السيميوز في علاقته بالمقولات المنطقية عند بيرس
Section outline
-
السيميوز في علاقته بالمقولات المنطقية عند بيرس
تنقسم العلامات الثلاثة المكونة للسيميوز بدورها إلى ثلاث علامات، كل علامة لها علاقة بالمقولات الثلاثة على التوالي، وعلى شكل متدرج، فالعلامة الممثل يمكن أن تحيل علىى نفسها عن طريق الأولية (= علامة نوعية)، والثانوية (= علامة متفردة)، والثالثية (= علامة عرفية)، كما يمكنها أن تحيل على العلامة الموضوع الخاص بها، أيضاً، عن طريق الأولية (= أيقون)، والثانوية (= أمارة)، والثالثية (= رمز)، ومرحلة ثالثة يمكن للعلامة الممثل، بشكل ثلاثي مرة أخرى، أن تحيل على العلامة المؤول الخاصة بها بوساطة الأولية (= خبر)، والثانوية (= تصديق)، والثالثية (= حجة). ولا تشتغل هذه التصنيفات الثلاثية بشكل منفصل عن غيرها، بل على العكس من ذلك، إذ يمكن أن نجدها تشغل بشكل تضافري بحسب نوع العلامة.
1- الثلاثية الأولى " أقسام الماثول أو الممثل "
• العلامة النوعية، وتتمثل هذه العلامة، عند بورس، من خلال اشتغالها كعلامة مُجسَّدة في واقعة ما لكن دون أن توضع في سياق ما يكشف عن دلالتها، بل توجد كإحساس عام فقط، مفصول عن أي سياق كيفما كان. فلنفترض، مثلا، أننا ننصت إلى أغنية أجنبية، دون أن نعرف اللغة التي تُغَنَّى بها، فهذه الأغنية تمثل بالنسبة لنا كعلامة نوعية مفصولة عن أي تحديد، غير أنها تشكل لدينا مجموعة من الأحاسيس فقطّ؛ إذ لا يمكن أن تشتغل إلا وهي متحققة في العلامة المتفردة.[1]
• العلامة المتفردة، وتتحدد هذه العلامة في أنها علامة متحققة بعكس العلامة الأولى ذات البعد الكلي والعام وغير المحدد، ففي هذه العلامة تتحقق العلامة الممثل بشكل متفرد؛ أي تتحقق في سياق خاص بعينه؛ إذ لو غُيِّب ذلك السياق لَانْتفتِ الدَّلالةُ التي مثلتها العلامة المتفردة في ذينك الزمان والمكان المحددين. فلفظة "تحدَّث" في قسم الشرطة الخاص بالتحقيق تحيل إلى الجبر والإلزام والإرغام على الاعتراف؛ أما وأنت جالس مع أصدقائك المقربين فلا تحيل اللفظةُ إلى شيء من ذلك، وهذا يعني أن العلامة المتفردة تفيد التحقق مرة واحدة، وتكون مرتبطة بسياق خاص ومحدد.
• العلامة العرفية، وتتعين هذه العلامة في كونها القانون العام والقاعدة التي يجري التعارف عليها بين بني الإنسان، فهي لا تتعلق بنوعية العلامة، ولا بتحققها المفرد والخاص، بل لها بعد عام، فالكلمات، في اللغة، تتحدد بكونها علامات عرفية، إلاَّ أن تحققها في كل سياق معين يجعلنا أمام العلامة المتفردة والنسخة الواحدة، ولذلك لا يمكن أن تنهض العلامة العرفية إلا عبر العلامة المتفردة، ولا يمكن للأخيرة أن تحدث إلا عن طريق العلامة النوعية، وهذا ما يشكل سيرورة داخلية ضمن سيرورة أكبر وهي السيميوز بصفة عامة، وبهذا فإن العلامة العرفية "عرف يشكل علامة، وينشيء البشر هذا العرف على العموم. وكل علامة متواضع عليها فهي علامة عرفية وليس العكس. وليس العلامة العرفية موضوع واحدا، بل نمطا عاما قد تواضع الناس على اعتباره دالاًّ"[2] .
2- الثلاثية الثانية " أقسام الموضوع "
• الأيقون، ويشكل المرحلة التي تحيل فيها العلامة الممثل على العلامة الموضوع من خلال الثانوية، وتكون هذه الحالة مبنية على المشابهة بين العلامتين، وتكون الإحالة بينهما تلقائية وطبيعية، "فأي شيء كان... يعتبر أيقون لشيء ما، شريطة أن يشبه هذا الشيء ويستعمل دليلا له" [3]ويندرج ضمن هذه المرحلة كل العلاقات القائمة على التشابه والتماثل بين العلامة الممثل وتمثله، ويربط الأيقون، بشكل خاص، بالصور والأشكال الهندسية؛ ذلك بأن العلامة الممثل في هذه الحالة يمكن أن تستغني عن حضور العلامة الموضوع الذي تمثلها، لأننا قد نتعرف، ببساطة، عن هذه الإحالة من خلال الأيقون الماثل أمامنا. ويقسم بورس الأيقون إلى ثلاثة أنواع وهي:
•الأيقون/ الصورة، مثل الصور الفوتوغرافية التي تحيل على موضوعها بشكل مشابه وخالص.
• الأيقون/ الرسم البياني، مثل الخطوط المرسومة بقيم الرصاص والتي تدل على أشكل هندسية ما، وفي هذه المرحلة نكون أمام إحالة متأسسة على التناظر بين العلامة الممثل والعلامة الموضوع.
• الأيقون/ الاستعارة، وهـذه الـمـرة نكون أمام حالة أعقد، فالإحالة تكون استعارية بالأساس، مثل الغـزال الذي يـدل على الجميلات من النسـاء، فالأيقـون لا يدل بشكل مباشر على ما يحيل عليه، بل يبني إحالته على عناصر مشابهـة كالرشاقة والجمال...، ويؤكد أمبيرتو إيكو أن هذه الحالة تكون قائمة عن طريق ما أسمـاهُ بـ"سنن التعرف".
• الأمارة، المؤشر : إذا كان الأيقون مبني، في إحالته، على علاقة المشابهة بين العلامة الممثل والعلامة الموضوع، فإن الأمارة تؤسس هذه الإحالة على علاقة المُجاورة، وهكذا فالدخان أمارة على النار والصراخُ أمارةٌ على الألم، والغيمة السوداء أمارة على سقوط المطر، ولذلك "فالأمارة علامة تثير انتباهك إلى وجود شيء ما عبر دافع ما. وهذا الدافع لا علاقة له بالتشابه فهو يتم بحكم علاقة مرجعية أشرنا إليها باعتبارها تجاورا. ولهذا السبب، فإن الأمارة تفقد مباشرة الطابع الذي يجعل منها علامة إذا حُذف موضوعها. أما إذا غاب المؤول فهي لن تفقد هذا الطابع".[4]
• الـرمز، وفي هذه الحالة تكون العلاقة بين العلامة الممثل والعلامة المؤول "اعتباطية وعرفية وغير معللة. فلا يوجد ثمة، إذاً، أي تجاور أو صلة طبيعية بينهما"[5]، فهي "علامة فرعية ثالثة لبعد الموضوع تحيل على الموضوع الذي تشير إليه بفضل قانون"[6]، ويمكن أن نمثل لهذه العلامة بكل ما تم التواضع عليه في المجتمع، فاللغة تشتغل في كونها رموزا تم التواضع عليها بين بني البشر، ولذلك تأخذ طابعا رمزيا عرف
3- الثلاثية الثالثة أقسام العلامة من حيث المؤول :
• الخـبر، هو العلامة الممثل في إحالته على العلامة المؤول بوساطة مقولة الأولية، أي المرحلة الأولى التي تتجسد فيها العلامة على أساس أنها مجموعة من الإمكانات فقطّ، فـ"ما دام الخبر يقتصر على ما تقدمه العلامة، فإنه لا يوفر معلومات للتأويل، ولكنه يشير فقط إلى العناصر الأولية التي تتوفر عليها العلامة"[7]، فإذا نطقنا لفظة ما على مسامع لا تعرف ما نقول، فإن الخبر يحضُرُ حينما نربط تلك الصورة السمعية بمدلولها الخاص فقط، إذ يمكننا، حسب دولودال، أن نجعل المدلول السوسيري مرادفا للمؤول الخبر لدى بورس؛ إذ لا يمكن أن يتجاوز المدلول، حسب سوسير، تعيين مفهوم ذهني عام مرتبط، أشد الارتباط، بما تدل عليه الكلمة استنادا إلى إمكاناتها الذاتية الأولى.[8]
• التصديق، ويتجسد باعتبار إحالة العلامة الممثل على العلامة المؤول تنطلقُ من مقولة الثانوية، فالعلامة لا تقف عند حد الإمكان الإخباري فقط، بل تتجاوز ذلك إلى تحققها بشكل فعلي وواقعي متفرد، فاللفظة التي نطقناها في حالة "الخبر" يمكننا، في هذه المرحلة، أن نجسِّدها بشكل ملموس عبر ربطها بسياق معين، فنصبح أمام تصديق للعلامة.
• الحجة، أما في هذه الحالة التي تتصل بمقولة الثالثية والفكر، فالأمر يتعلق بقانون يحكم المؤول ويربطه بشكل يمكننا، على نحو مُقنع، من التعرف على العلامة، فإذا ربطنا في الحالة الأولى الكلمة التي نطقناها بإمكاناتها فقط، وفي الحالة الثانية بوجود فعلي ملموس وخاص، فإننا في هذه الحالة سنحاول الإتيان بكل الحجج التي تسمح لنا بإعطاء دلالة ما لتلك العلامة، فتصبح، حينذاك، محددة.
وانطلاقا مما سبق، يتبدَّى لنا التعقيد الذي يطال نظرية بورس في السيميائيات، فهي تشكل لديه سيرورة لا حدّ لها، فالعلامة الممثل تحيل على العلامة الموضوع عن طريق العلامة المؤول، وهذه الأخيرة بدورها تتحول إلى علامة ممثل تحيل على علامة موضوع عن طريق علامة مؤول وهكذا إلى ما لانهاية، وداخل كل علامة نجد تفريعات ثلاث وكل فرع يشكل علامة تحيل إحداها على الأخرى في سيرورة ثلاثية لامتناهية. ويلاحظ أن التقسيم الثلاثي للسيميوز وللتفريعات داخل السيميوز تنسجم مع المقولات الفانيروسكوبية الثلاث، وهذا ما يعطي طابعا متسقا للنظرية البورسية في السميائيات، كما يمكن لنا أن نجسد لهذه النظرية على النحو الآتي:[9]
المقولات الفانيروسكوبية
الأولية (مقولة الأحاسيس)
الثانوية (مقولة الفردية)
الثالثية (مقولة الفكر)
السيميوز
العلامة الممثل
العلامة الموضوع
العلامة المؤول
تفريعات السيميوز
أولية أولية (علامة نوعية)
ثانوية أولية ( أيقون)
ثالثية أولية (خبر)
أولية ثانوية (علامة متفردة)
ثانوية ثانوية (أمارة)
ثالثية ثانوية (تصديق)
أولية ثالثية (علامة عرفية)
ثانوية ثالثية (رمـز)
ثالثية ثالثية (حجة)
[1]جيرار دولودال وجوويل ريطوري، التحليل السيميوطيقي للنص الشعري، تـ: د. عبد الرحمان بوعلي، مطبعة المعارف الجديدة، المغرب، الرباط، الطبعة الأولى، 1994م، ص: 18.
[2] لخضر العرابي، المدارس النقدية المعاصرة، م. س. ص:95
[3] طائع الحداوي، السيميائيات والتأويل: الإنتاج ومنطق الدلائل، م. س. ص: 273
[4] سعيد بنكراد، السميائيات والتأويل، م. س. ص: 119.
[5] جميل حمداوي، السيميولوجيا بين النظرية والتطبيق، م. س. ص: 24
[6] جيرار دولودال وجوويل ريطوري، التحليل السيميوطيقي للنص الشعري، م. س. ص: 20
[7] سعيد بنكراد، السميائيات والتأويل، م. س. ص: 123.
[8] المرجع السابق، ص: 124.