Section outline

  •  

    الانتماء هو حاجة الإنسان إلى الارتباط بالآخرين، وتوحده معهم ليحظى بالقبول، وليسر بكونه فردا يستحوذ على مكانة متميزة في الوسط الاجتماعي، وتتمثل أوجه الانتماء في ارتباط الفرد بوطنه الذي يحيا فيه، وبمن يقيمون في هذا الوطن والذين يمثلون أفراد المجتمع، ثمّ انتماؤه إلى مجموعة من الأفكار والقيم والمعايير ، التي تميز هذا المجتمع عن غيره، أو ارتباط داخلي وخارجي للفرد بالمجتمع الذي يعيش فيه، فالارتباط الداخلي يعني قوة العاطفة التي تربط الفرد بمجتمعه ارتباطا واضحا في مجالات الانتماء الوطنية (السياسية والاجتماعية والقومية والأسرية) والارتباط الخارجي يتمثل في كافة النواحي الشكلية المنعكسة من الارتباط الداخلي على سلوك الفرد وتصرفاته.

    1- مفهوم الانتماء:

    الانتماء إجرائيا هو الانتساب الحقيقي للدّين والوطن فكرا ، وتجسده الجوارح عملا، والرغبة في تقمص عضوية ما لمحبة الفرد لذلك لاعتزازه بالانضمام إلى هذا الشيء، ويكون الانتماء للدّين بالتزام بتعليماته، والثبات على نهجه. يشير مفهوم الانتماء إلى الانتساب لكيان ما يكون الفرد متوحداً معه مندمجاً فيه، باعتباره عضواً مقبولاً وله شرف الانتساب إليه، ويشعر بالأمان فيه، وقد يكون هذا الكيان جماعة طبقة ، وطن، وهذا يعني تداخل الولاء مع الانتماء والذي يعبر الفرد من خلاله عن مشاعره تجاه الكيان الذي ينتمي إليه.

    ولقد ورد في الانتماء آراء شتى للعديد من الفلاسفة والعلماء وتنوعت أبعاده ما بين فلسفي ونفسي واجتماعي، ففي حين تناوله ماسلو (Maslo) من خلال الدافعية اعتبره إريك فروم (Fromm) حاجة ضرورية على الإنسان إشباعها ليقهر عزلته وغربته ووحدته، متفقاً في هذا مع وليون فستنجر (Leon Festinger) الذي اعتبره اتجاهاً وراء تماسك أفراد الجماعة من خلال عملية المقارنة الاجتماعية، وهناك من اعتبره ميلاً يحركه دافع قوي لدى الإنسان لإشباع حاجته الأساسية في الحياة.

    وعلى الرغم من اختلاف الآراء حول الانتماء ما بين كونه اتجاهاً وشعوراً وإحساساً أو كونه حاجة أساسية نفسية – لكون الحاجة هي شعور الكائن الحي بالافتقاد لشيء معين، سواء أكان المفتقد فسيولوجياً داخلياً، أو سيكولوجياً اجتماعياً كالحاجة إلى الانتماء والسيطرة والإنجاز - أو كونه دافعاً أو ميلاً، إلا أنها جميعاً تؤكد استحالة حياة الفرد بلا انتماء، ذاك الذي يبدأ . مع الإنسان منذ لحظة الميلاد صغيراً بهدف إشباع حاجته الضرورية، وينمو هذا الانتماء بنمو ونضج الفرد إلى أن انتماء للمجتمع الكبير الذي عليه أن يشبع حاجات أفراده. ولا يمكن أن يتحقق للإنسان الشعور بالمكانة والأمن والقوة والحب والصداقة إلا من خلال الجماعة ، فالسلوك الإنساني لا يكتسب معناه إلا في موقف اجتماعي، إضافة إلى أن الجماعة تقدم للفرد مواقف عديدة يستطيع من خلالها أن يظهر فيها مهاراته وقدراته، علاوة على أن شعور الفرد بالرضا الذي يستمده من انتمائه للجماعة يتوقف على الفرص التي تتاح له كي يلعب دوره بوصفه عضواً من أعضائها.

    2- أبعاد الانتماء:

    المواطنة والانتماء للوطن من صفات المواطن الصالح التي تبذل الأمم والشعوب الحية جهودها وتسخر طاقاتها لإعداده؛ لأنّ هذه القيم السامية العليا ضرورة وجود للأوطان ومنعتها ، وهي تتجلى في أوقات الشدة عندما تحيط الأخطار بالأمم والشعوب سواء كانت الأخطار خارجية أو داخلية. والثانية أكثر إيذاءً وتدميرا للأمم والأوطان. يعد مفهوم الانتماء مفهوماً مركباً يتضمن العديد من الأبعاد والتي أهمها:

    1- الهوية (Identity):

    يسعى الانتماء إلى توطيد الهوية، وهي في المقابل دليل على وجوده، ومن ثم تبرز سلوكيات الأفراد كمؤشرات للتعبير عن الهوية وبالتالي الانتماء.

    2 - الجماعية (Collectivism):

    إن الروابط الانتمائية تؤكد على الميل نحو الجماعية، ويعبر عنها بتوحد الأفراد مع الهدف العام للجماعة التي ينتمون إليها، وتؤكد الجماعة على كل من التعاون والتكافل والتماسك ، والرغبة الوجدانية في المشاعر الدافئة للتوحد. وتعزز الجماعية كل من الميل إلى المحبة والتفاعل والاجتماعية وجميعها تسهم في تقوية الانتماء من خلال الاستمتاع بالتفاعل الحميم للتأكيد على التفاعل المتبادل.

    3 - الولاء (Loyalty):

    الولاء جوهر الالتزام، يدعم الهوية الذاتية، ويقوي الجماعية، ويركز على المسايرة، ويدعو إلى تأييد الفرد لجماعته ويشير إلى مدى الانتماء إليها، ومع أنه الأساس القوي الذي يدعم الهوية، إلا أنه في الوقت ذاته يعتبر الجماعة مسؤولة عن الاهتمام بكل حاجات أعضائها من الالتزامات المتبادلة للولاء، بهدف الحماية الكلية.

    4 - الالتزام (Obligation)

    حيث التمسك بالنظم والمعايير الاجتماعية، وهنا تؤكد الجماعية على الانسجام والتناغم والإجماع، ولذا فإنها تولد ضغوطاً فاعلة نحو الالتزام بمعايير الجماعة لإمكانية القبول والإذعان كآلية لتحقيق الإجماع وتجنب النزاع.

    5- التواد :

    ويعني الحاجة إلى الانضمام أو العشرة (Affiliation) ، وهو - التواد - من أهم الدوافع الإنسانية الأساسية في تكوين العلاقات والروابط والصداقات. ويشير إلى مدى التعاطف الوجداني بين أفراد الجماعة والميل إلى المحبة والعطاء والإيثار والتراحم بهدف التوحد مع الجماعة، وينمي لدى الفرد تقديره لذاته وإدراكه لمكانته، وكذلك مكانة جماعته بين الجماعات الأخرى، ويدفعه إلى العمل للحفاظ على الجماعة وحمايتها لاستمرار بقائها وتطورها، كما يشعره بفخر الانتساب إليها.

    6 - الديمقراطية:

    هي أساليب التفكير والقيادة، وتشير إلى الممارسات والأقوال التي يرددها الفرد ليعبر عن إيمانه بثلاثة عناصر :

    أ- تقدير قدرات الفرد وإمكاناته مع مراعاة الفروق الفردية، وتكافؤ الفرص، والحرية الشخصية في التعبير عن الرأي في إطار النظام العام، وتنمية قدرات كل فرد بالرعاية الصحية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية.

    ب - شعور الفرد بالحاجة إلى التفاهم والتعاون مع الغير، ورغبته بأن تتاح له الفرصة للنقد مع امتلاكه لمهارة تقبل نقد الآخرين بصدر رحب، وقناعته بأن يكون الانتخاب وسيلة اختيار القيادات، مع الالتزام باحترام النظم والقوانين، مع الغير في وضع الأهداف والمخططات التنفيذية وتقسيم العمل وتوزيعه ومتابعته وهي بذلك تمنع الديكتاتورية، والتعاون وترحب بالمعارض، مما يحقق سلامة ورفاهية المجتمع.

    ج - اتباع الأسلوب العلمي في التفكير.

    • الولاء متضمن في الانتماء والانتماء أساس الوطنية.

    • للانتماء أبعاد حددها البعض بثمانية هي: (الأمان - التوحد - التقدير الاجتماعي – الرضا عن الجماعة – تحقيق الذات – المشاركة - القيادة - الإطار المرجعي). وبينها جميعاً قدر من الانسجام ويمكن من خلالها دراسة دوافع الانتماء.

    الانتماء باعتباره قيمة جوهرية متعدد المستويات بتعدد أبعاد القيمة (وعي، وجدان، سلوك)، فهو (مادي) لحظة عضوية الفرد في الجماعة، و(معلن) لحظة تعبير الفرد عنه لفظياً مؤكداً مشاعره تجاه جماعة الانتماء، و(سلوكي) عندما يتخذ الفرد مواقف سلوكية حيال جماعة الانتماء، وقد تكون هذه المواقف إيجابية تعبر عن قوة الانتماء، أو سلبية تعبر عن ضعف الانتماء.

    وانطلاقاً من أهمية هذا المفهوم في حياة البشر ، والذي أعطاه العلماء والباحثون جل اهتمامهم، كان من الضروري إعداد وسائل تقيس السلوك والمشاعر المرتبطة بمظاهر الانتماء قوة أو ضعفاً ، مستندة في ذلك إلى نظريات علمية ، ومن ذلك على سبيل المثال محاولة (ريتشارد . م . لي ) و (ستيفن . ب . روبنز) التي استندت إلى نظرية علم نفس الذات للعالم (هل) 1984م- في تطوير مقياس الانتماء من خلال مقياس الترابط الاجتماعي ومقياس التأمين الاجتماعي وجاءت أبعاد الأول (الترابط) - التواد - العشرة ، وأبعاد الثاني (التواد - العشرة، بما تتضمن هذه الأبعاد من قيم إيجابية. وكذلك حاولت إحدى الدراسات العربية تصميم مقياس للانتماء واستندت في تصميمه إلى سبعة عشر عنصراً – تمحورت في أربعة محاور المشاركة - المسؤولية - تقبل أهداف ومعايير المجتمع ، الفخر والاعتزاز بالمجتمع) - وطبقته ميدانيا على سكان أحد الأحياء في القاهرة.

    3- أنواع الانتماء:

    مما سبق يستخلص الباحث تعريفاً نظرياً للانتماء بالوطن مؤداه:

    هو اتجاه إيجابي مدعم بالحب يستشعره الفرد تجاه وطنه، مؤكداً وجود ارتباط وانتساب نحو هذا الوطن باعتباره عضواً فيه ويشعر نحوه بالفخر والولاء، ويعتز بهويته وتوحده معه، ويكون منشغلاً ومهموماً بقضاياه، وعلى وعي وإدراك بمشكلاته، وملتزماً بالمعايير والقوانين والقيم الموجبة التي تعلي من شأنه وتنهض به محافظاً على مصالحه وثرواته، مراعياً الصالح العام، ومشجعاً ومسهماً في الأعمال الجماعية ومتفاعلاً مع الأغلبية، ولا يتخلى عنه حتى وإن اشتدت به الأزمات.

    وحسب هذا المفهوم تتعدد محاولات تصنيف الانتماء التي أفرزتها كتابات الباحثين والمتخصصين على النحو التالي:

    1) تصنيف حسب الموضوع الانتماء للإسلام - الأسرة - (الوطن والمستويين الآخرين متفرعين عن الأول.

    (2) تصنيف نوعي (مادي) يعتبر الفرد عضو في الجماعة، ظاهري يعبر عن مشاعره لفظياً، إيثاري يعبر عن الموقف الفعلي).

    (3) تصنيف حسب طبيعته إما) قبل عضوية الفرد في الجماعة - أو بعد عضويته فيها).

    4) تصنيف في ضوء السوية (سوي يتفق مع معايير الجماعة - وغير سوي يتخذ مواقف عدوانية منها). (5) تصنيف كيفي (شكلي بحكم العضوية تحت تأثير الجنسية واللغة وموضوعي حقيقي يدرك الفرد فيه حقائق الواقع ويكون فيه مشاركاً ، زائف حيث الرؤية غير الحقيقية للواقع).

    ويمكن أن نضيف التصنيفات التالية:

    1) انتماء حقيقي:

    يكون فيه لدى الفرد وعي حقيقي لأبعاد الموقف، والظروف المحيطة بوطنه داخلياً وخارجياً، ويكون مدركاً لمشكلات وقضايا وطنه، وقادراً على معرفة أسبابها الحقيقية وطبيعة هذه المشكلات، وموقفه منها ، والاكتراث بآرائها ونتائجها، ويكون المنتمي هنا مع الأغلبية ويعمل لصالحها، ويؤمن بأن مصلحة الأغلبية والعمل من أجل الصالح العام وسلامة المجتمع ونموه وتطوره، هو الهدف الذي يجب أن يسمو على الفردية والأنانية.

    (2) انتماء زائف:

    هو ذلك الانتماء المبني على وعي زائف، بفعل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي قد تشوه حقيقة الواقع في عقول المواطنين، وبالتالي قد تصبح رؤيتهم للأمور والمواقف غير حقيقية وغير معبرة عن الواقع الفعلي، ومن ثم يصبح الوعي والإدراك لهذا الواقع وعياً مشوهاً وبالتالي ينبثق عنه انتماء زائف ضعيف.

    (3) انتماء لفئة بعينها :

    وهنا يعمل الفرد على مصالح الفئة التي ينتمي إليها دون سواها من الفئات داخل المجتمع الواحد، وبالرغم من أن وعيه بها وعي حقيقي وانتماءه لها انتماء حقيقي، إلا أنه قياساً على انتمائه للمجتمع ككل فهو وعي غير حقيقي وانتماء غير حقيقي، لأنه يعمل وينتمي لجزء من الكل فقط، فلا يعي ولا يدرك ولا يعمل إلا لصالح هذا الجزء، ويترتب على ذلك آثار وخيمة من تفتيت لبنية المجتمع وربما كان سببا لوجود الصراع بين فئاته، ويزداد حدةً كلما ازدادت الهوة بين هذه الفئات والمحصلة النهائية تدهور المجتمع وتفككه، إذ ستعمل كل فئة في الغالب الأعم لصالحها هي فقط ، ولو على حساب غيرها من الفئات.

    إن التأصيل النظري لمفهوم المواطنة والانتماء يبين أن المواطنة هي الدائرة الأوسع التي تستوعب مختلف الانتماءات في المجتمع كما أنها تضع من المعايير التي تلزم الأفراد بواجبات والتزامات معينة تحقق الاندماج والتشاركية في تحقيق مصالح الأفراد والوطن من ناحية، ومن ناحية أخرى تسم المواطنة وسبل تكريسها بالمسؤولية العامة والأهداف الوطنية التي يمكن تحقيقها من خلال أطر رسمية وبنية وعي مخطط لها ويتم الإشراف عليها وتقييمها من قبل أجهزة الدولة والمحاسبة على الإخلال بمبادئها من خلال مؤسسات الدولة كل حسب تخصصها وطبيعة عملها، في حين أن الانتماء يلعب الدور الأساس في تشكيله العديد من القوى الأيديولوجية والثقافية والاجتماعية التي قد لا يمكن السيطرة عليها، إذ يتم ذلك في الأسر والقبائل والعشائر ، ومن خلال الدوائر الفكرية والدينية الأخرى التي ربما تفضي في بعض الأحيان إلى ممارسات مناوئة لمبدأ المواطنة ذاته.

    ومن ثم تعد المواطنة البوتقة التي تضمن انصهار جميع الانتماءات لصالح الوطن ضمن أطر نظامية ومن خلال الالتقاء على أرضية المصلحة الوطنية العامة، ويتم ذلك بناء على معطيات الفكر العالمي اليوم والتي يروج لها في ساحاتنا الفكرية ومنتدياتنا الثقافية من خلال الأبعاد التالية:

    1) الهوية.

    2) الانتماء.

    (3) التعددية وقبول الآخر.

    (4) الحرية والمشاركة السياسية.