Section outline

  • جماعة الديوان

    1.    نشأة جماعة الديوان:

    مدرسة مثلت حركة نقدية أو جماعة نقدية كما أراد أن يسميها بعض النقاد، تلك المجموعة نادت بتجديد الشعر العربي في بداية القرن العشرين، إذ كان يتزعمها ثلاثة  شعراء جمعوا بين نظم الشعر وكتابة النثر و النقد، وهم عباس محمود العقاد وعبد الرحمن شكري وعبد القادر المازني، وقد أخذت هذه التسمية من النسبة إلى الكتاب الذي ألف من قبل هذه الجماعة واسمه "الديوان"،  لكن هذا الكتاب صدر منه الجزء الأول فقط ولم يكتب للأجزاء الباقية الصّدور ، وذلك بسبب الخلاف الذي نشب بين المازني وشكري.

    3       -الخصائص الفنية للشعر عند جماعة الديوان:

    كان لجماعة الأثر البارز في إعطاء الشعر العربي توجها جديدا، حيث ذهبوا إلى المناداة بوضع تصّور فني ينبغي أن يلتزم به الشاعر حين ينظم القصيد، وبذلك أخذ الشعر في نظرهم خصائص فنية، يمكن أن نذكرها كالآتي:

    أ - الاتجاه نحو التجديد:

     وذلك في المعاني الشعرية والتركيز على الذات والطبيعة والموضوعات النفسية ، والانصراف في شعر المناسبات ، ويبدو ذلك في مخاطبة العقاد، لطائر الكروان المغّرد ، مخاطبا إياه بتوظيف ضمير المتكلم قائلا:

    أنا في جناحك حيث غاب مع الدُّجى

                                                                           وإن استقر   على   الثرى   جثماني

    أتاني لسانك حيث أطلقه الهوى

                                                                           مرًحا   و إن غلب السّرور   لساني

    أنا  في ضميرك حيث  باح  فيما

                                                                           أرى   سِرًّا     يخفيه ضمير  زماني

    أنا  منك من القلب الصغير  من 

                                                                           أجل خفق الربيع بذلك الخفقان

    ب - الوحدة العضوية:

    نادت جماعة الديوان بما أطلقوا عليه مصطلح "الوحدة العضوية" ،ويقصدون بها أن تكون الأبيات في القصيدة مقّيدة بموضوع واحد، حيث تكون الأبيات بنية واحدة، لا يمكن تقديم أو تأخير بيت منها، ومن أمثلة ذلك ما قاله العقاد في قصيدة "آه من التراب" التي قالها  في رثاء الأديبة "مي زيادة"، ومطلعها :

        أين في المحفل مني يا صحاب؟         عودتنا هاهنا فصل الخطاب

    ج - طغيان المفاهيم الفلسفية على شعر هم :

    وردت في أشعارهم أفكار ومفاهيم ذات نزعة فلسفية ، ومن ذلك قول عبد الرحمن شكري :

      يحوطني   منك  بحر   لست أعرفه        ومهمة لست أدري ما أ قا سيه

     أقضي حياتي لنفسي لست أعرفها         وحولي الكون لم تدرك مجاليه.

     د - الحديث عن الشكوى والألم والسأم :

      حيث صوروا تلك المعاناة النفسية التي كانوا يحيونها ، وربما يعود ذلك للظروف الاجتماعية الخاصة أو ربما لتأثرهم بما يحتوي عليه الشعر الأوربي المضحون بأفكار الرومانسية التي غلب شعراؤها غالبا النزعة التشاؤمية ، ومن ذلك مقاله المازني :

          قد وجدت السُّهد أهدى للأسى           ووجدت النوم أشجى    للحشى

           شدّ  ما   يظلمنا  الدهر، أهي            يقظة  دنيا و  أخرى    في الكرى

          ويلي هذا القلب من    صرفهما           لا الكرى أمن و  لا السهد  رحمى

         الرّدى  إن   كان لا شجى  للردى           إنه    للنفس    غوث و     نجا

    ه - اتجاههم نحو قول الشعر المرسل :

    وذلك لتأثرهم بالمذهب الرومانسي الذي يزيل كل الحدود ويتيح الحرية الكاملة للشاعر للتعبير، يقول شكري في قصيدة " كلمات العواطف":

                  خليلي   والإخاء   إلى  جفاء            إذا لم يُغذه الشوق الصحيح

                يقولون الصحاب ثمار صدق            و  قد  يتلو   المرارة   في  النهار

                شكوت إلى الزمان  بني إخائي            فجاء  بك  الزمان  كما  أريد

     

    و - تأثرهم في نظم الشعر بشعراء أوروبا:

    لاسيما الشعراء الرومانسيين منهم مثل "هاملت"، وذلك بظهر بشكل جلي في دواوينهم كديوان "ضوء الفجر" للمازني، و"هدية الكروان" و"عابر سبيل" للعقاد، وديوان المازني.

    ز - ربط الشعر بالمعجم الطبيعي:

     وذلك بربطه أيضا بالذات والشعور، ومن ذلك تداولهم لكلمات معينة، مثل: الطبيعة -الأنهار- الجبال .... وكل هذه الألفاظ غابت في شعر شعراء مرحلة البعث والإحياء.

    3       - مواقفهم النقدية:

    لقد قام نقاد جماعة الديوان تحت حجة التجديد بالهجوم النقدي على الشعراء المحافظين أمثال شوقي وحافظ إبراهيم، ومن ذلك ما نجده في كتابات المازني النقدية، حيث جنّ جنونه بنقد شعراء عصره، وقد ساعده هذا النقد بتنويع شعره ونثره، وقد حملته هذه الروح الناقدة على نقد شاعر  مثل حافظ إبراهيم واعتباره شاعراً تقليديا، مطبقا في ذلك ما جاء في كتاب "الديوان" من آراء نقدية وضعها العقاد، كما تعرض لشيء من ذلك في كتابه "حصاد الهشيم" الذي جعل منه موسوعة أدبية في الأدب العربي والأدب الغربي، وبهذه الجرأة النقدية بنشر مقالات أخرجها في كتاب سماه "فيض الريح" تعرض في الكثير منها بالنقد لآراء طه حسين في الأدب الجاهلي.

    أما العقاد فكانت مواقفه النقدية أعمق من المازني في نقد الشعر عند معاصريه، لكونه أشد اطلاعا على ثقافة وعيون الشعر الأوروبي لاسيما الإنجليزي منه، وقد كانت آراؤه الجيدة في النقد ، قد أفادت الشعر المعاصر بطريق غير مباشر ،حيث حولت الكثير من الشعراء المعاصرين من ميدان التقليد إلى ميدان التجديد .

    كما أن العقاد يختلف بكونه شاعرا عن كونه ناقدا، إذ كان له آراء نقدية تجديدية، لذلك كان صاحب ثورة نقدية ضد شوقي وشعره، وصاحب الدعوة العريضة إلى التحرر من ربقة التقليد الواضحة في شعر البعثيين والتي تأثر بها شوقي صاحب مدرسة التجديد الكلاسيكي

    فالعقاد كشاعر لم يتحقق كل ما دعا إليه من آراء في تجديد الشعر، وربما كان صاحبه شكري أقرب إلى تطبيق هذه الآراء، وأنت حين تتصفح شعره تلمس فيه روح الناقد المفكر أكثر مما تلمس فيه روح الفنان المجدّد.

    وينبغي ان نذكر في هذا السياق أن الحملة النقدية التي حملت بها جماعة الديوان  على شعر حافظ إبراهيم وشوقي خاصة ، قد وجد من يتصدى له وينتصر لشوقي وينصفه منهم، من ذلك ما كتبه الناقد محمد حسين هيكل في مقدمة ديوان الشوقيات لأحمد شوقي ، ونحن نورد لك - أيها الطالب  - بعض ما كتبه إتماما للفائدة وإنصافا للحقيقة النقدية ، يقول :"  وقد يكون غلو شوقي أكثر وضوحا في جانب اللغة منه في جانب المعاني ، فهو بمعانيه وصوره وخيالاته، يحيط مما في الغرب بكل ما يسيغه الطبع الشرقي و ترضاه الحضارة الشرقية ، أما لغته فتعتمد على بعث القديم من الألفاظ التي نسيها الناس وصاروا لا يحبونها لأنهم لا يعرفونها ، ولعل سر ذلك عند شوقي أن البعث وسيلة من وسائل التجديد بل قد يكون البعث آكد وسائل التجديد  نتيجة ما يوجد من أرباب اللغة ، ممن يفيضون على الألفاظ القديمة روحا تكفل حياتها ....ومن ذا يا ترى من أرباب اللغة قديرا قدرة شوقي على أن يبعث في الألفاظ القديمة ، وما تكفل حياتها في الحاضر ، ويفيض عليها من ثوب الشعر ويجعلها تتسع لملم تكن تتسع له من قبل من المعاني والصور ؟..

    أيها الطالب إنك حين تقرأ من ديوان العقاد  ما شئت من قصائد، فإنه لا شك أنك تلاحظ الفكرة العميقة والمعنى الدقيق يجذبان انتباهك، أما الصورة الفنية فلا تكاد تنفذ إلى نفسك إلا من وراء الفكرة، فهو مفكر أكثر منه شاعر، وحكيم أكثر منه فنان، والدليل على ذلك هذان البيتان :

     دليل على أن  الكمال   محرم        إناث  خلقنا  بيننا وذكور

    فما المرء في جسم وروح بكامل       ولكن كل العاملين متطور

    فهو في هذين البيتين يقرّر حكمة من الحكم ، ثم يستدل بها بالشاهد والمثل من واقع الحياة، صنيعه في ذلك صنيع العالم الذي يستقرئ الأمثلة ليستدل على سلامة القاعدة أو النظرية.

    ولعل عنصر التحليل والمنطق في شعر العقاد ، هو الذي جعل التكامل العضوي في قصائده أشد متانة في شعر صاحبيه، حيث يرى القارئ التسلسل واضحا في معاني القصيدة وفي بناء الأبيات، حيث لا يستطيع أن يقدم بيتا أو تؤخر آخر. وعلة ذلك هو عنصر المنطق والتحليل في شعره.

    أما شكري فإننا نلمح روح الرومانسية لاسيما الجانب الحزين من الحياة، فمن ذلك قوله :

    يا ريح أيّ زئير فيك يفز عني        كما يروع  زئير  الفاتك الضّاري

    يا ريح أي أنين حنّ سامعه        فهل بليث يفقد الصّحب والجاز

    يا ريح مالك  من الخلق   موحشة        مثل الفارين غريب الأهل والدار

    أم أنت شكلي أصاب الموت وحدها        تظل  تبغي  يد  الأقدار   بالنار

    لقد استلهم في هذا المقطع عنصر الخيال في الأدب الإنجليزي، وكأنه يحاكي خيال الشاعر الإنجليزي الرومانسي "شللي" في قصيدته "أغنية الريح الغربية"

    4 - الاختلاف النقدي ونتائجه :

    على الرغم أن جماعة الديوان جماعة نقدية كان لها الأثر الخالد في النقد، إذ أنهم اتفقوا على مبادئ ومقولات نقدية وطالبوا غيرهم من الشعراء بالالتزام بها، لكن هل كانوا مخلصين لهذه المبادئ النقدية الجديدة؟

    يقول حامد حفني داود "إن الإنصاف للحقيقة يحملنا على أن نقول إن الناحية النظرية الناقدة في نفوس هؤلاء الشعراء كانت أعمق وأبلغ من الناحية التطبيقية ، وأن ثقافتهم التي استمدوها من الأدب السكسوني كانت أوسع مدى من شاعريتهم ، لكن هذا الحكم الذي حكمنا به عليهم، لم يمنع إطلاقا من إثباتهم بالجديد في دواوينهم

    وبهذا فهم نقاد نادوا بآراء نقدية لظواهر  نقدية جديدة  في ذلك العهد ، لكن يصعب تطبيقها من  قبل شعراء لم تكن لهم درُية  ولا مراس شعري ،كما أنهم اختلفوا فيما بينهم حول عنصر الشعور في الشعر، فالعقاد يرى أن الشعر يترنح بين الشعور والفكر، لكن الفكر يغلب على الوجدان، ويرى شكري أنّ التأمل في الذات تأملا يتجاوز الواقع المباشر أما المازني فيرى أن الشعور ، هو كل ما تفيض به النفس من مشاعر وأحاسيس بعيدا عن تدخل العقل.

    وقد نتج عن هذا الخلاف ، اختلاف مضامين شعر هؤلاء الشعراء، فكل شاعر يتصور الوجدان بمنظوره الخاص، كما أن تصورهم للوجدان جعلهم يتغلبون على عنصر الذات ويبتعدوا عن الواقع، لاسيما الذات المصرية، كما أدى ذلك إلى الشعور بالتشاؤم، والحزن عند استشراف المستقبل .