الحصّة الأولى والثّانية : النّقد السّيميائي
Résumé de section
-
النّقد السّيميائي
1. السّيميائيـة: النّشـأة والتّعريـف
السّيميائية أو السّيميولوجية هي: " علم موغل في القدم، أيام الفكر اليوناني القديم مع أفلاطون وأرسطو الّلذين أبديا اهتماما بنظرية المعنى، وكذلك إلى الرّواقيين الّذين وضعوا نظرية شاملة لهذا العلم، بتمييـزهم بين الدّال والمدلول والشّيء، ولم يكن التـّراث العربيّ بعيدا عن مثل هذه المشاغل، فقد أولى المناطقة والأصوليون والبلاغيون والمفسّرون وغيرهم عناية كبرى بكل الأنساق الدّالة تصنيفا وكشفا عن قوانينها وقوانين الفكـر، وقد تجـلى ذلك في أطروحات الفلاسفة الإسلاميين من أمثال: الغزالي وابن سينا..." .
كما أنّها " قد استمدت بعض مبادئها من أطروحة الفلسفة الوضعية في جنوحها إلى الشّكل، وفي اتصافها بالنـّزعة العلمية، فالفلاسفة الوضعيون هم الّذين اعتبـروا اللّغة كلّها رمزا، وهذا الدأب اقتفاه النّقاد السّيميائيون في تصوّرهم للعلامة".
ونجد أنّ: "السّيمياء قد عرفت تجلياتها الأولى في كتابات الفلاسفة الغربيين والعرب، وقد جاء ذلك في سياق حديثهم عن العلامة والدّلالة اللّفظية، وهي تلتصق عند العـرب بالسّحـر و الطّلسمات الّتي تعتمـد أسرار الحروف والرّموز والتّخطيطـات الدّالة، وأحيانا تصبح فرعـا من فروع الكيمياء، وأحيانا تلتصق السّيمياء بعلم الدّلالة، وأحيانا بعلم المنطق وعلم التّفسير والتّأويل، وإن بدا ذلك ليس بعيدا عن حقولها المعاصرة ".
وقد بشّر - سوسير - بميلاد علم جديد سمّاه (السّيميولوجيا) و"يفضّل الأوروبيون مفردة السّيميولوجيا التزاما منهم بالتّسمية السّوسرية، أمّا الأمريكيون فيفضلون السّميوطيقا الّتي جاء بها المفكر والفيلسوف الأمريكي تشارلس ساندرز بيرس".
وقد اعترض – رولان بارت – على مقولة - سوسير - الشّهيرة الّتي ترى أنّ:
"السّيميولوجيا أوسع من اللّسانيات"، لتصبح العكس، أي اللّسانيات أوسع من السّيميولوجيا، ويقترح- بارت - مسمّيات جديدة تختلف عن المسميات السّوسرية، فالعلامة السّوسرية يسميها الدّلالة، والشّكل بديلا لما يسميه - سوسير- بالدّال، والمفهوم بديلا للمدلول.
إنّ السّيميائية (Sémiotique )، والسّيميولوجيا (Sémiologie) مصطلحان يتجذران في اللّغة اليونانية في (Sémeion) وهي العلامة (signe) ، فالسّيميولوجيا هي: "العلم الّذي يدرس حياة العلامات داخل المؤسسة الاجتماعية"، كما يمكن اعتبار السّيميائية من حيث طبيعتها "دراسة نظرية لكل ما هو رموز ونحو وأنظمة وعقود، كذا كلّ ما له علاقة بإرسال المعلومة". إنّ السّيميائية، أوالسّيميولوجيا، أو السّيميوطيقا، أو العلاماتية، أو علم العلامات، أو علم الإشارة...، كلّها ترجمات لعلم واحد يُعنى بدراسة العلامات.
ومن أشهر أعلام السّيميائية نجد:" تشارلس ساندرز بيرس، ورولان بارت، وغريماس، ورومان ياكبسون، وأمبيرتو إيكو، ومايكل ريفاتير، وجوليا كريستيفا، وبربرا هيرنستاين سمث، هذا إذا استثنينا إشارات سوسير...، غير أنّ الفيلسوف الأمريكي بيرس، هو أهم مؤسّسي هذا الطّرح، وقد عرض نظرية سيميولوجية غاية في التّعقيد، لكن نظرته للعلامة وفاعلية وظائفها الدّلالية لا تختلف عن الطّرح البنيوي الألسني".
2.الاتجاهات السّيميائية الحديثة :
أدّى تطور السّيميائيات، وتعدّد منابعها إلى ظهور اتجاهات عدّة، وقد خصّص الباحث - عبد الله إبراهيم - في كتابه الموسوم بــــــــــ : (معرفة الآخر) بالحديث عن الاتجاهات السّيميائية، والّتي قسّمها إلى ثلاث اتجاهات بارزة، وهي: سيمياء التّواصل- سيمياء الدّلالة - سيمياء الثّقافة.
أ. سيميـاء التّواصـل:
يركّز أنصار هذا الاتجاه (بويسنس، برييتو، مونان، كرايس، أوستين، فجنشتاين، مارتينيه) في أبحاثهم على الوظيفة التّواصلية، غير أنّ هذا التّواصل مشروط بالقصدية، "وبناءً على ذلك نحصر موضوع السّيميائية في العلامات القائمة على الاعتباطية، لأنّ العلامات الأخرى ليست سوى تمظهرات بسيطة. ويعني ذلك أنّ تحديد معنى تعبير رهين بتعيين مقاصد المتكلمين والكشف عنها، وبذلك تكون المقاصد ملمحا مميزا". ولسيمياء التّواصل محـوران اثنان:
- محـور التّـواصل : ويقسّم إلى تواصل لساني، وآخر غير لساني.
وينحصر التّواصل اللّساني في عملية التّواصل بين النّاس عن طريق القول، ويكون وفق منظورات ثلاثة (سوسير، بلومفيلد، شينون، وفيفر)،أمّا التواصل غير اللساني فيسميه - بويسنس- لغات غير اللّغات المعتادة، وهو وفق معايير ثلاث (معيار الإشارية النّسقية، معيار الإشارية اللانسقية، معيار الإشارية).
- محـور العـلامـة: ويصنف محور العلامة إلى ثلاث أصناف، وهي: الأيقونة (icon)، المؤشر (index)، الرّمز (symbol).
ب. سيميـاء الدّلالــة :
يرى أيضا هذا الاتجاه وفي مقدمتهم - رولان بارت- أنّ: " اللّغة لا تستنفذ كلّ إمكانيات التّواصل، فنحن نتواصل، توفرت القصدية أم لم تتوفر، بكل الأشياء الطّبيعية والثّقافية سواء أكانت اعتباطية أو غير اعتباطية. لكنّ المعاني الّتي تستند إلى هذه الأشياء الدّالة ما كان لها أن تحصل دون توسّط اللّغة. فبواسطة اللّغة باعتبارها النّسق الّذي يقطع العالم وينتـج المعنى- يتم تفكيك ترميـزية الأشياء"، وتتوزع عناصر هذا الاتجاه- حسب بارت - على ثنائيات أربع، كلها مستقـاة من الألسنية البنيوية، وهي:
- اللّغة والكلام، الدّال والمدلول، المركب والنّظام، التّقرير والإيحاء (الدّلالة الذّاتية والدّلالة الإيحائية).
ج. سيميـاء الثّــقافـة:
يمثل أنصار هذا الاتجاه المستفيد من الجدلية ومنه فلسفة الأشكال الرمزية عند - كاسيرر-، وتنطلق سيميائية الثّقافة من اعتبار الظّواهر الثّقافية " موضوعات تواصلية وأنساقا دلالية، والثّقافة عبارة عن إسناد وظيفة للأشياء الطّبيعية وتسميتها وتذكرها". ونجد لهذا الاتجاه مؤسّسيين، وأنصار في روسيا (يوري لوتمان- إيفانوف- أوسبنسكي- تودوروف، وفي إيطاليا (روسي- لاندي- وأمبيرتو إيكو).
3. مجــالات التّوظيـف السّيميائـي:
أصبح المنهج السّيميائي يوظّف في مجالات متنوعة، وأداة في معالجة العلامات اللّغوية (الشّعر، الرّواية، والقصة)، وغير اللّغوية (الرّسم، والفن التشكيلي،...)، وأصبح هذا التّحليل مفتاحا لفك الرّموز، وصالحا لمقاربة مختلف الأشكال العلاماتية، ومن مجالات التّوظيف وأعلامه نذكر:
· الشّعر: (مولينو- رومان جاكبسون- جوليا كريستيفا- جيرار دولـودال- ميكائيل ريفاتيـر)
· الرّواية القصّة: ( كريماس- كلودبريموند- بارت- كريستيفا- تودوروف- جيرار جنيت- فيليب هامون).
· الأسطورة والخرافة: (فلاديمير بروب).
· المسرح: (هيلبو- كير- إيلام).
· السّينما: (كريستيان ميتز- يوري لوتمان)
· الإشهار: (رولان بارت- جورج بنينو- جان دوران).
· الأزياء والأطعمة والأشربة والموضة: (رولان بارت).
· التّشكيل وفن الرّسم: (بيير فروكستيل- لويس مارتان- هوبرت داميش- جان لويس شيفر).
· التّواصل: (جورج مونان- برييطو).
· الثّقافة: (يوري لوتمان- تودوروف- بياتيكورسكي- إيفانون- أوسبنسكي- أمبرطو إيكو- روسي لاندي).
· الصّورة الفوتوغرافية: (العدد الأول من مجلة التواصل- رولان بارت).
· القصّة المصورة: (بيير فريزنولد دورييل).
· الموسيقى: (مجلة Musique en jeu في سنوات 1970-1971).
· الفن: (موكاروفسكي).
4. الإشكـالات النّظريـة والتّطبيقيـة:
أ.الإشكـالات النّظريـة:
ومن أبرز الإشكالات النّظرية نجد:
- إنّ السّيميائية باتجاهاتها المتباينة تبقى مجرد اقتراحات أكثر من كونها مجالا معرفيا متميزا.
- الاضطرابات المعرفية والمفهـومية في الحقل السّيميائي والمتمظهـرة في تعـدّد المفاهيم أو المبادئ، وتباين الخلفيات المنهجية والمنطلقات النّظرية لدى أقطابها، والّذي حال بين المعرفة السّيميائية والقارئ.
- مشكلة تعدّد المصطلح، فقد أحصى باحث معاصر وهو – عبد الله بوخلخال- هذا التعدّد، فبلغ به ما يقارب تسعة عشر مصطلحا.
- تباين الرّؤى النّقدية عند أقطاب هذا المنهج، واختلافه من ناقد لآخر، وهذا وفق ما تمليه عليهم إيديولوجياتهم المختلفة.
ب.الإشكاليـات التّطبيقيــة:
إنّ إشكالات النّقد السّيميائي لا تنبثق كلية من تلك الإجراءات التّطبيقية، وإنّما تنبثـق أيضا من قصور المفهوم الّذي يشغله النّقد السّيميائي، لأنّ الإجراء التّحليلـي ما هو إلا معلـول أو نتيجة لعلّـة.
وإنّ لجوء النّقاد إلى استعمال منهج إجرائي آخر إلى جانب المنهج السّيميائي دليل واضح على قصوره وعجزه في تحليل النّصوص، والّذين لجؤوا إلى التّركيب المنهجي، ونجد - مرتاض- يطبّق منهجا مركّبا تصدع به عناوين كتبه ( ألف ليلة وليلة - تحليل سيميائي تفكيكي لحكاية حمّال بغداد، تحليل الخطاب السردي - معالجة تفكيكية سيميائية مركبة لرواية رقاق المدق، أ/ي - دراسة سيميائية تفكيكية لقصيدة أين ليلاي لمحمّد العيد آل خليفة ... )، " إنّ هذا التّضافر بين السّيميائية والتّفكيكية في عملية إجرائية واحدة نعدّه - من دون هوادة - مغالطة نقدية، لأنّها تكشف عن قصور الحقلين ويتمظهر في ذلك التّركيب الاستدعائي بين السّيمياء والتّفكيك، فلو كانت السّيميائية قادرة على استنباط الرّوح الجمالية للنص ما كان مثل هذا الاستدعاء".