Section outline

  • المحاضرة الخامسة نظرية الأفعال الكلامية عند أوستين

    تأسست نظرية الأفعال الكلاميةعلى قاعدة مفادها أنّ جوهر العمليّة التّواصلية لا يقتصر على تبادل أو نقل المعلومات فحسب , بل إنّه كفيل بتحقيق فعليّ للحدث ، بمعنى أنّك إذا نطقت بجملة من قبيل " زوجتك ابنتي " فإنّك لا تنشئ قولا فقط بل تؤدي فعلا ، فعلٌ تحكمه القواعد ،و الأعراف و توجّهه الأهداف . و من ثمّ فالفعل الكلامي هو« الملفوظ المتحقق من قبل متكلّم محدّد في سياق محدّد و الّذي لا تكون اللّغة معه مجرّد أداة تواصليّة بل فعلا اجتماعيّا أو سلوكا فرديّا أو مؤسساتيّا »[1]

    ظهورنظرية الأفعال الكلامية :

    ارتبطت بدايات نظرية الأفعال الكلامية بفلاسفة اللغة الذين أسهموا شكل مباشر في نشأتها و تطويرها حيث ينطلق روادها من مسلمة تنص على أن اللغة الطبيعية هي الوسيط الأمثل لنقل أفكار الانسان و تجسيد قصده غير أن دورها لا يقف عند هذا الحد فحسب إذ لا تقتصر مهمتها على نقل الخبر و وصف الواقع بل توظف أيضا لانجاز أعمال لا تؤدى من دونها .

    ومن أبرز رواد هذا التيار "فيتغنشتاين Wittgenstein ِ " في مرحلته المتأخّرة " التي يعبرّ عنها كتابه بحوث فلسفيةPhilosophicalInvestigations ،الذي رأى أن وظيفة اللغة  لا تقتصر على تقرير الوقائع أو وصفها لكن للغة وظائف أخرى كالأمر و النهي و الاستفهام ... فليست اللغة عنده حسابا منطقيا دقيقا لكل كلم ففيها معنى محدد ل للكلمة الواحدة معان متعددة تعدد استخدامنا لها في الحياة اليومية  ،بحيث تتعدد معاني الجمل بتعدد السياقات التي ترد فيها فالمعنى عنده هو الاستعمال .

    لقد كان لإرث فيتغنشتاين أثرا بالغا على "أوستين Austin "الذي تصدى للرد على فلاسفة الوضعية المنطقية في محاضراته التي نشرت في كتاب-

    thingswithwordsHow to do  " - الذين "رأوا أن اللغة وسيلة لوصف الوقائع الموجودة في العالم الخارجي بعبارات إخبارية  ثم يتم الحكم بعد ذلك على هذه العبارات بالصدق إن طابقت الواقع و بالكذب إن لم تطابقه ، فإذا لم تطابق العبارة واقعا فليس من الممكن الحكم عليها بالصدق أو الكذب و هي من ثم لا معنى لها ... و هم بذلك يخرجون من اللغة معظم أنواع الخطاب الأدبي و الديني  الأخلاقي فهي معيارهم لا معنى لها "[2].

    أنكر أوستين مقولة " اقتصار وظيفة اللغة على وصف  ،وقائع العالم و أطلق عليها عبارة " المغالطة الوصفية " ورأى أن هناك عبارات تشبه العبارات الوصفية في بنائها لكنها لا تصف وقائع العالم و لا توصف بالصدق و لا الكذب كأن يقول أحدهم : سميت ابنتي فاطمة أو أتعهد بكفالة اليتيم الخ فهذه العبارات و أمثالها لا تصف وقائع العالم الخارجي بل إن الناطق بها لا ينشئ قولا بل يؤدي فعلا هو "الفعل الكلامي " .

    ميز أوستين في البداية بين نوعين من الجمل :

     جمل وصفية" إخبارية " : هي جمل تصف وقائع العالم الخارجي و تكون صادقة أو كاذبة

    جمل انجازية" أدائية "  :تنجز بها في ظروف ملائمة أفعال أو تؤدى ولا توصف الصدق أو الكذب بل تكون ناجحة " موفقة " أو فاشلة و يدخل فيها التسمية و الوصية و الاعتذار و الرهان و النصح و الوعد بحيث

    و قد حدد الفرق بين هذين النمطين عن طريق وضع مجموعة من المعايير منها ما هو مقالي و منها ما هو مقامي

    المعايير المقالية: تتعلق بالجانب الشكلي للجملة حتى تكون إنجازية

    يجب أن تكون مبنية للمعلوم و مشتملة على فعل من النوع الانجازي مثل أمر نهى و وعد ..

    يجب أن يكون الفعل متصفا في الحاضر

    يجب أن يكون منتج الجملة المتكلم المفرد

    المعايير المقامية

    وضع فيها أوستين معيارين هما :

    معيار الصدق / الكذب في الجمل الوصفية .

    معيا النجاح / الفشل في الجمل الانجازية.

    كما صاغ جملة من الشروط المقامية الي يجب الاستجابة لها لضمان نجاح  الفعل و صيانته من الفشل و هي :

     يجب أن يحصل تواضع و اتفاق عل نهج مطرد متعاف عليه ، و أشخاص مشاركون في عملية التواصل داخل طبقات مقامية معينة

    يجب أن تكون الظروف ملائمة و أن يتوف لدى المشاركين نية إنجاز الفعل و يتم انجاز الفعل من طرف جميع المشاركين و بصورة صحيحة .

    يجب أن ينفذ المشاركونالنهج على وجه صحيح مضبوط[3].

    ينهض كل ملفوظ عند أوستين على نظام شكلي دلالي انجازي تأثيري كما يعد نشاطا ماديا نحويا يتوسل أفعالا قولية لتحيق أغراض  إنجازية و غايات تأثيرية تخص ردود فعل المتلقي و من ثم فهوفعل يطمح إلى أن يكون ذا أثر في المخاطب اجتماعيا،أو مؤسساتيا  و قد توصل أوستين في آخر مرحلة من بحثه إلى تقسيم الفعل الكلامي الكامل إلى ثلاثة أفعال فرعية هي :

      - فعل التلفظ( الكلام – القول )l acte locutoire  :و يقصد به « إطلاق الألفاظ في جمل مفيدة ذات بناء نحويّ سليم و ذات دلالة »[4]بمعنى أنّه  فعل يتحقق بمجرد التّلفظ بأصوات لغويّة ذات تركيب نحوي سليم يحيل إلى مراجع معروفة، ينتج عنه معنى معين  ففعل القول يشتمل بالضرورة على أفعال لغوية فرعية و هي المستويات اللسانية المعهودة ، المستوى الصوتي و المستوى التركيبي و المستوى الدلالي و لكن أوستين يسميها أفعالا ، الفعل الصوتي  و الفعل التركيبي و الفعل الدلالي وبهذا فهو أساس الأصناف ( الأفعال الأخرى ) فالتلفظ بالفعل الكلامي يقود إلى تحقيق فعل آخر هو :

    الفعل لإنجازي  Acte illocutoire: و هو أساس هذه النظرية إنّه : « العمل الذي يتحقق

    بقولنا شيئا ما»[5] .و هذا الصنف من الأفعال الكلامية ه المقصود من النظرية بأسرها و لهذا اقترح أوسين تسمية الوظائف الثاوية خلف هذه الأفعال بالقوى الإنجازية مثل السؤال أو التحذير أو الأمر ...فالفرق بين فعل التلفظ و فعل الإنجاز هو أن الثاني قيام بفعل من قول شيء في مقابل الأول الذي هو مجرد قول شيء  

    "الفعل التأثيريacte perlocutoire" أو ما سماه أوستين بلازم فعل الكلام ،و يحدث ذلك عندما يسعى المرسل إلى التّأثير بفعله على سلوك أو مشاعر المرسل إليه ، كإقناعه ، أو تشجيعه ...، فالتلازم بين هذه الأصناف الثلاث لا يقف عند هذا الحد ،بل إنّه:« و لكي تنجز فعل الكلام  ، و بالتّالي قوّة فعل الكلام ،لابدّ أيضا من أن ننجز نوعا آخر من الأفعال . فأن نقول شيئا ماقد يترتب علية أحيانا أو في العادة ، حدوث بعض الآثار على إحساسات المخاطَب و أفكاره أو تصرفاته ، كما يستلزم ذلك لوازم و نتائج قريبة  تؤثر على المتكلم و غيره من الأشخاص الآخرين، و قد يقع أن نتعمّد إحداثهذه الآثار. و النّتائج، و اللوازم عن قصد و نيةأو غرض ما ، و من ثمّ يجوز أن نتحدث، و نحن نأخذ في اعتبارنا اجتماع كل تلك الأمور، أنّ المتكلم قد أنجز شيئا ما أو فعلا ما ...و إنجاز فعل من هذا النّوع ، يمكن أن نسميه بإنجاز ما ترتّب عن فعل الكلام ما لزم عنه، و هو بالضبط مصطلحنا "لازم فعل الكلام"»[6] .

    و عليه فإن المرسل يتوصّل من خلال الفعل الإنجازي- و الذي يرتكز أساسا على فعل التّلفظ -  إلى تحقيق فعل آخر،هو الفعل التأثيري ،فقد يتوصل مثلا من خلال فعل الإخبار إلى بعث السّرور في قلب المرسل إليه .

    خصائص الفعل الكلامي : للفعل الكلامي عند أوستين ثلاثة خصائص هي :

    إنه فعل دال

    إنه ففعل إنجازي أي ينجز الأشياء و الأفعال الاجتماعية الكلمات

    إنه فعل تأثيري أي يتك آثارا معينة في الواقع خصوصا إذا كان فعلا ناجحا[7]

    يرتبط الفعل الإنجازي عند أوستين ارتباطا وثيقا بمقصد المتكلم و على السامع أن يبذل الجهد الكافي للوصول إليه ويختلف على إثره الكلام إل أضرب تخلف بدوها من حيث نوع الكلام المنجز إخبارا أو استفهاما  أو نداء ...

    يعير أوستين الفعل الانجازي اهتماما خاصا النظر إلى الفعل التأثيري مبررا ذلك بجملة من الحجج أهمها

    الفعل الانجازي لا يمكن أن يكون إلا لغويا ففي حين يفتق الفعل الانجازي لهذه السمة لأن رد الفعل قد يكون لغويا و قد يكون عمليا

    يتحكم المتكلم في الفعل الانجازي و يتعذر عليه ذلك بالنسبة للفعل التأثيري

    يحكم العرف الفعل الانجازي فيتوسل إليه بطرائق عرفية تتمثل في الصيغ و التراكيب الانجازية المتداولة من أمرية و ندائية و استفهامية ...أما الآثار المخلفة لدى المخاطب فهي عبارة عن نتائج خالية من كل عنصر عرفي .[8]

     صنف أوستين الأفعال الكلامية على أساس قوتها الانجازيةفجعلها  خمسة أفعال يتحققهدفالمرسلبمجرد التّلفظ بها و هي كالآتي :[9]

    -أفعال الأحكام ( أفعال القرارات التشريعية ) verdictives:

    و تهدف إلى إصدار الأحكام من طرف حكم أو حكيم ( كالقاضي أو حكم المباراة )  وليست هذه الأحكام نهائية أو نافذة ، و قد تكون ( أحكاما ) تقديرية وظنية في صورة رأي مثل : يقدر – يعين – يحلل - يبرئ .

    1-أفعال القرارات( أفعال الممارسات التّشريعية)exécutives :

    و تهدف إلى إصدار أحكام فاصلة و هي ممارسات تختصّ بها السّلطة التّشريعية

    و القانونية كإصدار حكم تجنيدٍ أو تعيين...

    2-أفعال التّعهد ( الأفعالالإلزامية ) : commissives

    يهدف المرسل من خلالها إلى إلزام نفسه بفعل شيء ما مثل الوعد ، الضمان ، التّعهد .

    3-أفعال السّلوكbehabitives:

       و هي أفعال يتوسلها المرسل بهدف التّعبير أو إبداءسلوك معين . كالشّكر و الاحترام

    و التّحية ، و الرجاء .

    4-أفعال الإيضاح ( التفسيرية )expositives:

    و الهدف منها توضيح وجهة نظر أو بيان رأي أو ذكر حجة كالإثبات ، و الإنكار و الاستفهام ، و التشكيك  .

     

     

     

     

     

     

     

     



    [1]ـ مسعود صحراوي، الأفعال المتضمنة في القول، ص83.

    [2]محمد أحمد نحلة ، آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر ص 42 -43

    [3]جون أوستين نظرية أفعال الكلام العامة ، كيف ننجز الأشياء الكلمات تر عبد القادر قنيني أفريقا الشرق 2006 ص 26  و في مايلي النص كما ورد في quand dire c’est faire  :

    Acte Locutoire : « C’est la production de sons de mots entrant dans une construction et

    douce d’une signification» Austin, quand dire c’est faire paris le seuil 1970P109

     

     

    [4]ـ محمد أحمد نحلة ، آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر، ص68.

    [5]ـ آن روبول ، جاك موشلار ، التداولية اليوم  علم جديد في التواصل تر سيف الدين دغموس ، محمد الشيباني المنظمة العربية للترجمة دار الطليعة بيروت 2003، ص32و هذا نص تعريف الفعلالانجازي التأثير عند أوستين كما وردا في كتابه quand dire c’est faire

      Acte Illocutoire : « Il s’agit d’un acte effectué en disant quelque chose»ibid P113

    .Acte Perlocutoire : « produire un acte locutoire et par la un acte illocutoire, c’est produire  encoure un troisième acte dire quelque chose provoquer souvent le plus souvent certains effets sur les sentiments les pensées.» Austin, quand dire c’est faire.P114

    [6]ـ أوستين ، نظرية أفعال الكلام ، ص121 ، 122 .

    [7]مسعود صحراوي التداولية عند العلماء العرب ص44

    [8]خديجة الشنقيطي المنحى التداولي في التاث اللغوي عالم الكتب الأردن 2016ص 59-60

     

    [9]ـ المرجع السابق، ص69.