المحاضرة 03
Résumé de section
-
كثيرا ما تعاب الفلسفة فى تساؤلاتها وطرائقها ،وحتى غاياتها ،خاصة إذا ما قورنت بالعلم فالكثير يرى فيها كثرة كلام و تأملات تسرف فى بلوغ المطلق و الإبتعاد عن الواقع.هذا ما أفقد الفلسفة بعض مجالاتها لصالح العلم لكن هذا لا ينفى قيمة الفلسفة بل "إن من إسهامات الفلسفة فى خدمة العلم هو تطوير أساليب مناهج البحث فيه"[1] وهذا ما تجسد من خلال العلوم الإنسانية التى تستعصى الدراسة التجريبية فالإنسان يتضمن جوانب تستعصى قياسها كميا ،كالأحوال النفسية والجوانب الأخلاقية ، فالتساؤلات التى أثارتها الفلسفة فى جوانب العلم المختلفة مهدت لظهور مناهج علمية جديدة خاصة فى علم النفس وعلم الإجتماع.
ورغم هذه الإسهامات فهي لم تعزز ثقة الناس بالفلسفة والفلاسفة ،فالعلم والتطبيقات التكنولوجية غزت حياة الناس وغيرتها ،مما أدى الى إنعزال الفلسفة عن العالم الواقعي، وهو ما يعكس عيوب المذاهب الفلسفية التى أفنت عمرها فى البحث في اللامتغير والحقيقة المطلقة، ومن هنا وجب على الفلسفة " أن تنزل من برجها العاجي لتبحث فى هذه الحياة التى نعيشها وفى مشكلاتها"[2] فعلى الفلسفة إذن ان تعكس وجهة نظر الفيلسوف المستخلصة من ثقافة ونظم المجتمع ومختلف مؤسساته وأحداثه وتطوراته، لأن الفيلسوف مرآة عاكسة لما هو سائد فى عصره.
فالعالم ليس مجرد ظواهر طبيعية متغيرة بل هو ايضا عالم يتضمن قيما عليا كالحق والخير والجمال، وهى قيم ثابتة والتقابل بين العالمين يفرض على الفلسفة"أن تتغير ماهيتها وأن تتغير وظيفتها لكى تعيش هذا العالم"[3] وهو ما سيجعلها أكثر انتاجا وحيوية وتأثيرا ،فإتصالها بالحياة الإجتماعية والإنسانية يجعل منها نشاطا علميا تعالج تجارب وخبرات الإنسانية بالتحليل والنقد لتقف على عمق المشكلات التى تشكل حياة الناس عندها تكون الفلسفة"نشاط حر غير نفعي ،إنها حرة فبعد زوال قلق الحاجة تعزز الروح بذاته ،ترفعه وتثبته" [4]وبالتالي يمكن القول أن للفلسفة أهدافا نذكر منها :
فهم الكون وظواهره وتقديم تفاسير حول أصله وتطور ه كما "تسعى إلى معرفة طبيعة الأشياء ودراسة مشكلة السلوك الإنسانى ومعالجة القيم "[5] لتصل بالانسان إلى السعادة ، وتؤسس لمعارف واضحة ويقينية وقيم ثابتة ومعايير سليمة.
توضيح الأمور العالقة عند الإنسان ،و إزالة الغموض واللبس عن مدركاته ومعارفه كما انها تتجاوز بالإنسان مرحلة الشك والظن لتصل به إلى اليقين .
لهذا "فالفلسفة هى التى جعلت الناس يفسرون ظواهر الكون، ويميزون بين الخطإ والصواب وبين الخير والشر وبين النفع والضر ، ومنحتهم قيما ومقاييس يسيرون عليها فى حياتهم وبذلك تطوروا وا رتفعو ا من مستوى الحيوانية إلى مستوى الإنسانية"[6].
كل هذا ما جعل الفلسفة متعددة الوظائف، خاصة ما تعلق بالحياة الإجتماعية والثقافية ،حتى ان بعض الفلاسفة كسقراط وأفلاطون وغيرهما إتخذوها أداة للدفاع عن أفكارهم السياسية والقيم السائدة، لأجل المحافظة على الوضع القائم أنذاك فاعتبرت الفلسفة فى كثير من الأحيان قوة ثورية ،في محاولاتها استخدام المعارف العلمية لفهم كامل وعميق للعالم ،وهذا ما عكسته الماركسية او البراجماتية فامتدت الفلسفة إلى مختلف التجارب والخبرات الإنسانية، بالتحليل و التفسير، مما أدى الى امتزاج الفلسفة بالتربية ،وظهور فلسفة خاصة تعرف بالفلسفة التربوية جمعت بين التنظير والتطبيق.
هيجل، تر (خليل احمد خليل)، محاضرات فى تاريخ الفلسفة. المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، بيروت، لبنان، ط1، 1986ص43-[4]
[6] - شبل بدران ،فاروق محفوظ ،لاسس الفلسفية للتربية ،مرجع سابق ص147
منذ العصور الأولى لبداية التفكير الإنساني ظهرت الفلسفة وصاحبها نظر وتأمل في مختلق القضايا الاجتماعية، لكن تجسدت على وجه الخصوص مع ظهور الحضارات العظيمة في الشرق والغرب، مثل حضارات واد الرافدين والشرق الأدنى، وحضارات آسيا كالهند والصين، وحضارات البحر الأبيض المتوسط المصرية واليونانية والرومانية خصوصا حيث ارتبطت بالفكر الاجتماعي الذي يعتبر قاسما مشتركا بينها وبين علم الاجتماع. واستمرت في التطور مع الحضارة اإلاسلامية وفي العصر الحديث حيث يذهب كثير من الفلاسفة إلى القول بأنها شهدت ظهورها الحقيقي مع فلسفة التنوير مع جون لوك، جون جاك رسو وغيرهم وتطورت في الفلسفة المعاصرة مع كثير من الفلاسفة والفلسفات.
أ: التفكير الاجتماعي في الحضارات القديمة:
1ـــــ الحضارة المصرية: عرف المصريون القدامى المدينة بوصفها وحدة سياسية قبل اليونان, وكانت مدنهم تتمتع باستقلال ذاتي وهي عبارة عن مراكز اجتماعية وتجارية, كما كان التصاقهم باألرض كبيرا نتيجة الطبيعة الزراعية التي قامت على نهر النيل.
تأثر النظام الاجتماعي عند المصريين القدماء بما يلي:
.1 الطبيعة الريفية الزراعية. .2 نظام الأسر الحاكمة. .3 نظرية الإله الحاكم. .4 نظرية الطبقات وقد احتلت قدرا كبيرا من تفكيرهم, وقد كان لها ارتباط سياسي كبير إذ كانت تشير إلى وجود طبقتين تمثل الأولى الطبقة المقدسة وتشمل الفرعون وكهنته, وطبقة العامة وتشمل الجند والزراع والتجار.
وقد أخذت الطقوس الدينية قسطا واسعا من حياة المصريين القدماء, كما كان لها أشد الأثر في حياتهم العامة وسلوكهم الاجتماعي. وعلى العموم يمكن القول أن الطابع العام للتفكير في هذه الحضارة كان دينيا.
2 ـــــ الحضارة الهندية: ارتكزت الفلسفة الاجتماعية على أساس الإيمان بالعالم الآخر وإهمال الحياة الدنيا بشكل تام )تصوف ديني(, وعلى عدم المساواة بين الأفراد, كما تعتبر نظرية وحدة الوجود أساسا للفلسفة الهندية أجمع.
3ـــــ الحضارة الصينية: تعتبر الفلسفة الصينية فلسفة إنسانية بحتة تستند إلى العقل للوصول إلى سعادة الإنسان وتخاطب الأفراد مباشرة وال تكترث بالدين كثيرا. ومن ابرز رواد الفلسفة الصينية الكونفوشيوسية المتمثلة بكونفوشيوس وتلميذه ماشيوس . وتستمد الكونفشيوسية مادتها من الخالق. وكان يعزو كونفوشيوس ما يعتري المجتمع من فوضى واضطراب إلى ضعف البواعث األاخلاقية وانتشار التيارات الفلسفية والشكية التي أثارها مفكرون سابقون ,
ب: التفكير الاجتماعي عند اليونان : يعتبر اليونانيون أول من قام بالأبحاث الاجتماعية المنظمة في التاريخ، وأشهر فلاسفتهم أفلاطون وأرسطو.
1ـــــ أفلاطون: وأهم كتبه في السياسة كانا الجمهورية والقوانين ؛ فالجمهورية الذي تدور آراؤه حول أسس المدينة الفاضلة والتربية الاجتماعية في المدينة والحكومة المشرفة على المدينة، وقد عدل من آرائه في كتابه القانون حيث يخفف من اتجاهه إلى الشيوعية, ويشيد بفضل الأسرة كما يدعو إلى تعزيز الروابط العائلية. وكان منهجه عقلي تأملي.
2ـــــ أرسطو: يعتبر أرسطو أدق من كتب في الفلسفة الاجتماعية من بين ما كتب من الفلسفة القديمة, ومن أشهر آثاره كتاب السياسة الذي يعتبر المرجع في الوقوف على نظرياته وآرائه. وقد اتبع أرسطو أسلوبا مغايرا ألأسلوب أفلاطون حيث اعتمد الواقع أساسا لدراسته وتحليله للوصول إلى نتائج منطقية وليس التصور التخيلي.
ت: التفكير الاجتماعي عند الرومان: سيطرت فيه الفلسفة الرواقية، والنظرة األاخلاقية الدينية. فالقانون عندهم كما عند الرواقيون وهو القول المسطور أو الوحي المنزل, وأول قاعدة في القانون الروماني هي القاعدة التي تقتضي بان يعيش الإنسان على مقتضى ما هو فاضل.
وقد اعتبر البعض دخول الرواقية وامتزاجها مع التشريع الروماني انتصار للروح اليونانية الإنسانية على تزمت القوانين اللاتينية, وتفوق لأساليب اللين على أساليب العنف والعنت.
ث: في القرون الوسطى:
في الفلسفة المسيحية : تدور الفلسفة المسيحية حول فكرة واحدة هي المساواة بين الأفراد فليس هناك أغنياء وفقراء, سادة وعبيد, أحرار وأرقاء, فاهلل خلق الناس ليكونوا متساويين. وقد حمل هذا الآباء لشن حملة ضد الملكية الخاصة ونظام الرق لما فيهما من مخالفة للقوانين الإلهية التي تدعو إلى المساواة. • وتتبلور هذه الأفكار بوضوح عند فلاسفة المسيحية ويمثلها في القرون الأولى أوغسطين, وفي القرون الوسطى سان توماس وفي عصر اإلاصلاح الديني يمثلها حنا كلفن.
في الفلسفة الاسلامية: يمكننا الحديث عن فلسفة اجتماعية عند المسلمين، وإن كانت انقسمت إلى قسمين: قسم اعتبر امتداد للفلسفة األافلاطونية واألاسكندرانية مع أفلوطين خاصة. حيث يعتبر الفارابي وابن سينا أهم ممثليها. وقسم ثاني مع ابن خلدون وفلسفته الواقعية، حيث خط لنفسه طريقا
جديدا، كان بداية لفلسفة اجتماعية جديدة، أهم ما يميزها الواقعية على عكس التصورات المثالية والعقلية واللاهوتية التي سبقته. وقد وضع أفكاره هذه في المقدمة.
ج: في العصر الحديث: نشأت الفلسفة الاجتماعية –حسب فرانك فيشباخ - بفرنسا على يد جان جاك روسو، سان سيمون و أوغست كونت. وقد استعادها الهيجيليون الشباب، وقد اختفت من فرنسا، لكنها استمرت في ألمانيا وانقسمت إلى عدة مدارس. وقد أدخلت مفاهيم العصر لها... وأهم خصائصها تجريدها من الطابع الديني. وتبنيها الطرح الوضعي.
ح: في العصر الراهن: يمثلها جملة من الفلسفات والفلاسفة من أهمها الماركسية مع ماركس وأنجلز، والوضعية مع دوركايم. وقد حولت الماركسية قضايا الاجتماع من طابعها المثالي إلى الطابع المادي، مثلما حولت المنهج الجدلي الهيغلي من طابعه المثالي إلى الطابع المادي، و كان نتيجة تطبيق قوانين الجدل )الدياليكتيك( في مجالات الاجتماع الإنساني والدة ما يسمى المادية التاريخية وهي التي تعبر عن جوهر الفلسفة الاجتماعية الماركسية، حيث أنه حسب النظرة الماركسية فإن ما يسمى بالبناء الفوقي هو انعكاس للبناء التحتي، وبالتبسيط تعتبر الماركسية أن البناء الفكري واألاخلاقي للمجتمع هو انعكاس طبيعة العالقات الاقتصادية السائدة في المجتمع وتعبر بشكل أو بآخر عن الطبقة السائدة.
أما بالنسبة للوضعية الاجتماعية مع دوركايم، فقد ماثلت بين الظاهرة الاجتماعية والظاهرة الفيزيائية، واعتبرتها قابلة للدراسة مثلها باعتماد التفسير الوضعي، أي تفسير ظاهرة بظاهرة. كما اعتمدت منهجا علميا دقيقا قوامه الملاحظة والتجربة، والقانون، ولكن بتكييفها مع طبيعة الموضوع الاجتماعي. كما جعلت القيمة األاخلاقية موضوعا علميا، باعتبار أن مصدرها المجتمع، فحسب دوركايم: "ليس هناك سوى قوة أخلاقية واحدة تستطيع أن تضع القوانين للناس هي المجتمع".