Section outline

  • التعليمية والفلسفة.

    تطرح الفلسفة مشكلة جوهرية تتعلق بإمكانية اعتبارها مادة تعليمية،  فتعليم الفلسفة مهمة صعبة، بل تبدو أحيانا أمرا غريبا، فمن يقول بتعليم الفلسفة “إنما هو من يجهل ماهيتها، لأن “هذا الاعتقاد يجعل انفتاح العقل على التفكير الحرّ يتحوّل مباشرة إلى مادة دراسية يصعب تحديد موضوعها؛ لأن الفلسفة “لا تلقّنكونها ليست علما بعد،: “

    عند الفيلسوف الألماني" كانط " "إننا لا نستطيع تعلّم الفلسفة”، وهو القول الذي نفهم منه أن "كانط"  يقرّ بلا علمية طابع الفلسفة، وأن العلم الذي نستطيع تعليمه وتعلّمه إنما هو العلم الحقيقي المكتمل، أما الفلسفة على حدّ قوله فليست فكرا مكتملا ” لا يمكننا تعلم الفلسفة لأنها لم توجد بعد”. ولئن كانت المواد العلمية و الأدبية ذات قيمة علمية وعملية  مؤكد  نجاعتها، ففائدة الفلسفة -على خلاف هذه المواد- لا تكمن في مضمونها، لكنها تتجلى في تنمية العادات الفكرية و الملكات الذهنية المرتبطة بطرق تحليل المعلومة، وبنقدها و الكشف عن مختلف علاقاتها و مستويات تكونها، لذلك تعتبر الفلسفية أداة للتفكير.
    إن الفلسفة  من منظور كانط  : مهمتها عند طالبيها  إثارة روح النقد فيهم وتدريبهم عليها وترقية فعاليتها لديهم، اعتقادا منه أن التلاميذ في قسم الفلسفة لا يتعلمون الأفكار، لأن الأفكار في نظره دائما ما تأتي في غير أوانها، وتحد من حرية العقل وانطلاقه، كما أنها تقلص حركة الفكر عوض إيقاظه وتحريره، ومن هذه الوجهة يتبين أن دور المدرسة لا يكمن في تلقين الطلاب الأفكار الموجودة، وإنما في إعدادهم بما يمكّن عقولهم من إنتاج الأفكار التي لا وجود لها، ما يعني أن المدرسة لا تعلّم الطلاب الفلسفة وإنما التفلسف.

    يتبين لنا أنه يتعذر على الفرد تعلّمها، إذ لو كانت الفلسفة موجودة لكان شأنها شأن العلوم الأخرى، ولأمكن تعلمها، ومن ثمة توظيفها وترجمتها إلى واقع ملموس الأثر في الحياة. أما أن تكون الفلسفة لا تتعدى مجرد فكر  ،وعليه فكانط يمييـز بين المعرفة التاريخية والمعرفة العقلية، علما أن الأولى معرفة بالتواريخ والثانية معرفة بالمبادئ، حيث لا يمكن اعتبار من يلـمّون بفلسفة غيرهم فلاسفة، لأن معرفته هؤلاء تظل في حد ذاتها تاريخية، طالما لا تتعدى إطار ما تلقوه عن طريق الرواية والنقل أو التعلّم ، أي طلما لا تتعدى هذه المعرفة ذلك الإلمام الخارجي الذي يحرزونه من فكر خارجي، والذي لا يغير بشيء من واقع قدراتهم الاستيعابية علما أن المعرفة التاريخية تُتلقـى من الخارج، بدلا من أن تصدر من الداخل، أي من العقل المفكر ذاته.
    هذا، التقابل بين ما هو تاريخي ( هنا يمكن الاستئناس بموقف فريديريك هيجل )وما هو عقلي، أي بين المعرفة كركام من الحقائق القابلة للإثراء والترقية عبر “التقليد” وبين العمل الفلسفي ، فلا تعدّ معرفته إلا معرفة تاريخية ، لن يعرف أكثر مما أعطي أو تعلّم، ولن يحكم إلا من خلاله، حتى أنه لو عارضه بعضهم في بعض من التعاريف مثلا، ما وجد لاستبداله بآخر سبيلا بحكم انتسابه لغيره. ما يؤكد أن القدرة على التقليد والمحاكاة غير القدرة على الاكتشاف، لأن معرفة المقلّد، مهما كانت عقلية وموضوعية، لا تحصل نتيجة تفاعل الفكر، ولذلك تظل بذاتها تاريخية.

    خاتمة:

    إن "الفلسفة لا تعلم" لأنها ليست علما بعد، كما سيقةل هوسرل؛ فقد "كان يحلو لكانط القول إننا لا نستطيع أن نتعلم الفلسفة وإنما فقط التفلسف. وهذا إن كان يعني شيئا، فهو الإقرار بالطابع اللاعلمي للفلسفة، فبقدر ما يكون العلم علما حقيقيا، بقدر ما نستطييع تعليمه وتعلمه، وهذا ينطبق على جميع المجالات.