Section outline

  •                         مقدمة:

    منذ أن وطأت أقدام الاستعمار الفرنسي أرض الجزائر والأمة تسعى إلى الانعتاق والحرية ، حيث عانت وطيلة الفترة الاستعمارية من بطش وظلم ممنهج ومنظم،  افتقدت فيه الأمة الجزائرية كرامتها ومقوماتها وتم إفقارها  وإذلالها ، لم تكن الحرية التي تتغنى بها فرنسا لتجد طريقها إلى أبناء هذا الشعب رغم ما يدعيه الفرنسيون من أنهم جاؤوا محررين، لكن الواقع والممارسات كانت عكس ذلك تماما لذا انتظم أبناؤها تحت قيادات وطنية منذ1830، إذ لم تعرف الجزائر المستعمرة الهدوء والسكينة وقدم هذا الشعب فلذات أكباده للتخلص من نير العبودية والظلم ، وظهرت قيادات وطنية بارزة أعطت مثالا في التضحية والبطولة، إلا أن ارتباط تلك المقاومات بتلك الشخصيات القيادية وعدم شمولية ثورتها لكامل الوطن أدى إلى عدم نجاحها في تحقيق الهدف المنشود لكنها وضعت لبنات ثورية ما لبثت أن تفجرت في الهبة الشاملة للوطن مستفيدة من أخطاء تلك المقاومات وقياداتها.

    لقد كانت تلك المقاومات بمثابة الوقود الذي أضرم نار الثورة وأعطاها عنفوانا واضطرابا غذته أرواح قوافل الشهداء التي ما انفكت الأمة تدفع بها في سبيل الحرية والانعتاق، وكانت ردود الفعل الإستعمارية على تلك المحاولات الشعبية للتحرر عنيفة ودموية ومن اخطرها مجازر 08ماي1945.

    وتعتبر مجازر 8 ماي 1945 طعنة بالنسبة للامة التي قدمت الكثير في سبيل تحرير فرنسا والتي لم تجني سوى الدماء والدموع والاحزان، كما كانت نكسة للحركة الوطنية خاصة التي كانت تعول على الاستعمار في الانعتاق والتحرر، هذا الاستعمار الذي لطالما وعد بذلك ومن ثم كبرت قناعة وتأكدت ان ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة، ورغم الجراح والالام والدماء والدموع والاحزان الناتجة عن هذه المجازر إلا أن الشعب الجزائري وقف وقفة تأمل باحثا عن طريق يحرره من هذه العبودية الاستعمارية فاقدا الثقة في كل وعود فرنسا الاستعمارية، لان الشعب الجزائري الذي ساهم في تحرير فرنسا من النازية مقابل وعود فرنسا بالاعتراف بحقه في الحرية والاستقلال. إلا أن جزاؤه كان الموت والاعتقال والنفي والتشريد، وبذلك فمجازر 8 ماي 1945 أكدت للشعب الجزائري وللمناضلين الوطنيين أن طريق الاستقلال والحرية لا يمكن أن يتحقق بالطرق السلمية لان الاستعمار لا يمكن أن يسلم بحق الشعب الجزائري في الحرية والاستقلال إلا بالقوة والعنف. وبفعل هذه القناعة ظهرت توجهات جديدة لدى الوطنيون وأحزابهم. فحزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية الجزائرية تحت ضغط الشباب المناضل في هذا الحزب، اضطر الى اتخاذ قرار سري يتمثل في تشكيل المنظمة الخاصة العسكرية التي اخذت على عاتقها مسؤولية الاعداد لثورة مسلحة قادمة، وما ان باشرت هذه المنظمة عملها حتى التف حولها الكثير من الشباب الجزائري المتعطش للحرية والاستقلال. وبذلك كبرت الهوة وضاعت الثقة بين المستعمر والشعب فكثير من المؤرخين يرون ان الحركة هي التي قادت الشعب للثورة لكن الحقيقة ان الشعب هو الذي صاغ التوجهات الثورية الجديدة للحركة الوطنية واعطاها دفعا قويا نحو حمل السلاح. وفعلا كتب لهذه المنظمة الخاصة النجاح في الاعداد لثورة أول نوفمبر 1945 التي بها حقق الشعب الجزائري الاستقلال والحرية.

    إن طغيان فرنسا الاستعمارية الذي أفقد الجزائر كرامتها وشخصيتها وحريتها واستقلالها، أوجب على الشعب الجزائري اللجوء الى استعمال الوسائل التي تكفل له الحصول على الحرية والاستقلال، فكانت أحداث8ماي قد أقنعت الشعب الجزائري ان الاستعمار وأذنابه لا يفهمون الا لغة واحدة وهي لغة الحديد والنار، وفعلا فبعد مجازر 8 ماي 1945 تكونت المنظمة الخاصة التي ظلت تعمل بطريقة سرية الى ان أعلنت عن تفجير ثورة اول نوفمبر 1954، التي بدأت بقوة بسيطة في عامها الأول، ولكن سرعان ما أصبحت ثورة عامة وشاملة بعد ان اشتد ساعدها بما لقيت من الدعم المطلق من أبناء الشعب الجزائري، الذي لم ينس ولا يمكن له ان ينسى الالام والمعاناة التي سببها له الاستعمار منذ عملية الغزو الأولى، وهي مجازر أراد الاستعمار ان يقتل بها روح الحرية والاستقلال لهذه الامة، ولكن هذا الشعب حولها وقود أشعل بها نار ثورة أول نوفمبر 1954 وصدق من قال: "إن الضغط يولد الانفجار"