوك افراد أو جماعات ينتمون إلى دولة أخرى.
2- كابلان: يعرفها بأنها حقل من حقول الموضة يتمتع بها بخصوصية أستقلالية و هو حقل يتضمن علاقات متبادية تجري ما بين الدولة أو الدول عبر الحدود.
البعض يرى أن العلاقات الدولية تعني العلاقات الدبلوماسية و الأستراتيجية للدول و التركيز الذي يميز العلاقات الدولية هو قضايا الحرب و السلم و الصراع و التعاون، و يرى أخرون أن العلاقات الدولية هي العمليات التي تجري عبر الحدود من جميع الأنواع السياسية و الأقتصادية و الأجتماعية، و أن العلاقات الدولية قد تدرس المفاوضات التجارية أو عمل المؤسسات من غير الدول مثل منظمة العفو الدولية.
و عليه فأن دراسة العلاقات الدولية ترتبط بتفسير العلاقات بين الجماعات السياسية المنظمة في إطار أقليم، و نقصد بذلك العلاقات بين الدول مع الأخذ بنظر الأعتبار العلاقات القائمة بين الشعوب و بين الأشخاص الذين يؤلفون هذه الشعوب مثل تبادل المنتجات و الخدمات و تداول الأفكار.
5- السياسة الخارجية والدبلوماسية:
هناك ثمة اختلاف بين مفهومي السياسة الخارجية والدبلوماسية، فالسياسة الخارجية هي تدبير نشاط الدولة في علاقاتها مع الدول الأخرى، أو المنهج الذي تسير بمقتضاه الدولة في علاقاتها في الشؤون السياسية و التجارية و الاقتصادية و المالية مع الدول الأخرى، بينما الدبلوماسية هي أداة تنفيذ السياسة الخارجية على أعتبار أن الدبلوماسيهو من يقوم بتنفيذ الخطة التي يرسمها رجل السياسة في الدولة في أوقات السلم.
و يتضح من ذلك ن السياسة الخارجية تمثل الجانب التشريعي في الدولة في حين تدخل الدبلوماسية في إطار التنفيذ، ومن مظاهر الأختلاف بين السياسة الخارجية و الدبلوماسية هي أن السياسة الخارجية لا يمكن أن تكون سرية في حالة الأرتباط بمعاهدة أو أتفاقية، ما لم تكن معروفة لدى الرأي العام على أقل تقدير، أما الدبلوماسية فمن الممكن أن تكون سرية، يقول " نيكسون" في هذا الجانب في دراسة قدمها لمؤتمر فيينا " من الناحية التاريخية تنتهي الدبلوماسية من حيث تبدأ السياسة الخارجية، و أن كليهما يتعلقان بتوافق القومية مع المصالح الدولية"، أذن بالأمكان القول أن هدف السياسة الخارجية و الدبلوماسية هو حماية الأمن القومي بالوسائل السلمية.
أن مصطلح الدبلوماسية من أكثر المصطلحات أمتزاجاً بالسياسة الخارجية إذ كثير ما تستخدم الدبلوماسية بمعنى أوسع تتضمن صنع و تنفيذ السياسة الخارجية، أما مناها الفني كما جاء في تعريف الدبلوماسية لـ( جورج كينان) هي " عملية الأتصال بين الحكومات".
6- العلاقة بين السياسة الخارجية والسياسة الداخلية:
أن صنع السياسة الخارجية يخضع أساساً للسياسة الداخلية و يمكن القول في هذا المجال من أن السياسة الخارجية هي أستمرارية للسياسة الداخلية، بالتالي فأن صياغة السياسة الخارجية تأثر بالمحيط الداخلي سواء على مستوى الفرد ( القيادة) أو على مستوى الجماعة، و أ، السياسة الخارجية كالسياسة الداخلية كل منهما يُكَون بعداً من أبعاد الحركة السياسية بحيث أن أختلاط الواحد منها بلأخر هو الذي يسمح بخلق القوة و التعبير عنالأرادة الحاكمة، و قد أشار " كارل فريدرك" عن العلاقة الوثيقة بين السياستين عند قوله " أن السياسة الخارجية تتأثر بالسياسة الداخلية و لا سيما في النظم الديمقراطية، و إلى أن كل مشكلة داخلية تتضمن بالضرورة أبعاد خارجية.
و على الرغممن العلاقة بين السياستيين إلا أن هنلك معياراً للتمييز بينهما كالآتي:
1- حدود العمل للسياستين مختلفة من حيث تحديد مصادرها فالجولة في المجال الداخلي بصورة عامة لها السيطرة التامة على مستوى الأفراد و الجماعة، في حين تتصدى هذه الحكومة في السياسة الخارجية إلى الأرادات المتنازعة للدول الأخرى التي تثبت غالباً هذه الأرادات.
2- الأهداف الرئيسية للسياستين مختلفة، لأن محور السياسة الخارجية يدور حول البقاء و الدفاع و الحماية.
3- في السياسة الداخلية من الممكن إلقاء بعض الشك على التحقق الفعلي.
4- الأهتمامات المركزية للسياسة الخارجية تدور حول مسالة أحتكار الدفاع و الدبلوماسية، و الحكومة تقوم بوظيفة التنمية أكثر من السياسة الداخلية.
5- يتطلب العمل الداخلي بناء و إدامة القوة التي قد تبذل خارجياً.
6- تَطلب النشر الخارجي للقوة ضمان للشؤون الداخلية للدولة.
و قد أنطلق المفكرون السياسييون في الولايات المتحدة من مفهوم الأمن النسبي و الإنعزال عن الدول الأخرى، الأنفصال بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية بحيث أن هولاء المفكرون أعطوا الأولوية للسياسة الداخلية، و النظر للسياسة الخارجية كأمتداد للسياسة الداخليةتأثير جانبي مهم.
أما فيما يخص الدول الأوروبية فأن منطلق التقليد يشير إلى عدم فصل السياستين، و كانت هذه المسألة واضحة في عهد نابليون في فرنسا و ألمانيا في عهد بسمارك.
لقد حدثت محاولات في الولايات المتحدة حول الفصل بين السياستين وكان قرار القاضي " ساذرلاند" في عام 1936 الذيأكد على أن الشؤون الداخلية و الخارجية يشكلان مجالين مختلفين من حيث الأصل و الطبيعة، و أكد " جاكسون" على فكرة الجهاز الوحيد في الولايات المتحدة التي تعود اساساً إلى عام 1800، و هي فكرة توصل أليها " مارشال" حيث يؤكد بأن الرئيس ينفذ السياسة الداخلية من خلا القانون و المعاهدة و الفرعان يعملان بأنسجام، و يقول " نيكسون" أن الأمريكان يتحدون ضد التحديات الخارجية و الأختلاف ضد التحديات الداخلية، و أن السياسة الخارجية و الداخلية توأمان متلاصقان، أما في إسرائيل فأن السياسة الداخلية أمتداد للسياسة الخارجية إذ أن السياسة الخارجية تتحد بأوضاع داخلية ذاتية و أوضاع داخلية غبر ذاتية.
و من خلال هذا العرض الموجز يمكننا أن نقدم ملاحظتين حول مدى العلاقة بين السياستين على النحو التالي:
1- يمكن أن نرفض ببساطة مجرد إثارة التساؤل حول التسلسل الهرمي لكل من السياستين الداخلية و الخارجية، لأن العلاقة بين السياستين تتم أساساً في صورة تفاعلات و الظروف هي الوحيدة التي تحدد أولوية أحداهما على الأخرى.
2-أن التركيز المبالغ فيه على السياسة الخارجية قد يؤدي في الحقيقة إلى أهمال السياسة الداخلية، فعلى سبيل المثال عندما أندلعت أحداث مايس عام 1968 في فرنسا كانت في هذا الوقت بوخارست تستقبل " ديغول" أستقبال الأبطال في الوقت نفسه كاد يفقد سلطته في فرنسا.
-