التداولية المصطلح والمفهوم
Résumé de section
-
إن من أساسيات البحث العلمي التعريف بالمصطلح و ضبط حدوده و بما أن التداولية pragmatique مصطلح غربي كان للأستاذ طه عبد الرحمان [1]فضل ترجمته فإننا سنستوفيه النظر لغة و اصطلاحا حتى يستقر فهمه .
التداولية لغة :في المعاجم الغربية " التداولية pragmatics و الصفة منه pragmatic مشتقان من اللفظ اللاتيني pragmaticus الذي يعني المهارة في القانون أو التجارة و اللفظ اليوناني" pragmaبمعنى عملي أو تطبيقي [2]،و يتقترن بهذا المصطلح في اللغة الفرنسية معنيان أساسيان هما : محسوس و ملائم للحقيقة أما في اللغة الإنجليزية فإن كلمة pragmatics تدل في الغالب على ما له علاقة بما يقتضيه هذا الحقل [3]
الّتداولية اصطلاحا :ذكر بعض الباحثين أن الفيلسوف و المنطقي و الرياضي تشارلز ساندرس بيرس " Charles Sanders Peirc " أول من استخدم هذا المصطلح في علم اللسان ، وهو يتناول علاقة العلامةأو الرموز بالمدلول أو بالشئ ، و قد رأى أن السيميائية تعالج العلاقة بين العلامات و مستعملي هذه العلامات فالثابت أن بيرس مؤسس علم العلامات قد تأثر فيه بالبراجماتية فعرف بعلم العلامات البراجماتي ، و قد حملت العلامة عنده طابعا شموليا متغيرا ، و قد عدها كيانا ثلاثيا تتفاعل داخله العناصر التركيبة و الدلالية و البراجماتية في إطار حركة دائمة تسمى السيميوز ، و قد طوره الفيلسوف الأمريكي تشالز موريس فجعله علما عاما ضمن الفروع الثلاثة لعلم السيمياءعنده والمتمثلة في :
علم الّتركيب: يعنى بدراسة العلاقات الشّكلية بين العلامات بعضها البعض.
علم الّدلالة:و يدرس علاقة العلامات بالأشياء التي تدل عليها أو تحيل إليها.
التّداولية: تهتم بدراسة علاقة العلامات بمفسّريها»[4].
حاول فون فريشVonfrich توضيح الفرق بين هذه الفروع الثلاثة في مثاله الشهير و هو: "الرقص اللغوي" الذي تشير به النّحلة إلى موقع غبار الطلع ،و مصدره ،و الرّحيق للنّحلات الأخريات. إنّ البناء الحقيقي للغة الرّقص – سلسلة الحركات – مسألة تخصّ علم التراكيب، أمّا دلالة الرقص الإشاريّة – الإشارة إلىاتجاه الطّعام ،و مسافته الخ ، فذلك من اهتمام علم الدّلالة، أمّا الطريقة التي يوظّف فيها الرّقص بوصفه مظهرا من سلوك النّحلة كوسيلة لاستدعاءالنحلات إلى مصدر الطعام، فتلك مسألة من اختصاص البراغماتية (التداولية)[5].
قدم عدد من الباحثين تعريفات كثيرة للتداولية نذكر من بينها:
- التّداولية: هي دراسة اللّغة من وجهة نظر وظيفيّة، و هو تعريف يحاول أن يوضح جوانب التّركيب اللّغوي بالإحالة إلى أسباب غير لغويّة،لكن مثل هذا التعريف يقصر عن تمييز التّداولية اللّغوية عن كثير من فروع علم اللّغة المهتمة بالاتّجاهات الوظيفية في اللّغة و منها علم اللغة الاجتماعي و علم اللّغة النّفسي»[6].
- التداولية:فرع من علم اللّغة يبحث في كيفية اكتشاف السامع مقاصد المتكلم Speakerintention أو هو دراسة معنى المتكلم Speaker meaningعلى أنّ مصطلح معنى
المتكلم مفضل عند الذين يدرسون اللغة من الوجهة الاجتماعية بالرغم من أنّه لا يلتفت إلى أنّ تفسير ما نسمع يحتاج إلى التحرّك بين مستويات عديدة من المعنى.
و مصطلح تفسير الكلام uttirance interprétation المفضل عند الذين يمثلون الاتجاه المعرفي cognitive يتجنّب هذا الخطأ لكنّه يصرف جل اهتمامه إلى متلقي الرسالة، و في هذا تجاهل للضوابط و القيود الاجتماعية التي تحكم إنتاج الكلام»¹.
تعتبر التّداولية عند أوستين « جزء من علم أعم ، هي دراسة التّعامل اللّغوي من حيث هو جزء من التّعامل الاجتماعي ، و بهذا التّعريف ينتقل أوستين باللّغة من مستواها اللّغوي إلى مستوى آخر هو المستوى الاجتماعي في نطاق التّأثير و التّأثر »[7] .تعنى إذن التّداولية بالاتصال اللّغوي في اطاره الاجتماعي الذي يؤثر بخصوصياته في الفعل اللّغوي إنّها تدرس "الملفوظات في سياقها التّواصلي ، فهي تحلل تأثير السّياق على ترجمة الملفوظات "[8] .
كما تركز التّداولية على القصدية ، التي لا تتجلى إلا من خلال الحدث اللّغوي في مقام معين ، لذا فهي تهتم « بدراسة اللّغة التي يستعملها المتكلم في عملية التّواصل ، و عوامل المقام المؤثرة في اختياره أدوات معينة دون أخرى للتّعبير عن مقصده »[9]،لتصبح بذلك قضية التّداولية هي «إيجاد القوانين الكلية للاستعمال اللّغوي ، و التّعرّف على القدرات الإنسانية للتواصل اللّغوي، إذ تتطرق التّداولية إلى اللغة ،كظاهرة خطابيّة،و تواصليّة،واجتماعيّة معا »[10] ،و تصير التّداولية من ثم، جديرة بأنّ تسمى «علم الاستعمال اللغوي»[11]
المقابلات الترجمية لمصطلح la pragmatique :استعمل بعض الباحثين ، مقابلات ترجميةلمصطلح la pragmatique نذكر منها التداولية الذرائعية ،البراغماتية ،النفعية ، الوظائفية ،علم التخاطب ،التخاطبية ، علم المقاصد ،المقامية ،السياقية ...
تتلخص مهام التداولية في :
دراسة استعمال اللغة في الطبقات المقامية المختلفة باعتبارها كلاما محددا صادرا من متكلم محدد و موجها إلى مخاطب محدد بلفظ محدد في مقام تواصلي محدد لتحقيق غرض تواصلي محدد
شرح كيفية جريان العمليات الاستدلالية في معالجة الملفوظات
بيان أسباب أفضلية التواصل غير المباشر و غير الحرفي على التواصل الحرفي المباشر
شرح أسباب فشل المعالجة اللسانية البنيوية الصرفة في معالجة الملفوظات
[1]يقول طه عبد الرحمان في كتابه " في أصول الحوار و تجديد علم الكلام " و قد وقع اختيارنا منذ 1970 على مصطلح التداوليات مقابلا للمصطلح الغربي براغماتيقا لأنه يوفي المطلوب حقه باعتبار دلالته على معنيي الاستعمال و التفاعل معا
[2]ينظر خديجة الشنقيطي ، المنحى التداولي في الترا ث اللغوي عالم الكتب الحديث الأردن 2016ص 14
[3]عبد الحليم بن عيسى المرجعية اللغوية في النظرية التداولية دراسات أدبية دورية فصلية محكمة الجزائر ع1 2008 ص 9
[4]محمود أحمد نحلة، آفاق حميدة في البحث اللغوي المعاصر،دار المعرفة الجامعية ،دت، ص09.
[5]كولنج ، الموسوعة اللغوية، تجربة د.محي الدين حمدي، د. عبد الله الحمدان، النشر العلمي ، جامعة الملك سعود ، 1420 ، 1999ج3، ص174
[6]- محمود أحمد نحلة، آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر، ص12.
[7]ـ راضية خفيف بكري ، التداولية و تحليل الخطاب الأدبي ، مجلة الموقف الأدبي ، دمشق اتحاد الكتاب العرب ، العدد 399 ، تموز ص 56
[8]La pragmatique linguistique etudie les enonces dans leur situation de communication elle analyse donc l’influence du contescte surlinterpretation des enonces. Jean –baptiste vanderHenstP5
[9]ـ ج براون ، ج يول ، تحليل الخطاب ، ترجمة و تعليق محمد لطفي الزليطي و منير التركي جامعة الملك سعود للنشر العلمي 1997 ص 32
[10]ـ مسعود صحراوي، التداولية عند العلماء العرب،دار الطليعة ، بيروت ،لبنان ،ط/20051،ص 16.
[11]ـالمرجع نفسه ص 17.