Résumé de section

  • الرابطة القلمية

    1 – التـأسيس:

               مرت مدرسة المهجر بمراحل تاريخية وأخذت مسميات مختلفة، وفق الظروف التاريخية والاجتماعية التي كانت تعيشها في البيئة الأمريكية ، ومن ثم انقسمت مدرسة المهجر إلى مدرستين هما مدرسة الرابطة التعليمية وجمعية العصبة الأندلسية .

    أ -  جمعية الرابطة التعليمية:

    هي جمعية أدبية أسسها شعراء وأدباء هاجروا من الشام (سوريا ولبنان خاصة)، إلى أمريكا و مكثوا بها ،و تحديدا في مدينة نيويورك سنة 1920م، وكان جبران خليل جبران رئيسا لها ، وكان قد انتمى إليها أدباء من  أمثال عبد المسيح حداد، ونسيب عريضة، ورشيد أيوب، وميخائيل نعيمة، وإيليا أبو ماضي، وإيليا عطاء الله، وغيرهم كثير، وقد كان هدفهم الأول هو :" أن الأديب قد يكون مبحث التجربة الأدبية لديه، بل ومما يدخل في تكوين عناصر ها الفنية ما يرجع إلى المعارف والعلوم الإنسانية على نحو يجعل منها مصدرا لمقومات تلك التجربة ... وأن الأدب صور من التعبير والتفكير الإنساني الأخرى ، تكون ذات صبغة فتية مثل الموسيقى والرسم والنحت والتصوير  "

    وقد دامت الرابطة التعليمية عشرة أعوام، وكان أعضاؤها ينشرون إنتاجهم الأدبي في مجلة الفنون ثم في مجلة السّائح، وقد توقف نشاطهم بوفاة جبران خليل جبران   وبعد ذلك تفرق أعضاؤها بالعودة إلى الوطن أو بالوفاة.

     

    ب.- جمعية العصبة الأندلسية:

    كان تأسيسها سنة 1932 في البرازيل  ، وربما حملت هذا الاسم الجو الإسباني الذي كان يسود الحياة العامة، فأثار ذلك في نفوس أدبائها ذكريات الأندلس المفقودة ، فحاولوا أن يعيدوا ذلك المجد التّليد، وكان لهم مجلة تسمى "الأندلس الجديدة" ثم مجلة العصبة الأندلسية التي صدرت أعدادها عام 1934م ، وقد كان تولى رئاستها الأديب حبيب مسعود ، وقد استمرت إلى عام 1960 مع فترات انقطاع.

    وبعد هذه الفذلكة حول تأسيس مدرسة المهجر ، ينبغي أن ننتقل بك – أيها الطالب – إلى التعرف على تصورها للشعر ومنظورها حوله.

    3 - منظور شعراء الرابطة التعليمية للشعر الحديث:

    كان لأدباء الرابطة التعليمية نظرة خاصة للشعر، وكان أبرز من مثل الجانب النقدي لهذه الجماعة هو ميخائيل نعيمة، في كتابه "الغربال". إذ حدد فيه عدة مفاهيم نقدية، منها مفهوم الشعر ومفهوم الأدب والأديب وغيرها من القضايا النقدية ...، ومن هنا يمكن أن نتساءل، ما مفهوم الشعر عند ميخائيل نعيمة من خلال كتابه "الغربال"؟ لكن قيل الحديث عن الشعر ينبغي الحديث عن مفهوم الأدب ومفهوم الكاتب عند ميخائيل نعيمة .

    أ - مفهوم الأدب:

    كان الهدف من كتاب الغربال الصادر في طبعته الأولى 1923، هو وضع تصور نقدي مغاير للتصورات النقدية السابقة لمدرسة المهجر، وبالتالي دعوة إلى ادب جديد أيضا، يظهر جليا  في الهجوم على كل ما يتصل بالأدب العربي القديم، وما فيه من لغة قديمة ونظام قصيدته القديمة التقليدية التي سن نظامها الخليل بن أحمد الفراهيدي ، وقد كان تصور الأدب من خلال كتاب الغربال بالنظرة الإنسانية المعبرة عن الحياة النفسية والاجتماعية، وكان هذا المنظور ناتجا بسبب احتكاكه بالأدب الروسي ، هذا الأدب الذي  يلتزم بما يدور داخل مجتمعه من ثورات وتغيرات، لكنه لما احتك بالمجتمع الأمريكي صار ينظر إلى الإنسان كوحدة مستقلة في الوجود وليس كفرد في المجتمع.

    والأدب عند ميخائيل نعيمة هو القدرة على استكشاف باطن الإنسان وحقيقته الباطنية، ومثالها  النموذجي مسرحيات الشاعر الإنجليزي شكسبير التي عالج منم خلالها الجوانب الإنسانية في المجتمع والقيم الحضارية التي ينبغي أن يكون عليهما الإنسان عامة في مجتمعه، وبذلك يكون " الأدب الحي هو الذي يتقبل كل جديد ويرحب بالتأثر مادام هذا الجديد ينفعه أو ينعشه أو بدفعه إلى الأمام ، ويجب أن يكون للأدب الحي جذور عميقة وركائز ثابتة ، حتى إذا هبت رياح التأثير لم تقلعه من جذوره"

    ب - مفهوم الكاتب:

    الشاعر في نظر  صاحب كتاب "الغربال" ، هو الذي يبصر بقلبه الحقائق التي لا يمكن أن يراها غيره من الناس، وهو الذي يعطينا من كل شيء في الحياة شيئا مفيدا، ومن ثم فهو الذي وهبته الطبيعة موهبة إدراك الحقيقة قبل غيره، وبهذا فالشاعر ليس كغيره ، فهو يتمتع بقداسة الفيلسوف والمبدع والمصور الذي يرى بروحه ، ويحول ما يقع عليه بصره إلى مشاهد فنية فريدة ، كل ذلك بفضل الخلق والإبداع الفني مع شيء من موسيقى الكلام ، وهو في خضم ذلك الإبداع يدرك الأصوات متناسقة تناسقا جميلا مما يدل على مقدرته الشعرية، بينما غيره لا يدركون هذه الموسيقى التي تقع خلف الكلمات وتقبع وراء الأصوات، " يخلق الكلتب نفسه في كل ما يكتب ولولا ذلك لما كان للكتابة من معنى ، والكتاب في مظري ثلاثة  كاتب يجره زمانه وكاتب يجاري زمانه ، وكاتب يجر زمانه ، والأخير أصلبهم عوذا        و أندرهم وجودا"

    ج - مفهوم الشعر:

    تنطلق رؤية ميخائيل نعيمة للشعر الحديث من رؤيته وتأثره بالشعر والأدب الروسي، إذ رأى فيه ثورة على الماضي و أملا في نشدان الحرية التي  تنبثق من عبق الشعر القديم، و لميخائيل ثناء على أحد الأدباء  الروس هو ّ"تولستوي"                 قائلا :" سيحيا تولتستوي وسيبقى عظيما لأنه كانت عظيم ولأنه حاول أن يحيا حياة العظماء من المصلحين والأنبياء  ، لقد كان عملاقا من عمالقة الروح والقلم وعظمته ليست في حاجة إلى نهايتها ولكننا في حاجة إلى تأدية الشهادة ، لعلنا نتجمل بجمال تلك العظمة ، وبمجدها نتمجد " [1] كما كانت رؤيته متأثرة  بالمذهب الرومانسي وشعرائه، لا سيما الإنجليز  منهم خاصة. وهكذا كان الشعر عنده يصور أولا أوضاع الإنسان الغربي الاجتماعية وواقعه المتخلف، مستشرفا أنواع التغيير والإصلاح ،كما كان يصور النزعة الروحية داخل الإنسان ، ذلك الكائن الذي يريد التغلب على أهوائه ويعيش في ظل الحرية، الشيء الذي جعله في أواخر حياته يتخلى عن الجانب الواقعي في الشعر  ، ويهتم أكثر بالجانب الروحي فقط.

    د -  مفهوم اللغة:

    اللغة هي الأهم عند ميخائيل نعيمة إذ هي الوسيلة التي بها يبدع والأداة التي بفضلها ينماز بأسلوبه  على أقرانه، وفي نظره أنه لا يوجد في الحياة لغة كاملة لتأدية كل انفعالات النفس وعواطفها وأفكارها، وكل قاعدة لغوية قيمتها مرهونة يقدر خدمتها في توضيح المعنى من التعبير، فاللغة الجيدة هي اللغة التي تستطيع التعبير عن  مضمون القلب ولب الأفكار ، أما لغة اللسان فلا يمكن أن تفعل ذلك ، لأنها لا تزيد على أنها قواعد وصيغ لغوية لا غير، يقول مبينا أهمية اللفظة اللغوية " أعرف أن للكلمة حياة متحركة ، وإنها في أدق معانيها رمز لما هو أكبر منها وأوسع وأعمق ، ولكنني أعرف كذلك أن للكلمة الحية مفاصل وجذورا ، وأنها كغيرها من مظاهر الحياة المتحركة ـ، تخضع لنظام فإذا هي انخلعت من مفاصلها وأفلتت من نظامها ، وفاتت على  القارئ معانيها وباتت أحاجي لا يستطيع فكها إلا السحرة والمنجمون ، وما كل قارئ بساحر وما كل قارئ بمنجم"

    ه - مفهوم النقد:

    كان ميخائيل نعيمة يسعى من خلال كتابه إلى وضع تصور نقدي ، يكون في مجمله مشحونا بأفكار نقدية ، تقف موقف النقيض من أفكار ومضامين الأدب العربي القديم سواء أكان ذلك في الشعر أو في النثر، وقد أحسن في ذلك حيث ربط الجانب النظري بالجانب التطبيقي ، وذلك أنه أدرك أن الأفكار النقدية النظرية  إذا لم تجد سبيلا إلى التطبيق فستبق أطرا فارغة ليس لها فائدة تذكر، لذلك قسم كتابه شطرين ، حيث تناول في الشطر الأول  أشياء نظرية ، بينما جعل شطره الآخر خاصا بالمقاييس النقدية التطبيقية ، ومن خلال هذا التصور، قام  بنقد بعض الكتب النقدية، وإعطاء رؤى نقدية حول محتوياتها الأدبية والنقدية.

    وقد كان - في ذلك كله - معترفا ومتأثرا بالأفكار النقدية الغربية، والإقبال على  الأجناس الأدبية الغربية ذات الطابع الإنساني،  كالمسرح الذي يراه وسيلة مثلى في تحقيق نهضة أدبية نقدية، ولذلك دعا إلى ترسيخ المسرح في قائمة الإبداع العربي في مجال الأدب.

    ولا بد أن تعلم – أيها الطالب - إلى أن كتاب الغربال احتوى على إحدى وعشرين مقالة، خص بعضها للهجوم على الأدب القديم مثل مقالة "الحباحب" ومقال "نقيق الضفادع" ومقال "الزحافات والعلل" للهجوم على علم العروض، كما تعرض بالنقد ليعض دواوين عصره مثل ديوان "القرويات " وديوان "الريحاني وعالم الشعر" وغيرها.

    لكن يرجح النقاد أن نقده  على امتداد كتابه " الغربال" كان في أغلبه ذاتيا،  لأنه يعتقد أن لكل ناقد غرباله، ولذلك يرى صفات الناقد من منظوره الخاص ،ومن هذا المنظور الذاتي يضع له شروطا ، يمكن سردها  بإيجاز ، وهي الإخلاص وحب صناعة النقد والذوق والشعور الرقيق، والفكر اليقظ، والبيان الحسن.

    إضافة إلى هذه الشروط، فقد وضع مقاييس نقدية ، يمكن ذكرها كما يلي:

    1.     حاجتنا إلى الإفصاح عن كل ما ينتابنا.

    2.     حاجتنا إلى نور نهتدي به في الحياة.

    3.     حاجتنا إلى الجميل في كل شيء.

    4.     حاجتنا إلى الموسيقى، والشعر الجديد البعيد عن الأوزان والقوافي العربية القديمة، وفي ذلك يقول متحدثا عن خصائص هذا الشعر : " ولا أعني أنه لا يمت بصلة إلى البحر المعروف بذلك الاسم من بحور الشعر العربية ، ولكم في الكلمة ما يعني الإطلاق... الحركة تجري إلى هدفها بسهولة وبغير قيد وتلك هي أبرز صفات هذا النوع من الشعر ، فهو لا يتقيد  بوزن ولا قافية بل يجري على السجية جريا وليس يخلو من الإيقاع والموسيقى والرنة الشعرية ..."

    4 - الأفكار النقدية للرابطة القلمية :

    1       - التأثر بالمذهب الرومانسي وذلك يظهر في الموضوعات التي صاغوا بها قصائدهم واللغة التي كتبوا بها شعرهم، حيث ظهرت خصائص المذهب الرومانسي بشكل جلي في مخاطبتهم للطببيعة ومساءلتهم للنفس البشرية مع مصاحبتهم للخيال والتصوير الفني في جل أشعارهم .

    2       - نادوا بضرورة التجديد في الأدب سواء كان ذلك في الشعر أم في النثر، وذلك أن أغراض وأنواع الشعر القديم لم تعد توائم الحياة الجديدة التي صارت الأمة تحياها ، وأصبح الشاعر يحس بها ويتأثر لأجلها.

    3       - توثيق صلة الشعر بالحياة الإنسانية الواقعية، لأن الشعر في نطرهم رسالة تتصل بواقع الشاعر أولا و بحقيقة الحياة عند عموم الناس ثانيا

    4       - إهمالهم ثنائية الشكل والمضمون واعتبارها من موروثات الأدب القديم.

    5 -  الخروج عن نظام القصيدة العمودية و ذلك بالتنويع في القوافي والبحور، واعتبار ذلك قيود للشاعر وأغلال تعيق انطلاقه نحو الإبداع .

    6       -  الحنين إلى الوطن، واستذكار الماضي الذي عاشوه أيام الصبا والطفولة في بوادي وأرياف لبنان ، وذلك بذكره في إبداعاتهم الشعرية والنثرية.

    7       - النزعة الإنسانية واستعمال اللغة السهلة المعبرة عن روح العصر.

    8       - الوحدة العضوية والموضوعيةـ ،وهم في ذلك يضاهون جماعة الديوان وجماعة أبوللو.

    9       - الاهتمام بشكل جلي وواضح بالصورة الفنية واعتبارها مدار الإبداع الشعري ، والتمرد  - في الوقت نفسه - على الأوزان الخليلية القديمة، من أجل إبداع القصيدة العربية وبنائها وفق هيكل شعري حديث يساير مقتضبات عصرهم ومتطلبات طموحاتهم الوطنية   ونزعتهم القومية ونظرتهم الإنسانية.

     - استعمالهم للرمزية وذلك يظهر في شعر إيليا أبو ماضي وميخائيل نعيمة ، ونحن نختار لك  - أيها الطالب – للتدليل على ما قلناه لك قصيدة للشاعر إيليا أبو ماضي ، استخدم فيه الرمزية ، وعنوانها " التينة الحمقاء" التي يصور فيها عزمها على عدم الإثمار والإيراق كيلا يستفيد منها بشر أو طير ، هذا هو الظاهر ، أما رمزها فهو الرجل البخيل الذي نهايته الإهمال ثم الفناء في الأخير ، كما كانت نهاية هذه الشجرة الاجتثاث ثم الاحتراق ، ونلك نهاية كل من لا يجود بما منحته الحياة من نعم.