Section outline

  • الفلسفة والدولة

    الفلسفة والدولة :

     

     إن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ويلهم لا تدوم على وتيرة واحدة، ومنهاج مستقر، إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة، وانتقال من حال إلى حال، وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار؛ فان ذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول"  لذلك فإن الدولة تبقى مؤسسة دائمة التعرض للتبدل والتغيير . وعليه يعتبر مفهوم الدولة من أبرز المفاهيم التي شغلت حيزًا واسعًا من النقاش الفلسفي على مدى العصور، منذ الوقت الذي فكَّر فيه الإنسان في الطريقة المثلى لتجاوز حالة الحيوانية التي ابتدأ بها وجوده في الأرض، وفي قول لأرسطو "إن السياسة هي فن تدبير الشأن"، يجعلنا نبحث عن خطوط الوصل بين الفلسفة والسياسية والآلية التي من خلالها يتم تدبير ذلك الشأن، وقد تباينت مواقف الفلاسفة في هذا الموضوع، ولكن يمكن القول بأن الدولة في الفلسفة تستمد مشروعيتها عن طريق الالتزام بمبادئ العقود المبرمة بين أفراد المجتمع، والتي تهدف إلى تحقيق المصالح العامة المتمثلة بحماية حقوق الأفراد ككائناتٍ عاقلة، أو تلك المتمثلة في تحقيق السلام والأمن الاجتماعي.

    و الدولة هي تنظيم سياسي للمجتمع، وشكل من أشكال المؤسسات الإنسانية التي تتميز عن الفئات والمؤسسات الأخرى من خلال الغرض الخاص بها، وأساليبها المطبقة من خلال النظام والقوة، وأقاليمها أي المناطق الخاضعة لها وحدودها الجغرافية، وسيادتها، وقد يختلف مفهوم الدولة باختلاف المنظور الذي ننظر من خلاله، لذا في هذا المقال سنلقي الضوء على مفهوم الدولة في الفلسفة.

    بعض نظريات الفلاسفة حول الدولة:

    افلاطون:

     

    تعتبر جمهورية (أفلاطون) أساسا متينة، ومصدرا مهمة، لكل المدن الفاضلة التي كتب عنها الفلاسفة من بعده، ونلاحظ أن أفلاطون على الرغم من أنه كان يسعى إلى تكوين شعب سعيد ينعم بالحرية والرفاهية

    ومع أن كتابه عرف بجمهورية أفلاطون الفاضلة؛ إلا أنه كاد يخصص لتربية رئيس المدينة، أفلاطون كان يهدف إلى تربية الملك الفيلسوف؛ لأن التجمعات البشرية في رأيه تسعد إذا حكم الملك الفيلسوف، وإذا كان من الصعب إيجاد الملك الفيلسوف فلا بد بأن يتفلسف الملوك.

     

    حيث يتوجب أن يتزود حكام المدينة بالحكمة، كي يدير الحاكم شؤون الدولة على الوجه الأكمل، وهكذا نجد أن الفلاسفة بعد أفلاطون - أعطوا لرأس الدولة الأهمية القصوى، حيث اعتبر (أرسطو) الإنسان مدنية بالطبع، بينما قال الفارابي إن الإنسان دعت الحاجة إلى الاجتماع، وليس بالطبع والفطرة، والهدف من ذلك هو إسعاد الفرد والمجتمع.

     وأيضا أعطى صفات أخلاقية يجب على الحاكم أن يتمتع بها؛ أما (مكيافيللي) فقد أعطى الحق للأمير بالتصرف المطلق، فيما أوجب (هوبز) على الناس أن يتنازلوا عن حرياتهم للملك، وكان ل (جان جاك روسو) رأي آخر عندما قال بأن المجتمع تنازل عن حرياته لرئيس الدولة وفق عقد اجتماعي . 



     

    موقف أرسطو

    يعتبر أرسطو أن الإنسان كائن مدني-سياسي- بطبعه، بصفته كائناً لا يقدر على العيش بعيداً عن جماعته الاجتماعية؛ ومن المفروض عليه الانخراط في مؤسسات العائلة والدولة، وبما أنه كان لزاماً في المنظور الأرسطي بأن يتقدم الكل على الجزء، فإن فكرة الدولة سبقت وجود الإنسان داخل الأسرة؛ فالدولة هي التي تؤمن الاكتفاء الذاتي والعيش الرغيد، ومن ثم فغايتها تحصيل الخير والسعادة لجميع الأفراد، وتأمين حياة يسودها الخير والعدل والمساواة، فقال: "إن الدولة من الأمور الطبيعية، والإنسان من طبعه حيوان مدني".

    موقف ابن خلدون

    يصرح ابن خلدون بأن السياسة اعتدال، ويؤكد بأن الممارسة السياسية في الدولة ليست تسلطاً أو استبداداً من طرف الحاكم تجاه محكوميه، بل هي رفق وتوسط واعتدال، على أثره تنبني العلاقة بين السلطان والرعية على الصلح والعدالة اللذين يخدمان مصلحة الطرفين، فمصلحة الرعايا في الحاكم في استقطابه إليهم، وفي لينه وحكمته، لا في استبداده واحتكاره، وتسلطه الذي يفسد حياة الناس وأحلامهم، فتمحي محبتهم للسلطان، وتصبح علاقتهم به مبنية على الخداع والمكر والكذب عوضاً عن الصدق واللطافة والمحبة، ويقول ابن خلدون في مقدمته: "إن الملك إذا كان قاهراً باطشاً بالعقوبات، منقباً عن عورات الناس وتعديد ذنوبهم، شملهم الخوف والذل، ولاذوا منه بالكذب والمكر والخديعة... وإذا كان رفيقاً بهم متجاوزاً عن سيئاتهم استناموا إليه ولاذوا به، وأشربوا محبته".

    موقف فريدريك هيجل

    ترى فلسفة هيجل أن الدولة هي غاية في ذاتها، لأنها تجسد الروح المطلق، والإرادة العامة العقلية والحرة والكلية، فهي التي تحرر الفرد من الانزواء حول ذاته وحول مصلحته الفردية، وهي التي تضمن الارتقاء من الفردي نحو العام والكوني، وأنها حقيقة روح العالم، فقال هيجل "إن الدولة هي التحقق الفعلي للفكرة الأخلاقية الموضوعية".

    خاتمة:

    وهكذا نجد أن الفلاسفة هم الذين استوعبوا الازدهار الثقافي المحيط بهم، وتلقوا معطيات الحضارة الإنسانية، ثم فكروا بإنقاذ ما يمكن إنقاذه، مما يرون أمامهم من تخلف وتفكك، وانحطاط واستبداد؛ ليقدموا ما تجود به أنفسهم من اقتراحات تحت اسم المدينة الفاضلة