النظريات التداولية و أبرز مجالاتها
Section outline
-
ينبني البحث التّداولي بإجماع جلِّ الباحثين في هذا المجال على أربعة مفاهيم أساسية هي:
الإشارياتDeixis ، الافتراض المسبق presuposition، و الاستلزام الحواري l’implication conversationnelle،و الأفعال الكلامية.les actes de langage .
-أ مفهوم الافتراض المسبق-*presuposition:
عند كلّ عمليّة تواصليّة تنطلق الذواتُ المتخاطبة من معطيات أساسية تعدّ بمثابة الخلفيّة المشتركة فيما بينها، هذا ما يسمى بالافتراضات المسبقة و التي لا يصرح بها المتكلمون
و هي تشكل« خلفية التّبليغ الضّروريّة لنجاح العمليّة التّبليغية، و هي محتواة في القول، سواء تلفظ بها القائل إثباتًا أو نفيًا»[1] ،
و هكذا لو اختزلنا قولا ما ليكن هذا الاختيار نفيًا فإنّ الافتراض المسبق يظل صالحًا.
ففي الملفوظ (1) مثلا:
(1)– أغلق الباب
و في الملفوظ (2)
(2) – لا تغلق الباب
في كلا الملفوظين خلفية "افتراض مسبق" فحواها " أنّ الباب مفتوح"
- مثال آخر: في مقامٍ تواصلي معين، يقول الطرف (أ) للطرف (ب) كيف حال زوجتك
و أولادك ؟
يردّ الطّرف الثاني قائلا: إنّها بخير، و الأولاد في عطلة شكرًا.
فالافتراض المسبق ههنا للملفوظ يقتضي أنّ الطّرف (ب) متزوّج ، و له أولاد ، و أنّ الطرفين (أ) و (ب) تربطهما علاقة ما تسمح بطرح هذا السّؤال.
و في حالة ما إذا كانت الخلفية التّواصلية غير مشتركة بين الطّرفين فإنّ الطرف (ب) يرفض هذا السّؤال و يتجاهله.
فيجيبه قائلا:
- لا أعرف.
- لست متزوجا.
- لقد طلقت زوجتي.
أنواع الافتراض المسبق :
افتراض مسبق للوجود: لا يفترض وجود الافتراض المسبق الوجودي في عبارات التملك فحسب و إنما يوجد عموما في أية عبارة اسمية فعند استعمال المتكلم للعبارات الواردة في الأمثلة الآتية
"ملك السويد أو الحمامة أو الفتاة جارتنا "فإن المتكلم يلتزم بوجود الكيانات المسماة [2]
الافتراض المسبق الواقعي :يمكن معاملة المعلومة الافتراضية المسبقة التي تلي فعلا مثل يعلم أو يدرك على أنها حقيقية و تسمى الافتراض المسبق الواقعي ، تبين الأمثلة الآتية أفعالا و عبارات تحتوي على إفتراضات مسبقة واقعية
1- لم أدرك أنه كان مريضا .>> كان مريضا
2- نحن نادمون لأننا أخبرناه .>> أخبرناه
3- لم أدر أنها كانت متزوجة .>> كانت متزوجة
4- لم يكن إنصرافه المبكر غريبا .>>إنصرف مبكرا [3]
5- أنا سعيد لأن الأمر انتهى >> انتهى الأمر
الإفتراض المسبق المعجمي :فيالافتراضات المسبقة المعجمية يفسر استعمال صيغة بمعناها المؤكد عادة بالافتراض أن معنى آخر " غير مؤكد " قد تم فهمه ، فعلى سبيل المثال كلما ذكرت أن شخصا تمكن من انجاز شيء ما سيصبح حينها المعنى المؤكد أن ذلك الشخص نجح بطريقة ما ، و عند قولك أن شخصا لم يتمكن من انجاز شيء ما ، يكون المعنى المؤكد أن ذلك الشخص لم ينجح . و في كلتا الحالتين هناك الافتراض المسبق غير المؤكد أن ذلك الشخص حاول القيام بذلك الشيء، لذا تفسر " تمكن " عادة على أنها تؤكد " نجح " و تفترض مسبقا "حاول " و في الأمثلة الآتية توضيح لما سبق
أقلع عن التدخين >> كان مدخنا
بدأوا بالتذمر >> لم يكونوا متذمرين من قبل
أنت متأخرمجددا>>كنت متأخرا من قبل [4]
ملاحظة:في الافتراض المسبق المعجمي يؤخذ استعمال المتكلم لتعبير معين على أنه يفترض مسبقا مفهوما آخرا غيرمذكور ، بينما في حالة الافتراض المسبق الواقعي يؤخذ استعمال تعبير معين على أنه يفترض مسبقا صحة المعلومة المذكورة قبله
الافتراض المسبق البنيوي :في حالة الافتراض المسبق البنوي تحلل بعض بنى الجمل عرفيا و بانتظام على أنها تفترض مسبقا ذلك الجزء من البنية الذي افترضت صحته على سبيل المثال يتم تفسير السؤال الاستفهامي " متى وأين " عادة مع الافتراض المسبق أن المعلومات التي تلي هذه الأدوات معروفة الحال كما هو موضح في المثال الآتي
متى انصرف >> انصرف
من أين اشتريت السيارة >> اشتريت سيارة[5]
الافتراض المسبق غير الواقعي:هو الافتراض المسبق الذي تفترض عدم صحته و هو ما صاحب استعمال أفعال مثل يحلم و يتصور و يتظاهر فمفاد هذه الأفعال أن الذي يتبعها غيرصحيح كما هو موضح في الأمثلة الآتية
حلمت أني ثري >> لست ثريا
تصورنا أننا في هاواي >> لم نكن في هاواي
يتظاهر أنه مريض >> ليس مريضا [6]
الافتراض المسبق المناقض للواقع : و هو الافتراض المسبق الذي يكون مناقضا للحقائق كما هو الشأن مثلا في التركيب الشرطي الذي يسمى عادة " الشرط المناقض للواقع " حيث يفترض مسبقا أن المعلومة ههنا غير صحيحة وقت الكلام فقولك مثلا
لو كنت صديقي لساعدتني >> لست صديقي [7]
ملاحظة :تعتبر "الافتراضات المسبقة" ذات أهميّة بالغة في عمليّة التّواصل ، و الإبلاغ فقد اعترفت التّعليمية Didactique بدور الافتراضات المسبقة، إذ لا تكمن وظيفة المعلم في تزويد المتعلم بمعارف جديدة إلاّ بافتراض وجود أساس سابق يتم الانطلاق منه ، البناء عليه ، أمّا مظاهر سوء التّفاهم التي تنطوي تحت التّواصل السيّئ فسببها الافتقار إلى جملة الافتراضات المسبقة الضروريّة لقيام أي فعل تواصلي.
الاشاريات : تحوي اللغات الإنسانية عادة عددا من الكلمات التي يصعب التعرف على دلالتها ، حتى لو وضعت في سياق واضح لأن بنيتها و جذورها لا تسعف في التعرف على دلالتها و لا يعني ذلك أن هذه الكلمات ليس لها مرجعية معجمية فأسماء الإشارة مثلا لا يمكننا أ نعرف ما تشير إليه ما لم نعرف المتحدث و إلى ماذا يشير فعبارة لن تتكررهذه الأخطاء مستقبلا .تعدها السانياتالتدوليةمبهة لوجود كلمة هذه التي لا نستطيع تحديد دلالتها .
و قد تسمى أيضا المعينات لأنها تحيل إلى مكونات السياق الاتصالي و هي " المتكلم ، المتلقي ، زمن المنطوق و مكانه ... و يعني هذا أن هذه الكلمات غير مستقلة عن السياق المتغير ، ولا يمكن انتاجها و تفسيرها بمعزل عنه ، و قد تكون هذه المؤشرات :
زمانية :مثل " أمس ، غدا الآن ...:"
مكانية: مثل " هنا ، أمام ، فوق ..."
شخصية: من خلال الضمائر الدالة على المتكلم و المتلقي مثل " أنا و أنت "
خطابية :مثل " لكن ، فضلا ، من ثم ، عن ذلك "
اجتماعية :تشير إلى علاقة بين المتكلمين و المتلقين مثل " حضرتك ، أخت ، خالة ..."
ب-الاستلزام الحواري-* l’implication conversationnelle:يرجع البحث في هذا المجال إلى الفيلسوف "جرايس" عندما ألقى محاضراته في جامعة اهارفورد و كانت نقطة البدء عنده بعدما لاحظ أنّ «النّاس في حواراتهم يقولون ما يقصدون و قد يقصدون أكثر مما يقولون، و قد يقصدون عكس ما يقولون ،و من ثم صبَّ جُلّ اهتمامه على محاولة إيضاح الفروق بين ما يُقال وما تعنيه الكلمات، و العبارات بقيمها اللفظية، و ما يقصد و هو ما يريد المتكلم أن يبلغه السّامع على نحو غير مباشر»[8] . فأراد أن يقيم جسرا بين ما يحمله القول من معنى صريح ، و ما يحمله القول من معنى ضمني و هو ما كان سببا في ظهور نظرية الاستلزام الحواري و تتلخص خواصه عند قرايس في ما يلي :
الاستلزام يمنكن إلغاؤه
الإستلزام متصل بالمعنى الدلالي لما يقال
الاستلزام متغير
الاسستلزام يمكن تقديره
تعين معرفة الاستلزام على الإحاطة بالفعل الانجازي غير المباشر الذي قدمه جون سيرل في نظريته الانجازية كما وضح قرايس انقسام الدلالة التركيبية إلى معان صريحة تشتمل على محتوى قضويو قوةانجازية حرفية بينما تشير المعاني الضمنية إلى معان عرفية اقتضائية و معان حوارية استلزامية
الأفعال الكلامية : يعد البحث في نظرية الفعل الكلامي " ويطلق عليها أيضا نظرية الحدث اللغوي ، و نظرية الحدث الكلامي ، و النظرية الإنجازية " بحثا في صميم التداولية اللغوية بل إن التداولية في نشأتها الأولى كانت مرادفة للأفعال الكلامية ، و كان جون أوستين أول من نبه إليها الفلاسفة المعاصرين ثم نضجت النظرية في مرحلة لاحقة على يد العالم جون سيرل و تقوم على مبدأ تداولي هو أن الناس لا يكتفون بتوظيف الكلمات و الجمل للتعير عما في أنفسهم ، بل أحيانا يؤدون أفعالا عن طريق نطق الجمل فالمتكلم في هذه الحالة لا ينطق فقط بل يربط الفعل بالكلام "[9]
نظرية الملائمة : صاغها كل من الإنجليزي "ديردر ولسن " و الفرنسي دان سبربر تتلخص مادؤها في المزاوجة بين الترميز و الاستدلال في عملية تأويل الخطابات ، و ذلك بإنتاج مثير واضح للمخاطب ، فيسعى إلى جعل مجموعة من الافتراضات واضحة ...بالنسبة إل المخاطَب ، كما أن السياق في هذه النظرية ليس معلومة معطاة ، بل هو بنية مولدة من افتراضات سياقية مستمدة من تأويل للأقوال السابقة من ناحية ، و مرتبطة من ناحية أخرى بالمحيط الفيزيائي الذي أطر العملية التواصلية و كذلك المعلومات المستقاة من ذاكرة النظام المركزي بمداخلها الثلاثة : المدخل المنطقي المدخل المعجمي و المدخل الموسوعي [10]
* الافتراض السابق أوالاضمارات التداولية في التواصل اللساني هي المعطيات و الافتراضات السابقة التي تفهم من سياق الكلام او يتضمنها التركيب و تمثل الخلفية المعرفية لاطراف الحوار و تقوم على المسلمات الواقعية و الذهنية و هي من العوامل التي تحقق الفهم و يتسع مفهوم الافتراض السابق ليشمل المعلومات العامة و سياق الحال و العرف الاجتماعي و العهد بين المتخاطبين
[1]- جيلالي دلاش، مدخل إلى اللسانيات التداولية ترجمة محمد حياتن، ديوان المطبوعات الجامعية، ص34.
[2]جورج يول التداولية ، ت قصي العتابي ،الدا رالعربية للعلوم ناشرون ، دار الأمان ا، لرباط 2010،ص 54
[3] المرجع نفسه ،ص ن
[4]جورج يول ، التداولية ، ص 55
[5]المرجع نفسه، ص 55 -56
[6]جون يول ، التداولية ،ص 57
[7]المرجع نفسه ، ص ن
* يختلف مفهوم الاستلزام عن مفهوم الاقتضاء فالاستلزام مفهوم لساني براجماتي يتغير بتغير ظروف إنتاج العبارة اللغوية ، و الاقتضاء يتميز بكونه لا يتغير بتغير ظروف العبارة فهو ملازم لها في جميع الأحوال و مبدأ الاستلزام الحواري أصيل في التراث العربي ، قال الرازي " إن اللفظ إذا وضع للمسمى انتقل الذهن من المسمى على لازمه " المحصول في أصول الفقه فخر الين الرازي دار الكتب العلمية ، ط 1 / 1988 ، ج1 ص 219 وهذا الانتقال يعني عدم وجود الافتراض في معنى الجملة ، و لكنه اتصل بها برابط عقلي أو طبيعي أو اجتماعي ، و هو عند عبد القاهر الجرجاني معنى المعنى قال " إن المعنى هو المفهوم من ظاهر اللفظ ، أما معنى المعنى فهو أن تعقل من اللفظ المعنى ، ثم يفضي بك ذلك المعنى إلى معنى آخر " عبد القاهر الجرجاني ، دلائل الاعجاز ، مراجعة و تصحيح الشيخ محمد عبده دار المعرفة بيروت 1981 ص 203
[8]ـ محمود أحمد نحلة، آفاق جيدة في البحث اللغوي المعاصر، ص33.
[9]فهد اللهيبي ، المفاهيم التداولية و أثرها في اللسانيين العرب ص 27
[10]النعمان بوقرة ، الخطاب التداولي في التراث و الدراسات الغربية الحديثة قراءة في الأصول و المفاهيم و الغايات التطبيقية منشورات مركز بحوث كلية الأداب عمادة البحث العلمي جامعة الملك سعود ع 135 /2010 ، ص 02